مباهلة النبي لأهل الكتاب

البريد الإلكتروني طباعة

مباهلة النبي لأهل الكتاب

تعرض القرآن لقضيّة المباهلة ، في الآية التالية : قال سبحانه : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) (١).

قال الزمخشري في تفسير الآية : لمّا دعاهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا للعاقد ـ وكان ذا رأيهم ـ : يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبي مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيّاً قط فعاش كبيرهم ، ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكنّ ، فإن أبيتم إلّا ألف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله ، وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه ، وعلي خلفها. وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمّنوا ، فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

فقالوا : يا أبا القاسم ! رأينا أن لا نباهلك وأن نقرّك على دينك ، ونثبت على ديننا. قال : « فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم » فأبوا ، قال : « فإنّي أُناجزكم » فقالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كلّ عام ألفي حلة ، ألف في صفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعاً عادية من حديد ، فصالحهم على ذلك ، قال : « والذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لاضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا ».

ثمّ قال الزمخشري : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلّا ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه ، وذلك أمر يختصّ به وبمن يكاذبه ، وأمّا ضمّ الأبناء والنساء ، فلأجل أنّ ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده ، وأحبّ الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة ، وخصّ الأبناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يقتل ، ومن ثمّ كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمّون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق (2).

إنّ معجزة النبي ـ وهي حلول العذاب على نصارى نجران ـ وإن لم تتحقّق بسبب انصراف النصارى عن المباهلة ، إلّا أنّ ذهاب الرسول إلى المباهلة واستعداده لذلك من جانب ، وانسحاب نصارى نجران من الدخول مع الرسول في هذا التباهل من جانب آخر ، يكشفان عن أنّ حلول العذاب كان حتميّاً لو تباهلوا ، فقد أدركوا الخطر وأحسّوا بخطورة الموقف ، فاستعدّوا للمصالحة والتنازل.

الهوامش

1. آل عمران : ٦١.

2. الكشاف : ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ « بتلخيص يسير » ولاحظ مجمع البيان : ١ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

مقتبس من كتاب : [ مفاهيم القرآن ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 100 ـ 101

 

أضف تعليق

آية المباهلة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية