صفة الجنة وأهلها ونعيمها

البريد الإلكتروني طباعة

صفة الجنة وأهلها ونعيمها

فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين

صفة الجنة : وهي الدار التي أعدّها الله سبحانه لمن عرفه وعبده من المتقين والمؤمنين والصالحين ، ونعيمها دائم لا انقطاع له ، وهي دار البقاء ، ودار السلامة ، لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ، ولا مرض ولا آفة ، ولا زوال ولا زمانة ، ولا غمّ ولا همّ ، ولا حاجة ولا فقر ، وهي دار الغنى والسعادة ، ودار المقامة والكرامة ، لا يمسّ أهلها فيها نصب ، ولا يمسّهم فيها لغوب ، ولهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وهم فيها خالدون ، وهي دار أهلها جيران الله وأولياؤه وأحبّاؤه ، وأهل كرامته (1).

أهل الجنّة : ( أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (2).

وصف القرآن الكريم الفائزين بالنعيم المقيم والملك العظيم ، بأنّهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، والذين اتقوا ربهم ، والذين آمنوا بالله ورسله ، وأطاعوا الله ورسوله ، والذين صبروا ابتغاء وجه الله ، وأقاموا الصلاة ، وانفقوا مما رزقهم الله سرّاً وعلانية ، والصديقون والشهداء ، والذين اتّبعوا هدى الله ، والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله ، والذين خافوا مقام ربهم ونهوا النفس عن الهوى ، والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، والذين هاجروا في سبيل الله ثم قُتِلوا أو ماتوا ، وعباد الله المخلصون ، والذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين ، ويتبعهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم المؤمنين ، وكلّ أواب حفيظ ، من خشي الرحمن بالغيب ، وجاء بقلب سليم (3).

وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصف ما كان عليه أهل الجنة في الدنيا ، وذلك فيقوله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) (4) قال عليه السلام : « قد اُمِن العذاب ، وانقطع العتاب ، وزُحزحوا عن النار ، واطمأنّت بهم الدار ، ورضوا المثوى والقرار ، الذين كانت أعمالهم في الدنيا زاكية ، وأعينهم باكية ، وكان ليلهم في دنياهم نهاراً ، تخشّعاً واستغفاراً ، وكان نهارهم ليلاً توحّشاً وانقطاعاً ، فجعل الله لهم الجنة مآباً ، والجزاء ثواباً ، وكانوا أحق بها وأهلها ، في ملك دائم ، ونعيم قائم » (5).

أقسام المقيمين فيها : ذكر الشيخ المفيد أن الساكنين في الجنة على ثلاثة أضرب ، وهم :

1 ـ من أخلص لله تعالى ، فذلك الذي يدخلها على أمانٍ من عذاب الله.

2 ـ من خلط عمله الصالح بأعماله السيئة ، وكان يسوّف منها التوبة ، فاخترمته المنية قبل ذلك ، فلحقه خوف من العقاب في عاجله وآجله ، أو في عاجله دون آجله ، ثم سكن الجنة بعد عفو الله أو عقابه.

3 ـ من يتفضّل عليه الله سبحانه بغير عملٍ سلف منه في الدنيا ، وهم الولدان المخلدون ، الذين جعل الله تعالى تصرّفهم لحوائج أهل الجنة ثواباً للعاملين ، وليس في تصرّفهم مشاقّ عليهم ولا كلفة ، لأنّهم مطبوعون إذ ذاك على المسارّ بتصرفهم في حوائج المؤمنين (6).

صفة نعيم الجنة : حُفّت الجنة بأنواع اللذات والنعم ، ولأهلها فيها نعيم مقيم وسرور دائم ، ولهم فيها كلّ ما يشاءون وجميع ما يشتهون ، قال تعالى : ( فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) (7) وقال سبحانه : ( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) (8).

وفي الجنة ما لا تحيط بوصفه الكلمات وما لم يسمع به بشر مما أعدّه الله سبحانه لعباده المتقين ، قال تعالى : ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (9) .

وفي الحديث القدسي : « قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر » (10).

اللذائذ الحسية : ثواب أهل الجنة الالتذاذ بالمآكل والمشارب ، والمناظر والمناكح ، وما تدركه حواسهم مما يُطبعون على الميل إليه ، ويدركون مرادهم بالظفر به (11).

وفيما يلي وصف لبعض تلك اللذائذ وفقاً لما جاء في الكتاب الكريم :

1 ـ المأكل والمشرب : يُرزَق أهل الجنة بغير حسابٍ رزقاً كريماً واُكلاً وافراً ، ليس له نفاد ، مما تشتهيه أنفسهم من أنواع الطعام والشراب ، ولهم فيها فاكهة كثيرة ممّا يتخيّرون ، لا مقطوعة ولا ممنوعة ، دانية عليهم ظلالها ، وذللت لهم قطوفها تذليلاً (12).

ولهم فيها شراب طهور ، ويسقون خمرةً مختومةً بالمسك ، لا تحدث صداعاً ، ولا تذهب عقلاً ، ولا لغو فيها ولا تأثيم ، ويطاف عليهم بكأسٍ منها بيضاء لذيذة ، ممزوجة بأنواع الطيب كالكافور والزنجبيل ، وفيها أنهار كثيرة وعيون ، منها أنهار من ماءٍ غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه ، وأنهار من خمرٍ لذّة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفّى ، ويشربون من أعذب العيون كالتسنيم والسلسبيل ، ويقال لهم : كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون (13).

2 ـ الملابس والحُليّ : وفي الجنة يرفل المؤمنون بثيابٍ خضرٍ من أرقّ أنواع الحرير والديباج ، كالسندس والاستبرق ، ويُحلّون فيها بأساور من ذهبٍ ولؤلؤ وفضّة (14).

3 ـ التمتّع بالمناظر : ويتمتّعون بالمناظر الخلّابة وهم متكئون على الأرائك المنصوبة على أطراف الأنهار المتصلة الجريان ، وتحت الظلال الوارفة الدائمة ، لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ، ينظرون إلى المياه المسكوبة ، والعيون الجارية ، وحدائق النخل والأعناب والرمان الغنّاء ، وأفنانها المتهدّلة بمختلف الأثمار (15).

4 ـ التمتّع بالقصور وأثاثها : يدخل المؤمنون جناتٍ واسعة عرضها السماوات والأرض ، وأبوابها مشرعة لهم ، وتحرسها الملائكة المتأهّبة لاستقبالهم ، ولهم فيها درجات متفاضلات بعضها فوق بعض ، بحسب خيرية العمل ، في قصور الجنة وغرفها ، وفيها مساكن طيبة في جنات الخُلد العالية ، وغرف من فوقها غرف مبنية ، تجري من تحتها الأنهار ، وهم يفترشون بسطاً حساناً من العبقري ، بطائنها من استبرق ، ومتكئون على وسائد خضر مصفوفة مرفوعة ، حال كونهم متقابلين ، ويطاف عليهم بصحاف من ذهبٍ ، وآنية من فضة ، وأكواب وأباريق وكؤوس بما اشتهت أنفسهم (16).

5 ـ الولدان المخلّدون : ويتمتّع أهل الجنة بالخدمة المتصلة من الغلمان المخلدين الذين جعلهم الله سبحانه في منتهى الجمال والصفاء وحسن المنظر ، قال تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ) (17).

6 ـ الأزواج والحور العين : ولهم في الجنة أزواج مطهّرة من الحور العين مقصورات في الخيام ، قد جعلهنّ الله عُرباً ؛ متحببات إلى أزواجهنّ ، قاصرات الطرف عليهم دون غيرهم ، كواعبَ أتراباً في العمر ، أبكاراً لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، ساحرات الجمال ، فكأنهنّ الياقوت والمرجان ، أو كأمثال اللؤلؤ أو البيض المكنون (18).

اللذائذ الروحية : وفوق ذلك يتمتع أهل الجنة بنعيم روحي أو عقلي ، يتمثّل برضوان الله تعالى ومغفرته ورحمته بهم ، وإحساسهم بالسرور لترحيب الملائكة بهم ، ولسعادتهم الدائمة ، والشعور بالأمن من خوف العذاب والحزن وكلّ مظاهر اللغو والكذب والتأثيم والتحاسد والتباغض (19).

الهوامش

1. الاعتقادات / الصدوق : 76 ، تصحيح الاعتقاد / المفيد : 116.

2. سورة المؤمنون : 23 / 10 ـ 11.

3. راجع : سورة البقرة : 2 / 25 و 38 ، سورة آل عمران : 3 / 198 ، سورة النساء : 4 / 13 و 69 ، سورة التوبة : 9 / 20 ، سورة الرعد : 13 / 22 ـ 24 ، سورة طه : 20 / 75 ، سورة الحج : 22 / 58 ، سورة الصافات : 37 / 40 ، سورة غافر : 40 / 8 ، سورة الزخرف : 43 / 69 ، سورة الأحقاف : 46 / 13 ـ 14 ، سورة الفتح : 48 / 17 ، سورة ق : 50 / 31 ـ 33 ، سورة الطور : 52 / 21 ، سورة الحديد : 57 / 21 ، سورة النازعات : 79 / 40.

4. سورة الزمر : 39 / 73.

5. نهج البلاغة / صبحي الصالح : 282 ـ الخطبة ( 190 ).

6. تصحيح الاعتقاد / المفيد : 116 ـ 117.

7. سورة الزخرف : 43 / 71.

8. سورة ق : 50 / 35.

9. سورة السجدة : 32 / 17.

10. كنز العمال / المتقي الهندي 15 : 778 / 43069 ، بحار الأنوار / المجلسي 8 : 191 / 168.

11. تصحيح الاعتقاد / المفيد : 117.

12. راجع : سورة الرعد : 13 / 35 ، سورة الحج : 22 / 50 ، سورة يس : 36 / 57 ، سورة ص : 38 / 54 ، سورة غافر : 40 / 40 ، سورة فصلت : 41 / 31 ، سورة محمد : 47 / 15 ، سورة الطور : 52 / 22 ، سورة الرحمن : 55 / 52 ، سورة الواقعة : 56 / 21 و 28 ـ 33 ، سورة الدهر : 76 / 14 ، سورة المرسلات : 77 / 42.

13. راجع : سورة الصافات : 37 / 45 ـ 47 ، سورة محمد : 47 / 15 ، سورة الطور : 52 / 19 و 23 ، سورة الواقعة : 56 / 17 ـ 19 ، سورة الإنسان : 76 / 5 ـ 6 و 17 ـ 18 و 21 ، سورة المرسلات : 77 / 43 ، سورة المطففين : 83 / 25 ـ 28.

14. راجع : سورة الحج : 22 / 23 ، سورة الكهف : 18 / 31 ، سورة فاطر : 35 / 33 ، سورة الدخان : 44 / 53 ، سورة الدهر : 76 / 12 و 21.

15. راجع : سورة الرعد : 13 / 35 ، سورة يس : 36 / 56 ، سورة الرحمن : 55 / 68 ، سورة الواقعة : 56 / 30 ، سورة الدهر : 76 / 13 ، سورة المرسلات : 77 / 41 ، سورة النبأ : 78 / 32.

16. راجع : سورة آل عمران 3 : 133 ، سورة الأنفال : 8 / 4 ، سورة التوبة : 9 / 72 ، سورة المؤمنون : 21 / 103 ، سورة العنكبوت : 29 / 58 ، وسورة الصافات : 37 / 43 ـ 44 ، سورة ص 38 / 50 ـ 51 ، سورة الزمر : 39 / 20 ، سورة الزخرف : 43 / 71 ، سورة الطور : 52 / 20 ، سورة الرحمن : 55 / 54 ، سورة الواقعة : 56 / 15 ـ 18 و 34 ، سورة الصف : 61 / 12 ، سورة الدهر : 12 / 14 ـ 16 ، سورة الغاشية : 88 / 10 ـ 16.

17. سورة الدهر : 76 / 19.

18. راجع : سورة يس : 36 / 56 ، سورة الصافات : 37 / 48 ـ 49 ، سورة ص : 38 / 52 ، سورة الدخان : 44 / 54 ، سورة الطور : 52 / 20 ، سورة الرحمن : 55 / 56 ـ 58 و 72 ، سورة الواقعة : 56 / 22 ـ 23 و 35 ـ 37 ، سورة النبأ : 78 / 33.

19. راجع : سورة آل عمران : 3 / 15 و 136 ، سورة التوبة 9 / 72 ، سورة الحجر : 15 / 47 ـ 48 ، سورة مريم : 19 / 62 ، سورة فاطر : 35 / 34 ـ 35 ، سورة يس : 36 / 55 ، سورة الزمر : 39 / 73 ، سورة الدخان : 44 / 56 ، سورة 47 / 15 ، سورة الطور : 52 / 18 ، سورة المجادلة : 58 / 22 ، النبأ : 78 / 35 ، سورة الغاشية : 88 / 11.

مقتبس من كتاب : المعاد يوم القيامة / الصفحة : 136 ـ 142

 

أضف تعليق

الجنّة والنار

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية