البكاء على أهل البيت عليهم السلام

البريد الإلكتروني طباعة

البكاء على أهل البيت عليهم السلام

البكاء على أهل البيت عليهم السلام

إنّ الكثير من أعداء أتباع أهل البيت عليهم السلام ، ومع انتشار المحطات الفضائيّة ، يعيبون ويطعنون على الشيعة كثرة بكائهم على أهل البيت عليهم السلام عند ذكر مصائبهم ومظلومياتهم ، وعند دعائهم وتضرّعهم إلى الله تعالى.

ثمّ إنّ الكثير من العامّة ينتقدون على أتباع أهل البيت تلك الظاهرة ، وحيث إنّ أغلب الناس لا يستطيعون الوصول إلى تلك الدرجة من الحبّ والولاء لأهل البيت من خلال البكاء ، فإنّهم يطبّقون المثل الشائع ـ قال هذا حامض لمّا لم يناله ـ لأن من عادة البشر إذا لم يستطيعوا شيئاً ، فإنّهم يطعنون فيه ، وفي نفس الوقت يحسدون أصحابه عليه.

قال تعالى في سورة النساء : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا ) (1).

والأصل أنْ يتفكّر الناس ويعتبروا من تلك الظاهرة ، وأنْ تكون سبباً لإعادة النظر في التاريخ ، والبحث عن مظلوميّات أهل البيت ، وسبب حبّ الشيعة لهم ، بدلاً من الطعن وكيل التهم ضدّ أتباع وأحباب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

في الحقيقة ، فإنّ دموع أولئك الجاحدون المبغضون لأهل البيت وأتباعهم قد جمدت ، ولم ترقّ قلوبهم لرسول الله وأهل بيته سلام الله تعالى عليهم ، ولقد وصل الحدّ عند بعضهم بتفسير حالة البكاء عند الشيعة بأنّها تعبير عن الندم على التفريط في الحسين وعدم نصرته ، فهم يبكون الحسين عليه السلام ندماً على ذلك ، هذا ما يدّعيه البعض من أولئك ، وأذكر أنّني كنت مرّة في زيارة لمسجد رسول الله ومرقده الشريف مع إخوة لي من المؤمنين ، وكان معنا وللأسف أحد أولئك الذين جمدت دموعهم ولم ترقّ قلوبهم ، وقد انتابتنا حالة روحانيّة جعلتنا نبكي كثيراً ، ما عدا ذلك الشخص الذي جعل يبرّر عدم بكائه بقوله : إنْ البكاء في مثل هذه الأماكن يدلّ على كثرة الذنوب ، وإنّ غير المذنب لا يبكي ، وجفاف دموعه وعدم بكائه تدلّ على قوّة إيمانه وانعدام ذنوبه . هكذا يبصرون ويحكمون ، وإنْ دلّ ذلك على شيء فإنّما يدلّ على قلّة اطّلاعهم وعدم فهمهم لماهيّة البكاء ومعناه ومدى أثره على النفس ، ودلالته على حبّ الله تعالى والقرب منه ، خصوصاً إذا كان البكاء على أحباب الله.

فالبكاء وذرف الدموع حالة طبيعيّة تحصل عند الإنسان السويّ نتيجة لاتحاد ظاهر الإنسان مع باطنه في لحظة خشوع أو تعظيم أو تفكّر وتذكّر.

ولأنّ هذه الحالة إذا كانت نتيجة حضور قلبيّ مشروع ، فإنّها تبشّر بقرب من الله تعالى فريد من نوعه لا يحصل مع غيرها من الحالات ، فقد أعدّ الله سبحانه وتعالى الثواب الجزيل لأولئك البكّائين خشوعاً أو خشية أو تذكّراً لمصائب أحباب الله ومنها مصائب ومظلوميات أهل البيت عليهم السلام ، أو أيّ أمر يكون البكاء بسببه من مراضي الله تعالى.

ولقد مدح الله تعالى البكّائين في مواطن كثيرة في الكتاب العزيز وفي السنّة النبويّة على لسان من لا ينطق عن الهوى رسولنا الأكرم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

قال تعالى في سورة الإسراء : ( وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ) (2).

وأورد السيوطي في الدر المنثور ما رواه أحمد بن حنبل في كتاب الزهد عن أبي الجرّاح ، عن أبي حازم : أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نزل عليه جبريل وعنده رجل يبكي ، فقال : من هذا ؟ قال : فلان. قال جبريل : إنّا نزن أعمال بني آدم كلّها إلا البكاء ، فإنّ الله يطفئ بالدمعة نهوراً من نيران جهنّم (3).

وما أخرجه الحكيم الترمذي ، عن النضر بن سعد قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو أنّ عبداً بكى في أمّة من الأمم ، لأنجى الله تلك الأمّة من النار ببكاء ذلك العبد ، وما من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة ، فإنّها تطفئ بحوراً من النار ، وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا حرم الله جسدها على النار ، وإنْ فاضت على خدّه لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة (4).

وأخرج ابن أبي شيبة ، عن الجعد أبي عثمان قال : بلغنا أنّ داود عليه السلام قال : إلهي ، ما جزاء من فاضت عيناه من خشيتك ؟ قال : جزاؤه أنْ أؤمنه يوم الفزع الأكبر (5).‏

وروي القرطبي في الجامع عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه أتى على شاب في الليل يقرأ : ( فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) (6). فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول : ويحي من يوم تنشقّ فيه السماء ويحي ! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ويحك يا فتى مثلها ، فوالذي نفسي بيده ، لقد بكت ملائكة السماء لبكائك (7).‏

وفي الدر المنثور أخرج أحمد والنسائي والطبراني والحاكم وصحّحه عن أبي ريحانة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : حرمت النار على عين دمعت من خشية الله ، حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله ، وعين غضّت عن محارم الله ، وعين فقئت في سبيل الله (8).

وأخرج ابن ماجة والحاكم وصحّحه والبيهقي في الشعب عن عثمان بن عفان قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : عينان لا تمسّهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله (9).

ثمّ إنّ للبكاء فوائد كثيرة ، فهو من أفضل العلاجات لقسوة القلب حيث ترقّق الدموع القلب ، وتجلّيه وتغسله ، وتزيل عنه الغشاوة ، وتجعله قابلاً مستعداً للمدد الإلهي ، فعلى قدر الاستعداد يكون الإمداد ، وكلّما صفى القلب انهالت عليه المواهب الإلهية والعطايا الربّانية الجليلة.

روي في الحديث القدسيّ أنّ الله تعالى قال : ما وسعني أرضي ولا سمائي ، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن. ( بالعلم والمعرفة والتجلّيات القدسية ).

أمّا أولئك الذين جمدت عيونهم وقست قلوبهم وما زالوا يعيبون على الشيعة أتباع أهل البيت عليهم السلام بكاءهم وصفاء قلوبهم ، فيكفيهم أنْ يقال لهم قوله تعالى في سورة النجم : ( أَفَمِنْ هَـٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ) (10).

إنّ البكاء على مصائب أهل البيت عليهم السلام ، خاصّة مصيبة أبي عبد الله الحسين وأهل بيته وأصحابه ، من أعظم وسائل القرب من الله سبحانه وتعالى ؛ لأنّ المؤمن عندما يبكى على أحباب الله من العترة الطاهرة ، فإنّه يشكّل حالة خاصّة من الولاء لمن أمر الله بولايتهم ونصرتهم ، وحالة خاصّة من الطاعة لله ولرسوله ليس لها نظير ، ويكون تأثيرها على النفس المؤمنة عظيم جدّاً ، حيث إنّها تمنح مفاهيم روحانية لا يدركها إلا أصحاب الأذواق السليمة والسلوك الإنساني الراقي ، تؤكّد وتجسّد معنى الولاية لأهل البيت عليهم السلام ، والمحبّة لهم ولأتباعهم المخلصين ، والسخط والبغض لأعدائهم وأتباعهم إلى يوم الدين.

وهذا في حقيقته يطهر قلب المؤمن وباطنه من كلّ أثر سلبي نتج بسبب الغفلة عن أهل البيت وموقعيّتهم ومظلوميتهم وحقيقتهم.

فالبكاء على أهل البيت عليهم السلام في كلّ مناسبة من أهم وسائل النجاة في الدنيا والآخرة ، فلولا دعاء المؤمنين وبكائهم وحزنهم على أهل بيت النبوّة والرحمة ، الأئمّة الطاهرين المعصومين ، لخسفت الأرض بمن عليها.

ثمّ إنّ البكاء على أهل البيت عليهم السلام من أسرع وأفضل وسائل القرب من الله تعالى ، ومن أعظم الدلائل على قبول الأعمال عنده عزّوجلّ فلربّما يقضي المرء عمراً طويلاً يصلّى ويصوم ، وليس عنده علم عن أهل البيت وأحقّيتهم ومظلوميتهم ، والأخطر من ذلك أنْ يقدم على الله على غير ولايتهم التي أوجبها الله على المسلمين جميعاً ، فتردّ أعماله ولا يقبل منها شيء ، بينما إذا تقرّب إلى الله عزّوجلّ بولايتهم سلام الله تعالى عليهم ، فإنّه من المقبولين عند الله تعالى بدلالة عشرات الآيات والأحاديث التي تأمر بولايتهم واتّباعهم والاقتداء بهديهم صلوات الله تعالى عليهم.

روى الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن عبّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثمّ لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار. حديث حسن صحيح على شرط مسلم (11). ورواه والطبراني في المعجم الكبير (12).

وروي عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام السجاد عليّ بن الحسين عليه السلام أنّه قال : أيّ البقاع أفضل ؟ فقلنا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال : أمّا أفضل البقاع ، ما بين الركن والمقام ، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ، ألف سنة إلا خمسين عاما ، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ، ثمّ لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا (13).

ولأجل ذلك اعتبر البكاء على أهل البيت سلام الله تعالى عليهم بالإضافة الى كلّ ما ذكرناه ، دليلاً قوياً على ولايتهم ، ولذلك نشاهد أتباع أهل البيت الذين ركبوا سفينة النجاة مع رسول الله وأهل بيته ، يحافظون على إحياء مناسبات أهل البيت ، يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم ، ويحيون أمرهم ، ولا شكّ في أنّ حبّهم إيمان وبغضهم نفاق (14) ، ومن الأدلّة على حبّهم البكاء عليهم.

لقد بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على الحسين قبل استشهاده ، وبكى على أمير المؤمنين وعلى أهل البيت ، وبكى على أمّه ، وبكى على ابنه إبراهيم ، وندب البكاء على حمزة وجعفر ، ممّا يؤكّد المعاني الكثيرة التي ذكرناها ، والتي تحثّ على البكاء عليهم ونصرتهم وولايتهم.

روى الطبراني وابن عساكر وغيرهم عن أم سلمة قالت : كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي ، فنزل جبريل فقال : يا محمّد إنّ أمّتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا أمّ سلمة وديعة عندك هذه التربة ، فشمّها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال : ويح وكرب وبلاء. قالت : وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا أمّ سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أنّ ابني قد قتل. قال : فجعلتها أمّ سلمة في قارورة ، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول : إنّ يوماً تحولين دماً ليوم عظيم (15).

وروى أحمد في مسنده : حدّثنا محمّد بن عبيد ، ثنا شراحيل بن مدرك ، عن عبد الله بن نجى ، عن أبيه : أنّه سار مع عليّ وكان صاحب مطهّرته ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين ، فنادى عليّ : اصبر أبا عبد الله ، اصبر أبا عبد الله ، بشطّ الفرات. قلت : وماذا تريد ؟. قال : دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم وعيناه تفيضان ، فقلت : يا نبيّ الله ، أغضبك أحد ؟ ما شأن عينيك تفيضان ، قال : بل قام من عندي جبريل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات. قال : فقال : هل لك أنْ أشمّك من تربته ؟ قال : فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أنْ فاضتا (16).

وروى الترمذي في سننه عن أبي سعيد الأشجّ ، عن أبي خالد الأحمر ، عن رزين ، عن سلمى قالت : دخلت على أمّ سلمة وهي تبكي فقلت : ما يبكيك ؟ فقالت : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تعني في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب. فقلت : ما لك يا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً (17).

وأيضاً بكى رسول الله على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، قبل أن تحلّ به المصائب ، وقبل أن تنتزع منه حقوقه التي أوجبها الله له وفرضها على المسلمين ، وقبل أنْ يقتله أشقى الآخرين.

فقد روى أبو يعلى في مسنده عن علي عليه السلام قال : بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة ، فمررنا بحديقة فقلت : يا رسول الله ! ما أحسنها من حديقة !. قال : لك في الجنّة أحسن منها ، ثمّ مررت بأخرى فقلت : يا رسول الله ! ما أحسنها من حديقة !. قال : لك في الجنّة أحسن منها ، حتّى مررنا بسبع حدائق كلّ ذلك أقول : ما أحسنها ، ويقول : لك في الجنّة أحسن منها ، فلمّا خلا له الطريق اعتنقني ، ثمّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ! ما يبكيك ؛ قال : ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي ، قلت : يا رسول الله ! في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك (18).

وروي في مسند أحمد والمعجم الكبير عن أسماء بنت عميس رضي‌ الله عنها زوج جعفر بن أبي طالب رضي ‌الله ‌عنه. قالت لمّا أصيب جعفر وأصحابه دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : أئتني ببني جعفر ، قالت فأتيته بهم ، فشمّهم وذرفت عيناه فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : نعم ، أصيبوا هذا اليوم (19).

وروى الحاكم في المستدرك عن جابر ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : أخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بيدي ، فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه وهو يجود بنفسه ، فأخذه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في حجره حتّى خرجت نفسه. قال : فوضعه ، وبكى. قال : فقلت : تبكي يا رسول الله ، وأنت تنهي عن البكاء. قال : إنّي لم أنهَ عن البكاء ... ، وهذه رحمة ، ومن لا يَرحم لا يُرحم ، ولولا أنّه وعد صادق ، وقول حقّ ، وأنْ يلحق أولانا بأخرانا لحزنّا عليك حزناً أشدّ من هذا ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ (20).

وروي أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل على فاطمة وهي تقول : واعمّاه ، فقال : على مثل جعفر فلتبك البواكية (21).

وكذلك ندب رسول الله إلى البكاء على حمزة بعد استشهاده وذلك حين رجع من معركة أحد ، فسمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهنّ فقال : « لكن حمزة لا بواكي له » فبلغ ذلك نساء الأنصار فجئن يبكين على حمزة (22).

وروى مسلم وأبو داود وغيرهما كثير أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم زار قبر أمّه فبكى وأبكى من حوله (23).

وروى النسائي وغيره عن أنس أنّ فاطمة عليها السلام بكت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حين مات ، فقالت : يا أبتاه من ربّه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه (24).

وكذلك بكت زينب بنت أمير المؤمنين على أبيها وعلى أخويها الحسن والحسين عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.

وأخيرا وبعد كلّ ما ذكرت ، أقول لماذا الطعن والتشكيك من أعداء أهل البيت وأتباعهم ؟ فهاهم الشيعة قد لبّوا نداء ربّهم ويسارعون في تنفيذ أمر رسولهم ويشهدون العالم على ولايتهم وحبّهم لأئمّتهم وفاء بعهدهم ، فلماذا يتّهمهم خصومهم بالباطل مع أنّهم أهل الحقّ والحقّ معهم ؟.

إنّ على المسلم الحقيقي أنْ يحاسب نفسه دوما ، ويراجع تاريخه ومصادره قبل الحكم على الآخرين والطعن عليهم ، فلربّما تكون النجاة فيما ينكر الإنسان الجاهل بأمور ليس عنده فيها علم ، فيتسرّع ويتجرّأ على إنكارها والطعن فيها وليس عنده دليل على صحّة إدعائه سوى الجهل.

وليس هذا هو الطعن الوحيد على اتباع الفرقة الناجية ، أتباع المذهب الحقّ ، بل هناك العديد من الأحكام ، لو نظر المسلم المنصف فيها وكان ذو عقل سوي ، لوجد أنّ الشيعة أتباع أهل البيت عليهم السلام هم أهل الحقّ ، وهم مع الحق وينهجون منهج الحقّ.

وأحبّ أنْ أختم الموضوع ببعض الروايات عن أهل البيت عليهم السلام والتي تحفز على البكاء على أهل البيت ومصائبهم.

فقد روى الصدوق عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم ، قال : من تذكّر مصابنا ، فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا ، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (25).

وروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال : قال الإمام الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر (26).

وقال الإمام الصادق عليه السلام أيضاً : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله (27).

ولذلك كان البكاء على أهل البيت عليهم السلام من الأعمال الصالحة التي ثبت من الشارع المقدّس استحبابها ، وأعدّ الثواب العظيم عليها ، لأنّ المقصود منها طاعة الله تعالى ، وطاعة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، إحياءً لأمر أهل البيت عليهم السلام ، وتجديد ذكراهم ، وتعظيم شعائر الله فيهم وبهم كما أمر الله تعالى وطلبا لمرضاته ، واستحقاق ثوابه ، ونيل جزائه ، قال تعالى : ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (28). صدق الله العلي العظيم.

من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون

الهوامش

1. النساء : 54 ـ 55.

2. الإسراء : 109.

3. راجع الدرّ المنثور 4 : 206.

4. راجع الدر المنثور 4 : 106.

5. المصنّف لابن أبي شيبة 8 : 120.

6. الرحمن : 37.

7. تفسير القرطبي 17 : 176.

8. الدر المنثور 1 : 246.

9. الدر المنثور 1 : 246.

10. النجم : 59.

11. المستدرك على الصحيحين 3 : 149.

12. المعجم الكبير 11 : 142.

13. من لا يحضره الفقيه 2 : 245.

14. أنظر مثلاً قول الرسول بحقّ علي عليه السلام : لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق في صحيح مسلم 1 : 61 ، سنن الترمذي 5 : 306 ، سنن النسائي 8 : 116.

15. المعجم الكبير 3 : 108 ، تاريخ دمشق 14 : 192 ـ 193.

16. مسند أحمد 1 : 85 ، مسند أبي يعلى 1 : 298 ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 187 وقال : رجاله ثقات.

17. سنن الترمذي 5 : 323 ، المستدرك على الصحيحين 4 : 19.

18. مسند أبي يعلى 1 : 427.

19. مسند أحمد 6 : 370 ، المعجم الكبير 24 : 144.

20. المستدرك على الصحيحين 4 : 40.

21. الطبقات الكبرى 8 : 282 ، وأنظر المصنّف لعبد الرزاق 3 : 550.

22. راجع السنن الكبرى للبيقهي 4 : 70 ، شرح معاني الأثار 4 : 293.

23. صحيح مسلم 3 : 65 ، سنن أبي داود 2 : 87.

24. سنن النسائي 4 : 130.

25. عيون أخبار الرضا 2 : 264.

26. كامل الزيارات : 215.

27. الأمالي للمفيد : 338.

28. الحج : 32.

مقتبس من كتاب : نهج المستنير وعصمة المستجير / الصفحة : 313 ـ 323

 

أضف تعليق

إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وإقامة الشعائر

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية