حقيقة الروح وتجرّدها

البريد الإلكتروني طباعة

حقيقة الروح وتجرّدها

حقيقة الروح غامضة

من الحقائق المسلّمة أن روحك التي بين جنبيك هي أقرب الأشياء إليك وأشدّها لصوقاً بك ، إلّا أن حقيقتها غيبية مجهولة ، لم يستطع العقل البشري أن يتوصل إلى معرفة أسرار كنهها واستجلاء ماهيّتها.

ومن هنا تعدّدت آراء الفلاسفة ونظريّات المتكلّمين في ماهية الروح ، وهل هي عرض أو جوهر (1) ، وفي نشأة الروح وهل هي قديمة أو حادثة ، وفي علاقة الروح بالبدن ومحلّها منه وتعلّقها به ، وفي خلودها بعد الموت ، وحقيقة سعادتها وشقاوتها ، وغيرها من المباحث الكثيرة (2).

وقد أعرضنا عن ذكر أقوالهم وآرائهم المختلفة مكتفين ببحث معاني الروح الواردة في التنزيل العزيز والسنّة المطهرة ، وبذكر ما قيل في تجرّد الروح عن ماهيّة المادّة وصفاتها ، واستقلالها خالدةً بعد الموت رغم اضمحلال البدن وتلاشيه ، لما لهذا البحث من أثر في معرفة حقيقة المعاد.

الروح في القرآن والحديث

غاية ما قيل في الروح : إنّها ما يقوم به الجسد ، ويقوى على الإحساس والحركة والإرادة ، ولفظها في اللغة يذكر ويؤنث (3). وقد تكرّر ذكرها بهذ المعنى وغيره في آيات كثيرة مكيّة ومدنيّة ، وفي ما يلي نذكر بعضها مرتّبةً حسب معانيها ، مع ما جاء فيها من الحديث والأثر :

1 ـ الروح التي هي سبب الحياة : قال تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) (4) وللمفسّرين في هذه الآية عدّة أقوال (5) ، أظهرها أن المراد بها روح الحيوان التي بها قوام الجسد ، ويساعد على ذلك سبب النزول (6) ، وبعض الحديث الوارد عن أهل البيت عليهم السلام.

منه ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر الباقر ، أو أبي عبدالله الصادق عليهما السلام قال : سألته عن قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ... ) ما الروح ؟ قال : « التي في الدواب والناس ». قلت : ما هي ؟ قال : « هي من الملكوت من القدرة » (7).

ويستفاد من أقوال المفسرين في معنى قوله تعالى : ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) عدّة معانٍ ، أشهرها :

الأوّل : أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم سئل عن ماهية الروح ، فأجابت الآية بكون الروح من سنخ الأمر ، ثمّ عرّف سبحانه أمره في قوله : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (8) فبيّن أن أمره تعالى من الملكوت ومن القدرة ، وهو قوله للشيء ( كُن ) ، وهي كلمة الإيجاد والحياة التي يلقيها إلى الأشياء فتكون ويحييها بمشيئته ، دون توسط الأسباب الكونيّة الأخرى بتأثيراتها التدريجيّة ، ومن غير اشتراط قيد الزمان والمكان ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) (9) فاتّضح أن الآية قد بيّنت أنّ ماهية الروح من سنخ الأمر الذي ذكرناه (10).

الثاني : أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم سئل عن ماهية الروح ، فأجابت الآية : ( الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) أيّ ممّا استأثر ربّي بعلمه ، ولم يُطلع عليه أحداً (11).

الثالث : أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم سئل عن الروح ، أهي قديمة أو حادثة ، فأجابت الآية : ( الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) أيّ من فعله وخلقه ، فأراد أن الروح حادثة تحصل بفعل الله وتكوينه وإيجاده (12).

ويساوق معنى الروح في الآية المتقدّمة ، قوله تعالى في خلق آدم عليه السلام : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (13) ، وقوله تعالى في خلق عيسى عليه السلام : ( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ) (14). وقوله سبحانه : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (15) ، فالروح هنا تعبير عن القوّة الخفيّة التي بها سرّ الحياة ، وعن سرّ الروح الإلهي الذي يحوّل الجماد إلى كائن حيّ ، وقد خصّ تعالى روح آدم وعيسى عليهما السلام بالذكر ، لأن خلقهما على غير جري العادة في سائر الخلق ، وأضاف لفظ الروح إليه سبحانه إضافة تشريفية تعبّر عن الإختصاص بالإكرام والتبجيل والتعظيم ، كما أضاف البيت إليه في قوله : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ) (16).

2 ـ الروح بمعنى جبرئيل عليه السلام : قال تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ) (17) والمراد به جبرئيل عليه السلام (18) ، ووصفه تعالى بالأمانة والطهارة في قوله تعالى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ ) (19) وقوله تعالى : ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ ) (20) وجاء عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في تفسيرها أنه قال : « هو جبرئيل ، والقدس الطاهر » (21) وإضافة الروح إليه سبحانه في الآية الاُولى للتشريف مع إشعار بالتعظيم (22).

3 ـ الروح بمعنى مخلوق أعظم من الملائكة : يبدو من الآيات والروايات أنّه مخلوق سماوي رفيع المكانة عند الله سبحانه ، وأنّه تعالى يوكل إليه المهمّات المرتبطة بالغيب والوحي ، بمفرده أو مع الملائكة ، في الدنيا أو في الآخرة ، قال تعالى : ( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ ) (23) ، وقال : ( تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) (24) ووصف هذا المخلوق في الروايات بأنّه خلق أعظم من الملائكة (25) ـ أو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل ـ كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو مع الأئمّة عليهم السلام (26).

عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ... ) (27) قال : « خلق من خلق الله ، أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يخبره ويسدّده ، وهو مع الأئمّة من بعده » (28).

4 ـ الروح بمعنى الإيمان : قال تعالى : ( وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ) (29) وقد روي عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام أنّ المراد بالروح في هذه الآية الإيمان (30).

وعن أبي بكير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إذا زنا الزاني فارقه روح الإيمان ؟ » قال عليه السلام : « هو قوله تعالى : ( وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ) ذلك الذي يفارقه » (31). وروي عن الإمام الصادق عليه السلام نحوه (32).

وقيل : إنّ كلامه تعالى على ظاهره يفيد أنّ للمؤمنين وراء الروح البشريّة التي يشترك فيها المؤمن والكافر روحاً اُخرى تفيض عليهم حياةً اُخرى ، وتصاحبها قدرة وشعور جديدان ، وإلى ذلك يشير قوله تعالى : ( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) (33).

5 ـ الروح بمعنى الكتاب والنبوّة : قال تعالى : ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (34) وقال تعالى : ( يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (35) روي عن الإمام الباقر عليه السلام في الآية الاُولى قال : « بالكتاب والنبوّة » (36).

وقيل : إنّما اُطلق لفظ الروح هنا على النبوّة والدين والوحي وغيرهما ممّا تحصل بها حياة الأرواح والعقول ، لأن بها تحصل معرفة الله تعالى ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله ، والأرواح إنّما تحيا بهذه المعارف (37).

تجرّد الروح

المراد بالروح ما يشير إليه الإنسان بقوله أنا ، أو ما يسمّى بالنفس الناطقة (38) ، والمراد بتجرّدها هو عدم كونها عنصراً ماديّاً ذا انقسام وزمان ومكان (39) ، وكون حكمها غير حكم البدن وسائر التركيبات الجسميّة الاُخرى (40).

وتلك مسألة ذات علاقة بخلود الروح ، وهي من أكبر المسائل الفلسفيّة التي تنازعتها الفلسفات المتضاربة بالإيجاب والسلب قروناً متمادية ، لأنّها أعلق المسائل وأمسّها بقلب الإنسان ، وأكثرها علاقة بشأنه ، إذ هي مُطْمَأنّ آماله عندما ينقطع عن عالم الحسّ. وكان النزاع على أشدّه بين الماديين المنكرين لخلود الروح ، وبين القائلين بتجرّد الروح وخلودها ، وفي ما يلي نذكر طرفاً من مقالات المذهبين وبعض أدلّتهم :

1 ـ الماديّون : اختلفت أقوال الماديين في محلّ الروح من الجسد وفي أقسامها ، ولهم مذاهب مختلفة في ذلك (41) ، لكنهم جميعاً اعتبروا الإنسان هو هذا الهيكل المحسوس ، وليس ثمة وجود مستقلّ عن المادّة يسمّى بالروح ، بل هي من خواصّ الجسد ، وتخضع لجميع القوانين التي تحكمه ، ومجموع ظواهر الشعور والعقل والإرادة والفكر ، ما هي إلّا وظائف عضوية مثلها كمثل جميع الوضائف البدنيّة الاُخرى ، وكذا الآثار الفكريّة والمعرفية عندهم ما هي إلّا نتائج وآثار فيزيائيّة وكيميائيّة للخلايا العصبيّة والعقليّة ، وجميع تلك الآثار والنشاطات الروحة تظهر بعد ظهور العقل والجهاز العصبي ، وتموت بموت الجسد ، فإذا مات الإنسان بطلت شخصيّته ، واندثر بدنه ، وزال معه كلّ ما بلغه من محصول عقلي وارتقاء نفسي وكمال روحي (42).

وتجاهلت الفلسفة الماديّة الحديثة كلّ الخصائص والآثار الروحيّة التي لا تخضع لقانون المادّة ، وأعلنت أنّ الروح ومظاهرها من الشعور والعلم لا وجود لها كوحدة متميّزة عن جسم الإنسان المادي ، وإنّما هي في ذاتها وظيفة له ونتيجة لعلاقته بالعالم الخارجي ، وأنّ الأفكار والأماني لا توجد إلّا من خلال عمليّة ماديّة ، كحصول الحرارة نتيجة احتكاك قطعتين من الحديد مثلاً ، وأنّ جميع الخصائص التي يتمتّع بها الإنسان ما هي إلّا نتيجة لردّة فعل للعالم الخارجي ، على نحو ما قاله ( بافلوف ) في نظريّته حول ( الفعل المنعكس الشرطي ) ، وأنّ الوعي بمختلف مظاهره ليس إلّا نتاج مادّة عالية التنظيم ، أيّ نشاط الدماغ ووظيفته.

وقالوا : إنّ الماديّة الجدليّة ترفض تصوّر أنّ الروح شيء قائم في استقلال عن المادّة ، فما هو روحي هو وظيفة المادة في أعلى أشكالها العضويّة نتيجة النشاط العملي والإجتماعي (43).

وتمسّك الماديون في الدلالة على مذهبهم القائم على إنكار الروح ، بجملة افتراضات غارقة في الغموض وتفسيرات واهية لا تملك أدنى رصيدٍ من الإثبات (44).

2 ـ القائلون بالتجرّد : كانت غالب الاُمم القديمة تعتقد بوجود الروح وخلودها ، كالهنود والمصريين وأهل الصين وفارس واليونان وفلاسفتهم وشعرائهم ، وكان سقراط وإفلاطون يعتقدان أنّ الروح جوهر خالد موجود منذ الأزل ، وعندما يكتمل الجنين في بطن اُمّه تتعلق به الروح ، ثمّ تعود بعد الموت إلى محلّها الأول ، ويرى إفلاطون أن هناك روحين : إحداهما الروح العاقلة وهي الخالدة ومحلّها الدماغ ، والاُخرى غير خالدة ولا عاقلة ، وهي قسمان : غضبيّة ومستقرّها الصدر ، وشهويّة ومكانها البطن.

وذهب أرسطو إلى الإعتقاد بحدوث الروح مع حدوث البدن ، فعندما يتكامل البدن توجد الروح دون أن تكون لها سابقة حياة قبل حدوثها ، وعدّ ثلاثة صنوف من الأرواح منبثّة في مجموع البدن ، وهي : الروح العاقلة ـ أو النفس الناطقة ـ وهو يقول بتجرّدها ، والروح الحاسّة أو الحيوانيّة ، والروح الغاذية ، ولا يقول بتجرّد الأخيرتين (45).

واهتم ديكارت ( ت ١٥٦٠ ) بتمييز الروح عن الجسم ، وتحديد خصائص كلّ منهما ، فاعتبر الروح جوهراً أخصّ صفاته الفكر ، ولا يتصوّر فيه إمكان التجزّي والإنقسام وعدم التجانس في أجزائه ، واعتبر الجسم جوهراً أخصّ صفاته الإمتداد ، ومن أحواله الصورة والحركة ، ويقبل الإنقسام والتجزّي والتغيّر بطبيعته (46).

وأقوال فلاسفة الغرب القدامى والمحدّثين في الروح كثيرة ، نكتفي بما ذكرناه منها.

أمّا علماء وفلاسفة المسلمين فقد قال الشيخ الصدوق : الإعتقاد في الروح أنّه ليس من جنس البدن ، وأنّه خلق آخر لقوله تعالى : ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (47) ، وإذا فارقت الأبدان فهي باقية ؛ منها منعّمة ، ومنها معذّبة إلى أن يردّها الله تعالى بقدرته إلى أبدانها (48).

وقال نصير الدين الطوسي : النفس جوهر مجرّد ، وقال العلّامة الحلّي في شرحه : اختلف الناس في ماهية النفس ، وأنّها هل هي جوهر أم لا ، والقائلون بأنّها جوهر اختلفوا في أنّها هل هي مجرّدة أم لا ، والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلّمين كبني نوبخت من الإماميّة ، والمفيد منهم ، والغزالي من الأشاعرة أنّها جوهر مجرّد ليست بجسم ولا جسماني (49) ، متعلّقة بالجسم تعلّق التدبير والتصرّف ..

وذهب إلى هذا الرأي أيضاً الراغب الأصفهاني والفخر الرازي من الأشاعرة ، ومعمر بن عباد السلمي من المعتزلة ، ويؤيّده العلّامة الحلّي والشيخ البهائي من الإماميّة وغيرهم كثير (50) ، وادّعى بعض المتأخّرين أنّه يستفاد التجرّد من كثير من الأخبار (51).

وكان ابن سينا يؤمن بتجرّد القوّة العاقلة فقط ، لكن صدر المتألهين الشيرازي يؤمن أن جميع القوى الحيوية للإنسان لها وجهة مادية ووجهة تجرّدية ، وأن جميع القوى المادية للإنسان ترافقها قوى مجرّدة بحيث إن الإنسان عندما يموت لا ينفصل عنه العقل لوحده ، بل العقل والخيال والذاكرة والباصرة والسامعة. (52)

 أدلّة القائلين بالتجرّد

استدلّ كثير من فلاسفة المسلمين ومتكلّميهم على كون الروح مجرّدة عن صفات البدن وأعراضه ، ولا تفنى بالموت ، بل تبقى خالدة ، إمّا في نعيم وسعادة ، أو في جحيم وشقاوة ، بأدلّة نقليّة وعقليّة كثيرة نذكر منها :

أولاً ـ الأدلّة القرآنية ، وهي تشتمل على ما يلي :

1 ـ الآيات القرآنيّة الدالّة على أنّ أرواح الشهداء والصدّيقين لا تموت بموت البدن ولا تفنى بفنائه وتبدد أجزائه ، بل تبقى في عيش هنيء ونعيم مقيم ، كقوله تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) (53) ، وقوله تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... ) (54) وقوله تعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (55) فثبت أن الإنسان قد يكون حيّاً بينما جسده في التراب ، وذلك يلزم كون حقيقة الإنسان غير هذا البدن (56).

2 ـ الآيات الدالّة على أن الكفّار يعذّبون في النار بينما أجسادهم في القبور ، كقوله تعالى : ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ... ) (57) ، وقوله تعالى : ( مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللهِ أَنصَارًا ) (58) فهم أحياء يعذّبون بعد موت أجسادهم ، وذلك يستلزم كون حقيقة الإنسان شيئاً غير هذا الجسد (59).

3 ـ الآيات التي ذكرت مراتب الخلقة الجسمانيّة ، كقوله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ) (60) فأفادت أن الإنسان لم يكن إلّا جسماً تتوارد عليه صور مختلفة متبدّلة ، ثمّ إنّه تعالى لما أراد أن يذكر نفخ الروح قال : ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) أيّ أنشأ هذا الجسم الجامد الخامد خلقاً آخر ذا شعور وإرادة وفكر وتصرف وتدبير إلى غير ذلك من الخواصّ والأفعال التي لا تصدر من الأجسام والجسمانيّات ، وهو تصريح بأنّ ما يتعلّق بالروح جنس مغاير لما سبق ذكره من الصور الجسميّة المتبدّلة الواقعة في الأحوال الجسمانيّة ، وذلك يدلّ على أنّ الروح شيء مغاير للبدن (61).

وكذلك قوله تعالى في خلق الإنسان : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ) (62) وقوله تعالى في خلق آدم عليه السلام : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (63) فلمّا ميّز تعالى بين التسوية ـ وهي خلق الأعضاء والأبعاض الجسميّة ـ وبين نفخ الروح ، دلّ ذلك على أنّ جوهر الروح شيء مغاير لجوهر الجسد (64).

4 ـ الآيات التي ميّزت بين ما هو مادي مضمحلّ من الإنسان ، وبين ما هو حقيقة باقية يتوفّاها الله إليه ، كقوله تعالى : ( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ) (65) وهي تدلّ على أن الإنسان روح وبدن ، وأن الروح هي التي تسيّر البدن وتدبّره بأمر الله تعالى ، والموت


٦٠
عبارة عن قطع العلاقة بين الروح والبدن ، وأنها بعد ذلك تذهب إلى خالقها. فهو تعالى يقبض النفس عند موت الجسد وعند منامه ، فتبقى التي قضى عليها الموت عند بارئها إلى يوم القيامة ، ويردّ الاُخرى إلى الجسد حتى يحين أمدها المعيّن.
وقيل : إن النَّفْس التي تتوفّى عند النوم هي النفس التي يكون بها العقل والتمييز ، وإذا زالت لا يزول معها النَّفَس ، والتي تتوفّى عند الموت هي نَفْس الحياة التي إذا زالت زال معها النَّفَس ، فقبض النوم يضادّ اليقظة وتكون الروح معه ، وقبض الموت يضادّ الحياة وتخرج الروح معه من البدن (١).
فالإنسان حينما يموت على وفق المنطق القرآني ، فإن ما يقوّم ملاك شخصيته الحقيقية يظلّ باقياً ، وهو الروح ، التي تعدّ حقيقة إرادية واعية فيما يضمحل البدن ويتلاشى(٢).
وما تشتمل عليه هذه الآية من الأخذ والإمساك والإرسال ظاهرٌ في المغايرة بين النفس والبدن (٣) ، لأنّ تلك الخواص قد تفرّدت بها الروح دون الجسد ، فإذا كانت حقيقة الإنسان مادية فلا معنى للأخذ والارسال والامساك.
٥ ـ قوله تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (٤) ،
_____________________
١) مجمع البيان / الطبرسي ٨ : ٧٨١.
٢) الكاشف / مغنية ٦ : ٤١٩ ـ دار العلم للملايين ـ بيروت.
٣) الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٥١.
٤) سورة الإسراء : ١٧ / ٨٥.
٦١
والأمر هو ( كن ) المشار إليه في قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (١) يعنى أن الأمر ومنه الروح دفعيّ الوجود غير تدريجيه ، فهو يوجد من غير اشتراط وجوده وتقييده بزمان أو مكان ، ومن هنا يتبين أن الأمر ومنه الروح شيء غير جسماني ولا مادي ، لأن الموجودات المادية الجسمانية من أحكامها العامة أنها تدريجية الوجود مقيدة بالزمان والمكان ، فالروح ليست بمادية جسمانية (٢).
ثانياً : أدلة السّنة ، وهي كثيرة ، نذكر منها :
١ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلّى عليّ عند قبري سمعته ، ومن صلى عليَّ من بعيد بُلّغته ». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلّى عليَّ مرة صليت عليه عشراً ، ومن صلّى عليَّ عشراً صلّيت عليه مائة ، فليكثر امرؤ منكم الصلاة عليَّ أو فليقلّ ». فبيّن أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد خروجه من الدنيا يسمع الصلاة عليه ، ولا يكون كذلك إلّا وهو حي عند الله تعالى ، وكذلك أئمة الهدى عليهم‌السلام يسمعون سلام المسلّم عليهم من قرب ، ويبلغهم سلامه من بعد ، وبذلك جاءت الأخبار الصادقة عنهم عليهم‌السلام (٣).
٢ ـ روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه وقف على قليب بدر ، فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذٍ وقد اُلقوا في القليب : « لقد كنتم جيران سوء لرسول الله ، اخرجتموه من منزله وطردتموه ، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه ، فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً ، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟ » فقيل له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
_____________________
١) سورة يس : ٣٦ / ٨٢.
٢) تفسير الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.
٣) تصحيح الاعتقاد / المفيد : ٩١ ـ ٩٢ ـ مؤتمر الشيخ المفيد.
٦٢
ما خطابك لهامٍ قد صديت ؟! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فوالله ما أنتم بأسمع منهم ، وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد إلّا أن أُعرض بوجهي هكذا عنهم » (١).
وفي رواية : « ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوني » (٢).
٣ ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خطبة طويلة : « حتى إذا حمل الميت على نعشه ، رفرف روحه فوق النعش ويقول : يا أهلي ويا ولدي ، لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال من حلّه وغير حلّه ، فالغنى لغيري والتبعة عليَّ ، فاحذروا مثل ما حلّ بي » (٣).
٤ ـ وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة ، فصار يتخلّل الصفوف حتى مرّ على كعب بن سورة ... وهو صريع بين القتلى ، فقال : « اجلسوا كعب بن سورة » فاُجلس بين نفسين ، وقال له : « يا كعب بن سورة ، قد وجدت ما وعدني ربي حقاً ، فهل وجدت ما وعدك ربك حقاً ؟ » ثم قال : « أضجعوا كعباً » وفعل مثل ذلك بطلحة بن عبدالله ، فقال له رجل من أصحابه : يا أمير المؤمنين ، ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك ؟! فقال عليه‌السلام : « مه يا رجل ، فوالله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤).
_____________________
١) تصحيح الاعتقاد / المفيد : ٩٢.
٢) السيرة النبوية / ابن هشام ٢ : ٢٩٢ ـ مصطفى البابي الحلبي ـ مصر.
٣) تفسير الرازي ٢١ : ٤١.
٤) تصحيح الاعتقاد / المفيد : ٩٣.
٦٣
٥ ـ وعن حبّه العرني ، قال : خرجت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الظهر ، فوقف بوادي السلام ، كأنّه مخاطبٌ لأقوامٍ ... فقلت : يا أمير المؤمنين ، إني قد أشفقت عليك من طول القيام ، فراحة ساعة ...! فقال لي : « يا حبّة ، إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته » قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنهم لكذلك ؟! قال : « نعم ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون ... » (١).
٦ ـ وعن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن أرواح المؤمنين ، فقال : « في حجرات في الجنة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربنا أقم الساعة لنا ، وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأولنا » (٢).
٧ ـ وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته عن أرواح المشركين ، فقال : « في النار يعذّبون ، يقولون : ربنا لا تقم لنا الساعة ، ولا تنجز لنا ما وعدتنا ، ولا تلحق آخرنا بأولنا » (٣).
ثالثاً : الأدلة العقلية
استدلّ القائلون بتجرد النفس عن صفات المادة بعدّة أدلة عقلية نذكر منها :
١ ـ بديهي أن معلومات الانسان مجردة عن المواد ، فالعلم المتعلق بها
_____________________
١) الكافي / الكليني ٣ : ٢٤٣ / ١.
٢) الكافي / الكليني ٣ : ٢٤٤ / ٤.
٣) الكافي / الكليني ٣ : ٢٤٥ / ١.
٦٤
يكون لا محالة مطابقاً لها ، فيكون مجرداً لتجردها ، فمحله ـ وهو النفس ـ يجب أن يكون كذلك ، لاستحالة حلول المجرد في المادي.
٢ ـ الماديات قابلة للقسمة ، وعارض النفس ـ وهو العلم ـ غير منقسم ، فمحلّه ـ وهو النفس ـ لا بد أن يكون كذلك ، ثمّ إن محلّ العلوم الكلية لو كان جسماً أو جسمانياً لانقسمت تلك العلوم ، لأن الحالّ في المنقسم منقسم ، وانقسام العلوم والمفاهيم الذهنية مستحيل.
٣ ـ إن النفوس البشرية تقوى على أفعال وإدراكات لا تتناهى ، كتعقّل الأعداد غير المتناهية ، والقوة الجسمانية لا تقوى على ما لا يتناهى ، فهي إذن غيرها.
٤ ـ لو كان وعاء العلم هو الدماغ أو غيره من آلات التعقّل ، لكانت كلّ معلومةٍ تضاف إليه تشغل حيزاً منه ، ولأصبحت القابلية العلمية للانسان متناهية ؛ لأن قابلية المادة على استيعاب المعلومات محدودة كالصحيفة التي تمتلئ بالكتابة ، أو القرص الذي يمتلئ بالصوت أو الصورة ، وذلك يعني أن الانسان لو سمح له عمره أن يستوفي كل وعائه العلمي ، فسيصل إلى مرحلة يفقد فيها استعداده للتعلم ، وذلك محال.
قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « كل وعاء يضيق بما جُعل فيه ، إلّا وعاء العلم فإنه يتّسع به » (١) فسعة وعاء العلم بمقدار العلم ذاته ، فوعاؤه إذن غير مادي.
٥ ـ العلم البديهي حاصله أن في ذات الانسان حقيقة ثابتة يشعر بها
_____________________
١) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : ٥٠٥ / الحكمة (٢٠٥).
٦٥
على طول العمر وحتى بعد النشور ، ويعبّر عنها بالأنا ، فلو كان الانسان هو هذا البدن المحسوس لأصبح عرضةً للتبدّل والتغيّر ، ولاُسدل الستار على جميع معلوماته وأفكاره ، ولكان شعوره بالأنا أمراً باطلاً وإحساساً خاطئاً ، لأنّ أجزاء البدن متبدّلة متغيّرة ، ففي كلّ يوم تموت ملايين الخلايا وتحلّ محلّها خلايا جديدة ، وقد حسب العلماء معدل هذا التجدّد ، فظهر أنه يحصل بصورة شاملة في البدن مرة كلّ عشر سنين ، أما بعد الموت فإن البدن يضمحلّ ويتلاشى ، والمتبدّل غير الثابت الباقي ، وعليه فإن ملاك وحدة شخصية الانسان والاساس في ثبات أفكاره ومعلوماته رغم حصول التغير في البناء الجسمي هو الروح.
٦ ـ إن القوى الجسمانية تضعف وتكلّ مع توارد الأفعال عليها ، فإنّ من نظر إلى قرص الشمس طويلاً لا يكاد يدرك في الحال غيره إدراكاً تاماً ، أما القوى النفسانية فإنها لا تضعف بسبب كثرة الأفعال ، بل عند كثرة التعقلات تقوى وتزداد نشاطاً ، فالحاصل لها عند كثرة الأفعال هو ضدّ ما يحصل للقوى الجسمانية عند كثرة الأفعال ، فوجب أن لا تكون جسمانية.
٧ ـ حصول الأضداد في القوى النفسانية وعدم حصولها في القوى الجسمانية ، فإذا حكمنا بأنّ السواد مضادّ للبياض ، وجب أن يحصل في الذهن ماهية السواد والبياض ، والبداهة حاكمة بأن اجتماع الأضداد في الأجسام محال ، فلمّا حصل اجتماعها في القوى النفسانية وجب أن لا تكون جسمانية.
٨ ـ إن المادة الجسمانية إذا حصلت فيها صور ونقوش مخصوصة ، فإن

٦٦
وجود تلك الصور يمنع من حصول غيرها إلّا بعد إزالة الاُولى ، بينما يستوعب التعقّل والتصوّر الذهني الصور المتعاقبة التي يستطيع الإنسان أن يستحضرها أو يتخيلها في لحظة ما بمقدار وجودها الخارجي دون حاجة إلى التدرّج أو مرور الزمان ودون أن يمتلئ المحلّ بها ، فلا بد أن يكون محلها غير ماديّ ولا متحيّز.
رابعاً : أدلة علمية تجريبية
توصّل علماء الغرب إلى نتائج باهرة على صعيد إثبات عالم الروح وصحة خلودها وتجردها عن صفات المادة ، ليس على أساس فلسفي يقوم على النظر والاستدلال ، بل على أساس علمي تجريبي لا يتطرق إليه أدنى شكّ ، فنُسِفت على أيديهم صروح المذهب المادي ، وطُعِن طعنة نجلاء لا يرجى له بعدها شفاء ، وذلك من خلال علمي استحضار الأرواح والتنويم المغناطيسي اللذين فتحا إلى عالم الروح آفاقاً جديدة ، غيّرت الكثير من العلماء الماديين الجاحدين لعالم الروح إلى مؤمنين بعالم الغيب موقنين بخلود النفس.
وكلا العلمين المتقدمين كان معروفاً منذ القدم ، فقد كان يعرفه المصريون القدماء والآشوريون والهنود والرومان وغيرهم ، ولكنه كان لا يتعدّى المعابد ولا يشتغل به إلّا رجال الدين ، وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي شاع هذان العلمان في أمريكا واُوربا ، وانتشرا على نطاق واسع في أنحاء المعمورة ، وأصبحا من العلوم المعترف بها عند أساتذة الجامعات وأساطين الدراسات العالية ، وأضفوا عليهما روحاً علمية جديدة ، وفي ما يلي نذكر طرفاً من الجهود العلمية في كلا العلمين.
٦٧
أولاً : استحضار الأرواح : وهو العلم الذي يتمّ بواسطته الارتباط بالموتى عن طريق استحضار أرواحهم من عالمها ، فتظهر أمام المستحضر وتُحدّثه وتُثبت له بكلّ وضوح أنها روح فلان ، وتجيب على أكثر الأسئلة التي توجه إليها بعقلٍ وحكمة إلى الحدّ الذي استعان بعض العلماء بالأرواح في حلّ ما يجهلونه من مسائل معقدة ، كما تجيب الروح عندما تُسأل عن حالها ومصيرها بعد الموت وماهي فيه من نعيم أو جحيم.
وأثارت هذه الظاهرة دهشة كثير من علماء الطبيعة والطب والفلاسفة وغيرهم من كافة أرجاء المعمورة ، فتواصلت دراساتهم العلمية متلاحقةً ، وأوقفتهم على قضايا مثيرة للانتباه فيما يتعلق بعالم الروح وبقائها وحضورها بعد الموت عن طريق التحقيقات العلمية القائمة على البحث والتجربة والدراسات المستفيضة ، فأقروا هذا العلم ، واعترفوا بخوارق مشاهداته بعد أن قام لهم الدليل الذي لا يتطرق إليه الشك والبرهان الذي يستحيل دحضه ، وقد ذكر وجدي في ( دائرة المعارف ) جدولاً بأسماء مشاهير اُولئك العلماء (١).
كما اُخضعت تلك الدراسات للرقابة العلمية حيث تأسست جمعية في بريطانيا وأمريكا برئاسة الاستاذ هيزلوب عن أمريكا ، والدكتور هودسن عن بريطانيا ، واستمرت تلك الجمعية بالفحص والبحث نحواً من اثني عشر عاماً ، ثمّ أعلنت سنة ١٨٩٩ م أنّها قد اقتنعت بصحة تلك التحقيقات وبكون نتائجها هي من فعل أرواح الموتىٰ.
وتفرّغ كثير من العلماء الماديين من مختلف بلدان العالم للبحث في هذا
_____________________
١) دائرة معارف القرن العشرين / وجدي ٤ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.
٦٨
المضمار ، فاستنتجوا من مجموع التجارب التي أجروها أن للانسان قوة روحية مجردة عن صفات المادة ، ولا تفنى بموت الجسد ، تستطيع التحرك بنشاط وحيوية دون حاجة إلى الجسم الترابي ، فاعتقدوا بخلود الروح بعد أن كانوا جاحدين لها ، ومن هؤلاء : آلفرد روسل دلاس ، والاستاذ كروكس رئيس الجمعية العلمية الملكية البريطانية ، والسير أوليفر لودج عالم الطبيعة ورئيس جامعة برمنجهام ، والدكتور البريطاني جورج سكستون ، والدكتور شامبير ، والدكتور جيمس جللي ، والاستاذ الأمريكي هيزلوب ، والاستاذ البريطاني هودسن ، والفلكي المشهور كاميل فلامريون (١) ، والفيلسوف البريطاني سيرجون كوكس ، والاستاذ الجيولوجي باركس ، وغيرهم كثير ، ولا تزال جهود العلماء تتواصل إلى اليوم لتسجل الحقائق تلو الحقائق عن عالم الروح.
ثانياً : التنويم المغناطيسي : وهو تنويم صناعي يحدثه المتخصّصون بهذا العلم ، فيغطّ المُنوَّم في نوم عميق تتوقّف فيه أعضاؤه عن الحركة والاحساس ، ولا يسمع إلّا صوت مُنوّمه ، ويستسلم لإرادته متأثّراً بأفكاره ، مطيعاً لأوامره دون تردّد ، وتظهر منه نتيجة ذلك خوارق تُثبت أن له روحاً متميزة عن البدن ، فقد تنتقل روحه إلىٰ مناطق بعيدة عن موضع النائم ، وتكشف أسراراً لا يعرفها وهو في حال اليقظة ، وقد يتكلم بلغات لا يتقنها ، ويخبر عن أشياء ليس له أدنى إطلاع بها.
_____________________
١) له كتاب ( المجهول والمسائل الروحية ) توصل فيه إلى عدة نظريات ، منها :
١ ـ الروح موجودة وجود كائن مستقل عن الجسم.
٢ ـ هي متمتعة بخصائص لم تزل إلى الآن مجهولة لدى العلم.
٣ ـ يمكن للروح أن تؤثر أو تتأثر دون مساعدة الحواس وغيرها.
٦٩
وتوجه جملة من أقطاب الفلسفة إلى دراسة النوم مستنيرين بمشكاة العلوم النفسية الحديثة ، فسجّلوا حوادث روحية مدهشة وظواهر عجيبة توصلوا من خلالها إلى نتائج باهرة ، ومن هؤلاء الاستاذ البريطاني ميارس المدرس في جامعة كمبردج ، وصاحب كتاب ( الشخصية الإنسانية ) الذي ذكر فيه عدة مشاهد وتجارب من عالم التنويم المغناطيسي ، واعتبرها من المسائل التجريبية التي لا يمكن تعليلها بعلم وظائف الأعضاء ، بل هي تثبت أنّ الانسان مع تركّبه من جسم مادي يشتمل على سرٍّ روحي يستمدّ وجوده من العالم الروحاني ومن العالم الأرضي ، وتلك هي حقيقة الانسان الكريمة ، على حدّ تعبيره.
وخطا هذا العلم خطوات واسعة في مجال عالم الروح الرحب على أيدي نخبة من العلماء الذين تخصصوا به وحققوا نتائج علمية فائقة تقوم على أساس البحث والتحقيق ، ومنهم العالم البريطاني جيمس برايد ، ونولز ، وشاركو ، وفيليب كارث وغيرهم (١).
ومن مجموع الأدلة التي قدمناها تبين أن شخصية الانسان التي يشار إليها بالأنا ليست بجسم ولا أجزاء من هذا الجسم ، لأن هذه الشخصية تتصف بالعلم والادراك ، ولا تتبدل بتبدّل الجسم والأعضاء ، ولا تخضع لقوانين الزمان والمكان خضوع الجسم لها ، وتتميز بخصائص اُخرى ليست
_____________________
١) راجع : اُصول العقائد في الإسلام / اللاري ٤ : ٨٩ و ٩٢ ـ ٩٤ ـ الدار الإسلامية ـ بيروت ، الحياة بعد الموت / رضا المطوّف السماوي : ٢٩٧ ـ ٣١٥ ـ دار الزهراء ـ بيروت ، دائرة معارف القرن العشرين / وجدي ٤ : ٣٦٥ ـ ٤٠٠ و ١٠ : ٤٠٠ ـ ٤٠٩.
٧٠
من خصائص الجسم والمادة في شيء على ما بيناه.
أما علاقة الجسم والأعضاء بهذه الروح فهي علاقة أدوات وآلات لظهور حركتها وإبراز آثارها وأفعالها ، مع أنعكاس أثر كل منهما على الآخر ، فالخوف والرهبة والسرور والابتهاج تنعكس آثارها على أعضاء الجسم من حيث التقلص وتغيّر اللون وغيرهما ، كما أن ضعف الأدوات أو تلفها يؤثر على النشاط الفكري والعقلي ، وتستمر العلاقة بين الروح وأدواتها المادية في يوم النشور حيث تعاد الروح إلى البدن ، وتكون الجوارح شاهدة على فعل الروح ، كما دلّ عليه صريح القرآن الكريم في عدة آيات ، منها قوله تعالى : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (١).
على أنه لا يمكن الجزم في الأساس الذي تقوم عليه العلاقة المتبادلة بين الروح والجسد ، فهل تقوم على أساس الامتزاج بينهما ، أو على أنهما شيء واحد ، أو على أساس استقلال كل منهما عن الآخر بصورة موضوعية ؟ إنه من أمر ربي وهو العالم بجلية الحال.
المبحث الثاني : حقيقة المعاد
اتفق المسلمون على حقية المعاد وثبوت النشأة الآخرة ، وشاطرهم المحققون من الفلاسفة الرأي في ذلك ، ولكن اختلفوا في كيفية المعاد على قولين :
_____________________
١) سورة النور : ٢٤ / ٢٤.

 

 

 

١) العرض : الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع يقوم به ، والجوهر : ما قام بنفسه ، راجع : تجريد الاعتقاد / نصير الدين الطوسي : ١٤٣ ـ مكتب الاعلام الإسلامي ، دستور العلماء / القاضي الأحمدنگري ١ : ١٩٨ و٤١٨ ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، المقابسات / أبو حيان : ٢٥٩ ـ دار الأدب ـ بيروت.
٢) راجع : الروح / ابن القيم : ١٢٩ و١٥٨ و١٩٥ ـ دار القلم ـ بيروت ، تفسير الرازي ٢١ : ٤٠ ـ ٥٣ ، روح المعاني / الآلوسي ١٥ : ١٥٥ ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، بحار الأنوار ٦١ : ١ ـ ١٥٠ ، دائرة معارف القرن العشرين / محمد فريد وجدي ٤ : ٣٤٠ ـ ٣٤٦ ـ دار الفكر ـ بيروت.
١) راجع : لسان العرب / ابن منظور ـ روح ـ ٢ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤.
٢) سورة الاسراء : ١٧ / ٨٥.
٣) راجع : تفسير الرازي ٢١ : ٣٨ ، روح المعاني / الآلوسي ١٥ : ١٥٢. ، مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٦٧٥ ـ دار المعرفة ـ بيروت ، الميزان / الطباطبائي ١٣ / ١٩٩.
٤) راجع : مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٦٧٤ ، روح المعاني/ الآلوسي ١٥ : ١٥٢.

١) تفسير العياشي ٢ : ٣١٧ / ١٦٣ ـ المكتبة العلمية الإسلامية ـ طهران.
٢) سورة يس : ٣٦ / ٨٢ ـ ٨٣.
٣) سورة القمر : ٥٤ / ٥٠.
٤) راجع : الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٥١ و١٢ : ٢٠٦ و١٣ : ١٩٦ ـ ١٩٨.

١) الكشاف / الزمخشري ٢ : ٦٩٠ ـ نشر أدب الحوزة ، مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٦٧٥.
٢) تفسير الرازي ٢١ : ٣٨ ، مجمع البيان / الطبرسي ٦ : ٦٧٥.
٣) سورة الحجر : ١٥ / ٢٩.
٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩١.
٥) سورة النساء : ٤ / ١٧١.
٦) راجع : تصحيح الاعتقاد / المفيد : ٣٢ ـ نشر مؤتمر الشيخ المفيد ـ قم ، مفردات الراغب ـ روح ـ : ٢٠٥ ، روح المعاني / الآلوسي ١٥ : ١٥٦ والآية من سورة الحج : ٢٢ / ٢٦.
١) سورة مريم : ١٩ / ١٧.
٢) تفسير القمي ٢ : ٤٨ ـ دار الكتاب ـ قم.
٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٩٣ ـ ١٩٤.
٤) سورة النحل : ١٦ / ١٠٢.
٥) تفسيرالقمي ١ : ٣٩٠.
٦) الميزان / الطباطبائي ١٤ : ٣٦.
٧) سورة النبأ : ٧٨ / ٣٨.
٨) سورة القدر : ٩٧ / ٤.
٩) بصائر الدرجات / الصفار : ٤٨٤ / ٤ ـ مؤسسة الأعلمي ـ طهران.

١) تفسير القمي ٢ : ٤٠٢.
٢) سورة الشورى ٤٢ : ٥٢.
٣) الكافي / الكليني ١ : ٢١٤ / ١.
٤) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.
٥) الكافي / الكليني ٢ : ١٢ / ١ ، و ١٣ / ٥.
٦) الكافي / الكليني ٢ : ٢١٣ / ١١.
٧) قرب الاسناد / الحميري : ١٧ ـ مكتبة نينوىٰ ـ طهران.

١) تفسير الميزان / الطباطبائي ١٩ : ١٩٧ ، والآية من سورة الأنعام : ٦ / ١٢٢.
٢) سورة النحل : ١٦ / ٢.
٣) سورة غافر : ٤٠ / ١٥.
٤) تفسير القمي ١ : ٣٨٢.
٥) تفسير الرازي ٢١ : ٣٨ ، وراجع مصطلح الروح في : الإنباء بما في كلمات القرآن من أضواء / الكرباسي ٣ : ١١٠ ـ ١١٣ ـ مطبعة الآداب ـ النجف ، مفردات الراغب ـ روح ـ : ٢٠٥ ، المصباح المنير / الفيومي ـ روح ـ ١ : ٢٩٥ ، لسان العرب ـ روح ـ ٢ : ٤٥٥ ـ نفس ـ ٦ : ٢٣٣.
٦) الأربعين / البهائي : ٤٩٩ ـ جماعة المدرسين ـ قم.
٧) تفسير الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٦٤ ، المعاد / المطهري : ٢٢٤ ـ مؤسسة أُمّ القرى.

١) تفسير الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٥٠.
٢) راجع : بحار الأنوار ٦١ : ٧٣ ـ ٧٧ عن شرح المواقف والصحائف الالهية.
٣) راجع : دائرة معارف القرن العشرين / وجدي ٤ : ٣٣٠ ، الأدلة الجلية في شرح الفصول النصيرية / عبدالله نعمة : ١٧٨.

١) الأدلة الجلية في شرح الفصول النصيرية / عبدالله نعمة : ١٨٤ ـ ١٨٥.
٢) راجع : تفسير الرازي ٢١ : ٥٢ ـ ٥٣ ، تفسير الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٦٥ ـ ٣٧٠ ، دائرة معارف القرن العشرين / وجدي ٤ : ٣٣٢ ، التفسير الأمثل ٩ : ١٠٥ ـ ١٠٧ ـ مؤسسة البعثة ـ بيروت.

١) راجع المعاد / مطهري : ١٦٨ ـ ١٦٩ ـ مؤسسة أُم القرى ، روح المعاني / الآلوسي ١٥ : ١٥٧ ، دائرة معارف القرن العشرين / وجدي ٤ : ٣٢٤ ـ ٣٢٦.
٢) دائرة معارف القرن العشرين / وجدي ٤ : ٣٢٧.

١) الاعتقادات / الصدوق : ٥٠ ، والآية من سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٤.
٢) الاعتقادات / الصدوق : ٤٧.
٣) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد / العلامة : ١٩٥.
٤) انظر : المسائل السروية / الشيخ المفيد : ٥٩ ـ مؤتمر الشيخ المفيد ـ قم ، الأربعين / البهائي : ٤٩٩ ـ ٥٠٠ ، بحار الأنوار / المجلسي ٦١ : ١٣ و ٧٥ ـ ٧٦ ، تفسير الرازي ٢١ : ٤٥ ، روح البيان / الآلوسي ١٥ : ١٥٦ ، دائرة معارف القرن العشرين / وجدي ٤ : ٣٣٨.

١) حق اليقين / عبدالله شبر ٢ : ٤٨.
٢) راجع : المعاد / مطهري : ١٦٩ ـ ١٧٠ ، فلسفتنا / الشهيد الصدر : ٣٣٥ ـ دار التعارف ـ بيروت.
٣) سورة البقرة : ٢ / ١٥٤.
٤) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩.

١) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٦ ـ ٣٠.
٢) راجع : الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٥٠ ، تفسير الرازي ٢١ : ٤٠ ـ ٤١.
٣) سورة غافر : ٤٠ / ٤٥ ـ ٤٦.
٤) سورة نوح : ٧١ / ٢٥.
٥) راجع : تفسير الرازي ٢١ : ٤٢.
٦) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٢ ـ ١٤.

١) راجع : تفسير الرازي ٢١ : ٥١ ، تفسير الميزان / الطباطبائي ١ : ٣٥٢.
٢) سورة السجدة : ٣٢ / ٧ ـ ٩.
٣) سورة الحجر : ١٥ / ٢٩ ، وسورة ص : ٣٨ / ٧٢.
٤) تفسير الرازي ٢١ : ٥١.
٥) سورة الزمر : ٣٩ / ٤٢.

 

 

مقتبس من كتاب : [ المعاد يوم القيامة ] ، الصفحة : 47 إلى 71

 

أضف تعليق

الروح

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية