التوسّل برسول الله وأهل البيت عليهم السلام

البريد الإلكتروني طباعة

التوسّل برسول الله وأهل البيت عليهم السلام :

يعتبر بعض أتباع المكفّرين من الوهابيّين والسلفيّين أنّ التوسّل إلى الله سبحانه وتعالى من خلال وسيلة أو واسطة ، أقر الشرع المقدّس لنا أنّها وسيلة بيننا وبين الله سبحانه وتعالى ولا يمكن قبول الأعمال عند الله إلا بها ، أعتبر أولئك المكفّرون أنّ هذا الأمر شرك خارج عن الشرع ، ولا يجوز على حسب ادّعائهم ، وهذا الاعتبار عندهم أيضاً كغيره من الأحكام لم يدلّ الدليل عليه ، بل دلّ وندب القرآن إلى عكسه ، كما في كتبهم ومصادرهم ، بل جاء الدليل يؤيّد موضوع التوسّل ، بل وندب إليه أيضاً بشكل واضح كما سأبين من خلال الأدلّة الواضحة من القرآن والسنّة.

ولكن لنبق مع أولئك قليلاً ، فهم عادة يقدحون بأيّ حكم يتبنّاه المسلمون جميعاً ، ويطعنون فيه وينكرونه إنكارا تامّاً ، ثمّ عندما تظهر الأدلّة الواضحة على صحّة ما عليه المسلمون ، يبدؤون بالطعن في الأدلّة الواردة في الموضوع ، ثمّ عندما تظهر صحّة الأدلّة وليس من مفرّ إلى إنكارها ، يؤوّلونها على حسب أهوائهم حتّى تتوافق مع آرائهم التي تمتلئ حقداً وبغضاً لأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، هكذا هم دائماً ، وهذا هو ديدنهم في النظر إلى الأمور.

أمّا بالنسبة إلى موضوعنا وهو التوسّل ، فهو أمر شرعيّ ، وحكم ثابت عند المسلمين جميعاً بشتّى اختلافاتهم واتّجاهاتهم ، وهو ثابت في القرآن الكريم والسنّة النبوية ، وهو ما فعله المسلمون جميعاً منذ العصر الأوّل للإسلام وحتّى عصرنا هذا ، وهذا ليس بمستغرب ، بل إنّ الغريب والعجيب أنْ يأتي من ينكر هذا الأمر ويحاول طمسه وإخفاء ما أقرّه الشرع ، وفعله المسلمون ، حقداً وبغضاً لرسول الله وأهل بيته الطاهرين حتّى لا يتّخذهم المسلمون وسيلة إلى الله تعالى ، وأنّى لهم ذلك ، فقد توسّل الصحابة برسول الله إلى الله ، وتوسّلوا بأهل البيت ، وتوسّلوا بقبر رسول الله ، وتوسّلوا بالعبّاس عمّ رسول الله ، وتوسّلوا بكلّ من له جاه ومنزلة عند الله تعالى اتّباعا لأمره والتزاما بتعاليم الإسلام ورسوله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1).

وقال تعالى في سورة الإسراء : ( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) (2).

قال في القاموس المحيط : الوسيلة والواسلة : المنزلة عند الملك والدرجة والقربة ، ووسّل إلى الله تعالى توسيلاً : عمل عملاً تقرّب به إليه ... والواسل : الواجب والراغب إلى الله تعالى (3).

والوسيلة : هي التقرّب إلى الله تعالى بمن يحبّهم الله ويحبّونه ... ، وهي القربى والزلفى إلى الله تعالى ، وهي العمل بما يرضي الله تعالى وطاعته بحسب ما يريد هو وليس كما نريد نحن ، فمن كلّ ذلك يتبيّن أنّ الوسيلة هي ما يتوصّل به إلى الله تعالى ، وما يتقرّب به إلى الكبير المتعال.

ولنضرب مثلا حتّى يصير التعريف للوسيلة متصوّراً ، فالمصلّي عندما يتقرّب إلى الله تعالى بصلاته ، وحتّى تكون مقبولة عند الله ، فلابدّ أنْ يختم صلاته بوسيلة يبتغيها إلى الله ، فإنّه يصلّي على محمّد وآل محمّد ، ويسلّم على محمد وآل محمّد ، فهم الوسيلة التي يتوسّل بها إلى الله ، والذين بدون الصلاة عليهم وجعلهم عنواناً للصلاة فإنّها ـ أيّ الصلاة ـ لا تكون مقبولة عند الله ، وهذا ما عليه المسلمون قاطبة.

وكذلك الدعاء ، عندما يتقرّب المؤمن إلى الله تعالى بالدعاء ، فإنّه لابدّ وأنْ يقدّم بين يدي دعائه وسيلة أذنَ الله بها ولا يرفع الدعاء بدونها وهي الصلاة على محمّد وآل محمّد ، ولذلك ورد في العشرات من الروايات عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعند كلّ طوائف المسلمين أنّ الدعاء إذا لم يبدأ أو يختم بالصلاة على محمّد وأهل بيته الطيبين الطاهرين فإنّه لن يرفع إلى الله تعالى.

روى السيوطي في الجامع الصغير عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : الدعاء محجوب عن الله ، حتى يصلّى على محمّد وأهل بيته. ورواه الطبراني باختلاف يسير ورواه البيهقي في الشعب والديلمي كما في الصواعق ، ونحوه في سنن الترمذي (4).

وروى في كنز العمال نقلاً عن الديلمي عن ابن عمر أنّه قال : الدعاء يحجب عن السماء ، ولا يصعد إلى السماء من الدعاء شيء حتّى يصلّي على النبيّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فإذا صلّى على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صعد إلى السماء (5).

وروى القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال : قال أبو سليمان الداراني : من أراد أنْ يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، ثمّ يسأل الله حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنّ الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أنْ يردّ ما بينهما.

وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : الدعاء يحجب دون السماء حتّى يصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فإذا جاءت الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رفع الدعاء.

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : من صلّى عليّ وسلم عليّ في كتاب لم تزل الملائكة يصلّون عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب (6).‏

ثمّ إنّ الوسيلة وردت في عدّة روايات أنّها درجة في الجنّة يسكنها النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقد روى ابن مردويه وعنه المتقى الهندي في كنز العمال عن عليّ بن أبي طالب أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال :

في الجنّة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة ، قالوا : يا رسول الله ! من يسكن معك فيها ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين (7). ونحن حينما نسأل الله الوسيلة لرسول الله وأهل بيته عليهم السلام ، فليس معنى ذلك أنّهم بحاجة إلى دعائنا ، وأنّه بسبب دعائنا سوف ينزلون تلك المنزلة ، فهم قد ضمنوا الجنّة بمحبّة الله لهم واجتبائهم واصطفائهم ، وهم الذين خلقت الجنّة لأجلهم ، فرسول الله بشفاعته سوف يدخل خلق كثير الجنّة ، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أخوه ، وفاطمة الزهراء سيّدة نساء أهل الجنّة ، والحسن والحسين عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنّة ، ولذلك فإنّ معنى أنْ نسأل الوسيلة لرسول الله ، وأهل بيته عليهم السلام ليس كما هو ظاهر النص ، إنّ معناه أنْ نتّخذهم وسيلة نتقرّب بهم ونتوسّل بهم إلى الله تعالى ، وإلا فلا معنى أنْ نسأل الله درجة الوسيلة لرسول الله ، وهو سيّد الخلق ، ولأجله خلقت الأكوان ، وهو الشفيع وسيّد الأنبياء والمرسلين ، فهو ليس محتاج لدعائنا ، بل نحن محتاجون لدعائه وشفاعته والنزول معه ، ولا معنى لتلك الأحاديث إلا أنْ نتّخذه وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام وسيلة نبتغي بها وجه الله الكريم ، بل هم من أعظم الوسائل إلى الله تعالى.

ولذلك وكما ذكرت ، فإنّه لا تقبل الصلاة إلا عندما نصلّى على محمّد وآل محمّد ، ولا يرفع دعاء إلا إذا بدئ وختم بالصلاة على محمد وآل محمد ، ولا يقبل حكم من أحكام الإسلام إلا إذا أخذ من محمّد وآل محمّد ، فهم الدلالة والعلامة على قبول الطاعات والقربات ، وهم الوسائل إلى الله تعالى ، فإذا صلّينا على رسول الله وأهل بيته وتوسّلنا بهم إلى الله كما أمر الله ، شفعوا لنا عند الله في قضاء حوائجنا ، وقد قال تعالى ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (8).

ثمّ إنّ التوسّل إلى الله تعالى بمحمّد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ، قد ظهر جليّاً وبشكل واضح للمسلمين في حياة رسول الله ، فهو صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي أمر المسلمين وعلّمهم أنْ يتوجّهوا ويتوسلوا به إلى الله تعالى ، سواء أكان ذلك أثناء حياته أم بعد وفاته ، وسأقدّم عدداً من الأحاديث من كتب أهل السنّة والجماعة تثبت وقوع التوسّل بإقرار من رسول الله ، وأنّ الصحابة أيضاً قد قاموا به ، ولم ينكر ذلك إلا الجهّال في دينهم من المتعصّبين العمي الذين يبغضون رسول الله وأهل بيته ، قال تعالى في سورة النمل مخاطبا رسوله الكريم وأتباعه من المؤمنين : ( فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ) (9).

فقد روى الحاكم في المستدرك عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه أنّ رجلاً ضريراً أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال : ادع الله تعالى أنْ يعافيني. قال : إنْ شئت أخّرت ذلك وإن شئت دعوت. قال : فادعه. قال : فأمره أنْ يتوضّأ فيحسن الوضوء ، ويصلّي ركعتين ، ويدعو بهذا الدعاء : اللهمّ أني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلّى الله عليه وسلّم نبي الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك في حاجتي هذه ، فتقضيها لي ، اللهم شفعه في وشفعني فيه (10).

وروى الحاكم في المستدرك وبمتن مختلف عن عثمان بن حنيف قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجاءه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره. فقال : يا رسول الله ، ليس لي قائد ، وقد شقّ علي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ائت الميضاة ، فتوضأ ، ثمّ صلّ ركعتين ، ثمّ قل : اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد صلّى الله عليه وسلّم نبي الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك ، فيجلي لي عن بصري ، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي. قال عثمان : فوالله ما تفرّقنا ولا طال بنا الحديث حتّى دخل الرجل وكأنّه لم يكن به ضرّ قط (11). وقد روى الحديث مجموعة من الحفّاظ والمحدّثين منهم الترمذي وقال : حديث حسن صحيح (12) ، والطبراني وقال صحيح (13) ، وعنه في مجمع الزوائد (14) ، ورواه أحمد في مسنده (15) ، وغيرهم كثير.

وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين : وفي الحديث دليل على جواز التوسّل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الله عزّوجلّ مع اعتقاد أنّ الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ، وأنّه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن انتهى (16).

وقال في شرح قول صاحب العمدة : ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين ما لفظه : ومن التوسّل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضي ‌الله ‌عنه أنّ أعمى أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فذكر الحديث (17).

ولا يقولنّ أحد بأنّ هذا كان ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم موجود ولكنّه بعد وفاته لم يتوسّل برسول الله أحد ، وهذا الكلام غير صحيح ، وسأقدّم لك رواية تثبت أنّ الصحابة توسّلوا برسول الله في فترة خلافة عثمان بن عفان.

فقد أخرج الطبراني حديثاً وذكر في أوّله قصّة وهي : أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي ‌الله ‌عنه في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضّأ ، ثمّ ائت المسجد فصلّ فيه ركعتين ، ثمّ قل : اللهمّ إنّي أسألك ، وأتوجّه إليك بنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم نبي الرحمة ، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي فيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، ورح إليّ حتّى أروح معك ، فانطلق الرجل ، فصنع ما قال له ، ثمّ أتى باب عثمان ، فجاء البوّاب حتّى أخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان ، فأجلسه معه على الطنفسة وقال : ما حاجتك ، فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له : ما ذكرت حاجتك حتّى كانت هذه الساعة. وقال : ما كانت لك من حاجة فأتنا ، ثمّ إنّ الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتّى كلّمته فيّ ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلّمته ولكن شهدت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أفتصبر ؟ فقال يا رسول الله : إنّه ليس لي قائد وقد شقّ عليّ ، فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ائت الميضأة فتوضّأ ثمّ صلّ ركعتين ثمّ ادع بهذه الدعوات ، فقال عثمان : فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتّى دخل علينا الرجل كأنّه لم يكن به ضرّ قط.

قال الطبراني بعد ذكر طرقه والحديث صحيح (18).

وقال السيوطي في الدر المنثور : أخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أبي فديك قال : سمعت بعض من أدركت يقول : بلغنا أنّه من وقف عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فتلا هذه الآية : ( إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (19). صلّى الله عليك يا محمّد حتّى يقولها سبعين مرّة ، فأجابه ملك : صلّى الله عليك يا فلان ، لم تسقط لك حاجة (20).

وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال : حجّ أعرابي إلى باب مسجد رسول الله أناخ راحلته ، فعقلها ، ثمّ دخل المسجد حتّى أتى القبر ، ووقف بحذاء وجه رسول الله فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا ، مستشفعا بك على ربّك : لأنّه قال في محكم تنزيله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (21) وقد جئتك بأبي أنت وأمّي مثقلاً بالذنوب والخطايا ، استشفع بك على ربّك أنْ يغفر لي ذنوبي وأنْ يشفع في ، ثمّ أقبل في عرض الناس وهو يقول :

يا خير من دفنت في الترب أعظمه

 

فطاب من طيبهنّ القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

 

فيه العفاف وفيه الجود والكرم (22)

وقال ابن كثير في تفسيره : وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصبّاغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالساً عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (23) وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي ، ثمّ أنشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

 

فطاب من طيبهنّ القاع والأكم

نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه

 

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي ، فغلبتني عيني ، فرأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في النوم فقال : يا عتبي الحق الأعرابي ، فبشّره أنّ الله قد غفر له (24).

وروى السيوطي في تنوير الحوالك عن عليّ بن أبي طالب قال : قدم علينا أعرابيّ بعدما دفنّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلاثة أيّام ، فرمى بنفسه على قبر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وحثا من ترابه على رأسه ، وقال : يا رسول الله ، قلت فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله ، فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله عليك : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَّحِيمًا ) ، وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر : أنه قد غفر لك (25).

وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عمر أنّه قال : استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعبّاس بن عبد المطّلب فقال : اللهمّ هذا عمّ نبيّك العبّاس ، نتوجّه إليك به ، فاسقنا ، فما برحوا حتّى سقاهم الله (26).

وروى البخاري في صحيحه في كتاب الاستسقاء عن أنس : أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا قحطوا استسقى بالعبّاس بن عبد المطّلب ، فقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا ، قال فيسقون (27).

وروى في كنز العمال عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال : استسقى عمر ابن الخطّاب فقال : اللهمّ ! قد عجزت عنهم وما عندك أوسع لهم ، وأخذ بيد العبّاس فقال : هذا عمّ نبيّك ونحن نتوسّل به إليك ، فلمّا أراد عمر أنْ ينزل ، قلب رداءه ثمّ نزل (28).

وقال ابن حجر في فتح الباري : ويستفاد من قصّة العبّاس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوّة (29).

قال الواحدي في أسباب النزول قال : ابن عباس : « كان يهود خيبر تقاتل غطفان ، فكلّما التقوا هزمت يهود خيبر ، فعاذت اليهود بهذا الدعاء وقالت : اللهمّ إنّا نسألك بحقّ النبيّ الأميّ الذي وعدتنا أنْ تخرجه لنا في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم ، فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان ، فلمّا بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كفروا به ، فأنزل الله ( وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ) (30) يعني بك يا محمّد إلى قوله ( فَلَعْنَةُ الله عَلَى الْكَافِرِينَ ) (31) » (32).

وكما ترى فقد طلب رسول الله من المسلمين أنْ يتوسّلوا به وبأهل بيته ، وتوسّل الأعرابيّ بقبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على مرأى ومسمع من الصحابة ، ولم ينكر أحد ذلك ، وتوسّل المسلمون بالعبّاس عمّ النبيّ ، فعل ذلك عمر على مرأى ومسمع من الصحابة ، وهذا يسمى عند أهل السنّة إجماع ، وهو دليل شرعيّ عندهم.

وكذلك هناك العديد من الروايات التي تؤكّد ذلك المعنى للتوسّل ، أكتفي بما ذكرت وبما عليه أغلب علماء السنّة وأقرارهم بجواز ذلك.

أخي المؤمن ، توسّل إلى الله تعالى بمحمّد وأهل بيته ، وكن على يقين تامّ بأنّ الله لن يردّك خائباً ، كما استجاب للأعرابيّ وللمسلمين حين قحطوا وغيرها من الحوادث التي استجاب الله بسبب توجّههم إلى الله برسولنا محمّد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام ، لأنّنا مهما قدّمنا من أعمال وطاعات ، فإنّها مدخولة وناقصة ، لكنّها بتوسّلنا واستشفاعنا إلى الله تعالى بالطاهرين المطهّرين قطعاً سترفع أعمالنا وطاعاتنا إليه ، ولأجل ذلك ولحبّ الله تعالى لعباده المؤمنين ، جعل آخر شيء في الصلاة التشفّع والتوسّل بمحمّد وآل محمّد ، حتّى يجبر ما نقص في صلاتنا ، وبالتالي تصلح أن ترفع بين يدي الكبير المتعال ، ولولا وجود من نتوسّل بهم ونتشفّع بهم إلى الله تعالى ، لما رفع عمل ، ولما تحقّق نصر للمسلمين ، ولما نزل مطر من السماء ، لكثرة ذنوبنا وسيئاتنا وغفلتنا عن الله.

أخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : الأبدال في أمّتي ثلاثون : بهم تقوم الأرض ، وبهم تمطرون ، وبهم تنصرون (33). وأخرجه ابن مردويه. ورواه السيوطي في الدر المنثور.

قال السيوطي : وأخرج أحمد والحكيم الترمذي وابن عساكر عن عليّ عليه السلام قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : الأبدال بالشام ، وهم أربعون رجلاً ، كلّما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ، يسقي بهم الغيث ، وينتصر بهم على الأعداء ، ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق (34).

فما بالك بمَن توسّل نبيّ الله آدم عليه السلام بهم ، وهم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

روى الحاكم في المستدرك عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمّداً ولم أخلقه ؟. قال : يا ربّ ، لأنّك لمّا خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك ، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوباً : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلا أحبّ الخلق إليك. فقال الله : صدقت يا آدم ، إنّه لأحب الخلق إليّ ، ادعني بحقّه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمّد ما خلقتك (35). ورواه في تاريخ دمشق (36).

وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فقال قال سأل بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلا تبتَ عليّ ، فتاب عليه (37).

اللهمّ إنّي أتوسّل وأتوجّه إليك بنبيك وأهل بيته الطاهرين المعصومين ، اللهمّ بحقّهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

الهوامش

1. المائدة : 35.

2. الإسراء : 57.

3. القاموس المحيط 4 : 64.

4. الجامع الصغير 1 : 656 ، شعب الإيمان 2 : 215 ، سنن الترمذي 1 : 303. المعجم الأوسط 1 : 220 وعنه في مجمع الزاوئد 10 : 160 وقاله : رجاله ثقات ، الصواعق المحرقة 2 : 434.

5. كنز العمّال 2 : 88 عن الديلمي.

6. تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن ) 14 : 235.

7. راجع كنز العمّال 12 : 103.

8. المائدة : 35.

9. النمل 79 ـ 81.

10. المستدرك على الصحيحين 1 : 519 ، وقد تقدمت الرواية وتخريجها.

11. المستدرك على الصحيحين 1 : 526.

12. سنن الترمذي 5 : 229.

13. المعجم الصغير 1 : 183 ـ 184.

14. مجمع الزوائد 2 : 279.

15. مسند أحمد 4 : 138.

16. راجع تحفة الأحوذي للمباركفوري 10 : 25.

17. المصدر نفسه 10 : 25.

18. المعجم الصغير 1 : 183.

19. الأحزاب : 56.

20. الدرّ المنثور 1 : 237.

21. النساء : 64.

22. الدر المنثور : 237.

23. النساء : 64.

24. تفسير ابن كثير 1 : 532.

25. تنوير الحوالك : 12 ـ 13.

26. المستدرك على الصحيحين 3 : 334.

27. صحيح البخاري 2 : 16.

28. كنز العمّال 13 : 517.

29. فتح الباري 2 : 413.

30. البقرة : 89.

31. البقرة : 89.

32. أسباب النزول : 16. وأخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 263.

33. راجع الجامع الصغير 1 : 470 ، الدر المنثور 1 : 320.

34. الدر المنثور 1 : 320.

35. المستدرك على الصحيحين 2 : 625.

36. تاريخ دمشق 7 : 437.

37. أنظر الدر المنثور 1 : 60 ـ 61.

مقتبس من كتاب : [ نهج المستنير وعصمة المستجير ] / الصفحة : 293 ـ 305

 

أضف تعليق

التوسّل

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية