أشهد أنّ عليّاً وليّ الله

البريد الإلكتروني طباعة

أشهد أنّ عليّاً وليّ الله :

الشهادة خبر قاطع ، وشهده شهوداً : سمعه وحضره ، وشهد لفلان ، أي : أدّى ما عنده من شهادة ، وأشهد بكذا ، أي : أحلف بكذا ، والشهادة هي الحضور والإخبار بما شاهد وشهد ، والشهادة هي الإقرار والاعتراف.

والشهادة التي نريدها في البحث : هي الإقرار والاعتراف والإيمان بولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام.

ومن المعروف أنّ الإقرار والاعتراف بشيء يكون بناءً على حضور ومشاهده ، أو من مصدر موثوق قطعيّ ، بحيث إنّك لو شهدت بشيء بناءً على قول الموثوق تكون الشهادة هنا كالحضور ، وهذه كشهادة الصحابيّ الجليل ذو الشهادتين ، الذي شهد بما لم يرَ ، ولكن لثقته وإيمانه بصدق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم شهد ، فكانت تلك الشهادة دليلاً على مصداقيّة الإيمان بنبوّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فمنحه الله تعالى ورسوله لقب ذي الشهادتين ، أي أنّ الإقرار بالإيمانيّات التي أمر الله تعالى بها ، وأمر بها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو أقوى من الحضور الماديّ بضعفين.

روى عبدالرزاق عن الزهريّ أو قتادة أو كليهما : أنّ يهوديّا جاء يتقاضى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : قد قضيتك فقال اليهودي : بينتك ! قال فجاء خزيمة الأنصاري فقال : أنا أشهد أنّه قد قضاك ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ما يدريك ؟ فقال : إنّي أصدّقك بأعظم من ذلك ، أصدّقك بخبر السماء ، فأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين (1).

وروى العجلوني في كشف الخفاء ، عن النعمان بن بشير : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اشترى من أعرابي فرساً فجحده الأعرابي ، فجاء خزيمة فقال : يا أعرابي أتجحد ؟ أنا أشهد عليك أنّك بعته ، فقال الأعرابي : إنْ شهد عليّ خزيمة فأعطني الثمن ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا خزيمة ، إنّا لم نشهدك ، كيف تشهد ؟ قال : أنا أصدّقك على خبر السماء ، ألا أصدقك على ذا الأعرابي ، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهادته بشهادة رجلين (2).

وروى الحاكم في المستدرك ، عن محمّد بن إسحاق قال : شهد خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، مع عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه صفين ، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين من الهجرة (3).

ونأتي إلى موضوع الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب عليه السلام ، والتي طالما شنّع خصوم الشيعة على أتباع أهل البيت عليهم السلام بسببها كثيراً ، مع أنّها حقيقة واضحة في دين الإسلام ، وفي تاريخ المسلمين ، وأحاديث كلّ طوائف المسلمين.

إنّنا عندما نعلم بأنّ فلانا عالما ، فإنّنا نقول نشهد أنّ فلانا عالم ، ونشهد على عشرات القضايا صباح مساء من دون أي اعتراض من أحد ، فلماذا عندما نشهد بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام تقوم الدنيا ولا تقعد ؟ مع أنّ الشهادة بالولاية هي أمر إلهي واضح جليّ لكلّ المسلمين ، ولطالما نطق بولاية أمير المؤمنين نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الذي لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحي يوحى ، ولقد اعترف بولاية أمير المؤمنين أيضاً جلّ الصحابة ، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وسنأتي على الروايات بخصوص الأمر.

قال تعالى في سورة المائدة : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (4).

روى القرطبي في تفسيره ، عن ابن عبّاس قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب. وقاله مجاهد والسدي ... وذلك أنّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان عليّ في الصلاة في الركوع ، وفي يمينه خاتم ، فأشار إلى السائل بيده حتّى أخذه ، فنزلت الآية (5).

وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج عبدالرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ ) الآية ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب (6).

أخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه ، عن عمّار بن ياسر قال : وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه ، فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فاعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أصحابه ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه (7). ورواه أبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام (8).

روت صحاح ومسانيد المسلمين الحديث المتواتر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال في عدّة مواقف : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله (9).

وروى أحمد في مسنده ، والنسائي ، والحاكم ، عن بريدة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : من كنت وليه فعليّ وليّه (10).

وروى الحاكم في المستدرك ، عن ابن عبّاس : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعليّ بن أبي طالب : يا عليّ ، أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي ومؤمنة (11).

وروى الترمذيّ ، عن عمران بن حصين : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : إنّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي. ورواه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك ، وكنز العمال ، وغيرهم عن ابن عبّاس وعن البرّاء بن عازب (12).

فهذه روايات ، وهناك غيرها كثير ، كلّها تأمر بولاية أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام ، وتعيّنه عليه السلام وليّاً ومولى للمؤمنين في كلّ مكان وزمان ، وهذا التعيين والتنصيب الربّانيّ يستحقّ منّا أنْ نقرّ ونشهد بولايته عليه السلام ، فنقول أشهد وأقرّ وأعترف أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام وليّ الله وحجّته ووصيّ رسوله.

أمّا بالنسبة لأضافتها في الأذان ، فإنّ الشيعة لا يعتبرونها جزءاً من الأذان ، وبأنّ عموم المسلمين يعتبرون الأذان سنّة ، فلا مانع من التحدّث بين ألفاظ الأذان بشيء ، وهذا ما يفعله غالب المسلمين ، ولا مانع بعد الشهادة الثانية في الأذان أن نستحضر الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين عليه السلام.

الهوامش

1. المصنّف 8 : 367 ، 11 : 236 وأورده في كنز العمّال 13 : 380.

2. كشف الخفاء 2 : 14.

3. المستدرك على الصحيحين 3 : 397.

4. المائدة : 55.

5. تفسير القرطبي 6 : 221.

6. راجع الدرّ المنثور 2 : 293.

7. نفس المصدر السابق.

8. نفس المصدر السابق.

9. أنظر مسند أحمد 1 : 118 ، 119/ 4 : 281 ، 370 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 109 ، سنن النسائي الكبرى 5 : 132 ، وغيرها كثير جداً.

10. مسند أحمد 5 : 350 ، 358 ، 361 ، السنن الكبرى 5 : 45 ، 113 ، 130 ، المستدرك 2 : 130.

11. المستدرك على الصحيحين 3 : 134.

12. سنن الترمذي 5 : 296 ـ 297 ، مسند أحمد 4 : 438 ، 5 : 356 ، المستدرك 3 : 111 ، مسند أبي داود : 360.

مقتبس من كتاب : [ نهج المستنير وعصمة المستجير ] / الصفحة : 448 ـ 451

 

التعليقات   

 
# إبراهيم نهشل 2024-05-04 17:36
اشهد ان علي َولي الله
واجبة في كل إذا
لأن علي مع الحق والحق مع علي
الله حق ورسلة وملائكته وكتبه والكون كله حيث دار علي صلوات الله علية وآله
الأذان بلعلي علية السلام براءة من النفاق
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
+1 # ليث 2024-02-03 20:49
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

انا اؤمن بإن علي عليه السلام هو وليي
سؤالي هو نحن نقول اشهد ان عليا ولي الله
كيف يكون علي ولي الله ؟
لانني لم افهم المعنى بشكل واضح لجهلي باللغة اتمنى ان توضحو لي مع جزيل الشكر لكم مقدما على ما تقدموه من علم
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 
 
# الشيخ علي عبدالمجيد 2024-12-01 09:25
في اللغة العربية ، إحدى التركيبات الكلاميّة هي الإضافة. الإضافة هي العلاقة بين لفظين مضاف ومضاف إليه ، حيث يُضاف الكلمة الأولى ( المضاف ) إلى الكلمة الثانية ( مضاف إليه ) مثل : خاتم فضة ، يد زيد ، ويوم الجمعة.
العلاقة المعنويّة بين المضاف والمضاف إليه تتحدّد من خلال القرائن. هذه العلاقة المعنويّة تُفسّر ببعض حروف الجرّ مثل « لـ » و « من » و « في ». في تركيب « خاتم فضّة » و « رسول الله ، حرف « من » مقدر، أي خاتم من جنس الفضّة ورسول من جانب الله. أمّا في تركيب « يد زيد » و « كتاب الله » ، فحرف « لـ » مقدر ، أي يد لزيد وكتاب لله. [ راجع شرح‌ الفیّة ابن‌ مالك « لابن عقیل » / ج ۲ / ص ٤۲ ـ ٤٤ ]
قال الله فی کتابه الحکیم : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [ سورة المائدة : ٥٥ ] . هذه الآية الكريمة التي نزلت في شأن أمير المؤمنين علي عليه السلام [ تفسیر القمی / ج ۱ / ص ۱۷۰ ] ، تدلّ على أنّ الله سبحانه وتعالى هو وليّ المؤمنين ، وبإذن الله ، فإن رسول الله صلّی الله علیه وآله وسلّم وأمير المؤمنين علي عليه السلام هما أيضاً وليّ ومولى المؤمنين من جانب الله. لذلك ، فإنّ النبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين علي عليه السلام هما وليّا المؤمنين من قبل الله تعالى. [ راجع الکشاف « للزمخشري » / ج ۱ / ص ٦۲۳ ]
ومن ذلك صحّ أن یقال : ( رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أو علي علیه السلام ، ولي المؤمنين من الله ) وبالتالي يمكن القول إنّ علياً عليه السلام ولي الله ، ويمكن أيضاً القول إن علياً عليه السلام ولي المؤمنين.
علي عليه السلام ولي الله يعني أنّ علياً عليه السلام هو الوليّ من جانب الله ، وعلي ولي المؤمنين يعني أن علياً عليه السلام هو الوليّ للمؤمنين.
كما يُقال في الأذان « أشهد أنّ عليّاً حجّة الله » ، فإن معناه ليس أن علياً عليه السلام حجّة علی الله نعوذ بالله ، بل يعني أن عليّاً عليه السلام حجّة من الله على العباد. لذلك يمكن أن نقول إنّ علياً عليه السلام حجّة الله ، ومعناه حجّة من الله ، ويمكن أيضاً أن نقول إن علياً عليه السلام حجّتنا ، ومعناه أنّ عليّاً عليه السلام حجّة من الله علينا أو حجّة لنا.
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 

أضف تعليق

الأذان والإقامة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية

ثمانية + سبعة =