مبرّرات الشفاعة

البريد الإلكتروني طباعة

مبرّرات الشفاعة

ربما يقال : إذا كان المنقذ الوحيد للإنسان يوم القيامة ، هو عمله الصالح ، كما هو صريح قوله سبحانه : ( وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ) (1). فلماذا جعلت الشفاعة وسيلة للمغفرة ؟.

والجواب عن ذلك : إنّ لتشريع الشفاعة مبرّرات عدّة ، نذكر منها اثنتين :

الأوّل : الحاجة إلى رحمة الله الواسعة حتّى مع العمل

إنّ الفوز بالسعادة وإن كان يعتمد على العمل أشدّ الإعتماد ، غير أنّ صريح الآيات هو أنّ العمل ما لم تنضمّ إليه رحمة اللّه الواسعة ، غير كافٍ في إنقاد الإنسان من تبعات تقصيره.

قال سبحانه : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) (2).

وقال سبحانه : ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) (3).

الثاني : الآثار التربوية للشفاعة

بالرغم ممّا اعترض على الشفاعة من كونها توجب الجرأة ، وتحيي روح التمرّد في العصاة والمجرمين ، فإنّ الشفاعة تتسبّب في إصلاح سلوك المجرم ، وإنابته والتخلّي عن التمادي في الطغيان ، وتظهر حقيقة الحال إذا لاحظنا مسألة التوبة التّي اتّفقت الأمّة على صحّتها ، فإنّه لو كان باب التوبة موصداً في وجه العصاة والمذنبين ، واعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرّة واحدة يخلّده في عذاب الله ، فلا شكّ أنّه يتمادى في اقتراف السيئات باعتقاد أنّ تغييره للوضع الّذي هو عليه لن يكون مفيداً في إنقاذه من عذاب الله ، فلا وجه لأن يترك لذات المعاصي. وهذا بخلاف ما إذا وجد الجو مشرقاً ، والطريق مفتوحاً ، وأيقن أنّ رجوعه يغير مصيره في الآخرة ، فيترك العصيان ، و يرجع إلى الطاعة.

ومثل التوبة الإعتقاد بالشفاعة المحدودة ـ أيّ مع شروط خاصّة في المشفوع له ـ ، فإذا اعتقد العاصي بأنّ أولياء اللّه قد يشفعون في حقّه إذا لم يهتك الستر ، ولم يبلغ إلى الحد الّذي لا تكون فيه الشفاعة نافعة ، فعند ذلك ، ربّما يعيد النظر في مسيره ، ويحاول تطبيق حياته على شرائط الشفاعة ، حتّى لا يحرمها.

نعم ، الاعتقاد بالشفاعة المطلقة المحرّرة من كلّ قيد ، مرفوض في منطق العقل والقرآن. والمراد من المطلقة هو أنّ الأنبياء يشفعون للإنسان يوم القيامة ، وإن فعل ما فعل ، إذا عند ذلك يستمرّ ويتمادى في أعماله الإجراميّة ، وأمّا الشفاعة المحدودة بشرائط في المشفوع له والشافع ، فلا توجب ذلك.

ومجمل هذه الشروط أن لا يقطع الإنسان جميع علاقاته العبوديّة مع الله ، و وشائجه الروحيّة مع الشافعين ، ولا يصل تمرّده إلى حدّ نسف جسور الإرتباط بهم.

الهوامش

1. سورة الكهف : الآية 88.

2. سورة النحل : الآية 61.

3. سورة فاطر : الآية 45.

مقتبس من : كتاب « الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل الجزء الرابع »

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية