آية الوضوء وكيفية غسل الأيدي

البريد الإلكتروني طباعة

آية الوضوء وكيفية غسل الأيدي

إنّ آية الوضوء نزلت لتعليم الأُمّة كيفيّة الوضوء والتيمّم ، والمخاطب بها جميع المسلمين عبْر القرون إلى يوم القيامة ، ومثلها يجب أن تكون واضحة المعالم ، مبيّنة المراد ، حتّى ينتفع بها القريب والبعيد والصحابي وغيره .

فالآية جديرة بالبحث من جانبين :

الأوّل : مسألة كيفيّة غسل اليدين ، وأنّه هل يجب الغسل من أعلى إلى أسفل أو بالعكس ؟

الثاني : حكم الأرجل من حيث المسح أو الغسل.

فلنشرع في البحث في الجانب الأوّل.

قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) [ المائدة ـ 6 ].

اختلف الفقهاء في كيفيّة غسل اليدين ، فأئمّة أهل البيت وشيعتهم ، على أنّ الابتداء بالمرفقين إلى أطراف الأصابع وانّ هذه هي السنّة ، وحجّتهم على ذلك هو ظاهر الآية المتبادر عند العرف ، فإنّ المتبادر في نظائر هذه التراكيب هو الابتداء من أعلى إلى أسفل ، فمثلاً إذا قال الطبيب للمريض : اغسل رجلك بالماء الفاتر إلى الركبة ، يتبع المريض ما هو المتداول في غسل الرجل عند العرف ، وهو الغسل من أعلى إلى أسفل. أو إذا قال صاحب الدار للصبّاغ ، أصبغ جدران هذه الغرفة إلى السقف ، فيتبع الصبّاغ ما هو المألوف في صبغ الجدران من الأعلى إلى الأسفل ولا يدور بخلده ، أو بخلد المريض من أنّ مالك الدار أو الطبيب استخدم لفظة « إلى » لبيان انتهاء غاية الصبغ والغسل عند السقف والرجل بل لتحديد المقدار اللازم لهما.

وأمّا كيفيّة الغسل فمتروك إلى ما هو المتّبع والمتداول في العرف ، وهو ـ بلا ريب ـ يتبع الأسهل فالأسهل ، وهو الابتداء من فوق إلى تحت ، وما هذا إلّا لأنّ المتكلّم بصدد تحديد العضو المغسول ، وهو اليد مع قطع النظر عن كيفيّة الغسل من حيث الابتداء والانتهاء ، فإذا كان هذا هو المفهوم ، فليكن الأمر كذلك في الآية المذكورة من دون أن نتكلّف بشيء من الوجوه التي يذكرها المفسّرون في تأييد أحد المذهبين.

نعم ، إنّ أساس الاختلاف في الابتداء بالمرفقين إلى أُصول الأصابع أو بالعكس عندهم إنّما هو في تعيين متعلّق « إلى » في الآية الكريمة ، فهل هو قيد « للأيدي » أيّ المغسول ، أو قيد للفعل أعني : « واغسلوا » ؟

فعلى الأوّل تكون الآية بمنزلة قولنا : « الأيدي إلى المرافق » يجب غسلها ، وإنّما جاء بالقيد لأنّ اليد مشترك تطلق على أُصول الأصابع والزند والمرفق إلى المنكب ، ولما كان المغسول محدّداً إلى المرافق قُيّدت اليد بقوله « إلى المرافق » ، ليفهم أنّ المغسول هو هذا المقدار المحدّد من اليد ولولا اشتراك اليد بين المراتب المختلفة وانّ المغسول بعض المراتب لما جاءت بلفظة « إلى » فالإتيان بها لأجل تحديد المقدار المغسول من اليد.

وعلى الثاني ، أيّ إذا قلنا بكونه قيداً للأمر بالاغتسال ، فربّما يوحي إلى ضرورة الابتداء من أُصول الأصابع إلى المرفقين ، فكأنّه سبحانه قال : « الأيدي » اغسلوها إلى المرافق.

ولكن لا يخفى ما في هذا الإيحاء من غموض ، لما عرفت من أنّ المتّبع في نظائر هذه الأمثلة ما هو المتعارف وهو الابتداء من الأعلى إلى الأسفل.

أضف إلى ذلك : أنّه لو سلّمنا أن حرف الجرّ قيد للفعل ، لا نسلم أنّه بمعنى « إلى » الذي هو لانتهاء الغاية ، بل يحتمل أن يكون بمعنى « مع » أيّ الأيدي اغسلوها مع المرافق ، وليس هذا بعزيز في القرآن والأدب العربي.

يقول سبحانه : ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ) [ النساء ـ 2 ].

وقال سبحانه ـ حاكياً عن المسيح ـ : ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ) [ آل عمران ـ 52 ] أي مع الله.

وقوله سبحانه : ( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ) [ هود ـ 52 ] أيّ مع قوّتكم.

ويقال في العرف : ولى فلان الكوفة إلى البصرة ، أيّ مع البصرة ، وليس في هذه الموارد من الغاية أثر.

وقال النابغة الذبياني :

     

ولا تتركني بالوعيد كأنني إلى

 

الناس مطليّ به القار أجرب

أراد مع الناس أو عند الناس.

وقال ذو الرمة :

     

بها كل خوار إلى كل صولة

 

ورفعي المدا عار الترائب

وقال امرؤ القيس :

     

له كفل كالدعص لبّده الندى

 

إلى حارك مثل الغبيط المذأبِّ

أراد مع حارك (1).

وعلى ضوء ذلك فليست « إلى » لبيان الغاية ، بل لبيان الجزء الواجب من المغسول سواء أكان الغسل من الأعلى أو من الأسفل.

هذا والدليل القاطع على لزوم الابتداء من الأعلى إلى الأسفل هو لزوم اتّباع ما هو المألوف في أمثال المورد كما سلف.

وقد نقل أئمّة أهل البيت عليهم السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بالنحو التالي :

أخرج الشيخ الطوسي بسنده عن بكير وزرارة بن أعين ، أنّهما سألا أبا جعفر عن وضوء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم فدعا بطست أو بتَوْر (2) فيه ماء ، فغسل كفّيه ، ثمّ غمس كفّه اليمنى في التور فغسل وجهه بها ، واستعان بيده اليسرى بكفّه على غسل وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليسرى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يردّ الماء إلى المرفقين ، ثمّ غمس كفَّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكفِّ لا يردُّ الماء إلى المرفق كما صنع باليمنى ، ثمَّ مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضل كفّيه ولم يجدد ماء. (3)

الهوامش

1. رسائل الشريف المرتضى : الرسالة الموصلية الثالثة : 213 ـ 214.

2. التَوْر : إناء صغير.

3. تهذيب الأحكام : 1 / 59 برقم 158.

مقتبس من كتاب : [ الوضوء على ضوء الكتاب والسنّة ] / الصفحة : 15 ـ 18

 

أضف تعليق

الوضوء

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية