موقف الإمام الرضا عليه السلام من الغلو والغلاة

البريد الإلكتروني طباعة

موقفه من الغلو والغلاة

بادئ ذي بدأ لابدّ لنا من معرفة المراد بالغلوّ لكي تتّضح خطورته ومن ثمّ سوف نتعرّض لموقف الإمام الرضا عليه السلام منه.

الغلو : هو تجاوز الحدّ ، يقال : غلا في الدِّين والأمر يغلو غلواً ، وقال بعضهم : هو تجاوز الحدّ والإفراط فيه (1).

يقول الشهرستاني : انّ الغلاة هم الذين غلو في حقّ أئمّتهم حتّى أخرجوهم من حدود الخلقيّة ، وحكموا فيهم بأحكام الإلوهيّة ، وربّما شبهوا واحداً من الأئمّة بالإله ، ولربّما شبهوا الإله بالخَلق (2).

لقد عمل الغلاة على اتّخاذ مواقف مناقضة لمبادئ الإسلام الصافية ممّا دفع أئمةّ الشيعة ورجالاتها إلى البراءة منهم ومحاربتهم.

ومن خلال النظرة الفاحصة للروايات الواردة عن الإمام الرضا عليه السلام حول الغلاة ، يمكننا تحديد موقفه منهم من خلال النقاط التالية :

أوّلاً : إنّ الغلو كان نتيجة الوضع في الأخبار :

لقد نوّهنا بأن الإمام عليه السلام في معرض ردّه للشبهات المثارة على أهل البيت عليهم السلام قال لإبراهيم ابن أبي محمود : « إنّ أعدائنا وضعوا أخباراً على ثلاثة أقسام : أحدها الغلو .. فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا » (3).

ثانياً : إن الأئمّة عليهم السلام عباد مخلوقون وليسوا بآلهة :

لقد سدَّ إمامنا المنافذ أمام الغلاة الذين شبهوا الأئمّة بالإله من خلال شبهة المعجزات ، فأعلن أنّ الأئمّة ليسوا بأكثر من عباد مخلصين اصطفاهم الله تعالى لدينه ، وليسوا بآلهة ، وأنّ المعجزات التي ظهرت على أيديهم هي كرامات أكرمهم الله تعالى بها. يتّضح لنا كلّ ذلك من الرواية التالية : عن أبي محمد العسكري أنّ أبا الحسن الرضا عليهم السلام قال : « إنَّ من تجاوز بأمير المؤمنين العبوديّة فهو من المغضوب عليهم ومن الضّالين. وقال أمير المؤمنين عليه السلام : لاتتجاوزوا بنا العبوديّة ، ثمّ قولوا ما شئتم ولن تبلغوا ، وإيّاكم والغلو كغلو النّصارى ، فإنّي بريء من الغالين ».

وسئل عليه السلام ـ في الرواية نفسها ـ عن قول الغلاة ـ لعنهم الله ـ في أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال عليه السلام : « سبحان الله عمّا يقول الظالمون والكافرون علوّاً كبيراً !! أوليس علي كان آكلاً في الآكلين ، وشارباً في الشاربين ، وناكحاً في الناكحين ، ومحدثاً في المحدثين ؟ وكان مع ذلك مصلّياً خاضعا بين يدي الله ذليلاً ، وإليه أوّاها منيباً ، أفمن هذه صفته يكون إلهاً ؟! فإن كان هذا إلهاً فليس منكم أحد إلّا وهو إله لمشاركته له في هذه الصفات الدالات على حدوث الموصوف بها ».

ثمّ قال عليه السلام عن شبهة المعجزات التي تشبث بها الغلاة ـ لعنهم الله ـ : « لمّا ظهر منه ـ الفقر والفاقة ـ دلّ على أنّ من هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لاتكون المعجزات فعله ، فعلم بهذا أنَّ الذي أظهره من المعجزات إنّما كانت فعل القادر الذي لايشبه المخلوقين ، لافعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف » (4).

وسأله المأمون ذات يوم عن الغلاة فقال عليه السلام : « حدّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : لاترفعوني فوق حقّي ، فان الله تبارك وتعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتّخذني نبيّاً ، قال الله تبارك وتعالى : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ .. ) (5).

وقال علي عليه السلام : يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي ؛ محبّ مفرط ، ومبغض مفرط ، وأنا أبرأ إلى الله تعالى ممّن يغلو فينا ويرفعنا فوق حقّنا كبراءة عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى ، قال الله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ .. ) (6) وقال عزّوجلّ : ( لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ .. ) (7) وقال عزّوجلّ : ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ .. ) (8) ومعناه أنّهما كانا يتغوّطان ، فمن ادّعى للأنبياء ربوبيّة وادّعى للأئمّة ربوبيّة أو نبوّة أو لغير الأئمّة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة » (9).

ثالثاً : تكفير الغلاة والزجر عن مخالطتهم :

وخير ما يعبر عن هذا رواية أبي هاشم الجعفري رضي الله عنه عن الإمام الرضا عليه السلام وقد سأله عن الغلاة ، فقال بعد أن كفرهم صراحةً :

« .. من جالسهم أو خالطهم أو آكلهم أو شاربهم أو واصلهم أو زوّجهم أو تزوّج منهم أو آمنهم أو ائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله عزّوجلّ وولاية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وولايتنا أهل البيت » (10).

رابعاً : تشبيهه عليه السلام الغلاة باليهود ونظرائهم :

عن علي بن معبد بن الحسين بن خالد الصيرفي ، قال : قال أبو الحسن الرضا عليه السلام : « من قال بالتناسخ فهو كافر » ثمّ قال عليه السلام : « لعن الله الغلاة ، ألا كانوا يهوداً ! ألا كانوا مجوساً ! ألا كانوا نصارى ! ألا كانوا قدرية ! ألا كانوا مرجئة ! ألا كانوا حرورية ! » ثمّ قال عليه السلام : « لا تقاعدوهم ولا تصادقوهم ، وابرؤوا منهم ، بريء الله منهم » (11).

الهوامش

1. اُنظر : لسان العرب / ابن منظور 10 : 112 ، مادة « غلا ».

2. الملل والنحل 1 : 154.

3. انظر : عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 272 ، ح 63 ، باب 28.

4. الاحتجاج 2 : 453 ـ 454 ، باب 314.

5. سورة آل عمران : 3 / 79.

6. سورة المائدة : 5 / 116.

7. سورة النساء : 4 / 172.

8. سورة المائدة : 5 / 75.

9. عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 217 ، ح 1 ، باب 46.

10. عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 219 ، ح 4 ، باب 46.

11. عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 218 ، ح 2 ، باب 46.

مقتبس من كتاب : [ الإمام الرضا سيرة وتاريخ ] / الصفحة : 158 ـ 162

 

أضف تعليق

الغلو

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية