موثقة طريف تقرن الشهادة بالولاية مع الشهادة بالرسالة

البريد الإلكتروني طباعة

موثقة طريف تقرن الشهادة بالولاية مع الشهادة بالرسالة

وروى الكليني عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الوليد ، قال : سمعت يونس بن يعقوب ، عن سنان بن طريف ، عن أبي عبد الله‏ الصادق ، قال : إنّا أوّل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر مناديا فنادى :

أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، ثلاثاً.

أشهد أنّ محمداً رسول الله ، ثلاثاً.

أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين حقّاً ، ثلاثاً (1).

وقد أخرجها الشيخ الصدوق في أماليه ، قال : حدّثنا محمّد بن علي بن ماجيلويه رضي‌ الله‌ عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطار ، قال : حدّثني سهل بن زياد ... ، وساق ما أخرجه الكليني سنداً ومتناً (2).

وروى الصدوق في « كمال الدين » بسند متّصل إلى ابن أبي حمزة الثمالي ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : قال رسول الله‏ : حدّثني جبرئيل عن ربّ العزة جلّ جلاله أنّه قال : « من علم أن لا إله إلّا أنا وحدي ، وأنّ محمّداً عبدي ورسولي ، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي ، وأنّ الأئمّة من ولده حُججي أدخلته الجنّة برحمتي ، ونجّيته من النار بعفوي ، ومَن لم يشهد أن لا إله إلّا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّداً عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ الأئمّة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي وكفر بآياتي ... » (3).

فإذا كان الله قد أمر ملكاً بأن ينادي بهذه الشهادات الثلاث ، فهو يعني محبوبيّتها وكمال الحسن في الإتيان بها عنده ، لأنّ الله‏ لا يأمر بشيء عبثاً إلّا وفيه مصلحة ، فكيف يُشكَل على العامل بها في الحياة الدنيا ، لا على أنّها أمر من الله سبحانه واجبٌ في خصوص الأذان ، بل لأنّها محبوبة عنده سبحانه وتعالى بنحو مطلق ، أيّ من دون اعتقاد الجزئيّة.

فإِذَنْ مضمون الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منافياً للشريعة حتّى يقال بحرمة الإجهار بها ، بل هو جاء ضمن السياق المأمور به في الشريعة.

فلو ثبت جواز ذكرها ـ فضلاً عن استحبابها قاصداً بعمله امتثال أمر الباري ـ فكيف يجوز نسبة الحرمة إلى الله.

ألم يكن ذلك تحريماً للحلال ، وهو الداخل ضمن قوله تعالى : ( الله أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ).

إن البدعة هو ادخال في الدين ما ليس منه تحليلاً وتحريما ، فكما ان تحليل الحرام غير جائز. فتحريم الحلال هو حرام بإجماع المسلمين.

ان الإتيان بذكر علي من الذكر الجائز ، وقيل انّه مستحب لمجيئه في شواذ الأخبار ، فلو كان جائزاً فلا يجوز منعه خصوصاً بعد علمنا بأن القوم منعوا من الجهر بالبسملة ، والمُتعتين ، وحيّ على خير العمل ، وغيرها من المسائل الخلافيّة إخماداً لسنّة رسول الله وبغضاً لعلي ، والذي وضّحناها في كتابنا « منع تدوين الحديث » وان أعمالهم تلك هي اماتة للدين وتحريف للشريعة وهو مصداق لقوله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ ألْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُواْ عَلَى الله ألْكَذِبَ إِنَّ ألَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله ألْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ).

وعلى ضوء ما سبق نقول : إنّ الله‏ ورسوله قد أعلنا عن ولاية علي في كتابه وسنته تصريحاً وتلميحاً ، وإنّ الأذان المشرّع في الإسراء والمعراج كان فيه : « حيّ على خير العمل » الدالة على الولاية ، ونحن نأتي بتفسيرها معها لا على أنّها جزءُ بل لمحبوبيّتها عند ربّ العالمين ، ولمعرفتنا بأن القوم غيروا اسم الإمام علي الذي كان مكتوباً على ساق العرش إلى أبي بكر ، وشكّكوا في كون الإسراء جسمانيّاً ، إذ ذهب كُلٌّ من عائشة ومعاوية إلى القول بأنّ الإسراء كان مناميّاً ، وذلك مثل ما قالوه في الأذان وأنّه مناميّ ، كلّ ذلك للحدّ من تناقل فضائل الإمام علي الظاهرة في السماوات والأرض ، في حين قد عرفت أنّ آل البيت كانوا يرفضون فكرة تشريع الأذان في المنام وما أتى به القوم من تحريفات.

إذن التحريف والزيادة والنقصان في الدين جاءت من قِبَلِهِم وكانت هي سجيَّتهم ، وقد طالبوا الرسول أن يحرّف الكتاب العزيز فأبى صلّى‌ الله‌ عليه‌ وآله وسلّم أن يغيّر ( فأبوا ) إلى ( فأتوا ) ، لكنّ عثمان ما رأى بأساً في أن يزيد الأذان الثالث يوم الجمعة (4) ، وعمر ما رأى ضيراً في أن ينقص الحيعلة الثالثة من أصل الأذان ويضيف : « الصلاة خير من النوم » في أذان صلاة الصبح (5).

كلّ ذلك وهم يتّهموننا بالزيادة في الدين وأنّي في كتابي « وضوء النبي » وضّحت بأنّهم زادوا في الوضوء على ما فرض الله على عباده ، فغيّروا صريح الآية من المسح إلى الغسل.

وعليه لا وجه للترابط بين المنع من المتعتين ورفع الحيعلة الثالثة من قبل عمر ، إلّا أن نقول أنّهما مرتبطتان بالولاية والخلافة ، لانّ الرواية في فضائل علي يعني لزوم الاتّباع له ، أيّ ان لتلك الروايات الطريقيّة للأخذ عن علي. لان نقل الفضائل هو مقدّمة لأخذ الدين عنه ، وبما أنّ الطالبيّين كانوا يتبنون فكر ومنهج الإمام علي وخصوصاً في هذه المفردات الثلاث ـ تبعاً له عليه‌ السلام ـ ، ولهذا ترى التخالف قائم بين المدرستين في هذه المفردات إلى يومنا هذا ولا يمكن تصوّر شيء آخر غير هذا ؟

وإلّا فما هو سّر حذف الحيعلة الثالثة واستبدالها في أذان الصبح بالتثويب ؟ وهل هما يرتبطان بموضوع الخلافة والإمامة كذلك ؟ انّه تساءل يمكن أن تقف على جوابه في كتابنا « الصـلاة خير من النوم شرعة أم بدعة ».

وبعد كلّ هذا نقول : يمكننا أن نستدلّ على رجحان الشهادة بالولاية من خلال وجود الحيعلة الثالثة في الأذان الأوّل ، كما يمكننا أن نستدلّ على رجحانها أيضاً من خلال أمر الإمام الكاظم عليه‌ السلام بالحثّ عليها مطلقاً ، مضافاً إلى الاستدلال على رجحانها بأخبار الاقتران المعتبرة حين العروج برسول الله إلى السماء ، وأنّها كانت تعني الإمامة والولاية لعلي ، كما جاء في روايات أهل البيت ، وتمّ التوصّل إليه خلال الصفحات السابقة ، لكن من دون اعتقاد الجزئيّة.

الهوامش

1. الكافي ١ : ٤٤١ / ح ٨ ، وعنه في بحار الأنوار ١٦ : ٣٦٨ / ح ٧٨. والرواية موثّقة لكون محمد بن الوليد ـ والذي هو الخزاز الثقة ـ فطحيا على قول ، كما أنّ سنان بن طريف وجه من شخصيّات الطائفة الجليلة ؛ الحجة بالاتّفاق ، وأمّا يونس فمجمع على وثاقته وقبول رواياته ، إلّا أنّه فطحيّ على احتمال ، وأمّا سهل بن زياد فمختلف فيه ، والأقوى عندنا وثاقته. والحاصل : فالرواية حسنة أو موثّقة.

2. أمالي الصدوق : ٧٠١ / ح ٩٥٦ ، وعنه في بحار الأنوار ٣٧ : ٢٥٩ / ح ١٠.

3. اكمال الدين : ٢٥٨ / ح ٣ ، من الباب ٢٤ ، وأخرجه الخزّار القمي بسنده عن علي بن أبي حمزة عن الإمام الصادق عليه‌ السلام كما في كفاية الأثر : ١٤٤ / باب في النصوص على الأئمّة الإثني عشر. وهو في الاحتجاج للطبرسي ١ : ٨٧.

4. انظر صحيح البخاري ١ : ٣٠٩ / ح ٨٧٠ من باب الأذان يوم الجمعة.

5. سنن الدراقطني ١ : ٢٤٣ / ح ٤٠ من باب ذكر الإقامة ، سنن البيهقي الكبرى ١ : ٤٢٣ / ح ١٨٣٨ ، من باب التثويب في أذان الصبح.

مقتبس من كتاب : [ أشهد أنّ عليّاً ولي الله ] / الصفحة : 187 ـ 191

 

أضف تعليق

الأذان والإقامة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية