فلسفة الغيبة

البريد الإلكتروني طباعة

فلسفة الغيبة

بعد طرح أصول الوعي التاريخي في المنظور المهدوي لابدّ لأجل استكمال بناء النظريّة من استعراض ثلاث مقولات مركزيّة للقضيّة المهدويّة ألا وهي : الغيبة ، الانتظار ، تعجيل الظهور.

في هذا الفصل نبحث في المقولة الأولى ، وفي الفصل السادس نعالج المقولة الثانية ، ونترك المقولة الثالثة للفصل السابع والأخير.

لقد كثر اللغط والجدل حول غيبة الإمام حتّى أحيطت بظلال قاتمة من الحيرة والغرابة زلّت معها الكثير من الأقدام في أوحال التشكيك والتكذيب ، عن الإمام العسكري عليه السلام : « ألا إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله عزّ وجلّ » (1).

هذه الغيوم زادها اتّساعاً إعراض الكثيرين عن الكتابة في الموضوع ممّا جعل « الثقافة المهدويّة » تفتقر إلى الكثير من البحوث والدراسات الشاملة والمعمّقة فيما يتعلّق بهذه المسألة بالذات « الغيبة فلسفتها وأبعادها ».

و « الثقافة المهدويّة » بكونها الأرضيّة الفكريّة والعقائديّة للارتباط بالمهدي ، والقاعدة التربويّة لتنشئة جيل مهدوي عاطفيّاً ومفاهيميّاً وسلوكيّاً ، عليها أن تتصدّى لهذا البعد المُهمَل نسبيّاً ، ولابدّ ألّا تكتفي لتفسير المسألة بالبعد الغيبي فقط ـ وإن كان لهذا العامل دور مركزي في المسألة ـ ولكن عليها أيضاً أن تعالج الفكرة في عمقها التاريخي والحضاري وفي ضوء تصوّر الإسلام لحركة الإنسان وحركة المجتمع.

من هنا نحاول في هذا الفصل من « النظريّة المهدويّة في فلسفة التاريخ » سدّ هذه الثغرة في نسق ثقافتنا المهدويّة سائلين المولى و عجل أن يُثَبِّتَنا على دينه وأن يُليِّن قلوبنا لولي أمره وأن يعافينا بما امتحن به خلقه ، « اللّهمّ وثبّتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك ، وبإذنك غاب عن بريّتك ، وأمرك ينتظر ، وأنت العالم غير المعلَّم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليّك في الإذن له بإظهار أمره ، وكشف سرّه ، فصبّرني على ذلك حتّى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ، ولا تأخير ما عجّلت ، ولا كشف ما سترت ، ولا البحث عمّا كشفت ، ولا أنازعك في تدبيرك ، ولا أقول لِمَ وكيف ، وما بالُ ولي أمرك لا يظهر ، وقد امتلأت الأرض من الجور ، وأفوّض أموري كلّها إليك » (2).

الغيبة الصغرى ودلالاتها

للمهدي عجّل الله تعالى فرجه غيبتان : صغرى وكبرى ، عن أبي جعفر عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين » (3).

وعن حازم بن حبيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « يا حازم إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين فمن جاءك يقول : إنّه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه » (4).

وتبدأ الغيبة الصغرى من حين تولّي الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه مسؤوليّة الإمامة بعد وفاة أبيه ـ سنة ٢٦٠ هـ ـ وعمره حينذاك خمس سنين ، ( يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) [ مريم ] ، ويذهب بعض العلماء إلى أنّ الغيبة الصغرى تبدأ من حين الولادة ـ سنة ٢٥٥ هـ ـ وتمتدّ الغيبة إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، ولقد كان اتّجاه الأئمّة عليهم السلام منذ عصر الإمام الجواد والهادي عليهما السلام التخفيف من الاتّصال بمواليهم ، واعتمدوا أسلوب المراسلة عن طريق الكتب والتواقيع لشدّة الحصار المضروب عليهم والطوق الذي تحكمه السلطات على تحرّكاتهم خاصّة زمن الإمام الحسن العسكري عليه السلام لِما اشتهر في الآفاق أنّه سيولد الإمام الثاني عشر ، ويقتلع جذور الطغاة ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولذلك حرص الإمام العسكري أن تتمّ الولادة المباركة في كنف السرّية التامّة ولم يَرَ الإمام المهدي سوى خاصّته.

وحتّى عند وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ٨ / ربيع الأوّل / سنة ٢٦٠ هـ ، لم يظهر المهدي عجّل الله تعالى فرجه إلّا للخاصّة ، وبدأت حينها السفارة بينه وبين الشيعة التي امتدّت طيلة تسع وستين عاماً وستّة أشهر وخمسة عشر يوماً كما ينقل المؤرّخون ، وسفراؤه هم على التوالي :

الأوّل : عثمان بن سعيد بن عمرو العمري.

الثاني : محمّد بن عثمان بن سعيد.

الثالث : حسين بن روح النوبختي.

الرابع : علي بن محمّد السمري.

ولما استوفت الغيبة الصغرى أغراضها صَدَر من الإمام عليه السلام إلى السفير الرابع توقيعه الأخير سنة ٣٢٩ هـ وهو : « بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمّد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك ؛ فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام ، فاجمع أمرك ولا توصِ لأحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة الثانية فلا ظهور إلّا بإذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً » (5).

ولقد حقّقت الغيبة الصغرى جملة من الأهداف ، أهمّها :

أوّلاً : إثبات وجود المهدي لما حفّت ولادته من ظروف من خلال ما يصل إلى الشيعة عنه عبر السفراء والوكلاء من تواقيع وبيّنات وبيانات.

ثانياً : اعتياد الناس على أسلوب استتار الإمام واحتجابه بعد ما كانوا يعاصرون الأئمّة السابقين عليهم السلام ويتمكّنون من مقابلتهم والاتّصال بهم مباشرة.

ثالثاً : التدرّج مع الناس في اختفاء الإمام ؛ لأنّ انسحاب القائد بشكل مباشر من الساحة قد يصدم الناس ولا يستطيعون مواجهة الأحداث وتدبير أمورهم الدينيّة والدنيويّة بمعزل عن الإمام « لأنّ هذه القواعد كانت معتادة على الاتّصال بالإمام عليه السلام في كلّ عصر والتفاعل معه والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوّعة فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحيّة والفكريّة سبّبت هذه الغيبة المفاجأة الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كلّه ويشتّت شمله » (6) ، وهذا يفسّر حكمة الإمام المهدي في تدرّجه في الاحتجاب فهو أقلّ اعتزالاً في الفترة الأولى من السفارة ولكن لم نبلغ عصر السفير الرابع حتّى لا يكاد ينقل عن الحجّة عجل الله تعالى فرجه أيّ مشاهدة.

ولم تنته هذه المرحلة ـ فترة السفارة ـ حتّى نشأ جيل جديد مستعدّ لتقبّل غيبة الإمام والتعامل مع القيادة بشكل غير مباشر ، ولا يرى بأساً في انقطاع السفارة واحتجاب الإمام عن قواعده.

لكن السؤال يطرح نفسه في مقام البحث : لماذا لم يتواصل أسلوب السفارة وبالتالي استمرار الغيبة الصغرى ؟ لماذا انقطع هذا الأسلوب من الاتّصال لتبدأ الغيبة الثانية ؟

ويمكن إرجاع الجواب إلى العوامل التالية :

أوّلاً : حقّق الغرض من أسلوب السفارة ـ وهو كما رأينا ـ : تعويد الذهنيّة والنفسيّة العامّة على التعامل مع أسلوب جديد في الارتباط بالإمام : ألا وهو الارتباط بإمام مستور.

ثانياً : تشديد الحصار على المهدي عجّل الله تعالى فرجه من قبل السلطات وتكثيف المراقبة عليه وعلى مواليه وعلى سفرائه أيضاً ممّا يهدّد وجود المهدي نفسه.

ثالثاً : إنّ استمرار أسلوب السفارة وامتداده أكثر يعني انكشاف أمر المهدي لعدم إمكان الجمع بين أسلوب السفارة إلى أجل غير محدود والسرّية كقاعدة في العمل.

الغيبة الكبرى وأبعادها

بدأت الغيبة الكبرى سنة ٣٢٩ هـ حين أعلن الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه في توقيعه الأخير نهاية السفارة ، وكان ذلك إيذاناً بغياب الإمام واستتاره ، وأنّه لن يظهر إلّا بعد انتهاء أمد هذه الغيبة بعد أن يأذن له الله بذلك ، ويساوق هذا بدء حقبة هامّة في التاريخ الإسلامي ـ في مرحلة النبوّة الخاتمة ـ وهي تمهّد للمرحلة الأخيرة من مراحل التاريخ ، وهي مرحلة الظهور وقيام المجتمع الرشيد كما شرحنا ذلك في الفصل السابق.

وتمتاز الغيبة الكبرى عن الغيبة الأولى من عدّة جهات :

الأولى : النيابة في عصر الغيبة الصغرى كانت لأشخاص معيّنين بذواتهم ، وكانوا يمارسون دور النيابة في أسلوب السفارة ، أمّا في زمن الغيبة الكبرى فإنّ النيابة تكون لخطّ عام ضبطه الإمام من خلال الخصائص العامّة الذي يجب أن تتوافر في الفقيه ، فقد ورد في توقيع الحجّة : « فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه » (7).

الثانية : الغيبة الكبرى هي المرحلة الأساسيّة في الاستتار ، وما الغيبة الصغرى سوى مقدّمة للغيبة الثانية ، فإن كانت الأولى قد استنفذت أغراضها بما أنّها مهّدت فعلاً للثانية ، فإنّ الغيبة الكبرى لا تزال ممتدّة قصد استكمال الشرائط الأساسيّة للظهور بعد ضمان الأطروحة الكاملة المتمثّلة بالإسلام كنظام اجتماعي شامل لتلك الدولة العالميّة والقائد المعصوم لهذه الدولة ، ولم يبق سوى تأمين الطليعة من الأنصار الذين سينصرون المهدي ويساعدونه في مواجهته ومعركته الكبرى ، وانتظار توافر الظرف السياسي العام الملائم لقيام هذه الدولة العالميّة.

الثالثة : إن توافر الشرطين السابقين يحتاج إلى أمد طويل ممّا يستوجب طول الغيبة ، وما يلزم من ذلك من حيرة واضطراب تصل بالبعض إلى درجة الشكّ ، فعن علي بن الحسين عليه السلام : « إنّ للقائم منّا غيبتين إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات ، ويقول بعضهم : قتل ، ويقول بعضهم : ذهب ، حتّى لا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفر يسير » (8).

وتجعل الغيبة الكبرى المؤمنين على محك الامتحان والابتلاء الذي يشكّل قانوناً عامّاً يحكم هذه الفترة ؛ لأنّه لا يمكن فرز الجيش المهدوي المقاتل إلّا في أجواء المحن والشدائد حتّى يولد من رحم هذا الواقع الصعب أنصار المهدي الذين يعيشون أعلى درجات الارتباط والولاء ، ( إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) [ الصف ].

وهذه الخصائص التي توافرت عليها الغيبة الكبرى : استطالة في الزمن ، احتجاب الإمام ، الوضع العالمي غير المستقرّ ، اضطراب حال المسلمين عموماً ... ، توجب على المتابع أن يسأل عن علّة الغيبة ولماذا حُرِمت الأُمّة من إمامها في ظروف هي أحوج ما تكون إليه ؟

وكيف يظهر الباطل على الحقّ في أكثر من موقع وتعجّ الأرض بالمظالم والانتهاكات والإمام لا يظهر ؟ هذه الأسئلة وغيرها تراود الكثيرين واستند إليها البعض للتشكيك في أصل المعتقد.

ونحن نسلّم أنّ أفعال الله معلَّلة بأغراض ، وأنّه ما من فعل يصدر من المولى عزّوجلّ إلّا وله حكمة ومصلحة للخلق ، ولا يبرّر عدم قدرتنا على فهم هذه الحكمة والإحاطة التامّة بملاك هذه الوقائع الرّدّ والإنكار ، عن الصادق عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدَّ منها يرتاب فيها كلّ مبطل ، فقلت : ولمَ جعلت فداك ؟ قال : الأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. فقلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره ؛ إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما آتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلى وقت اقترافها يا ابن الفضل ؛ إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله تعالى ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف » (9).

فالعقل البشري لا يمكن أن يدرك كلّ أسرار الغيبة إلّا بعد ظهور الإمام ؛ لأنّنا مهما أوتينا من علم لا يمكن أن تنكشف لنا كلّ الحقائق والنواميس الكونيّة والإلهيّة التي تحكم العالم والتاريخ.

ولكنّنا مع الإقرار بهذه الحقيقة يمكن أن نتلمّس الطريق لمعرفة بعض وجوه وأبعاد الغيبة بالمقدار الذي دلّت عليه روايات أهل البيت عليهم السلام وبما نستوحيه من نظرة الإسلام العامّة للكون والحياة وفلسفته لحركة التاريخ والمجتمع. فلا منافاة بين تلك الحقيقة وهذا المبدأ ؛ لأنّ الأولى تستبعد الإحاطة التفصيليّة بكلّ الأسرار أمّا هذا المبدأ فينصّ على إمكان المعرفة الإجماليّة لبعض الأبعاد :

١. البعد القيادي للغيبة

والمقصود منه العوامل المرتبطة بالإمام نفسه وأدّت لغيابه ، فالقائد لابدّ أن يمتلك كلّ الظروف الملائمة التي تخوّل له قيادة المسيرة بسلام ، خاصّة بالنسبة لقائد عالمي كالمهدي عجّل الله تعالى فرجه الذي يمتاز عن أيّ قائد آخر بالامتداد الأفقي لساحته التغيريّة حيث تتّسع لكلّ العالم ويمتاز أيضاً بالرفض المطلق لكلّ أنظمة الظلم ورؤوسه وبالتالي فهو قائد ثورة شاملة معلنة لا تقيّة فيها ، وهذه الأبعاد القياديّة للغيبة يمكن إرجاعها إلى العناصر التالية :

أ. الخوف من القتل : قد وردت أحاديث كثيرة عن الأئمّة عليهم السلام تعلّل الغيبة بالخوف من القتل والخوف من الذبح وما قارب هذا المعنى ، وهي تؤكّد أنّ الإمام بما هو مستودع الوصاية الإلهية يمثّل الحفاظ على حياته أهمّيّة قصوى ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « يا زرارة لابدّ للقائم عليه السلام من غيبة ، قلت : ولم ؟ قال : يخاف على نفسه وأومأ إلى بطنه » (10).

وعن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « للغلام غيبة قبل وفاته. قلت : ولم ؟ قال : يخاف على نفسه الذبح » (11).

إنّ خوف الإمام على نفسه من القتل ، وحرصه على وجوده الشريف ، ليس إخلالاً بدوره القيادي ـ كما يتوهّم ـ في الحياة والتاريخ ، وإنّما هو حرص على الرسالة ، وهي حالة عاشها كلّ الأنبياء عبر التاريخ في صراعهم مع الطواغيت ، فهذا الحرص لا ينبع من نزعة أنانيّة منغلقة على الذات ، وخاضعة لغريزة حبّ البقاء ، وإنّما هو شعور ينشأ عن إصرار على أداء الأمانة وتبليغ الرسالة ، وذلك متوقّف عقلاً على وجود وحياة الولي نفسه ، عن المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ، يقول فيها : ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربّي حكماً وجعلني من المرسلين » (12).

ونواجه في هذا المقام إشكالاً فحواه أنّ الأئمّة عليهم السلام كلّهم كانوا في مَعْرض القتل فلماذا لم يتواروا كالمهدي عجّل الله تعالى فرجه بل كانوا ظاهرين ؟

إنّ السائل غاب عنه أنّ حال المهدي يختلف عن حال آبائه ، فهو معروف عنه أنّه لن يترك مملكة لظُلم ولا سلطان لجائر وأنّه سيملأ الأرض عدْلاً وقسطاً وسيقتلع كلّ الطواغيت من الأرض ، ومن كان هذا شأنه لا يخرج عن دائرة الرصد والمراقبة والملاحقة خوفاً من قومه ، ومن جهة أخرى « آباؤه إنّما ظهروا ؛ لأنّه كان من المعلوم أنّه لو حدث لهم حادث لكان هناك من يقوم مقامهم وسند يسندهم من أولادهم ، وليس كذلك صاحب الزمان ؛ لأنّ المعلوم أنّه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف ، ولذلك وجب استتاره وغيبته وفارق حاله حال آبائه عليهم السلام » (13).

ب. الاستقلالية في القرار : إنّ القائد العالمي الذي يحمل مشروع خلاص الأرض والإنسان من مآسي امتدّت قرون طويلة والذي يعلنها حرباً لا هوادة فيها على كلّ الذين حرموا الإنسانيّة نعمة العدل والأمن والرفاه ، لابدّ أن يكون مستقلّاً في قراره غير ملزم بولاء أو عهد لأيّ جهة كانت ولأيّ سلطة غاشمة.

عن المهدي عجل الله تعالى فرجه : « إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي » (14) ، فغيبة الإمام وابتعاده عن ضغوطات الحكومات الجائرة تحول دونه ودون الالتزام بعقد أو عهد مع هؤلاء الجبارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة » (15).

لقد انطلق التخطيط الإلهي لتحقيق هذه الاستقلاليّة والأصالة في القرار وعدم التبعيّة لأحد مبكّراً منذ ولادة المهدي نفسه وما اكتنفها من إغماض وتكتّم ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على الخلق لئلّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج » (16).

ج. تكامل القائد « تكامل ما بعد العصمة » : لمّا اقتضت الإرادة الإلهيّة أن يتحقّق الوعد الإلهي بقيام دولة العدل العالميّة على يد الإمام الثاني عشر عليه السلام ، تدخّلت لحفظ هذا الإمام الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله والذي يتوقّف على وجوده وظهوره جهاد كلّ الأنبياء والأوصياء عبر التاريخ ، فكانت الغيبة الكبرى تستهدف أساساً حفظ هذا القائد العظيم لصون هذا العطاء النبوي عبر الزمن وتحقيقاً للإرادة الإلهيّة التي يستحيل أن تتخلّف ، وفي أجواء الغيبة حفّت المهدي عناية إلهيّة خاصّة لتضمن له التكامل ـ تكامل ما بعد العصمة ـ « أيّ ذلك الكمال الذي يؤهّله إلى مرتبة أعلى وأعمق وأسهل في نفس الوقت من أساليب القيادة العالميّة » (17).

ولهذا اعتبر الشهيد الصدر رحمه الله : « إنّ غيبة الإمام وطول عمره من عوامل نجاح المهدي في مهمّته ؛ لأنّ التغيير العالمي الذي سيمارسه المهدي يتطلّب وضعاً نفسياً في القائد الممارس مشحوناً بالشعور بالتفوّق والإحساس بضالة الكيانات الشامخة التي أُعدّ للقضاء عليها لتحويلها حضارياً إلى عالم جديد » (18) ، فهو يقصد أساساً عامل « هيبة التاريخ » الذي يقف حائلاً أمام العديد من الثوّار والمصلحين ، ويشلّ حركتهم في التغيير ، هذه الهيبة لابدّ أن تزول من نفس القائد والإمام بمعاصرته لحضارات عديدة ودول كثيرة قامت ثمّ زالت ، وهذا العامل يجعل القائد متماسكاً في نفسه ولن يرهب أيّة قوّة حضاريّة مهما كان مداها ، من ناحية ثانية إنّ مواكبته لهذه الحضارات من شأنها أن تعمّق الخبرة القياديّة للمهدي عجّل الله تعالى فرجه ؛ لأنّ الغيبة تضعه أمام تجارب كثيرة للآخرين بكلّ ما فيها من نقاط القوّة والضعف.

وناقش بعضهم (19) هذا البعد القيادي من أبعاد الغيبة ولم يستسغ أن يكون للإمام مدارج كمال يرتقيها وراء العصمة فقال : « إنّ ما ذكره الشهيد الصدر رحمه الله خطير جدّاً على المستوى العقائدي ؛ لاستلزامه نسف الأسس الفكريّة العظمى الذي يتحلّى بها الإمام الخليفة المسدّد من قبل السماء والمحيط بتفاصيل الأمور العلميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة وإلّا فجهله بها تعدّ بخساً في درجته ومنزلته وحطّاً من كرامته عليه السلام مضافاً لاستلزامه الجهل والاحتياج إلى غيره وهو قبيح عقلاً ونقلاً » (19) ، ولكن هذه المناقشة مردودة لعدّة وجوه :

أوّلاً : إنّ هذا التصوير مبني أساساً لمن لا يريد جواباً غيبيّاً عندما يسأل عن فائدة هذه الغيبة الطويلة ، بل يطالب بتفسير اجتماعي للظاهر ، وهذا ما صرّح به الشهيد الصدر رحمه الله في بحثه (20).

ثانياً : إنّ الجدل العقائدي حول علم الإمام لم يصل إلى نتيجة حاسمة يتّفق حولها الجميع تلزم الكلّ بأنّ الإمام يعلم كلّ شيء ، وأنّه بلغ في علمه درجة الكمال المطلق ، بل المتّفق حوله أنّ الإمام أعلم الخلق بما يتوقّف عليه هداية الناس، وإقامة الدين وأنّ طرق علم الإمام الخاصّة به من إلهام وكشف لا تنافي مشاركة الآخرين في الطرق التحصيليّة خاصّة إذا كان هذا التحصيل بتسديد من الله كما هو الحال في الغيبة حيث ترعاه العناية الإلهيّة لمعاصرة كلّ هذه التجارب وهذه الدورات الحضاريّة المتعاقبة.

ثالثاً : إنّ درجات التكامل المتصوّرة للعقل لا نهائيّة ، وكلّما وصل الفرد إلى مرتبة منها استحقّ أن يرقى إلى درجة بعدها ، وهذه الدرجات تبدأ بأوّل مرتبة من مراتب الإيمان وتنتهي بالوجود اللانهائي الجامع لكلّ صفات الكمال ، وهو الله عزّ وجلّ ، وحصول الإنسان على الكمال اللانهائي غير ممكن إلّا أن تصاعده من الكمال إلى الأكمل في غاية الإمكان والوضوح ، وكلّ درجة يصل إليها الفرد فهي محدودة بما في ذلك المعصوم ، فعلى الرغم ممّا ما يبلغه من الكمال يمكن له أن يتقدّم خطوة أخرى نحو الأمام ، وهذا معنى تكامل ما بعد العصمة ، وهذا ما تساعد على فهمه بعض النصوص من أنّ علم الأئمّة عليهم السلام في ازدياد.

والعوامل التي تساعد المهدي على هذا التكامل إضافة إلى ما ذكر سابقاً ، الإلهام ، فالروايات وردت أنّ الإمام عليه السلام « إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمنا تعالى ذلك » (21).

والعامل الثاني : ما يمرُّ به القائد من مصائب ومحن توجب تصاعد كماله الروحي.

والعامل الثالث : ما يقوم به القائد من أعمال وتضحيات في سبيل الرسالة ، ترسّخ عمقها في نفسه.

٢. البعد الحضاري للغيبة

في هذا البعد نحاول اكتشاف موقع الغيبة من حركة الدين عبر التاريخ ودورها في تحقيق الغرض النهائي للمسيرة البشريّة وقيام حضارة الخلاص وظهور المجتمع الرشيد ، ( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور ].

( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) [ القصص ].

ولهذا البعد مدلولان أحدهما إيجابي والآخر سلبي :

المدلول الإيجابي

ويتوقّف على التذكير بالأصول الفكريّة التي حقّقناها سابقاً في النظريّة الإسلاميّة للكون والتاريخ ، وهنا نؤكّد على النقاط التالية في إطار المفهوم الإسلامي :

أوّلاً : العوامل المؤثّرة في التاريخ وكما عالجناها في الفصل الثاني هي :

أ. الإرادة الإلهيّة.

ب. الطبيعة سواء من حيث قوانينها أم من خلال العلّة الغائية لها.

ج. الإرادة الإنسانيّة والأفعال الاختياريّة له.

د. النظم الاجتماعيّة والسياسيّة.

هـ. سنن التاريخ.

ثانياً :

وهذه العلّة الغائيّة للتاريخ ضرورة التحقّق ، فهي حاكمة على العوامل الأخرى بما هي ناشئة من إرادة الله ، كلّ ما في الأمر أنّها متوقّفة على إرادة الإنسان واختياره ؛ لأنّ الله أراد أن يبلّغ البشر هذا المستوى العالي من الكمال بمحض إرادتهم دون جبر أو إلجاء.

ثالثاً : للوصول بالمجتمع لهذا المستوى العالي وفي ضوء ما تبنّيناه من رؤية في الفصل الرابع كان التخطيط الإلهي للتاريخ الذي رسم لهذا المجتمع الإنساني مراحل متعاقبة ـ مع لحاظ تمرّد الناس وقدرتهم على الرفض وتحويل مجرى التاريخ ـ تبدأ من حضانة آدم في الجنّة ، فمرحلة الفطرة والتي كان الناس فيها أُمّة واحدة يعيشون على الفطرة والتوحيد ثمّ مرحلة التشتّت التي شهد فيها المجتمع الانقسامات والنزوع نحو التسلّط نتيجة التفاوت في الإمكانات والقابليات ، وانصبّت جهود الأنبياء في مرحلة التشتّت على تصحيح مسار الإنسانيّة والرقي بوعيها وحسّها الديني لبلوغ درجة تؤهّلها تقبّل الأطروحة الكاملة لقيام المجتمع العالمي المنشود ، ألا وهي أطروحة الإسلام.

وكان الإسلام تتويجاً لجهود كلّ الأنبياء السابقين وإيذاناً بدخول مرحلة النبوّة الخاتمة حيث بلغت معه المفاهيم العقائديّة أعلى درجات العمق والدقّة خاصّة التوحيد الذي عرف في الإسلام أسمى معاني التنزيه والتجريد ، وكذلك الأحكام التشريعيّة التي اكتملت لتشكل منظومة حياتيّة متكاملة ، تخطّط للحياة في جميع الأصعدة. وحرص التخطيط الإلهي على تطبيق هذه الأطروحة المتمثّلة في رسالة الإسلام وتفعيلها عبر فترة وصاية بعد النبي صلّى الله عليه وآله وبقيادة الأئمّة عليهم السلام ، ولكن الانحراف الذي حصل في التاريخ وأقصى القادة الربّانيّين عن مناصبهم وحرم الأُمّة من فيوض الإمامة والولاية ، كان له أثره في التاريخ والتخطيط الإلهي.

فاضطرّ الإمام الثاني عشر عليه السلام المنوط بعهدته التطبيق الكامل للأطروحة العالميّة بعد قرنين ونصف من الوصاية الإلهيّة إلى الغيبة ، فكانت حقبة الغيبة الكبرى التي تمهّد وتهيّء الساحة والظروف لذلك الدور وتلك المرحلة التي تأجّلت بسوء اختيار الناس والتي لا تزال الرقاب تشرئبّ إليها منتظرة ، متلهّفة.

فغاب الإمام حتّى تستكمل الشروط لتوافر الأرضيّة الملائمة لقيام المجتمع العالمي الرشيد وهما :

أ. الطليعة المقاتلة والمعاهدة من الأنصار.

ب. الظروف السياسيّة والحضاريّة عموماً لقيام دولة عالميّة.

فالغيبة الكبرى في ضوء هذا التحليل تغدو ضرورة حضاريّة لابدّ منها بما هي مقدّمة أساسيّة لتحقّق أعظم أهداف الحركة التاريخيّة.

المدلول السلبي

يتمثّل المدلول السلبي للبعد الحضاري للغيبة في قصور كلّ النظم الاجتماعيّة الأخرى وكلّ الأطروحات الحضاريّة المناوئة ، والتي لا ترتكز على قاعدة التوحيد. فالغيبة الكبرى تثبت وبالدليل التاريخي الملموس أنّ النظم الوضعية لم تزد الإنسان إلا تعاسةً وبرماً ، ولم تفعل سوى أن ملأت الأرض فساداً وانحرافاً ، ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [ الروم ].

وإنّ يأس الناس من كلّ الأنظمة الأخرى وانحصار أملهم في الإسلام كبديل وحلّ لتحقيق التوازن والسعادة مقدّمة ضروريّة للظهور ، ونحن اليوم نعيش إرهاصاته ، حيث سقطت الشيوعيّة كمنظومة حكمت الشرق ، وأفلست في تحقيق أحلام الإنسان في الحرّيّة والعدالة والرفاه ، وفي نفس الوقت تشير الكثير من الدراسات الإستراتيجيّة إلى الأزمة المستفحلة في المنظومة الرأسمالية وحالة التفكّك التي تعيشها المجتمعات الغربيّة خاصّة المجتمع الأمريكي الذي ينبئ باخترام وحدته وسقوط المشروع الرأسمالي وتداعي هيمنته على العالم.

كلّ هذا يعزّز إيمان الناس بحتميّة البديل الإسلامي خاصّة في ضوء تصاعد دور الجمهوريّة الإسلاميّة المباركة كقاعدة للدولة الأمل ونموذج للطرح الإسلامي المتكامل الصامد في وجه كلّ المؤامرات والتحدّيات ، ممّا يشدّ إليها أنظار المفكّرين والسياسيّين وعموم المستضعفين ؛ لأنّها نموذج فريد يتميّز عن كلّ الأنظمة السياسيّة الأخرى السائدة في العالم ، وهذا من أهمّ العوامل المساعدة لنشر فكرة « دولة المهدي ».

ورد في الحديث « ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من الناس إلّا وقد ولّوا حتّى لا يقول قائل إنّا لو ولّينا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل » (23).

٣. البعد التاريخي للغيبة

تارة نتحدّث عن هذا البعد بلحاظ تاريخ الأنبياء العام ، ومرّة أخرى نتحدّث عنه بلحاظ تاريخ الإمام الخاص.

اللحاظ الأوّل : مارس خطّ الشهادة المتمثّل في الأنبياء والأوصياء في تاريخه الطويل مارس أساليب متنوّعة في حركته الرساليّة ، من هذه الطرق التي اعتمدها الشهداء الربّانيون : « الغيبة » ، حين كانوا يلجؤون إلى الاستتار في ظروف خاصّة واستثنائيّة. فالغيبة سنّة من سنن الأنبياء والأوصياء لم يشذّ عنها المهدي عجّل الله تعالى فرجه ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها ، فقيل له : لم ذاك يا ابن رسول الله ؟ قال : إنّ الله أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء في غيباتهم وأن لابدّ له يا سدير من استيفاء مدّة غيباتهم ، قال الله عزّ وجلّ : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) [ الانشقاق ] ، أيّ سنناً على سنن من كان قبلكم » (24).

وعن علي بن الحسين عليه السلام قال : « في القائم منَّا سنن من سنن الأنبياء عليهم السلام : سُنَّة من آدم ، وسُنّة من نوح ، وسُنّة من إبراهيم ، وسُنّة من موسى ، وسُنّة من عيسى ، وسُنّة من أيّوب ، وسُنّة من محمّد صلّى الله عليه و آله ، وأمّا من آدم عليه السلام فطول العمر ، وأمّا من إبراهيم عليه السلام فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأمّا من موسى عليه السلام فالخوف والغيبة ، وأمّا من عيسى عليه السلام فاختلاف الناس فيه ، وأمّا من أيّوب عليه السلام فالفرج بعد البلوى ، وأمّا من محمّد صلّى الله عليه و آله فالخروج بالسيف » (25).

فالمهدي عجّل الله تعالى فرجه يلتقي مع الأنبياء السابقين في العديد من السنن ، ولكن السنّة الرئيسيّة التي أكّدت عليها الأحاديث هي الغيبة ، ففي كتاب « كمال الدين وتمام النعمة » استقصى الشيخ الصدوق رحمه الله حياة كلّ الأنبياء ، وتحدّث مفصّلاً عن غيبة إدريس عليه السلام ، وغيبة صالح ويوسف وموسى وعيسى ويوشع بن نون عليهم السلام ... فليراجع (26).

ولكن أغلب الروايات تركّز على المقارنة بين المهدي عجّل الله تعالى فرجه والنبي موسى عليه السلام في الغيبة ، عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « في القائم سُنّة من موسى بن عمران عليه السلام ، فقلت : وما سُنّة موسى بن عمران ؟ قال : خفاء مولده وغيبته عن قومه » (26) ، ولعلّ هذا التأكيد على غيبة موسى عليه السلام بالذات ، إشارة منهم عليهم السلام لما حدث وجرى على بني إسرائيل في غيبة نبيّهم من حيرة وضلال ، كذلك الناس زمن المهدي عجّل الله تعالى فرجه ، عن الصادق عليه السلام : « قال رسول الله صلّى الله عليه و آله : المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة حتّى تضلّ الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يُقبل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (27).

اللحاظ الثاني : بهذا اللحاظ تتراءى لنا الغيبة قراراً إلهيّاً واستدعاءً بشريّاً ! كيف ذلك ؟ إنّ الأئمّة عليهم السلام في روايات الفريقين من السنّة والشيعة عددهم اثنا عشر ، وقد وردت مئات الأحاديث بهذا المعنى ، ذكر بعضها في صحاح السنّة. ولا يمكن أن نفسّر هذا العدد المعيّن إلّا من خلال معتقدنا الإمامي بولاية أهل البيت وقيادة الأئمّة الاثني عشر ، وكلّ المحاولات الأخرى التي سعت لانتزاع مصاديق تاريخيّة لهذا العدد من الخلافة الأولى والدولتين الأمويّة والعبّاسيّة سقطت في التلفيق والتهافت.

أراد الله للإسلام أن يمتدّ بعد الرسول صلّى الله عليه وآله في أوصيائه الأطهار ، ولكن إقصاء الأئمّة عن أداء دورهم القيادي حال دون تصدّيهم لدورهم الطبيعي في المجتمع والتاريخ ، ولكن ذلك لم يمنعهم من أداء مسؤوليّاتهم بالمقدار المتاح لهم ؛ لأنّ « الإمام إمام قام أو قعد ». فكان من مسؤوليّاتهم التخطيط لغيبة الإمام الثاني عشر وتهيئة الناس والظروف ، وذلك قصد ادّخاره للوقت الملائم الذي سيتوّج فيه المهدي جهود النبوّة والوصاية بتحقيق المجتمع المنشود.

ولكي نفهم بعمق أكثر كيف كانت « الغيبة » استدعاء بشرياً أيضاً علينا أن نفترض أن يكون التخطيط الإلهي في القيادة أخذ مجراه الطبيعي وأنّ الأُمّة الإسلاميّة مكّنت أئمّة أهل البيت عليهم السلام من مركزهم ، فإنّه من الراجح جدّاً حينئذ أن تكون المدّة الزمنيّة التي يمتدّ فيها خطّ الوصاية طيلة قرنين ونصف من الزمان تقريباً ، وفي ظلّ هذه القيادة المعصومة كفيلة بأن يصل المجتمع الإسلامي مع الإمام الثاني عشر إلى المستوى الذي يخوّل له تأسيس المجتمع الرشيد المعصوم ، ولربّما انتهت فترة الإمامة والوصاية ليقود المجتمع الرشيد نفسه بنفسه كما تحدّثنا الروايات عن مجتمع ما بعد الإمام المهدي ، ولكن لما أريد للمسيرة التاريخيّة أن تكون خاضعة للإرادة والاختيار الإنساني لم يتحقّق هذا الأمر لسوء اختيار الناس ، وتعطّل المشروع ولكنّه لمْ يُلْغَ ؛ لأنّه من المستحيل أن تصادر الإرادة الإلهيّة فهي الحاكمة في النهاية ، فالمجتمع البشري يملك أن يتمرّد وأن يرفض القيادة الإلهيّة ويعطّل بالتالي مسيرة التكامل ، ولكن يستحيل عليه أن يمنع المسيرة في النهاية من الوصول إلى غاياتها البعيدة ، قد يتأخّر الوصول ولكن القافلة لابدّ أن تبلغ مقصدها في النهاية.

في هذا السياق يتنزّل التدخّل الإلهي صوناً لأغراضه من الخلْق والتاريخ ، وحفاظاً على الهدف الكبير وذلك بحفظ الإمام الثاني عشر طوال هذه القرون وفق قانون المعجزة الذي يسري في كلّ ظرف مشابه لا يمكن خلاله أن يحفظ الحجّة بالأسباب الطبيعيّة فيتدخّل الغيب ليضمن ذلك بأسلوبه الخاص « فالغرض الالهي إذا تعلّق بهدف من الأهداف فإنّه لابدّ من وجود ذلك الهدف ولو استلزم بوجوده أو بوجود بعض مقدّماته خرق قوانين الطبيعة وإيجاد المعجزات » (29).

٤. البعد التربوي للغيبة

أ. التمحيص والابتلاء

تستهدف مرحلة الغيبة عبر قانون الابتلاء والمحنة فرز الطليعة المجاهدة التي تشكّل قاعدة الأنصار للمهدي عجّل الله تعالى فرجه فمهمّته عليه السلام تحتاج إلى موالين يمتازون بمستوى رفيع من الإيمان والجهاد والفناء في سبيل الله ، وهذه الفئة لا يمكن أن تولد في أجواء الاسترخاء والدَّعَةِ ؛ بل لابدّ أن تُمحّص بأقصى حالات الصراع والابتلاء ، حتّى يشتدّ عودها ويصلب قوامها ، ولا تتزعزع في الجبهات التي تقتضيها المواجهة في ظلّ قيادة المهدي عجّل الله تعالى فرجه.

لذلك فإنّ التمسّك بالدين ـ زمن الغيبة ـ ، والاعتصام بولاية المهدي ، يمثّلان مغرماً لا يقدر عليه أحد ، إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان ، ومن توافر فيه الالتحام النفسي بالقائد بدرجة لا تهزّه الفتن ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد ، ثمّ قال هكذا بيده إنّ لصاحب الأمر غيبة فليتّقِ الله عبد وليمسكْ بدينه » (30).

ويختلف الامتحان والابتلاء الذي يواجهه المؤمنون زمن الغيبة عن امتحان المؤمنين في أيّ زمن آخر ؛ لأنّه يواجه التحدّيات على مستوى النفس وضغوطاتها وعلى مستوى الواقع الاجتماعي بكلّ ما يفرضه من انحراف خلقي وظلم سياسي وتشكيك عقائدي ، عن أبي جعفر عليه السلام : « لا تزالون تنتظرون حتّى تكونوا كالمعز المهزولة التي لا يبالي الجازر أين يضع يده منها ، ليس لكم شرف تشرفونه ، ولا سند تسندون إليه أموركم » (31).

إنّ حركة هذا الامتحان تستهدف الغربلة والتصفية لتمييز المؤمنين حقّاً ، عن جابر الجعفي قلت لأبي عبد الله عليه السلام : « متى يكون فرجكم ؟ فقال : هيهات هيهات لا يكون فرجنا حتّى تغربلوا ثمّ تغربلوا ثمّ تغربلوا يقولها ثلاثاً حتّى يذهب الكدر ويبقى الصفو » (32).

وعن أبي عبد الله عليه السلام : « والله ما يكون ما تمدّون أعينكم إليه حتّى تمحّصوا وتميّزوا حتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر فالأندر » (33).

وعن الرضا عليه السلام : « لابدّ للناس أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا ويخرج من الغربال خلق كثر » (34).

ب. ضمان أعلى درجات الكمال في الأنصار

يصنع التكامل الفردي الأرضيّة المناسبة للمجتمع الرشيد ، وهذا التكامل قوامه عنصران : الوعي ، والشعور الداخلي بالمسؤوليّة.

فالوعي يعني امتلاك رؤية تفصيليّة عن أطروحة العدل التي ستطبّق في دولة المهدي وأسسها ، وأبعادها ، وقد تكفّلت رسالة النبي محمّد صلّى الله عليه وآله ببيان تفاصيل هذه الأطروحة ولكن المجتمع الإنساني يحتاج إلى فترة زمنيّة طويلة « فترة الغيبة الكبرى » لتعميق هذه الأطروحة والاقتناع بشموليّتها والحاجة الأكيدة إليها.

أمّا العنصر الثاني : وهو الإحساس الموضوعي بالمسؤوليّة ؛ فإنّ هذا الشعور يتغذّى من عمق العلاقة بالله سبحانه وتعالى والإيمان بالجزاء الاُخروي ، كما أنّه يتقوّى بتجذير الارتباط بالمهدي عجّل الله تعالى فرجه ، فالارتباط العاطفي والروحي بالقائد ينمّي في الإنسان شعوره بالمسؤوليّة تجاه الرسالة وتجاه تحدّيات المرحلة التاريخيّة التي يعيشها ، ويضمن معها السلامة من الانحراف والسقوط في منتصف الطريق.

وغيبة الإمام تعمّق هذا الانشداد الروحي ، وتؤجّج نار الشوق للإمام ، والتألّم لهذا الواقع الذي اضطرّ معه للاحتجاب ، « بنفسي أنت أمنية شائق يتمنّى ، من مؤمن ومؤمنة ذَكَرَاً فحيا ، فأغثْ يا غيّاث المستغيثين عبدك المبتلى ، وأرِه سيّده يا شديد القوى ، وأزِلْ عنه به الأسى والجوى ، وبرّد غليله ، يا من على العرش استوى » (35).

وفي دعاء زمن الغيبة : « اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته ، وانقطاع خبره عنّا ، ولا تنسينا ذِكره وانتظاره والإيمان به ، وقوّة اليقين في ظهوره ، والدعاء له ، والصّلاة عليه » (36).

هذا المحتوى النفسي القوي يمنح الأنصار القدرة على تجاوز كلّ الفتن بما فيها تلك الفتن التي تنخر كيان المؤمنين أنفسهم ، عن أمير المؤمنين عليه السلام : « يا مالك بن ضمره كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا وشبّك أصابعه وأدخل بعضها في بعض ؟ فقلت يا أمير المؤمنين : ما عند ذلك من خير. قال : الخير كلّه عند ذلك ، يا مالك » (37) ، وعن الحسن بن علي عليه السلام : « لا يكون الأمر الذي تنتظروه حتّى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض ، وحتّى يلعن بعضكم بعضاً ، وحتّى يسمّى بعضكم بعضا كذّابين » (38).

إنّ المستوى العالي من الكمال الذي يتحقّق للأنصار يعتبر خير ضمان خشية السقوط في خطرٍ لم تنج منه أكثر الثورات في العالم ، وهو تحوّل القائمين على الثورة بعد الانتصار ، والتمكين إلى فئة نفعية تخدم مصالحها وتتنكّر لدماء الشهداء وتضحيات الموالين. إنّ طول فترة التمحيص والتخطيط على المدى البعيد للتكامل الروحي يؤمّن للثورة المهدويّة أنصاراً لن تتحرّك فيهم حسيكة النفاق فينقلبوا على أعقابهم بعدما تشيد الثورة أركان نصرها وتبسط نفوذها على العالم ، خاصّة وأنّ دولة المهدي عجّل الله تعالى فرجه عظيمة الثراء ، مليئة الرخاء ، يحثو فيها الإمام المال حثواً ، ولا يعدّه عدّاً ، ولا تترك السماء قطراً إلّا أنزلته ، والأرض نبتاً إلّا أنبتته ، فالإغراءات قويّة جدّاً ، ومن هنا تتعاظم الحاجة إلى أنصار بلغوا من العفّة والوعي والكمال ما لا يزعزعهم عن حبّهم وولائهم أيّ شيء.

٥. البعد المعنوي للغيبة

لم نرجئ الحديث عن هذا البعد لضرورة منهجيّة ، وإنّما آثرت الحديث عنه في آخر المطاف ؛ لأنّ المسألة تتّسم بنوع من الغموض اكتنفها نتيجة عدم تبحّرنا في قضيّة علاقة الغيب بعالم الشهادة ، وهذا البعد المعنوي للغيبة يؤكّد على حقيقة قد لا يقبلها البعض ولا يستطيع البعض الآخر استيعابها ، وهي : أنّ منصب الولاية يشكّل الصلة الموضوعيّة بين عالم الغيب وعالم الشهادة.

فغيبة الإمام وبقائه حيّاً يضمنان تحقّق هذه الصلة ؛ لأنّ الإمام بوصفه حافظاً للشريعة لا يمكن أن تخلو الأرض منه ، فذلك يعني انقضاء الدين ونفاذ مهمّته ، وقد عبّر بوضوح عن هذا الأمر المستشرق الفرنسي هنري كوربان ، والذي حاوره السيّد الطباطبائي صاحب الميزان رحمه الله حيث اعترف كوربان أنّ مذهب التشيّع هو المذهب الوحيد الذي استطاع أن يحفظ علاقة الهداية الإلهيّة بين الحقّ والخلق دائماً وأحيا مفهوم الولاية بصورة مستمرّة ، وقال السيّد الطباطبائي عن كوربان : « كان رجلاً سليم النفس ، يتّسم بالموضوعيّة والإنصاف ، وهو يعتقد بانتهاء مهمّة جميع أديان العالم ومذاهبها السماويّة ، وتوقّفها عن التكامل باستثناء التشيّع الذي بقي متجدّداً حيّاً يقظاً بفعل رابطة الولاية والمهدي ».

والسيّد الطباطبائي رحمه الله في حواره مع كوربان أوضح هذه الفكرة تفصيلاً ، ومفادها : أنّ الدين في مفاهيمه العقائديّة وأحكامه العمليّة هو المقوّم الأساسي للنظم الاجتماعيّة الاعتباريّة ، التي يمكن أن تقود الإنسان إلى السعادة الحقّة.

وأنّ النظام الاعتباري الذي يخضع له الإنسان في حياته الاجتماعيّة من خلال رعايته للأحكام الدينيّة يستبطن وجود نظام حقيقي طبيعي يتمثّل بالحياة المعنويّة التي تنبثق منها النعم الأخرويّة والحياة الأبديّة ، وهذه الحقيقة الواقعيّة هي التي يطلق عليها اسم الولاية ، فهذه الحقيقة « هي الصراط أو الطريق ، هي الواسطة ما بين الله والخلق ، تقود الإنسانيّة وتقرّبها إلى الله عزّ اسمه ، ولا تسقط هذه الحقيقة النوريّة المعنويّة أبداً ؛ بل لابدّ لها من شخص يحملها من بني الإنسان يضطلع على أساسها بقيادة الناس وهدايتهم ، وهذا الشخص الذي يحمل هذه الحقيقة هو الذي يطلق عليه بعرف القرآن ، والحديث اسم الإمام » (39).

وقد روى عن أبي جعفر عليه السلام : « ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة الله على عباده » (40) ، فالحياة المعنويّة من أنوار الهداية وفيوضات القيّم تتمركز في حقيقة ثابتة ومقام مخصوص « الإمام » : « فالإمام هو الشخص الذي تمّ اختياره من جانب الحقّ سبحانه ليتقدّم صراط الولاية ويمسك بزمام الهداية المعنويّة ، وما أنوار الولاية التي تنبض بها قلوب عباد الحقّ سبحانه سوى خطوط نورية تشعّ من مركز النور المكنون في وجوده ، وليست المواهب المعنويّة المبثوثة هنا وهناك سوى روافد متّصلة ببحره الزخار الممتد » (41).

فالإمام في غيبته يحفظ للمجتمع المسلم باطنه المعنوي الذي وإن كان ظاهره لا يتطابق مع هذا الباطن ، لكن سيأتي اليوم الذي تشعّ فيه أنوار الهداية على الأرض بكاملها.

هذه هي الغيبة في فلسفتها ؛ وأبعادها وهي كما تتراءى لنا ليست مفردة عقائديّة فحسب ، إنّها تعكس عنوان حقبة تاريخيّة هامّة في مسيرة الإنسانيّة ، ويتوقّف عليها مستقبلها ، فمعرفة الغيبة ضرورة لمعرفة الزمن ، ومعرفة الزمن لابدّ منها لأداء المهمّات الرساليّة في الحياة ، « فمن عرف زمانه لم تهجم عليه الهواجس » ، وما أسخف ما يرمي به البعض الشيعة بأنّهم جمدوا التاريخ بفكرة « غيبة الإمام » وأنّهم أدخلوا الحضارة فترة سبات ؟!

كلّا إنّ الإيمان بالغيبة يُصعّد دور الفرد والأُمّة ، ويحمّلاهما مسؤوليات جسام قصد بلوغ منزلة « الانتظار » بكلّ ما يختزنه من دلالات الجهاد والتضحية للتمهيد للإمام ، هذا الانتظار كما يعيشه المؤمنون العاملون في مشارق الأرض ومغاربها ، هذا الانتظار الذي يوحّد قلوب وعقول المجاهدين الأحرار في كلّ مكانٍ هو فيض من فيوضات « معرفة الغيبة » ونفحة من نفحات « الغيب ».

« اللّهم إنّا نسألك أن تأذن لوليّك في إظهار عدلك في عبادك ، وقتل أعدائك في بلادك ، حتّى لا تدع للجور يا ربّ دعامة إلّا قصمتها ، ولا بقيّة إلّا أفنيتها ، ولا قوّة إلّا أوهنتها ، ولا ركناً إلّا هدمته ، ولا حدّاً إلّا فللته ، ولا سلاحاً إلّا أكللته ، ولا راية إلا نكّستها ، ولا شجاعاً إلّا قتلته ، ولا جيشاً إلّا خذلته ، ... ، وعذّب أعداءك وأعداء وليّك وأعداء رسولك صلواتُك عليه وآله ، بيد وليّك وأيدي عبادك المؤمنين » (42).

الهوامش

1. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ١٦٠.

2. عبّاس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء زمن الغيبة ، ص ١٠٦.

3. النعماني ، الغيبة ، ص ١١٣.

4. المصدر نفسه ، ص ١١٤.

5. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٣٦١.

6. محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ٦٨.

7. محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج ٢ ، ص ٨٨.

8. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٣.

9. الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة ، ص ٤٨٢.

10. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٥.

11. المصدر نفسه ، ص ٩٧.

12. النعماني ، الغيبة ، ص ١١٦.

13. الطوسي ، الغيبة ، ص٣٣٠.

14. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٢.

15. الكليني ، أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٣٤٢.

16. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٥.

17. محمّد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الصغرى ، ص ٢٧٧.

18. محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ٤٢.

19. محمّد حمود العاملي ، الفوائد البهيّة في شرح عقائد الإماميّة ، ج ٢.

20. المصدر نفسه ، ج ٢ ، ص ٢٥٩.

21. محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ٤١.

22. الكليني ، أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٥٧.

23. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٤٤.

24. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٢١٨.

25. المصدر نفسه ، ص ٢١٧.

26. أنظر : كمال الدين وتمام النعمة ، الشيخ الصدوق ، ص ١٢٧ ـ ١٤٧.

27. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٢١١.

28. الشيخ الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة ، ص ٢٨٧.

29. محمّد صادق الصدر ، تاريخ الغيبة الكبرى ، ص ٢٣٦.

30. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١١١.

31. المصدر نفسه ، ص ١١٠.

32. المصدر نفسه ، ص ١١٣.

33. المصدر نفسه ، ص ١١٤.

34. المصدر نفسه ، ص ١١٤.

35. عباس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء الندبة ، ص ٦٣٩.

36. المصدر نفسه ، ص ١٠٧.

37. محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١١٥.

38. المصدر نفسه ، ص ١١٥.

39. محمّد حسين الطباطبائي ، الشيعة ، نصّ الحوار مع كوربان ، ص ١١٩.

40. محمّد يعقوب الكليني ، أصول الكافي ، ج ١ ، ص ١١٣.

41. محمّد حسين الطباطبائي ، الشيعة ، ص ٢١٣.

42. عباس القمي ، مفاتيح الجنان ، دعاء زمن الغيبة ، ص ١٠٥.

مقتبس من كتاب : [ النظرية المهدويّة في فلسفة التاريخ ] / الصفحة : 132 ـ 151

 

أضف تعليق

غيبة الإمام المهدي عليه السلام

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية