تصنيف آيات الشفاعة

البريد الإلكتروني طباعة

تصنيف آيات الشفاعة

عندما نؤمن بالشفاعة نقصد بذلك الشفاعة التي وردت في القرآن الكريم والشفاعة التي وردت عن لسان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام.

ففي القرآن الكريم هناك ثمانية أصناف من الآيات التي تذكر الشفاعة وتبيّن أقسامها ، فصنف منها يثبت الشفاعة لله تعالى فقط ، وهناك أصناف تثبت الشفعاء لأولياء الله.

فالقرآن الكريم فيه عام وخاص وفيه مطلق ومُقيّد ، يعني بعض الآيات مطلقة فتأتي آيات أخرى تُفسّر هذا المطلق وتُقيّده ، فتعرف هنا الإرادة الجدّية (1) للمولى تعالى وليس الإرداة الإستعماليّة (2) في القرآن هي المطلوبة في تعيين المراد والإرادة الجدّية للمولى سبحانه وتعالى في القرآن هو المُقيّد وليس المطلق ، فالمطلق شيء والمقيّد شيء آخر.

مثال : يقول القائل أكرم العلماء ، يعني أكرم مطلق العلماء فاسقاً كان أو عادل ، مؤمن كان أو غير ذلك ، وتارة يقول : لا تكرم العلماء الفاسقين أكرم العالم العادل ، فيقيّد هنا أو يعطيك صفة ، فهنا لا يجوز لك أن تكرم العالم الفاسق ، لأنّ المطلق قد قُيّد ، فنحن نأخذ بالقيد ولا نأخذ بالمطلق.

فالآيات القرآنيّة على هذا النحو فيها مُطلقات ومُقيّدات ، لذا تارة يثبت الشفاعة لله تعالى مطلقاً وتارة يقيّد هذه الشفاعة بأن الله يأذن للبعض أن يشعفوا أيضاً ، فارتفعت المنافاة في القرآن الكريم ، فمن بعد ذلك لا يوجد هنا تهافت.

يقول القائل بأن الشفاعة خاصّة على نحو الإستقلاليّة ، لأنّ كل الكمالات خاصّة بالله تعالى على نحو الإستقلال.

لكن المولى سبحانه وتعالى يعطي هذه الكمالات أيضاً للبشر على نحو التبعيّة ، أو قل على نحو الإذن أيّ يأذن لبعض البشر ، فما هو المانع في هذا الأمر بأنّ الله سبحانه وتعالى قادر على كلّ شيء وحكيم اقتضت حكمته ولطفه أن يأذن لبعض البشر ببعض صفاته ، فحقّ الشفاعة ثابت له ، وهناك أشخاص من البشر لهم حقّ الشفاعة. لكن هذه الشفاعة شفاعة تبعيّة شفاعة إمكانيّة ، فشفاعة المولى استقلاليّة ذاتيّة ، والفرق بين الذاتي والتبعي كالفرق بين السماوات والأرض ، فهو الفرق بين الربّ والعبد ، فكم هو الفرق بين المولى وعبده كذلك الفرق بين هذه الصفات الألهيّة والصفات التي توجد في العبد فتكون بإذنه سبحانه وتعالى.

الصنف الأول : من الآيات القرآنيّة في هذا الباب :

الآية الأولى : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) (3).

الآية الثانية : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) (4).

الآية الثالثة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (5).

فهنا المولى تارة ينفي الشفاعة وتارة ينفي الشفيع ، فهنا فرق بين الأثنين ، ثمّ هذا النفي تارة مطلق وتارة مُقيّد يخصّ الكافرين. فيحذّر المولى العبد على أن لا يكفر في الدنيا وأن يشكر الله على كل ما أنعم ، لأن من يكفر بالله تعالى في يوم القيامة لا تناله الشفاعة ، فمعنى هذا الأمر هو من يشكر الله سوف ينال الشفاعة ، لذا هذه الآيات واضحة في هذا المعنى. فهناك طائفة من البشر الذين لم يتّقوا الله في الدنيا كانوا من الفاسقين ، كانوا من المشركين ، كانوا من الكافرين ، أولئك لا ينالهم شفاعة الشافعين ، فعلى هذا المعنى توجد شفاعة لعدّة من البشر وليس مختصّة بالله تعالى.

الصنف الثاني : الآيات التي تدلّ على ندم المجرمين وتمنيهم أن يكون لهم شفعاء :

الآية الأولى : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) (6).

فهنا يندم المجرم الكافر فيقول : أن في الدنيا جاءت لنا رسلُ ربّنا بالحقّ ولكن نحن لم نتّبع الحقّ ، فهل يوجد أحد هنا يشفع لنا ؟ فمعنى هذه الآية أنّ هناك توجد شفاعة بحيث هذا الكافر يتمنّى الشفاعة ويبحث عنها.

الآية الثانية : ( فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ *‏ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (7).

فهذه تدلّ على أنّ هناك شفاعة ولكن ليس للجميع.

الصنف الثالث : الآيات التي مفادها انّ الشفاعة لا تقبل من أولياء الكفر والأوثان ، لأن الشفاعة يعطيها المولى لمن أذن له ، فالكافر ليس مأذون بالشفاعة ولا للصنم والوثن.

الآية الأولى : ( وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (8).

الآية الثانية : ( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (9).

هذه الآيات تدلّ على نفي الشفاعة عن الذين يزعمون بأن الأصنام والأوثان تشفع لهم في الدنيا والآخرة ، فلا تدلّ على نفي الشفاعة مطلقاً.

الصنف الرابع : الآيات التي تدلّ على أن الشفاعة لله تعالى ، كقوله :

الآية : ( لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ ) (10).

وكذلك آيات الشفاعة في حق المولى.

الصنف الخامس : الآيات التي تدلّ على أنّ الشفاعة بإذن الله تعالى ممّا يدلّ على المطلوب من صحّة الشفاعة وحقانيّتها لغير الله تعالى ألّا أنّها بإذنه.

الآية الأولى : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (11).

الآية الثانية : ( مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) (12).

الآية الثالثة : ( وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) (13).

فالمستفاد من هذه الآيات أنّ الشفاعة حقيقيّة وأولاً لله تعالى ، ولكن الله سبحانه وتعالى يأذن لبعض البشر أن يشفعوا كالأولياء والأنبياء وأوصيائهم.

الصنف السادس : الآيات التي وردت في شرائط الشافعين.

الآية الأولى : ( لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا ) (14).

عهد للنبي بأن يعطيه مقاماً محموداً وهو مقام الشفاعة هذا الذي يستطيع أن يشفع والأنبياء يستطيعون أن يشفعوا وأولياء الله يستطيعون أن يشفعوا ، والسيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم عليهما السلام تستطيع أن تشفع أعطاها المولى عهد بأن لها الشفاعة يوم القيامة ، لذا نقول في زيارتها : « يا فاطِمَةُ اشْفَعِي لِي فِي الجَنَّةِ » (15).

الآية الثانية : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (16).

الآية الثالثة : ( وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (17).

الصنف السابع : الآيات التي وردت في شرائط الأشخاص الذين يشفعون وتارة شرائط الذي يشفع له « المشفوع ».

الآية الأولى : ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) (18).

الآية الثانية : ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ) (19).

الآية الثالثة : ( وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ) (20).

الظالم ليس له شفيع وأمّا المؤمن له شفيع ، فالله سبحانه تعالى يميّز في هذه الآيات من له شفيع ومن ليس له شفيع.

الصنف الثامن : الآيات التي تُثبت الشفاعة للنبي صلّى الله عليه وآله.

الآية الأولى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) (21).

ففي الحديث الشريف : المقام المحمود هو مقام الشفاعة. (22)

الآية الثانية : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) (23).

فهذه الآيات تُثبت أنّ رسول الأعظم صلّى الله عليه وآله له الشفاعة أولاً ، ثمّ من بعد ذلك للأنبياء والأوصياء الأمثل فالأمثل ، ثمّ المؤمنين والمؤمنات.

ففي القرآن الكريم ثابت أنّ الشفاعة لله تعالى ولكن يأذن سبحانه وتعالى أن يشفع الشفعاء ، فلذا نقول : « يا فاطِمَةُ اشْفَعِي لِي فِي الجَنَّةِ » بكلّ يقين وبكلّ اعتقاد قرآني وروائي ، فهذه من ثقافتنا.

والحمد لله ربّ العالمين.

الهوامش

1. الإرادة الجدّية : وهي الغرض الأساسي الذي من أجله أراد المتكلّم أن نتصوّر تلك المعاني.

2. الإرادة الإستعماليّة : إذ نعرف عن طريق صدور الجملة من المتكلّم أنّه يريد منّا أن نتصوّر معاني كلماتها.

3. البقرة : 48.

4. البقرة : 123.

5. البقرة : 254.

6. الأعراف : 53.

7. الشعراء : 100 ـ 101.

8. الأنعام : 94.

9. الزمر : 44.

10. الأنعام : 70.

11. البقرة : 255.

12. يونس : 3.

13. سبأ : 23.

14. مريم : 87.

15. مفاتيح الجنان « للشيخ عباس القمي » / الصفحة : 748 ـ 750 / الناشر : مكتبة العزيزي.

16. الأنبياء : 28.

17. الزخرف : 86.

18. طه : 109.

غافر : 19.

20. النجم : 26.

21. الإسراء : 79.

22. البرهان في تفسير القرآن « للسيد هاشم البحراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 570 ـ 571 / الناشر : مؤسسة البعثة :

عليّ بن إبراهيم ، قال : حدّثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن زُرْعَة ، عن سَماعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألتهُ عن شفاعة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم القيامة. فقال : « يُلجِم الناس يوم القيامة العَرق ، فيقولون : انطلِقوا بنا إلى آدم ليشْفَعَ لنا عند ربّنا ؛ فيأتون آدم عليه السلام ، فيقولون : يا آدم اشفع لنا عند ربّك ؛ فيقول : إنّ لي ذنباً وخطيئةً فعليكم بنُوح ، فيأتون نُوحاً عليه السلام فيردّهم إلى مَن يليه ، فيردّهم كلّ نبيّ إلى مَن يليه حتّى ينتهوا إلى عيسى عليه السلام ، فيقول : عليكم بمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؛ فيَعرِضون أنفسهم عليه ويسألونه ، فيقول : انطلقوا ؛ فينطلق بهم إلى باب الجنّة ، ويستقبل باب الرحمة ، يخِرّ ساجداً ، فيمكُث ما شاء الله ، فيقول الله : ارفَعْ رأسك ، واشفَع تُشَفَّع ، واسأل تُعط ؛ وذلك قوله : ( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ).

23. الضحى : 5.

 
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية