عقيدة الشيعة الإماميّة في التقيّة

البريد الإلكتروني طباعة

عقيدة الشيعة الإماميّة في التقيّة

قال العلّامة الكبير الشيخ محمّد رضا المظفّر (1) :

روي عن صادق آل البيت عليهم‌ السلام في الأثر الصحيح :

« التقيّة ديني ودين آبائي » و « من لا تقيّة له لا دين له ». وكذلك هي :

لقد كانت التقيّة شعاراً لآل البيت عليهم‌ السلام دفعاً للضرر عنهم ، وعن أتباعهم ، وحقناً لدمائهم ، واستصلاحاً لحال المسلمين ، وجمعاً لكلمتهم ، ولما لشعثهم ، وما زالت سمة تعرف بها الإماميّة دون غيرها من الطوائف ، والأمم ، وكلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر على نفسه ، أو ماله بسبب نشر معتقده ، أو التظاهر به لا بدّ أن يتكتّم ، ويتّقي مواضع الخطر. وهذا أمر تقتضية فطرة العقول.

من المعلوم أنّ الإماميّة وأئمّتهم لاقوا من ضروب المحن ، وصنوف الضيق على حريّاتهم في جميع العهود ما لم تلاقه أيّة طائقة ، أو أمّة أخرى ، فاضطرّوا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقيّة بمكانة المخالفين لهم ، وترك مظاهرتهم ، وستر عقائدهم ، وأعمالهم المختصّة بهم عنهم ، لما كان يعقب ذلك من الضّرر في الدنيا.

ولهذا السبب امتازوا « بالتقيّة » وعرفوا بها دون سواهم.

وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها ، وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة.

وليست هي بواجبة على كلّ حال ، بل قد يجوز ، أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحقّ ، والتظاهر به نصرة للدين ، وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالأموال ، ولا تعزّ النفوس.

وقد تحرم التقيّة في الأمور التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم ، أو بإفشاء الظلم والجور فيهم ـ أو السبب بتفريقهم ، وتمزيق شملهم ـ.

وعلى كلّ حال ليس معنى التقيّة عند الإماميّة أنّها تجعل منهم جماعة سرّية لغاية الهدم ، والتخريب ، كما يريد أن يصوّرها بعض أعدائهم غير المتورّعين في إدراك الأمور على وجهها ، ولا يكلّفون أنفسم فهم الرأي الصحيح عندنا.

كما أنّه ليس معناها أنّها تجعل الدين ، وأحكامه سرّاً من الأسرار ، لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإماميّة ، ومؤلّفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام ، ومباحث الكلام ، والمعتقدات قد ملأت الخافقين ، وتجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أية أمّة أن تدين بدينها.

بلى : إنّ عقيدتنا في التقيّة قد استغلّها من أراد التشنيع على الإمامية (2) فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنّهم كان لا يشفي غليلهم إلّا أن تقدَّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي يكفي فيها أن يقال : هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين والعابسيّين بل العثمانيّين.

وإذا كان طعن من أراد أنّ يطعن يستند إلى عدم زعم مشروعيّتها من ناحية دينيّة فإنّا نقول له :

أوّلاّ : إنّنا متّبعون لأئمتنا عليهم‌ السلام ، ونحن نهتدي بهداهم ، وهم أمرونا بها ، وفرضوها علينا وقت الحاجة ، وعندهم من الدين ، وقد سمعت قول الصادق عليه‌ السلام : « من لا تقيّة له لا دين له ».

وثانياً : قد ورد تشريعها في القرآن الكريم ذلك قوله تعالى : ( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) [ النحل : الآية ١٠٦ ].

وقد نزلت هذه الآية في عمّار بن ياسر الّذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفاً من أعداء الإسلام وقوله تعالى : ( إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ). وقوله تعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) [ المؤمن : ٢٨ ] (3).

الهوامش

1. هو : الشيخ محمّد رضا بن الشيخ محمّد بن الشيخ عبدالله آل المظفر النجفي. عالم جليل وأديب بارع.

ولد في النجف الأشرف في الخامس من شعبان سنة ١٣٢٣ هـ بعد وفاة والده بستة أشهر ، فكفله أخواه الشيخ عبدالنبي ، والشيخ محمّد حسن فنشأ عليهما وتعلّم المبادئ ، وقرأ مقدمات العلوم على بعض الأفاضل ، ثمّ حضر في الفقه والأصول على الميرزا محمّد حسين النائيني ، والشيخ ضياء الدين العراقي ، وعمدة استفادته من أخيه الشيخ محمّد حسن المذكور ، وحضر أيضاً في الفلسفة على الشيخ محمّد حسين الأصفهاني عدة سنين ، وأضاف إلى دراسة العلوم الدينيّة ، العلوم الرياضيّة ، ومبادئ العلوم الطبيعيّة ؛ على الطريقة الحديثة .. وأسس « جمعيّة منتدى النشر » عام ١٣٥٤ هـ وانتخب لرئاستها من سنة ١٣٥٧ هـ وجدّد انتخابه في كلّ دورة. وله آثار علميّة جيّدة طبع منها : السقيفة ، المنطق ، عقائد الشيعة ، أصول الفقه وغيرها. توفّي في عام ١٣٨٣ هـ. [ طبقات أعلام الشيعة : نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١ / ٣٧٢ ، ٣٧٣ ].

2. نظراء أحمد أمين المصري صاحب فجر الإسلام. محبّ الدين الخطيب صاحب الخطوط العريضة محمّد مال الله البحريني صاحب الشيعة وتحريف القرآن وما شاكلهم من العلماء في العصر الحاضر : إحسان إلهي ظهير الباكستاني ، وإبراهيم الجبهان الوهّابي وعبدالله محمّد الغريب المصري وغيرهم من أدعياء الإسلام.

3. عقائد الإماميّة ص ٧٢ ، ٧٤ طبعة مصر عام ١٣٧٧ هـ مطبعة نور الأمل شارع القلعة بالقاهرة.

مقتبس من كتاب : [ آراء علماء المسلمين فى التقيّة والصحابة وصيانة القرآن الكريم ] / الصفحة : 33 ـ 36

 

التعليقات   

 
-1 # محمد بن شاهر 2015-03-10 19:36
وللتقيّة أحكام من حيث وجوبها ، وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهيّة.
وليست هي بواجبة على كلّ حال ، بل قد يجوز ، أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحقّ ، والتظاهر به نصرة للدين ، وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالأموال ، ولا تعزّ النفوس.
وقد تحرم التقيّة في الأمور التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين ، أو ضرراً بالغاً على المسلمين بإضلالهم ، أو بإفشاء الظلم والجور فيهم [ أو السبب بتفريقهم ، وتمزيق شملهم].
هذا ما ذكر في أعلاه ، و المسألة حساسة و صعبة جدا و خاضعة للتشخيص و الرؤية الشخصية كون هذا الفعل ضار أو لا ، فكيف بنا أن نشخص عملا قد يختلف فيه اثنين من حيث أنه يضر الطائفة أو لا ؟
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
+3 # السيّد جعفر علم الهدى 2015-05-31 19:10
ورد في التوقيع الشريف « وامّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله ».
وبما انّ تشخيص موارد التقيّة من الاُمور المهمّة فلا بدّ من الرجوع إلى الفقهاء والمجتهدين العدول خصوصاً فيما يرجع إلى الضرر بالنسبة للدين أو المذهب أو لعامّة المسلمين.
نعم في الأمور الشخصيّة كما لو خاف على نفسه من الضرر البليغ فيرجع إلى تشخيص نفسه لأنّه أعرف بظروفه الخاصّة.
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 

أضف تعليق

التقية

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية