غزوة تبوك

البريد الإلكتروني طباعة

غزوة تبوك

واذا انزلت ان آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله اسئذنك اولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين

كانت بلاد الشام في عصر الرسالة من المناطق التي تخضع لنفوذ إمبراطورية الروم ، وكان شيوخ القبائل تدين بالمذهب المسيحي ، وكانوا أداة طيّعة في أيديها ، ولمّا بلغ أسماع أباطرة الروم خبر استيلاء المسلمين على مكّة ودخول المشركين في الدين الإسلامي أفواجاً ، استشاطوا غضباً وعزموا على حربهم واطفاء نائرتهم ، فأرسلوا إلى رؤساء قبائل « لخم » و « عامله » و « غسّان » و « جذام » يحثّونهم على تكثيف حشودهم وإعداد العدّة لحرب محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ومباغتته في عقر داره ليسهل عليهم إخماد أنفاس تلك الدولة الفتيّة ، ولمّا وصل الخبر إلى النبي الأكرم عن طريق القوافل التجارية عزم على حربهم قبل أن يهاجموه ، وكانت تلك الفترة فترة شاع فيها الفقر والشدّة والفاقة.

وقد أمر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالرحيل في الفصل الذي كانت الثمار فيه على وشك الإيناع.

قال ابن هشام : إنّ رسول الله أمر أصحابه بالتهيّؤ وغزو الروم وذلك في زمان من عسرة الناس وشدّة من الحر وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار والناس يحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه وكان رسول الله قلّما يخرج لغزوة إلّا كنّى عنها وأخبر أنّه يريد غير الوجه الذي يقصده إلّا ما كان من غزوة تبوك ، فإنّه بيّنها للناس لبعد الشقّة وشدّة الزمان ، وكثرة العدو الذي يقصده ليتأهّب الناس لذلك اُهبتهم ، فأمر الناس بالجهاز ، وأخبرهم أنّه يريد الروم.

ولمّا تفرّدت به تلك الغزوة عن سائر الغزوات ببعد الطريق ، والاعتياز إلى مؤن تكفل حاجة الجند ذهاباً وإيّاباً ، فقد صدرت الأوامر من النبي الأكرم بحشد جميع الإمكانات المتوفّرة لديهم بلا فرق بين الغني والفقير ، ولأجل ذلك ساهم في تدعيم ذلك المجهود الحربي جميع الطبقات والفئات من الرجال والنساء وأصحاب الثروة والعمّال.

وممّن ساهم في تدعيم أمر الجيش عبد الرحمان بن عوف حيث جاء بصرّة من دراهم تملأ الكف ، وفي قبال ذلك أتى من الضعفاء عتبة بن زيد الحارثي بصاع من تمر وقال : يا رسول الله : عملت في النخل بصاعين فصاعاً تركته لأهلي وصاعاً أقرضته ربّي ، وجاء زيد به أسلم بصدقة ، فقال بعض الناس : إنّ عبد الرحمان رجل يحبّ الرياء ، ويبتغي الذكر بذلك و إنّ الله غني عن الصاع من التمر ، فعابوا كلتا الطائفتين : المكثر بالرياء والمقل بالإقلال ، فنزل قوله سبحانه : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّـهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( التوبة / 79 و 80 ).

والحقّ إنّه يوجد في جميع المجتمعات رجال ، لا يحبّون الخير ولا يساهمون فيه ، بل لا يحبّون أن يساهم فيه أحد و يعيبونهم في المساهمة بأي شكل تحقّقت ، فإن ساهم إنسان بالمال الكثير ، يتّهمونه بأنّه يحب الرياء والذكر ، و إن ساهم بمال قليل حقّروه وأهانوه ، هذه شأن تلك الطبقة التي لا يريدون الخير ولا يطلبونه بتاتاً.

تخاذل بعض المؤمنين عن المناصرة

ـ ومع أنّ الظروف لم تكن مساعدة لحشد الناس بما يقتدر به على حرب العدو الشرس ـ فقد تمكّن النبي من حشد ثلاثين ألف مقاتل ، ولم يكن لهذا النجاح ( في استنهاض عزائم العرب وجمع قواهم بهذه المثابة ) مثيل في تاريخ العرب ، على الرغم من الجهود المكثّفة التي كانت يبذلها المنافقون في تثبيط العزائم و إخماد روح الشهادة والفداء في نفوس المسلمين.

وقد ألمح الذكر الحكيم إلى تثاقل جمع من الصحابة ( المؤمنين ) عن الإسهام والمشاركة. قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( التوبة / 38 و 39 ).

وما هو المراد من قوله سبحانه : ( وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) وقد جاءت تلك الجملة في آيات اُخرى أيضاً ؟

قال سبحانه : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ... ) ( المائدة / 54 ) وقال تعالى : ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) ( محمد / 38 ).

وقد فسّرت الآية بأبناء فارس تارة و بأهل اليمن اُخرى و بالذين أسلموا ثالثة ، والحق إنّ الآية تتمتّع عن سعة وعموم تعمّ الطوائف الذين جاءوا بعد نزول الآية ، واتّسموا بما فيها من الصفات ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ... ).

نكوص المنافقين عن القتال

كانت وقعة تبوك محكّاً لتمحيص المسلمين ، وثباتهم على الحق ومفاداتهم الرسول بأنفسهم وأموالهم. كيف وقد كانت المسافة بين المدينة وتبوك تقرب من ستمائة كيلومتراً ، وكانت الركائب المعدّة للمسير تغطّي معشارهم ، وكان زادهم الشعير المسوّس ، والإهالة السخنة والتمر الزهيد ، ففي خضمّ تلك الظروف العصيبة ، سعى المنافقون لإخماد همم المسلمين ، و كسر شوكتهم ، فكشف الله عنهم لقاء تآمرهم على الإسلام ، ما كانوا يبطنونه ويخفونه من ضغائن وأحقاد ، وقد كرّست سورة التوبة ثقلها الأكبر على بيان تآمر اُولئك ، وقد كانوا يتذرّعون بأعذار وترّهات خاوية ، ويستأذنون من النبي للبقاء في المدينة وعدم المساهمة في الجهاد.

نعم ما كانوا يعتذرون به لم يكن سبباً حقيقيّاً لتثاقلهم ، و إنّما السبب فيه هو :

1 ـ علمهم بأنّ النبي لا يصيب غنيمة.

2 ـ بعد الطريق.

3 ـ شدّة الحر وحمّارة القيظ.

وقد كشف الوحي عن سرّ تثبّطهم وتثاقلهم وألمع إلى الوجهين الأوّلين بقوله :

( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) ( التوبة / 42 ).

وفي هذه الآية إلماع إلى السببين الأوّلين اللّذين عاقاهم عن المساهمة :

1 ـ يريد أنّه لو كان في ما دعوتهم إليه منفعة قريبة المنال لم يكن في الوصول إليها عناء كبير لاتّبعوك كما يقول : ( لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا ).

2 ـ لو كان السفر سفراً هيّناً لاتعب فيه لأسرعوا بالنفر إليه إذ حبّ المال أمر طبيعي خصوصاً إذا كانت سهلة المأخذ قريبة المنال كما يقول : ( سَفَرًا قَاصِدًا ).

ولمّا بعدت عليهم الشقّة أوّلاً ولم يكونوا مطمئنّين بالوصول إلى المال ثانياً انصرفوا عن المساهمة ، ولكنّهم لحفظ مكانتهم بين المسلمين كانوا يحلفون للرسول بعدم استطاعتهم للخروج ، وهم كاذبون في حلفهم كما يقول سبحانه : ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ).

وقد ألمع إلى السبب الثالث بقوله : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّـهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) ( التوبة / 81 ).

كان المنافقون يقولون لإخوانهم لاتنفروا في حرّ الصيف والله سبحانه فنّد آراءهم وسفّه أحلامهم بأنّ نار جهنّم المعدّة للعصاة أشدّ حرّاً من تلك الأيّام ، لأنّ ذلك الحرّ تحتمله الأجسام وأمّا نار جهنّم فتلفح الوجوه وتنضج الجلود ، وعلى ذلك ينبغي عليهم أن يضحكوا قليلاً ويبكوا كثيراً.

هذه سيرة المنافقين وضعفاء الإيمان في كل عصر يعتذرون في الصيف بشدّة الحرّ ، وفي الشتاء بشدّة البرد ، ولكنّها أعذار ظاهريّة اتّخذوها واجهة لستر ما هو السبب الحقيقي لترك المساهمة.

والتاريخ يعيد نفسه. كان علي ( عليه السلام ) يأمر أصحابه بالجهاد ضد العدو وهم يتثاقلون إلى الأرض ، يعتذرون بمثل تلك الأعذار ، يقول الإمام : « فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيّام الصيف ، قلتم : هذه حمارة القيظ أمهلنا يُسَبَّخَ عنّا الحرّ ، و إذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء ، قلتم : هذه صبارّة القرّ أمهلنا ينسلخ عنّا البرد ، أكلّ هذا فراراً من الحرّ والقرّ ، فإذا كنتم من الحرّ والقرّ تفرّون فأنتم والله من السيف أفر ، يا أشباه الرجال ولا رجال ! ... » (1).

إلى هنا وقفنا على الأسباب الواقعيّة التي ثبّطت عزائم المنافقين عن المساهمة في الجهاد ، ثمّ إنّهم كانوا ينتحلون الأعذار الواهية ، ليستأذنوا النبي في القعود والتخلّف ، وكان النبي يأذن لهم ، فتزل الوحي وقال : ( عَفَا اللَّـهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) ( التوبة / 43 ).

وهل الآية تدلّ على أنّ إذنه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان على خلاف المصلحة وناجماً عن سوء تدبيره ، وبالتالي كان ذنباً ومعصية ، أو أنّ الآية خرجت لبيان أمر آخر ؟ والصحيح هو الثاني وإليك البيان :

إنّ دراسة الموضوع توقفنا على أنّ إذن رسول الله كان مقروناً بالمصلحة إذ لولاه فلا يخلوا حالهم بين أن يكونوا مطيعين أو عاصين ، فلو أطاعوه وساهموا المسلمين لكان ضررهم أكثر من نفعهم لقوله سبحانه : ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) ( التوبة / 47 ).

ولأجل أنّ ضررهم كان أكثر من نفعهم ، أمر النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أن لا يشاركوهم في الجهاد ولو طلبوا منه ، قال سبحانه : ( فَإِن رَّجَعَكَ اللَّـهُ إِلَىٰ طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ) ( التوبة / 83 ).

ولو خالفوا واثّاقلوا إلى الأرض لكان الفساد أعظم ، لأنّ المخالفة الواضحة توجب تهبيط عظمة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن الأعين وربّما تتّخذ خطة عادية للمنافقين في مجالات اُخر.

ولأجل هذا لمّا استأذنوا أذن لهم وما هذا إلّا دفعاً للفاسد أو الأفسد.

وبعبارة اُخرى : أنّهم كانوا عازمين على عدم الخروج مع المؤمنين لغزو الروم ، بل كان لهم في غياب النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تخطيط ومؤآمرة أبطله النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بتخليف عليّ ( عليه السلام ) مكانه كما هو مذكور في السيرة ، قال سبحانه : ( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّـهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) ( التوبة / 46 ).

والآية صريحة في أنّهم كانوا عازمين على ترك الخروج وكان الإستئذان نوع تغطية لقبح عملهم فما كانوا يخرجون إلى الجهاد سواء أذن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أم لم يأذن ، لكن ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بإذنه حفظ مكانته ومنزلته بين المسلمين.

نعم ، إنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بإذنه فوّت مصلحة اُخرىٰ وهو التعرّف على المؤمن وتمييزه عن المنافق ، وتمحيص المطيع عن المتمرّد ولولاه لم يعرف الصديق من العدو عاجلاً.

وليس لحن الآية في مجال تفويت هذه المصلحة لحن العتاب والإعتراض ، بل اُسلوبه اُسلوب عطف وحنان ، وأشبه بإعتراض الولي الحميم على الصديق الوفي ، إذا عامل عدوّه الغاشم بمرونة ولينة ، فيقول بلسان الإعتراض : « لماذا أذنت له ولم تقابله بخشونة حتّى تعرف عدوّك من صديقك ومن وفي لك ممّن خانك. على أنّه وإن فات النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) معرفة المنافق من هذا الطريق لكنّه لم تفته معرفته من طريق آخر ، صرّح به القرآن في غير هذا المورد ، فإنّ النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) كان يعرف المنافق وغيره من المؤمن من طريقين آخرين.

1 ـ كيفيّة الكلام ، ويعبّر عنه القرآن بلحن القول وذلك إنّ الخائن مهما أصرّ على كتمان خيانته ، تظهر بوادرها في ثنايا كلامه ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « ما أضمر أحد شيئاً إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه » وفي ذلك يقول سبحانه : ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) ( محمد / 30 ).

2 ـ التعرّف عليهم بتعليم منه سبحانه ، قال : ( مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ) ( آل عمران / 179 ) والدقّة في الآية تفيد بأنّ الله سبحانه يجتبي من رسله من يشاء ويطلعه على الغيب ، ويعرف من هذا الطريق الخبيث ويميّزه عن الطيّب.

وعلى ذلك فلم يفت النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) شيء وإن فاتته معرفة المنافق من هذا الطريق ولكنّه وقف عليها من الطريقين الآخرين.

وعلى كل تقدير فاستئذان اُولوا الطول منهم لترك الخروج آية النفاق ، كما أنّ مساهمتهم آية الإيمان ، يقول سبحانه : ( وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّـهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * لَـٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( التوبة / 86 ـ 89 ).

نعم استثنىٰ سبحانه ذوي الأعذار وهم الضعفاء ، والمرضىٰ والفقراء ، فإنّ هذه الأصناف الثلاثة لا حرج عليهم ولا إثم في قعودهم عن الجهاد الواجب ، قال سبحانه : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّـهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) ( التوبة / 91 ـ 93 ).

الاعتذار بالخوف من نساء الروم

ثمّ إنّ بعضهم اعتذر بأنّه يخشىٰ من نساء بني الأصفر فقال : يا رسول الله : « إئذن لي ولا تفتني فو الله لقد عرف قومي أنّه ما من رجل بأشدّ عجباً بالنساء منّي وإنّي أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر » فأعرض عنه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وقال : لقد أذنت لك ، فنزلت في حقّه هذه الآية : ( وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) ( التوبة / 49 ).

والمراد أنّه انّما خشي الفتنة من نسائهم ولكن ما سقط فيه من الفتنة أكبر لتخلّفه عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وجزاؤه جهنّم (2).

ثمّ خرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن المدينة وضرب عسكره على ثنية الوداع وخلّف علي بن أبي طالب ( رضوان الله عليه ) على أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا : ما خلّفه إلّا إستثقالاً له وتخفّفاً منه ، فلمّا قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب ( رضوان الله عليه ) سلاحه ثمّ خرج حتّى أتى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو نازل بالجرف ، فقال : يا نبي الله ، زعم المنافقون أنّك إنّما خلّفتني لأنّك استثقلتني وتخفّفت منّي ، فقال : كذّبوا ، ولكنّي خلّفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ؟ إلّا انّه لا نبي بعدي ، فرجع علي إلى المدينة ، ومضى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على سفره (3).

حديث تخلّف الثلاثة

ثمّ إنّه تخلّف بعضهم لا عن نفاق بل عن توان وهم : كعب بن مالك ومرارة بن ربيع وهلال بن اُميّة. فلمّا قدم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المدينة جاءوا إليه واعتذروا فلم يكلّمهم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وتقدّم إلى المسلمين بأن لا يكلّمهم أحد منهم ، فهجرهم الناس حتى الصبيان ، وجاءت نساؤهم إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقلن له : يا رسول الله نعتزلهم ؟ فقال : لا ولكن لا يقربوكنّ ، فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رؤوس الجبال ، وكان أهاليهم يجيئون لهم بالطعام ولا يكلّمونهم ، فقال بعضهم لبعض : قد هجرنا الناس ولا يكلّمنا أحد منهم فهلّا نتهاجر نحن أيضاً ، فتفرّقوا ولم يجتمع منهم اثنان وبقوا على ذلك خمسين يوماً يتضرّعون إلى الله تعالى ، فقبل الله توبتهم وأنزل فيهم هذه الآية (4) :

( وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ( التوبة / 118 ).

والذي يستفاد من هذا القرار الحاسم الذي أصدره النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في شأن اُولئك ، إنّ الدواء الناجع لعلاج كل تصدّع يطرأ على الجبهة الإسلامية يتمثّل في فرض الحصار وتضييق الخناق على العدوّ ليستأصل كلّياً قبل استفحال أواره ، واشتداد شوكته.

وبعبارة اُخرى : نستخلص درساً هامّاً لحياتنا في مستقبلها المصيري من موقف النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذا وهو أنّه كلّما شعرت القيادة الإسلامية بخطر يترقّب من أقلّية تسكن داخل البلاد الإسلامية ، فإنّه يجب عليها أن تفرض عليها الحصار الإقتصادي وتستنهض عزائم المسلمين للمجابهة الصارمة مع اُولئك ليرتدعوا عن بكرة أبيهم عمّا كانوا عليه من شطط وإيذاء للمسلمين.

نرى في البلاد الإسلامية أقلّيات مذهبية من غير المسلمين وقد بلغوا الذروة في الثروة وجمع المال وامتصّوا دماء المسلمين في عقر دارهم ، واستنفدوا قواهم وسخّروهم لصالح منافعهم الخاصّة على غفلة من أمرهم ، وما هذه الظاهرة إلّا لأنّ الأكثرية صارت دمية بيد اُولئك لتشتّت المسلمين وإنقسامهم على أمرهم ، فلو قام المسلمون بأعمال السياسة التي قام بها النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في العام التاسع من الهجرة وضربوا الحصار على تلك الأقلّية بأن يقطعوا الأواصر الإقتصادية مع هؤلاء ، لدحضت مخطّطاتهم ولردّ كيدهم إلى نحورهم.

هذا ما يرجع إلى الأقلّيات المذهبية في داخل البلاد الإسلامية وأمّا القوى الكافرة الخارجة عنها فيجب كبح جماحهم بشكل آخر وهو :

إنّ المسلمين اليوم يملكون زمام الطاقة الحياتية المتمثّلة في النفط والتي تمثّل عصب الحضارة الحديثة ، فلو أنّهم امتنعوا عن إعطاء ثروتهم النفطية للقوى الكبرى ، لتوقّفت واُصيبت الحياة الصناعية والإقتصادية بشكل رهيب. واضطرّت على أثرها للرضوخ للواقع والإعتراف بحقوق المسلمين المشروعة.

( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) والتفصيل موكول إلى محل آخر.

والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين

مسجد ضرار

كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على جناح السفر إلى تبوك إذ وفد جماعة من بني غنم ابن عوف وطلبوا منه أن يأتيهم ويصلّي في مسجدهم الذي بنوه في حيّهم وقالوا : إنّا بنينا مسجداً لذي العلّة والحاجة الليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنّا نحب أن تأتينا فتصلّي فيه لنا وتدعوا بالبركة ، فقال لهم : إنّي على جناح سفر ولو قدمنا أتيناكم إن شاء الله.

فلمّا انصرف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من تبوك وأراد الصلاة فيه نزلت عليه آية في شأن المسجد وهي :

( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة / 107 ـ 110 ).

وفي حقيقة الأمر كان إنشاء هذا البناء لأجل غاية خبيثة وأهداف مستبطنة منها بثّ الفرقة والشقاق بين صفوف المسلمين ، ومنها جعل هذا المكان ملجأً لأبي عامر الراهب وهو من أشد محاربي الله ورسوله وكان من قصّته أنّه قد ترهّب في الجاهلية ولبس المسوح ، فلمّا قدم النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المدينة حسده وحزّب عليه الأحزاب ثم هرب بعد فتح مكّة إلى الطائف فلمّا أسلم أهل الطائف لحق بالشام وخرج إلى الروم وتنصّر وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة الذي قتل مع النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في واقعة اُحد وكان جنباً فغسّلته الملائكة.

وسمّى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أبا عامر : « الفاسق » ، وقد كان أرسل إلى المنافقين أن استعدّوا و ابنوا مسجداً فإنّي أذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنود واخرج محمداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من المدينة ، فكان المنافقون يتوقّعون أن يجيئهم أبو عامر ، فبنوا هذا المسجد لتلك الغاية.

فلمّا نزلت الآية أمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الأخشم بهدم المسجد وتحريقه ، وروي أنّه بعث عمّار بن ياسر ووحشي أن يحرقاه وأمر بأن يتّخذ كناسة يلقىٰ فيها الجيف.

وهذه المؤامرة لم تكن الاُولى في تاريخ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فإنّ القوى الكافرة ما برحت تبذل جهودها في البلاد الإسلامية من خلال إنشاء المشاريع الخيرية كالكنائس والمستشفيات وملاجىء الأيتام ومعاهد التربية والتعليم لتأصيل بذور عوامل الإختلاف بين المسلمين ، وتضعيف عقائدهم وافسادهم إلى حد تبلغ بهم فيه إلى مسخ شخصيتهم الإسلامية.

وهذا إن دلّ على شيء فإنّه يدل على أنّ المشاريع الخيرية أفضل وسيلة للنفوذ إلى أوساط المسلمين وتنفيذ مآربهم العدائية المحاكة ضدّهم.

وفي الواقع أنّ الخطّة التي تنتهجها القوىٰ الكافرة غالباً للقضاء على الإسلام والمسلمين تكمن في إستغلال الصبغة الدينية التي تدين بها الشعوب الإسلامية لضرب الإسلام والإنسانية باسم الإسلام نفسه وتحت شعارات دينية تنبع من أهدافه في ظاهر أمرها.

وقعة تبوك :

فلمّا انتهى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى تبوك أتاه صاحب أيله (5) وأهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية ، فكتب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لهم كتاباً ، فأقام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في تبوك بضعة عشر ليلة ولم يجد من العدو فيها أثراً فرجع إلى المدينة قافلاً.

تآمر المنافقين على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم :

روى المفسّرون أنّ اثني عشر رجلاً من المنافقين وقفوا على العقبة ليفتكوا برسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند رجوعه من تبوك فأخبر جبرئيل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بذلك وأمره أن يرسل إليهم ويضرب وجوه رواحلهم ، وعمّار كان يقود دابّة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وحذيفة يسوقها ، فقال :

حذيفة اضرب وجوه رواحلهم فضربها حتى نحّاهم ، فلمّا نزل قال لحذيفة : من عرفت من القوم ؟ قال : لم أعرف منهم أحداً ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

إنّه فلان وفلان حتى عدّهم كلّهم ، فقال حذيفة : ألا تبعث إليهم فتقتلهم ؟ فقال : أكره أن تقول العرب لمّا ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم (6).

روى الواقدي : لمّا كان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في بعض الطريق مكر به اُناس من المنافقين وائتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق ، فلمّا بلغ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه ، فأخبر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خبرهم.

فقال للناس : اسلكوا بطن الوادي فإنّه أسهل لكم وأوسع ، فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) العقبة وأمر عمّار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها وأمر حذيفة بن اليمان يسوق من خلفه ، فبينا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يسير في العقبة إذ سمع حسيس القوم قد غشّوه ، فغضب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأمر حذيفة أن يردّهم ، فرجع حذيفة إليهم وقد رأوا غضب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده ، وظنّ القوم انّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد اطّلع على مكرهم فانحطّوا من العقبة مسرعين حتّى خالطوا الناس.

وأقبل حذيفة حتّى أتى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فساق به ، فلمّا خرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من العقبة نزل الناس فقال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : يا حذيفة هل عرفت أحداً من الركب الذين رددتهم ؟ قال : يا رسول الله عرفت راحلة فلان وفلان وكان القوم متلثّمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل ، فنزلت في حقّهم هذه الآية :

( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّـهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) ( التوبة / 64 ـ 65 ) (7).

الهوامش

1. نهج البلاغة : الخطبة 27.

2. السيرة النبوية : ج 2 ص 516.

3. السيرة النبويّة ج 2 ص 520.

4. ونقله القمّي في تفسيره بصورة مفصّلة ، ومن أراد فليرجع إلى ج 2 ص 278 ـ 280 ، لاحظ مجمع البيان ج 3 ص 79.

5. مدينة في فلسطين.

6. مجمع البيان ج 3 ص 46.

7. المغازي للواقدي ج 3 ص 1042 ـ 1043.

مقتبس من كتاب : مفاهيم القرآن / المجلّد : 7 / الصفحة : 456 ـ 469

 

أضف تعليق

غزوات النبي صلّى الله عليه وآله

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية