المعاد والعظام البالية

البريد الإلكتروني طباعة

المعاد والعظام البالية

أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا

كان المنكرون يؤكِّدون على العظام البالية وانّه كيف يمكن إحياؤها ؟ ويعبِّرون عنها بتعابير مختلفة ، فتارة يقولون : ( مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) (1) ، وأُخرى : ( أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ) (2) ونظيرها في الآية 98 ، وثالثة : ( أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ). (3)

إلىٰ غير ذلك من الآيات التي تعبر عن شبهاتهم بأنّ العظام البالية لا يمكن إعادة الحياة فيها ، يقول سبحانه حاكياً عنهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ). (4)

وقد أجاب الذكر الحكيم عن تلك الشبهة التي ليست ـ في الواقع ـ إلا استبعاداً لا برهاناً بهدايتهم إلىٰ خلق الإنسان والنبات من التراب.

تجلّي القيامة في خلق الإنسان والنبات

إنّ الإنسان يرى بأُمّ عينيه في كلّ يوم نموذجاً مصغراً من البعث في خلق الإنسان ونمو الأشجار وتفتح الأزهار.

أمّا الأوّل فيعطف نظر المنكر إلى أنّ بدء خلق الإنسان هو التراب ، فالله سبحانه بقدرته ومشيئته أضفى على ذلك التراب حياةً ونمواً وصورة إلىٰ أن صار إنساناً ، فهو سبحانه قادر علىٰ أن يضفي علىٰ ذلك التراب أيضاً مثلما أضفىٰ على الأوّل.

وأمّا الثاني فالإنسان طيلة حياته يرى بأُم عينيه إحياء الأرض وتفتَّح البراعم والأزهار على الأشجار ، فالأرض بحركتها تُحيي ما كان ميتاً في فصل الشتاء ، فالقادر علىٰ إحياء الأرض قادر على إحياء الموتىٰ. ترى ذينك البيانين بوضوح في الآيات التالية :

قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ). (5)

ترى أنّه سبحانه يذكر في المقطع الأوّل خلق الإنسان من تراب ، ثمّ يسرد المراحل التي مرّت على خلق الإنسان ، ويذكر في المقطع الثاني اهتزاز الأرض بعد ان كانت هامدة وإنباتها من كلّ زوج بهيج ، ثمّ بعد ذلك يرتب عليه إمكان إحياء الموتىٰ ، ويقول :

( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ). (6)

وقد جاء ذلك البيان في القرآن غير مرّة ، فيذكر حياة الأرض واهتزازها عقب هطول المطر وظهور الثمار على الأشجار بعد سباتها ، ثمّ يذكر إحياء الموتىٰ ، يقول سبحانه : ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ). (7)

ويقول سبحانه أيضاً : ( وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ). (8)

فهذه الآيات تذكر الإنسان نماذج من إحياء الموتى ، كخلق الإنسان من تراب وإحياء الأرض بالنبات والأشجار حتى يمحو تلك الشبهة العالقة في ذهنه.

الهوامش

1. يس : 78.

2. الإسراء : 49.

3. النازعات : 11 ـ 12.

4. النمل : 67.

5. الحج : 5.

6. الحج : 6 ـ 7.

7. الأعراف : 57.

8. الزخرف : 11.

مقتبس من كتاب : مفاهيم القرآن / المجلّد : 8 / الصفحة : 51 ـ 54

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية