عابس بن شبيب

البريد الإلكتروني طباعة

عابس بن شبيب

في زيارة الناحية المقدّسة : « السلام على عابس بن شبيب الشاكري » وكذا في الزيارة الرجبيّة.

كان عابس بن شبيب من الشجعان المعدودين والفرسان المقاتلين ومن الشيعة المخلصين ، وكان رجلاً عابداً (1) متهجّداً يحيي الليل كلّه بالعبادة ، وكان في ولائه لحيدرة الكرّار من الطراز الأوّل.

وعن الحدائق الورديّة : إنّ عابساً من زعماء الشيعة ومن بني شاكر الذين قال فيهم أمير المؤمنين ـ بناءاً على ما نقله نصر بن مزاحم في كتاب صفّين ـ : بنو شاكر لو تمّت عدّتهم لعُبِد الله حقّ عبادته.

وكان عابس من فتيان الصباح وهو شاكريّ وادعيّ يُدعى باسم قبيلته.

قال أبو مخنف : لمّا نزل مسلم دار المختار وبايعه ثمانية عشر ألف مبايع من هؤلاء عابس بن شبيب ، قام فيهم خطيباً وخطبهم خطبة غاية في الفصاحة والبلاغة ثمّ رمى ببصره إلى مسلم عليه السلام وقال :

أمّا بعد ، فإنّي لا أُخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، والله أُحدّثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأُجيبنّكم إذا دعوتم ولأُقاتلنّ معكم عدوّكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله لا أُريد بذلك إلّا ما عند الله.

فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال : رحمك الله قد قضيت ما في نفسي بواجز من قولك ، ثمّ قال : وأنا والله الذي لا إله إلّا هو على مثل ما هذا عليه ... (2).

وقال الطبري (3) : لمّا بايع أهل الكوفة مسلماً وازدحموا على بيعته كتب إلى الحسين كتاباً يحثّه فيه على القدوم ويستعجله ، وأعطى الكتاب عابساً بن شبيب فتناولها عابس وأقبل مع شوذب مولى شاكر إلى مكّة وعادا مع الحسين إلى كربلاء يوم عاشوراء.

وفي بحار الأنوار عن محمّد بن أبي طالب (4) قال : وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر ، وقال : يا شوذب ، ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : ما أصنع ؟ أُقاتل حتّى أُقتَل. قال : ذلك الظنّ بك ، فتقدّم بين يدي أبي عبدالله حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكلّ ما نقدر عليه (5) وإنّما هو الحساب ، فقتدّم فسلّم على الحسين عليه السلام وقال : يا أبا عبدالله ، أما والله ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لفعلت ، السلام عليك يا أبا عبدالله ، أُشهد أنّي على هداك وهدى أبيك (6) ثمّ مضى بالسيف نحوهم.

قال ربيع بن تميم : فلمّا رأيته مقبلاً عرفته وقد كنت شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس ، فقلت : أيّها الناس ، هذا أسد الأُسود ، هذا ابن [ أبي ] شبيب ، لا يخرجنّ اليه أحد منكم ، فأخذ ينادي : ألا رجل ؟ ألا رجل ؟ فقال ابن سعد : أرضخوه بالحجارة من كلّ جنب ، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ثمّ شدّ على الناس ، فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مأتين من الناس ثمّ تعطّفوا عليه من كلّ جانب ، فقُتل (7).

وقت آن آمد که من عريان شوم

 

جسم بگذارم سراسر جان شوم

آنچه غير از شورش و ديوانگى است

 

اندر اين ره روى در بيگانگى است

آزمودم مرگ من در زندگى است

 

چو رهم زين زندگى پايندگى است

تقريب الشعر بالعربيّة :

آن لي أستقبل الموت

 

بعيداً عن سلاحي

أنزع الجسم إلى روحي

 

وريحاني وراحي

أنا في الهيجاء في أهلي

 

وإخوان الكفاح

لا أرى الغربة إلّا

 

في التخلّي عن طماحي

قد خبرت العيش في الموت

 

على وخز الرماح

فهو عيشٌ أبديٌّ

 

لظلام الذلّ ماحي

يلقي الرماح الشاجرات بنحره

 

ويقيم هامته مقام المغفر

ما إن يريد إذا الرماح شجرنه

 

درعاً سوى سربال طيب العنصر

ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا

 

فهدمت ركن المجد إن لم تعفر (8)

جوشن زبر فکند که ما هم نه ماهيم

 

مغفر ز سر فکند که باز نيم خروس

بى خود وبى زره بدر آمد که مرگ را

 

در پيش خويش مى کشم اينک چه نو عروس

رمى بالدرع حرّ لا يبارى

 

ومغفره فقد كان الأُسارا

وجاء إلى القتال بغير درع

 

مجيء الصقر يصطاد الحبارى

فما من حاجة يحميه درع

 

فلم يضمن له الدرع انتصارا

لأنّ الحرب عرشٌ ليس يهوى

 

مطالع حسنها إلّا الغيارى

زره انداخت از تن شير افکن

 

تن خود داد از جرأت بکشتن

شفق كون از غضب روي قمر شد

 

به اندام برهنه حمله ور شد

ز هر سو همچه شير شرزه مى‌تاخت

 

سر دست يا ... بر خاک انداخت

أسدٌ لم يرتضِ الدرع إذا

 

كان للحرب أوار مستعر

صبغ الغيّظ محيا بدره

 

عندما كالشفق القاني انهمر

حاسراً يفتتح الحرب فما

 

ظهر الرجس له إلّا اندحر

وهو لم يرفع على كثرته

 

بحسام ساعداً إلّا انبتر

قلب الحرب على رأس العدى

 

وغدا الأبطال كالنخل انقعر

آنکه مردن پيش چشمش تهلکه است

 

نهى لا يلقوا بگيرد او بدست

آنکه مردن شد مرو را فتح باب

 

شارعوا آمد مرا او را در خطاب

الصلا اى حشر بنيان سارعوا

 

البلا اى مرگ بنيان سارعوا

من ظنّ أنّ الموت مهلكة

 

تنساب لا تلقوا بأنفاسه

من ظنّه خلداً بوارفه

 

تجلّى على أفراح أعراسه

في سارعوا آماله اتّحدت

 

وقضيت على آلام وسواسه

لا تذعر الآلام مهجته

 

أنّى يلوح الذعر في رأسه

* * *

لله قوم إذا ما اللّيل جنّهم

 

قاموا من الفرش للرحمن عبّادا

ويركبون مطايا لا تملّهم

 

إذا هم بمنادي الصبح قد نادى

إذا هم ما بياض الصبح لاح لهم

 

قالوا من الشوق ليت الليل قد عادا

هم المطيعون للدنيا لسيّدهم

 

وفي القيامة سادوا كلّ من سادا

الأرض تبكي عليهم حين تفقدهم

 

لأنّهم جعلوا للأرض أوتادا

وحمل على قطيع الثعالب كالأسد الجائع الفرثان ، وملأ البيداء بجثث القتلى.

قال الربيع بن تميم : يمين الله لقد رأيته أينما ثنى عنان جواده يطّرد بين يديه من الرجال مأتين ولم يزل على هذا الحال يقاتل حتّى أثخنته الجراح من رضخ الحجارة وطعن الأسنّة ، فوقع واحتزّ الكوفيّون رأسه.

قال ربيع بن تميم : فرأيت رأسه في أيدي الرجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته ، وهذا يقول : أنا قتلته ، فأتوا عمر بن سعد ، فقال : لا تختصموا ، هذا لا يقتله سنان واحد ، ففرّق بينهم بهذا القول (9).

كسته القنا حُلّة من دم

 

فأضحت لرآئيه من أرجوان

جزته معانقة الدارعين

 

معانقة القاصرات الحسان

الهوامش

1. عابس بن شبيب بن شاكر بن مالك بن صعب بن معاوية بن كثير بن مالك بن جشم بن حاشد الهمداني الشاكري ، وبنو شاكر بطن من همدان ، هكذا في أُسد الغابة لابن الأثير الجزري. (منه رحمه الله)

عن حميد بن أحمد في كتاب الحدائق الورديّة قال : إنّ عابساً كان من رجال الشيعة وكان رئيساً شجاعاً خطيباً ناسكاً متهجّداً وكانت بنو شاكر من المخلصين بولاء أهل البيت خصوصاً أمير المؤمنين عليه السلام وفيهم يقول عليه السلام يوم صفّين : بنو شاكر لو تمّت عدّتهم ألفاً لعُبِد الله حقّ عبادته وكانوا من شجعان العرب وكانوا يُلقَّبون « فتيان الصباح » وقيل لعابس : الشاكر الوادي. (منه رحمه الله) راجع : إبصار العين ، ص 74.

وقال أبو مخنف : لمّا قدم مسلم بن عقيل الكوفة فنزل دار المختار وأقبلت الشيعة تختلف إليه فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام فجعلوا يبكون ، وبايعه الناس حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً ، فقام عابس بن شبيب الشاكري خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أُخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ولكن والله أُخبرك بما أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأُجيبكم إذا دعوتموني ولأُقاتلنّ معكم إذا دعوتموني ، ولأُقاتلنّ معكم عدوّكم ، ولأضربنّ بسيفي هذا دونكم حتّى ألقى الله لا أُريد بذلك إلّا ما عند الله.

فقام حبيب بن مظاهر وقال لعابس : يرحمك الله ، قد قضيت ما عليك وأنا مثل ذلك.

قال الطبري : إنّ مسلماً لمّا بايعه الناس كتب إلى الحسين كتاباً وسلّمه إلى عابس بن شبيب وأرسله إلى مكّة فصحبه شوذب مولى شاكر (منه رحمه الله) وتجد بعض ذلك في مقتل أبي مخنف ، ص 20.

2. مقتل أبي مخنف ، ص 20.

3. تاريخ الطبري ، ج 4 ص 257 وفيه ذكر الكتاب الذي أرسله مسلم عليه السلام للحسين عليه السلام.

4. لمّا عزم عابس بن شبيب على نيل السعادة بالشهادة أقبل على شوذب وخاطبه قائلاً.

5. لأنّه يوم بإمكان المرء أن يضع قدمه من تحت الثرى على فرق الثريّا ، وأن يتجرّد من صفته الهيولائيّة إلى حقيقته العقلانيّة ، وهو يوم لا بديل له عنه.

6. قال هذا وهجم على الميدان كأنّه شجاع فاغر فمه ، ودار في الميدان كأنّه اللهيب المضطرم ، وجال فيه جولان الرحى ، وقلب اليمين على الشمال ، وأذاقهم الويل والوبال.

7. بحار الأنوار ، ج 45 ص 29. وبما أنّ المؤلّف مزج مع متن البحار كلمات جدّاً نفيسة من النثر الفارسي الجميل وكان المؤلّف معروفاً بحسن الديباجة ومتانة الأُسلوب لذلك آثرت أن أُترجمها في الهامش خارج المتن وللقارئ أن يلحقها في مواضعها إن شاء ذلك.

8. أخذ المؤلّف الشعر الفارسي والأبيات العربيّة لحسّان بن ثابت وما بعدها من الشعر الفارسي من الكنى والألقاب للشيخ عبّاس وما أشار إلى ذلك ، راجع الكنى والألقاب ، ج 1 ص 197.

9. مقتل الحسين ، ص 155.

مقتبس من كتاب : فرسان الهيجاء / المجلّد : 1 / الصفحة : 239 ـ 244

 

أضف تعليق

أولاد المعصومين عليهم السلام وأصحابهم

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية