سليم بن قيس

البريد الإلكتروني طباعة

( سليم بن قيس )

أبو صادق سليم (1) بن قيس الهلاليّ العامريّ الكوفيّ ، صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ، كان من كبراء أصحابه عليه السلام ومصنّفيهم ، عدَّه الشيخ في رجاله من أصحابه وأصحاب الحسن والحسين والسجّاد والباقر عليهم السلام وعدّه البرقيّ من أولياء أمير المؤمنين عليه السلام (2) ، وذكره النجاشيّ في الفهرست ص 6 في الطبقة الاُولى من مصنّفي الشيعة فقال : سليم بن قيس الهلاليّ ، له كتاب ، يكنّى أبا صادق ، أخبرني عليّ بن أحمد القميّ قال : حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد قال : حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه ، عن محمّد بن عليّ الصيرفيّ ، عن حمّاد بن عيسى وعثمان بن عيسى ، قال حمّاد بن عيسى : وحدّثناه إبراهيم بن عمر اليمانيّ ، عن سليم بن قيس بالكتاب.

وقال الشيخ في الفهرست ص 81 : سليم بن قيس الهلالىّ يكنّي أبا صادق ، له كتاب ، أخبرنا به ابن أبي جيّد ، عن محمّد بن الحسن بن الوليد . ـ إلى آخر ماسمعت عن النجاشيّ ـ.

وقال ابن النديم في الفهرست ص 307 : من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام سليم بن قيس الهلاليّ ، وكان هارباً من الحجّاج لأنّه طلبه ليقتله فلجأ إلى أبان بن أبي عيّاش فآواه ، فلمّا حضرته الوفاة قال لأبان : إنّ لك عليّ حقّاً وقد حضرتني الوفاة يا ابن أخي ، إنّه كان من أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله كيت وكيت ، وأعطاه كتاباً وهو كتاب سليم بن قيس الهلاليّ المشهور ، رواه عنه أبان بن أبي عيّاش ، لم يروه عنه غيره ، وقال أبان في حديثه : وكان قيس (3) شيخاً له نور يعلوه ، وأوّل كتاب ظهر للشيعة كتاب سليم بن قيس الهلاليّ . إه‍.

وذكر العلّامة في القسم الأوّل من الخلاصة ص 41 ، بعد ذكره كلام النجاشيّ المتقدّم عن السيّد عليّ بن أحمد العقيقيّ. مثل ما مرَّ عن ابن النديم ، إلّا أنّه قال : وكان شيخاً متعبّداً له نور يعلوه ، ثمَّ قال : وقال ابن الغضائري : سليم بن قيس الهلاليّ روى عن أبي عبدالله (4) والحسن والحسين وعليّ بن الحسين عليهم السلام ، وينسب إليه هذا الكتاب المشهور ، وكان أصحابنا يقولون : إنّ سليماً لا يعرف ولا ذكر في خبر ، وقد وجدت ذكره في مواضع كثيرة من غير جهة كتابه ولا رواية ابن أبي عيّاش عنه ، وقد ذكر له ابن عقدة في رجال أمير المؤمنين عليه السلام أحاديث عنه ، والكتاب موضوع لا مرية فيه ، وعلى ذلك علامات تدلّ على ما ذكرناه ، منها : ما ذكر أنّ محمّد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت (5) ، ومنها : أنَّ الأئمّة ثلاثة عشر وغير ذلك (6) ، وأسانيد هذا الكتاب تختلف تارة برواية عمر بن اُذينة عن إبراهيم بن عمر الصنعانيّ ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم ، وتارة يروي عن عمر ، عن أبان بلا واسطة والوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه والتوقف في الفاسد من كتابه. انتهى.

قلت : وتبع العلّامة المحقّقُ الداماد في الرواشح وحكم بتوثيقه وعدالته ، وعدَّه المصنّف في كتاب الغيبة من الثقات العظام والعلماء الأعلام ، بل الظاهر أنَّ الرجل في نفسه صدوق ثقة ، وإن توقّف فيه بعض لأجل كتابه.

( كتابه )

يعرف كتابه بكتاب سليم بن قيس ، وهو أصل من اُصول الشيعة ، وأقدم كتاب صنّف في الإسلام في عصر التابعين بعد كتاب السنن لابن أبي رافع (7) حاز بذلك مؤلِّفه قصب السبق وشرف التقدّم على من بعده ، وكان ذلك الكتاب في جميع الأعصار أصلاً ترجع الشيعة إليه وتعول عليه ، حتّى روي في حقّه عن الصادق عليه السلام أنّه قال : ومن لم يكن عنده من شيعتنا ومحبيّنا كتاب سليم بن قيس الهلاليّ فليس عنده من أمرنا شيء ولا يعلم من أسبابنا شيئا ، وهو سرّ من أسرار آل محمّد صلى الله عليه وآله وفي الكشيّ أنه قرأه أبان بن أبي عيّاش على عليّ بن الحسين عليه السلام قال ، صدق سليم رحمة الله عليه هذا حديث نعرفه.

وفي حديث آخر حدّث أبان أباجعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام : بهذا الحديث كلّه فاغرورقت عيناه ثمَّ قال : صدق سليم ، قد أتى أبي بعد جدّي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عنده فحدّثه بهذا الحديث بعينه ، فقال له أبي : صدقت ، قد حدّثني أبي وعمّي الحسن عليهما السلام بهذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام فقالا لك : صدقت ، قد حدّثك بذلك ونحن شهود ، ثمَّ حدّثناه أنّهما سمعا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وفي حديث آخر عن إثبات الرجعة لابن شاذان : ذكر حمّاد بن عيسى هذا الحديث عند مولانا أبي عبدالله عليه السلام فبكى ، وقال : صدق سليم فقد روى هذا الحديث أبي ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين عليه السلام قال : سمعت هذا الحديث عن أبي حين سأله سليم بن قيس الهلاليّ.

وفي حديث رابع عن مختصر البصائر أنّه قرأ أبان كتاب سليم على سيّدنا عليّ بن الحسين عليه السلام بحضور جماعة من أعيان أصحابه منهم أبوالطفيل فأقرَّه عليه زين العابدين عليه السلام ، وقال : هذه أحاديثاً صحيحة. ويعرب عن صحّة الكتاب وعناية الأصحاب به ما قال النعمانيّ في كتاب الغيبة ص 47 ، بعد ما أخرج عنه أحاديث تدلّ على أنَّ الأئمة إثنى عشر ، قال : بين جميع الشيعة ممّن حمل العلم ورواه عن الأئمّة عليهم السلام خلاف في أنّ كتاب سليم بن قيس الهلاليّ أصل من أكبر كتب الاُصول التي رواها أهل العلم حملة حديث أهل البيت عليهم السلام وأقدمها ، لأنّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنّما هو عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والمقداد وسلمان الفارسيّ وأبي ذرّ ومن جرى مجراهم ممّن شهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وسمع منهما ، وهو من الاُصول الّتي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها. إه‍.

وقد نقل عنه كثير من قدماء أصحابنا في كتبهم كثقة الإسلام في الكافي والصفّار في بصائر الدرجات ، والصدوق في من لا يحضره الفقيه والخصال. ويظهر ممّا نقلنا سابقاً عن ابن النديم أنّ كتاب سليم بن قيس أوّل كتاب ظهر للشيعة ، وممّا حكي من القاضي بدر الدين السبكيّ المتوفّى سنة 769 أنّه قال في محاسن الوسائل في معرفة الأوائل : إنّ أوّل كتاب صنّف للشيعة هو كتاب سليم بن قيس الهلاليّ ، انّ كتاب سليم هذا كان من الاُصول الشهيرة عند العامّة فضلاً عن الخاصّة ، وسيأتي في الفصل الثاني عن المصنّف أنّ كتاب سليم في غاية الاشتهار ، وقد طعن فيه جماعة ، والحقّ أنّه من الاُصول المعتبرة.

وبعد ذلك كلّه لا مجال لما حكي عن ابن الغضائريّ في الكتاب ومؤلّفه.

هذا جملة القول حول الكتاب وإن شئت الزيادة فليراجع إلى الروضات وتنقيح المقال والذريعة. وقد طبع الكتاب على صورته الأصليّة في النجف أخيراً.

الهوامش

1. بالتصغير.

2. الخلاصة : ص 93.

3. يعني سليم بن قيس ، لم يذكر اسمه للاختصار.

4. الظاهر أنه مصحف أميرالمؤمنين.

5. لان عمره كان عند موت أبيه دون الثلاث سنين.

6. قال الفاضل التفرشى في هامش نقد الرجال ص 159 : قال بعض الافاضل : رأيت فيما وصل الى من نسخة هذا الكتاب أن عبدالله بن عمر وعظ أباه عند موته ، وأن الائمة ثلاثة عشر من ولد اسماعيل ، وهم رسول الله صلى الله عليه وآله مع الائمة الاثنى عشر ولا محذور في أحد هذين. انتهى. واني لم أجد في جميع ما وصل الى من نسخ هذا الكتاب الا كما نقل هذا الفاضل ، والصدق مبين في وجه أحاديث هذا الكتاب من أوله الى آخره فكان ما نقل ابن الغضائري محمول على الاشتباه.

7. مما انعم الله تعالى على الطائفة المحقة الاماميّة تقدمهم في التأليف والتصنيف ، واحرازهم قصب السبق في تدوين العلوم ، وحفظهم التراث النبوي من الضياع والدثور ، قبل سائر الفرق من المسلمين ، فألفوا في عامة العلوم وشتى أنواع الفنون ما تقاعس عن فهرسه فحول المؤلفين ، ولا يحصى عدده غير خالقهم رب العالمين ، فأول من سبق في ذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله مولاهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فكان يلازم النبى صلى الله عليه وآله لزوم الظل لذيه فعلمه صلى الله عليه وآله ألف باب من الحكمة ، وأملى عليه من نواميس الاسلام وأحكامه وفروضه وسننه ومعارفه ما يحتاج الناس إليه في معاشهم ومعادهم فدون عليه السلام بخط يده في حياته صلى الله عليه وآله مما أملى عليه كتاب الاحكام والسنن ، وفيه كل حلال وحرام حتى أرش الخدش ، وهو المسمى بالصحيفة الجامعة ، وقد نقل البخاري في صحيحه في باب كتابة العلم ، وباب فكاك الاسير وباب إثم من عاهد ثم غدر وباب إثم من تبرء من مواليه ، وباب العاقلة ، وباب لا يقتل المسلم بالكافر عنه ، وصنف كتاباً في الديات يسمى بالصحيفة وكتاب الفرائض ، أخرجه الصدوق بتمامه في من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 221 ـ 230 وشيخ الطائفة في التهذيب ج 2 باب ديات الشجاج وأدرجه ثقة الاسلام في أبواب الديات من كتابه الكافي ، ودوّن أحاديث الجفر والجامعة و أحاديث مصحف فاطمة عليها السلام وغيرها ، وأملى على شيعته القواعد الكلية التي يستخرج منها أنواع العلوم ، وعلمهم من اصول المعارف وفروعها وعلوم العربية وفنونها وأنحاء علوم القرآن ونهج البلاغة وطرقها والطب والسياسات والخطب والمواعظ والزواجر وغيرها شيئاً كثيراً بحيث تنسب إليه جميع العلوم ، وكان مع ذلك يقول : « إن ههنا ـ وأشار إلى صدره ـ لعلماً جماً لو أصبت له حملة » . أضف إلى ذلك كله أنه كان كاتب الوحي في حياة الرسول صلى الله عليه وآله باجماع الامة وجامع القرآن بعد وفاته.

ثم اقتدت به عليه السلام شيعته ومتابعوه من طبقة الصحابة والتابعين كعبدالله بن عباس ، وسلمان وأبي ذر وجابر بن عبدالله الانصارى ، وأبي رافع القبطي مولى رسول الله صلى عليه وآله من الصحابة وأبي الاسود الدوئلي وعبيدالله وعلى ابني رافع وسليم بن قيس المترجم وأصبغ بن نباتة والحارث ابن عبدالله الاعور الهمداني وميثم التمار وعبيدالله بن حر الجعفي وربيعة بن سميع وزيد بن وهب الجهني ويعلى بن مرة وسعيد بن جبير بن هشام الاسدي ، وسعيد بن المسيب وغيرهم من التابعين فصنفوا في العلوم الاسلامية مثل التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه والرجال واصول المعارف وأخبار المغازي والسير والتواريخ والنحو واللغة والخطب والعهود والوصايا كتباً عديدة ممتعة ، يوجد ذكر بعضها في كتب الفهارس ، وأفرد العلامة صدرالدين في كتابه تأسيس الشيعة وكتابه الشيعة وفنون الاسلام في اثبات تقدم الشيعة في جميع العلوم وبيان تصنيفاتهم فيها في كل عصر وطبقة ونحن أوعزنا سابقا إلى تقدمهم في علم الحديث وأشرنا الى ما ألفوا فيه في كل عصر وطبقة اجمالا في مقدمتنا على كتاب وسائل الشيعة.

مقتبس من كتاب : [ بحار الأنوار ] / المجلّد : المدخل / الصفحة : 188 ـ 192

 

أضف تعليق

أعلام وكتب

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية