إجماع الشيعة الإماميّة على إعتقاد صحّة الرجعة

البريد الإلكتروني طباعة

إجماع الشيعة الإماميّة على إعتقاد صحّة الرجعة

إجماع جميع (1) الشيعة الإماميّة ، وإطباق الطائفة الإثنى عشريّة اعتقاد صحّة الرجعة ، فلا يظهر منهم مخالف يعتدّ به من العلماء السابقين ولا اللّاحقين ، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بورود الأحاديث المتواترة عن النبي والأئمّة عليهم السلام ، الدالّة على اعتقادهم بصحّة الرجعة ، حتّى أنّه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمّد (2) بن الحسن المهدي عليه السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها ، مع قلّة ما ورد عنه في مثل ذلك بالنسبة إلى ما ورد عن آبائه عليهم السلام.

وممّن صرّح بثبوت الإجماع هنا ونقله الشيخ الجليل أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب « مجمع البيان لعلوم القرآن » في تفسير قوله تعالى ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً ) (3) حيث قال (4) : استدلّ بهذه الآية على صحّة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإماميّة بأن قال : دخول (5) « من » في الكلام يفيد التبعيض ، فدلّ على أنّ المشار إليه في الآية يوم يُحشر فيه قوم دون قوم ، وليس ذلك صفة القيامة الذي يقول الله فيه ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (6).

وقد تظاهرت الأخبار (7) عن أئمّة الهدى من آل محمّد عليهم السلام ، أنّ الله سيعيد عند قيام المهدي عليه السلام قوماً ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته ; ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ويبتهجوا بظهور دولته ، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه ; لينتقم منهم وينالوا ما يستحقّونه من العقاب في الدنيا ، من القتل على أيدي شيعته ، أو الذلّ والخزي بما يرون من علوّ كلمته (8) ، ولا يشكّ عاقل أنّ هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه ، وقد فعل الله ذلك في الاُمم الخالية ، ونطق القرآن بذلك في عدّة مواضع ، مثل قصّة عُزير وغيره على ما فسّرناه في موضعه.

وصحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال : « سيكون في اُمّتي كلّ ما كان في الاُمم السابقة (9) حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة حتّى لو أنّ أحدهم دخل في جحر ضبّ لدخلتموه » على (10) أنّ جماعة من الإماميّة تأوّلوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي ، دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، وأوّلوا الأحاديث الواردة في ذلك ، لما (11) ظنّوا أنّ الرجعة تنافي التكليف ، وليس كذلك ، لأنّه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والإمتناع من القبيح.

والتكليف يصحّ معها كما يصحّ مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة ، كفلق البحر ، وقلب العصا ثعباناً وما أشبه ذلك ، ولأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرّق إليها التأويل عليها ، وإنّما المعوّل في ذلك إجماع الشيعة الإماميّة وإن كانت الأخبار تؤيِّده وتعضده (12) انتهى.

ولا يخفى أنّ قوله في أوّل الكلام « من الإماميّة » ينبغي أن لا تكون « من » فيه (13) تبعيضيّة ، بل هي بيانيّة ، بدلالة التصريح في آخر الكلام بالإجماع من جميع الشيعة الإماميّة ، وإلّا لزم تناقض الكلام ولم يعتبر من تأوّل الأخبار ، إمّا لكونهم معلومي النسب فلا يقدح خلافهم في الإجماع ، أو كونهم شذّاذاً لا يعتبر قولهم أصلاً ، أو للعلم بدخول المعصوم في أقوال الباقين.

أو لكونهم من أهل التأويل الذين أوّلوا أكثر الشريعة ، أو علماً منه (14) بأنّهم أظهروا ذلك مراعاة للتقيّة ، أو لأنّهم تأوّلوا بعض الأخبار ، ولم يصرّحوا بالإنكار ونفي الرجعة ؛ لأنّ أكثرها لا سبيل إلى تأويله بوجه ، وقد أشار إلى ذلك بقوله : إنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار ، فيتطرّق لها (15) التأويل (16).

ثمّ إنّ العلم بدخول المعصوم بالأحاديث الصريحة يوجب حجّية الإجماع (17) ، ونقل مثل الطبرسي حجّة في مثل هذا ، وسيأتي نقله : أنّ العترة الطاهرة أجمعت عليه فكيف إذا انضمّ إليه غيره.

وقال أيضاً في « مجمع البيان » : في تفسير قوله تعالى ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) (18).

روى العيّاشي عن علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال : « هم والله أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منّا وهو مهدي هذه الاُمّة » (19). وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام (20).

قال الطبرسي : فعلى هذا يكون المراد بـ ( الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) النبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته ، وتضمّنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكين في البلاد ، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي ، ويكون المراد قوله (21) : ( كَمَا استَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) أن جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم وداود وسليمان عليهم السلام ، وممّا يدلّ (22) على ذلك قوله تعالى ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (23) و ( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ ) (24) وغير ذلك.

قال الطبرسي : وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة ، وإجماعهم حجّة لقوله صلّى الله عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وأيضاً فإنّ التمكين في الأرض على الإطلاق لم يتّفق فيما مضى ، فهو مرتقب (25) ؛ لأنّ الله عزّ اسمه لا يُخلف وعده (26) « انتهى ».

وهذا أوضح تصريحاً في نقل (27) الإجماع على رجعة النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ، ويظهر ذلك من ملاحظة ضمائر الجمع في الآية وفي كلام (28) الطبرسي ، ومن لفظ (29) الإستخلاف والتمكين وزوال الخوف والعبادة ، وما هو معلوم من وجوب الحمل على الحقيقة (30) ، ولو حملناه (31) على مجرّد خروج المهدي عليه السلام لزم حمل الجميع على المجاز والتأويل البعيد من غير ضرورة ولا قرينة ، ولما صدقت المشابهة بين الإستخلافين ، وكيف يشبّه ملك الميّت الذي ملك وأحد من أولاد أولاده بملك سليمان ؟ على أنّه لو كان مراده (32) تمكين أهل البيت مجازاً بمعنى خروج المهدي عجّل الله فرجه من غير رجعتهم ، لما كان لتخصيص الإجماع بالعترة وجه ؛ لأنّ ذلك إجماع من جميع الاُمّة وهو ظاهر ، والأحاديث الصريحة الآتية لا يبقى معها شكّ.

وقد قال الشيخ الجليل رئيس المحدِّثين عمدة الإخباريين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب « الاعتقادات » ـ باب الإعتقاد في الرجعة ـ قال الشيخ أبو جعفر : إعتقادنا ـ يعني معشر الإماميّة ـ في الرجعة أنّها حقّ ، وقد قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (33) وهؤلاء كانوا سبعين ألف بيت ، فماتوا جميعاً ـ وذكر قصّتهم إلى أن قال ـ : ثمّ أحياهم وبعثهم ورجعوا إلى الدنيا ، ثمّ ماتوا بآجالهم ، وقد قال الله تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ ) (34) فهذا مات مائة عام ، ثمّ رجع إلى الدنيا وبقي فيها ثمّ مات بأجله وهو عُزير ـ وروي أنّه ارميا عليه السلام ـ.

وقال تعالى في قصّة السبعين المختارين من قوم موسى فماتوا : ( ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (35) وقد قال الله تعالى لعيسى عليه السلام : ( وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ) (36) فجميع الموتى الذين أحياهم الله لعيسى عليه السلام رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ، ثمّ ماتوا بآجالهم ، وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً ثمّ بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ، وقصّتهم معروفة.

فإن قال قائل (37) : ( وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ) (38).

قيل له : إنّهم كانوا موتى وقد قال الله تعالى : ( مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) (39) وإن كانوا قالوا ذلك فإنّهم كانوا موتى ، ومثل هذا كثير.

فقد صحّ أنّ الرجعة كانت في الاُمم السالفة ، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله : « يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة » فيجب على هذا الأصل أن يكون في هذه الاُمّة رجعة.

وقد نقل مخالفونا أنّه إذا خرج المهدي عليه السلام نزل عيسى بن مريم فصلّى خلفه ، ونزوله ورجوعه إلى الدنيا بعد موته ; لأنّ الله تعالى قال : ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) (40) وقال عزّوجلّ : ( وحَشَرْنَاهُم فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدَاً ) (41) وقال عزّوجلّ (42) : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً ) (43) فاليوم الذي يحشر فيه الجميع غير اليوم الذي يحشر فيه الفوج.

وقال تعالى : ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً ) (44) وذلك في الرجعة لأنّه عقّبه بقوله ( لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ) (45) والتبيين (46) إنّما يكون في الدنيا لا في القيامة.

وساُجرّد كتاباً في الرجعة أذكر فيه كيفيّتها ، والأدلّة على صحّة كونها إن شاء الله تعالى.

والقول بالتناسخ باطل ، ومن قال بالتناسخ فهو كافر ؛ لأنّ التناسخ إبطال الجنّة والنار (47). انتهى كلام ابن بابويه.

وقد صرّح في أوّل الكتاب بأنّ ما فيه إعتقاد الإماميّة ، وذكره في أوّل باب وأحال الباقي عليه ، وهذا يدلّ على الإجماع من جميع الشيعة.

وممّا يدلّ على ثبوت الإجماع إتّفاقهم على رواية أحاديث الرجعة حتّى أنّه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة ، ولا تراهم يضعّفون حديثاً واحداً منها ، ولا يتعرّضون لتأويل شيء منها ، فعلم أنّهم يعتقدون مضمونها (48) ؛ لأنّهم يضعّفون كلّ حديث يخالف اعتقادهم ، أو يصرّحون بتأويله وصرفه عن ظاهره ، وهذا معلوم بالتتبّع لكتبهم.

وقد استدلّ الشيخ في « التبيان » (49) ما نقل عنه على صحّة اعتقاد الرجعة (50).

وقد ألّف بعض المتأخِّرين ـ وهو الحسن بن سليمان بن خالد القمّي ـ رسالة في ذلك ، وقال فيها ما هذا لفظه : الرجعة ممّا أجمع عليه علماؤنا بل جميع الإماميّة ، وقد نقل الإجماع منهم على هذه المسألة الشيخ المفيد (51) والسيِّد المرتضى (52) وغيرهما (53) « انتهى ».

وقال صاحب كتاب « الصراط المستقيم » كلاماً طويلاً في الرجعة ظاهره نقل الإجماع أيضاً ، ويأتي في محلّه إن شاء الله ، وعادته أن يبالغ في ذكر الخلاف ، ولم ينقل هنا خلافاً أصلاً.

ويأتي ما يؤيّد ثبوت الإجماع هنا أيضاً (54) إن شاء الله تعالى.

وممّا يدلّ على ذلك أيضاً كثرة النصوص الصريحة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة المذكورة سابقاً ، فإنّ ذلك يدلّ على وجود هذه الأحاديث ، بل الأحاديث الكثيرة التي تزيد على هذا القدر في الاُصول الأربعمائة (55) التي أجمع الإماميّة على صحّتها ، وعرضوها على أهل العصمة صلوات الله عليهم ، فأمروا بالعمل بها ، ووجود حديث واحد في تلك الاُصول يدلّ على أنّ هذا المعنى مجمع على صحّته وثبوت نقله ، لدخوله في المجمع عليه.

وممّا يدلّ على الإجماع على صحّة النقل أيضاً هنا ، أنّ أكثر (56) الجماعة الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وأقرّوا لهم بالعلم والفقه ، وهم ثمانية عشر بل أكثر ، قد رووا أحاديث الرجعة فظهر الإجماع على الثبوت وصحّة الروايات.

وممّا يدلّ على الإجماع أيضاً ما أشار إليه الشيخ في « الاستبصار » : من أنّ كلّ حديث لا معارض له فهو مجمع عليه وعلى صحّة نقله ، ومعلوم أنّ أحاديث الرجعة لم ينقلوا لها معارضاً صريحاً على ما يظهر (57) والله أعلم (58).

وممّا (59) يدلّ على ذلك كثرة المصنّفين الذين رووا أحاديث الرجعة في مصنّفات خاصّة بها أو شاملة لها ، وقد عرفت من أسماء الكتب التي نقلنا منها ما يزيد على سبعين كتاباً قد صنّفها عظماء علماء الإماميّة ، كثقة الإسلام الكليني ، ورئيس المحدِّثين ابن بابويه ، ورئيس الطائفة أبي جعفر الطوسي ، والسيِّد المرتضى ، والنجاشي ، والكشّي ، والعيّاشي.

وعلي بن إبراهيم ، وسليم الهلالي ، والشيخ المفيد ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفّار ، وسعد بن عبدالله ، وابن قولويه ، وعلي (60) بن عبدالحميد ، والسيِّد علي بن طاووس ، وولده ، ومحمّد بن علي بن إبراهيم ، وسعيد بن هبة الله الراوندي ، وفرات بن إبراهيم ، والسيّاري ، وأبي علي الطبرسي ، وولده ، وأبي منصور الطبرسي ، وإبراهيم بن محمّد الثقفي ، ومحمّد بن العبّاس بن مروان ، والبرقي ، وابن شهرآشوب ، والحسن بن سليمان (61) ، والعلّامة.

وعلي بن عبدالكريم ، وأحمد بن داود ، والحسن بن علي بن أبي حمزة ، والشهيد الأوّل ، والشهيد الثاني ، والحسين بن حمدان ، والحسن بن محمّد بن جمهور ، والحسن بن محبوب ، وجعفر بن محمّد بن مالك ، وظهير بن عبدالله ، وشاذان بن جبرئيل ، وأبي علي الطوسي ، وميرزا محمّد الاسترآبادي ، ومحمّد بن علي الخزّاز القمّي.

وعلي بن عيسى الأربلي ، وعبدالله بن جعفر الحميري ، والحافظ رجب البرسي ، وعلي بن يونس العاملي ، والحسن بن محمّد الديلمي ، والسيِّد الرضي ، وغيرهم فقد صرّحوا بصحّة الرجعة ونقلوا أحاديثها كما ستعرفه إن شاء الله تعالى ، وقد نقل جماعة منهم الإجماع على ذلك ولم يظهر له مخالف وتقدّم بعض عباراتهم.

وقد قال الشيخ المفيد في « أجوبة المسائل العكبرية » حين سُئل عن قوله تعالى ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) (62) فأجاب بوجوه ، فقال : وقد قالت الإماميّة : إنّ الله تعالى ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم عليه السلام ، والكرّة التي وعد بها المؤمنون (63) في العاقبة (64).

وروى المفيد في كتاب « الفصول » : عن الحارث بن عبدالله (65) أنّه قال : كنت جالساً في مجلس المنصور ـ وهو بالجسر الأكبر ـ وسوار القاضي عنده ، والسيِّد الحميري ينشده :

إنّ الإله الذي لا شيء يشبهه * آتاكم الملك للدنيا وللدين

آتاكم الله ملكاً لا زوال له * حتّى يقاد إليكم صاحب الصين

وصاحب الهند مأخوذ برمّته * وصاحب الترك محبوس على هون

حتّى أتى على القصيدة والمنصور مسرور ، فقال سوار : والله إنّ هذا يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه ـ إلى أن قال ـ : وإنّه ليقول بالرجعة ، ويتناول الشيخين بالسبّ والوقيعة.

فقال السيِّد : أمّا قوله (66) : إنّي أقول بالرجعة ، فإنّي أقول بذلك على ما قال الله تعالى : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يوزَعُونَ ) (67) وقال في موضع آخر : ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (68) فعلمنا أنّ هاهنا حشرين : أحدهما عامّ والآخر خاصّ ، وقال سبحانه : ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ) (69) وقال تعالى : ( فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ ) (70) وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (71) فهذا كتاب الله.

وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « يحشر المتكبّرون (72) في صورة الذرّ يوم القيامة ».

وقال صلّى الله عليه وآله : « لم يجر في بني إسرائيل شيء إلا ويكون في اُمّتي مثله ، حتّى الخسف والمسخ والقذف » ، وقال حذيفة : ما أبعد أن يمسخ الله كثيراً من هذه الاُمّة قردة وخنازير.

فالرجعة التي أذهب إليها هي (73) ما نطق به القرآن وجاءت به السنّة ، وإنّي لأعتقد أنّ الله يردّ هذا ـ يعني سواراً ـ إلى الدنيا كلباً أو قرداً أو خنزيراً أو ذرّة ، فإنّه والله متكبِّر متجبِّر كافر ، فضحك المنصور وأنشأ السيِّد يقول :

جاثيت سواراً بأشماله * عند الإمام الحاكم العادل

إلى آخر الأبيات (74).

وقال المفيد أيضاً في الكتاب المذكور : سأل بعض المعتزلة شيخاً من ـ أصحابنا (75) الإماميّة ـ وأنا حاضر في مجلس فيهم (76) جماعة كثيرة من أهل النظر والمتفقّهة فقال : إذا كان من قولك إنّ الله يردّ الأموات إلى دار الدنيا قبل الآخرة عند قيام القائم (77) عليه السلام ليشفي المؤمنين كما زعمتم من الكافرين ، وينتقم لهم منهم كما فعل من بني إسرائيل ، حيث تتعلّقون بقوله تعالى ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) (78) فما الذي يؤمنك أن يتوب يزيد وشمر وابن ملجم ويرجعوا عن كفرهم (79) ، فيجب عليك ولايتهم والقطع بالثواب لهم ؟ وهذا خلاف مذهب الشيعة.

فقال الشيخ المسؤول (80) : القول بالرجعة إنّما قلته من طريق التوقيف ، وليس للنظر فيه مجال ، وأنا لا اُجيب عن هذا السؤال ; لأنّه لا نصّ عندي فيه ، ولا يجوز لي أن أتكلّف (81) ـ من غير جهة النصّ ـ الجواب ، فشنّع السائل وجماعة المعتزلة عليه بالعجز والإنقطاع.

قال الشيخ أيّده الله : فأقول : أنا أردّ (82) عن هذا السؤال جوابين :

أحدهما : إنّ العقل لا يمنع من وقوع الإيمان ممّن ذكره السائل ؛ لأنّه يكون آنذاك قادراً عليه ومتمكِّناً منه ، لكنّ السمع الوارد عن أئمّة الهدى عليهم السلام بالقطع عليهم بالخلود في النار ، والتديّن بلعنهم والبراءة منهم إلى آخر الزمان منع من الشكّ في حالهم ، وأوجب القطع سوء اختيارهم ، فجروا في هذا الباب مجرى فرعون وهامان وقارون ، ومجرى من قطع الله على خلوده في النار.

ودلّ القطع أنّهم لا يختارون الإيمان ممّن قال الله : ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْء قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله ) (83) يريد إلا أن يلجئهم الله ، والذين قال الله تعالى فيهم : ( وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (84) وقال الله تعالى لإبليس : ( لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ) (85) وقال : ( وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ) (86) وقال : ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (87) وقال : ( سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب ) (88) فقطع عليه (89) بالنار وأمن من انتقاله إلى ما يوجب له الثواب ، وإذا كان الأمر ما وصفناه بطل ما توهّموه.

والجواب الآخر : إنّ الله سبحانه إذا ردّ الكافرين في (90) الرجعة لينتقم منهم لم يقبل لهم توبة ، وجروا في ذلك مجرى فرعون لمّا أدركه الغرق ( قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (91) قال سبحانه له : ( آلاْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) (92) فردّ الله عليه إيمانه ولم ينفعه في تلك الحال ندمه وإقلاعه ، وكأهل الآخرة الذين لا يقبل الله لهم توبة ولا ينفعهم ندم ، لأنّهم كالملجئين إلى ذلك الفعل ، ولأنّ الحكمة تمنع من قبول التوبة أبداً ، وتوجب اختصاصها ببعض الأوقات.

وهذا هو الجواب الصحيح مذهب الإماميّة ، وقد جاءت به آثار متظافرة (93) عن آل محمّد عليهم السلام فروي (94) عنهم في قوله تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) (95) فقالوا : « إنّ هذه الآية هو (96) القائم عليه‌ السلام ، فإذا ظهر لم تقبل توبة المخالف » وهذا يبطل ما اعتمده (97) السائل.

فإن قيل : فيكون الله تعالى (98) قد أغرى عباده بالعصيان ، وأباحهم الهرج والمرج والطغيان ، لأنّهم إذا كانوا يقدرون على الكفر وأنواع الضلال وقد يئسوا من قبول التوبة ، لم يدعهم داع إلى الكفّ عمّا في طباعهم ، ولا انزجروا عن فعل قبيح (99) ، ومن وصف الله بإغراء خلقه بالمعاصي فقد أعظم الفرية عليه.

قيل لهم : ليس الأمر على ما ظننتموه ، وذلك أنّ الدواعي لهم إلى المعاصي تكون مرتفعة إذ ذاك (100) ، لأنّهم علموا بما سلف لهم من العذاب إلى وقت الرجعة ، على خلاف أئمّتهم ، ويعلمون في الحال أنّهم معذّبون على ما سبق لهم من العصيان ، وأنّهم إن راموا فعل قبيح تزايد عليهم العقاب في الحال ، وإن لزمنا هذا السؤال لزم جميع أهل الإسلام مثله في أهل الآخرة ، وإبطال توبتهم ، فما أجابوا به فهو جوابنا.

فإن قيل على الجواب الأوّل : كيف يتوهّم من القوم الإقامة على العناد ، وقد عاينوا العقاب في القبور وحلّ بهم عند الرجعة العذاب ، وكيف يصحّ أن تدعوهم الدواعي إلى ذلك ؟

قيل : يصحّ ذلك لأنّ جميع ما عدّدتموه لا يمنع من دخول الشبهة عليهم في استحسان الخلاف ؛ لأنّهم يظنّون أنّهم إنّما بعثوا بعد الموت تكرمة لهم وليّلوا الدنيا كما كانوا يظنّون ، وإذا حلّ بهم العقاب توهّموا قبل مفارقة أرواحهم أجسادهم أنّ هذا ليس على سبيل الإستحقاق (101) ، وأنّه من الله تعالى كما حلّ بالأنبياء ، ولأصحاب (102) هذا الجواب أن يقولوا : ليس ما ذكرناه بأعجب من كفر (103) قوم موسى وعبادتهم العجل ، وقد شاهدوا منه الآيات وعاينوا ما حلَّ بفرعون وملائه من العذاب على الخلاف.

ولا بأعجب من إقامة أهل الشرك على خلاف رسول الله صلّى الله عليه وآله وهم يعلمون عجزهم عن مثل ما أتى به من القرآن ، ويشهدون معجزاته وآياته ، ويجدون وقوع ما يخبر به على حقائقه ، من قوله ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) (104) وقوله تعالى : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ) (105) وقوله ( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) (106) وغير ذلك ، وما حلّ بهم من العذاب (107) بسيفه ، وهلاك من توعّده بالهلاك هذا ، وفيمن (108) أظهر الإيمان به المنافقون ينضافون في خلافه إلى أهل الشرك.

على أنّ هذا السؤال لا يسوغ لأصحاب المعارف من المعتزلة ; لأنّهم يزعمون أنّ أكثر المخالفين على الأنبياء كانوا من أهل العناد (109) ، وأنّ جمهور الذين يظهرون الجهل بالله تعالى يعرفونه على الحقيقة ، ويعرفون أنبياءه وصدقهم ، ولكنّهم على اللجاجة والعناد ، فلا يمتنع أن يكون الحكم في الرجعة وأهلها على هذا الوصف.

وقد قال الله تعالى ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) (110) فأخبر الله سبحانه أنّ أهل العقاب لو ردّهم (111) إلى الدنيا لعادوا إلى (112) الكفر والعناد ، مع ما شاهدوا (113) في القبور وفي المحشر من الأهوال ، وما ذاقوا من أليم العذاب (114).

وقال في « الإرشاد » عند علامات ظهور القائم عليه السلام : وأموات ينشرون من القبور إلى الدنيا ، فيتعارفون فيها ويتزاورون (115).

وقال في جواب « المسائل السرويّة » (116) لمّا سُئل عمّا يروى عن الصادق عليه السلام في الرجعة وما معنى قوله عليه السلام : « ليس منّا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن برجعتنا » أهي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن ؟ أو لغيره من الظَلَمة الجبّارين قبل يوم القيامة ؟

فكتب الشيخ بعد الجواب عن المتعة.

وأمّا قوله : « من لم يقل برجعتنا فليس منّا » فإنّما أراد بذلك ما يختصّه من القول به ، في أنّ الله تعالى يحشر قوماً من اُمّة محمّد صلّى الله عليه وآله بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد عليهم السلام ، والقرآن شاهد به ، قال الله تعالى في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (117) وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ) (118) فأخبر أنّ الحشر حشران : عامّ وخاصّ.

وقال سبحانه مخبراً عمّن يحشر من الظالمين أنّه يقول يوم الحشر الأكبر ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِن سَبِيل ) (119) وللعامّة في هذه الآية تأويل مردود ، وهو أن قالوا : المعنى أنّه خلقهم أمواتاً ثمّ أماتهم بعد الحياة.

وهذا باطل لا يستمرّ (120) على لسان العرب ؛ لأنّ الفعل لا يدخل إلا على من كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها ، ومن خلقه (121) الله أمواتاً لا يقال أماته ، وإنّما يدخل (122) ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة ، كذلك لا يقال أحيا الله ميتاً إلا أن يكون قبل إحيائه ميّتاً ، وهذا بيّن لمن تأمّله.

وقد زعم بعضهم أنّ المراد الموتة التي تكون (123) بعد سؤالهم في القبور فتكون الاُولى قبل الإقبار ، والثانية بعده ، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر ، وهو أنّ الحياة للمسألة ليس للتكليف (124) ، فيندم الإنسان ما فاته في حاله ، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرّتين يدلّ على أنّه لم يرد حياة المسألة ، لكنّه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم (125) الندم على تفريطهم فلا يفعلون ذلك ، فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك.

والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون من سوى هذين الفريقين ، فإذا أراد الله تعالى ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عزّ وجلّ أنّهم إنّما ردّوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله ، فيزدادوا عتوّاً ، فينتقم الله منهم بأوليائه ، ويجعل لهم الكرّة عليهم ، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب ، وتصفو الأرض ويكون الدين لله.

وقد قال قوم : كيف يعود (126) الكفّار بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب البرزخ ؟ فقلت : ليس ذلك بأعجب من الكفّار الذين يشاهدون العذاب فيقولون ( يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (127) فقال الله تعالى ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (128) فلم يبق للمخالف بعد هذا شبهة يتعلّق بها (129).

وقال (130) الشيخ المفيد أيضاً في جواب مسائله عن الرجعة : وعمّن يرجع فيها محمّد صلّى الله عليه وآله وأهل بيته ، واُمّته الذين محض الإيمان والكفر ، دون من سلف من الاُمم الخالية والقرون البالية (131).

وقال السيِّد المرتضى علم الهدى في جواب المسائل التي وردت عليه من الري حيث سألوا عن حقيقة الرجعة ; لأنّ شذّاذ الإماميّة يذهبون إلى أنّ الرجعة رجوع دولتهم في أيّام القائم عليه السلام دون رجوع أجسامهم (132).

الجواب : إنّ الذي تذهب إليه الشيعة الإماميّة أنّ الله يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي عليه السلام قوماً ممّن كان تقدّم موته من شيعته ، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ومشاهدة دولته. ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم ، والدليل على صحّة ذلك أنّ ذلك لا شبهة على عاقل أنّه مقدور لله غير مستحيل ، فإنّا نرى كثيراً من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة.

وإذا ثبت جواز الرجعة فالطريق إلى إثباتها إجماع الإماميّة ، فإنّهم لا يختلفون في ذلك ، وإجماعهم ـ قد بيّنّا في غير موضع من كتبنا أنّه ـ حجّة ، وبيّنّا أنّ الرجعة لا تنافي التكليف ، فلا يظنّ ظانّ أنّ التكليف معها باطل ، فإنّ التكليف كما يصحّ مع ظهور المعجزات ، فكذا يصحّ مع الرجعة ، لأنّه ليس في ذلك ملجأ إلى فعل الواجب وترك القبيح.

فأمّا من تأوّل الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، فإنّ قوماً من الشيعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة عوّلوا على هذا التأويل ، وهذا غير صحيح ؛ لأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة (133) فتطرّق التأويلات عليها ، وكيف يثبت ما هو مقطوع على صحّته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم !

وإنّما المعوّل في إثبات الرجعة على إجماع الإماميّة على معناها ، بأنّ الله يُحيي أمواتاً عند قيام القائم عليه السلام من أوليائه وأعدائه ، فكيف يتطرّق التأويل على ما هو معلوم فالمعنى غير محتمل (134) « انتهى ».

وقال السيِّد رضيّ الدين بن طاووس في « الطرائف » : روى مسلم في صحيحه ـ في أوائل الجزء الأوّل ـ بإسناده إلى الجرّاح بن مليح ، قال : سمعت (135) جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله تركوها كلّها.

ثمّ ذكر مسلم في « صحيحه » : بإسناده إلى محمّد بن عمر الرازي ، قال : سمعت جريراً (136) يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي (137) فلم أكتب عنه ; لأنّه كان يؤمن بالرجعة.

قال ابن طاووس : انظر كيف حرموا أنفسهم الإنتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيّهم برواية أبي جعفر عليه السلام الذي هو من أعيان أهل بيته ، الذين (138) أمرهم الله بالتمسّك بهم ، وإنّ أكثر المسلمين أو كلّهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا ، وحديث إحياء الله الأموات في القبور للمسألة ، وقد تقدّمت روايتهم عن أهل الكهف ، وهذا كتابهم يتضمّن ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (139) والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة مع موسى ، وحديث العزير ومن أحياه عيسى بن مريم ، وحديث جريح الذي أجمع على صحّته ، وحديث الذين يحييهم الله في القبور للمسألة ، فأيّ فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت وشيعتهم من الرجعة ، وأيّ ذنب لجابر في ذلك حتّى يُسقَط حديثه (140) « انتهى ».

وتأتي جملة اُخرى من عبارات علمائنا في هذا المعنى إن شاء الله تعالى (141).

الهوامش

1. ( جميع ) لم يرد في « ط ».

2. في « ك » : الحجّة. بدل من : محمّد.

3. سورة النمل ٢٧ : ٨٣.

4. ( حيث قال ) لم يرد في « ط ».

5. في المطبوع و « ط » : بأنّ دخول ، وما في المتن أثبتناه من « ش ، ح ، ك ».

6. سورة الكهف ١٨ : ٤٧.

7. ( وقد تظاهرت الأخبار ) لم يرد في « ط ».

8. في « ط » : كلمتهم.

9. في المصدر : في بني إسرائيل.

10. في المطبوع : إلى. وما في المتن أثبتناه من « ح ، ط ، ش ، ك ».

11. في « ك » : ممّا.

12. مجمع البيان ٧ : ٤٣٠ ـ ٤٣١.

13. في المطبوع : فيه « من » ، وما في المتن أثبتناه من « ش ، ك ، ح ، ط ».

14. في « ح ، ط » : منهم.

15. في « ح ، ك ، ش » : إليها.

16. في المطبوع زيادة : ويمكن سبق تحقيق الإجماع على من اختار التأويل أو انعقاده بعد « منه رحمه‌الله ». ولم ترد العبارة في متن وحاشية « ش ، ح ، ك ، ط ».

17. في « ح » زيادة : وحقيقته.

18. سورة النور ٢٤ : ٥٥.

19. هذا القسم من التفسير مفقود ، عنه في مجمع البيان ٧ : ٢٨٥.

20. هذا هو القسم المفقود من تفسير العياشي.

21. في المطبوع : [ المراد بقوله ] هكذا ، وما أثبتناه من نسخة « ح ، ط ، ش ، ك ».

22. في « ح » : وما يدخل. بدل من : وممّا يدلّ.

23. سورة البقرة ٢ : ٣٠.

24. سورة ص ٣٨ : ٢٦.

25. في المجمع : منتظر.

26. مجمع البيان ٧ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

27. في « ك » : نقله.

28. في « ط » : وكلام. بدل من : وفي كلام.

29. في « ك » : لفظه.

30. في المطبوع ونسخة « ط » : التقية ، وما في المتن أثبتناه من « ش ، ح ، ك ».

31. في « ط » : ولو حُمل.

32. في « ك » : مرادهم.

33. سورة البقرة ٢ : ٢٤٣.

34. سورة البقرة ٢ : ٢٥٩.

35. سورة البقرة ٢ : ٥٦.

36. سورة المائدة ٥ : ١١٠.

37. في المصدر زيادة : إنّ الله عزّوجلّ قال.

38. سورة الكهف ١٨ : ١٨.

39. سورة يس ٣٦ : ٥٢.

40. سورة آل عمران ٣ : ٥٥.

41. سورة الكهف ١٨ : ٤٧.

42. هذه الآية أثبتناها من « ح ، ك ، ش ». وفي « ح » تقديم وتأخير بين هاتين الآيتين.

43. سورة النمل ٢٧ : ٨٣.

44. سورة النحل ١٦ : ٣٨.

45. سورة النحل ١٦ : ٣٩.

46. في المطبوع : التبيّن. وما في المتن من « ح ، ط ، ش ، ك ».

47. اعتقادات الصدوق : ٦٠ ـ ٦٣ ، ( ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ج ٥ ).

48. في « ط » : مضمون ذلك.

49. تفسير التبيان ١ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

50. من قوله : ( وقد استدلّ ) ، إلى هنا لم يرد في « ك ».

51. أوائل المقالات : ٤٦ / ١٠ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٤ ).

52. رسائل الشريف المرتضى ١ : ١٢٥.

53. المحتضر : ١٢ ، باختلاف يسير.

54. ( أيضاً ) لم ترد في « ح ».

55. ( الأربعمائة ) لم ترد في « ح ».

56. في المطبوع : كثرة. وما في المتن أثبتناه من « ح ، ط ، ش ، ك ».

57. الاستبصار ١ : ٤ ، أقسام الحديث ومحامله.

58. ( والله أعلم ) أثبتناه من « ك ».

59. من هنا يبدأ ما سقط من « ك » إلى ص ٩٥.

60. في نسخة « ش » : عبدالله ، بدل : علي.

61. في « ح ، ط » زيادة : والقطب الراوندي.

62. سورة غافر ٤٠ : ٥١.

63. في المصدر زيادة : وهذا لا يمنع من تمام الظلم عليهم حيناً مع النصر لهم.

64. المسائل العكبرية : ٧٤ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٦ ).

65. في الفصول : الحارث بن عبيدالله الربعي.

66. في « ح » : أمّا قولك.

67. سورة النمل ٢٧ : ٨٣.

68. سورة الكهف ١٨ : ٤٧.

69. سورة غافر ٤٠ : ١١.

70. سورة البقرة ٢ : ٢٥٩.

71. سورة البقرة ٢ : ٢٤٣.

72. في نسخة « ش وط » : المنكرون.

73. « هي » أثبتناها من المصدر.

74. الفصول المختارة : ٩٣ ـ ٩٥ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٢ ).

75. في « ط » : أصحاب.

76. في « ش » : فيه.

77. في « ش » : القيام ، وفي « ط » : القائم. بدل قيام القائم. وفي « ح » : ظهور القائم عليه السلام.

78. سورة الاسراء ١٧ : ٦.

79. في المصدر زيادة : وضلالهم ويصيروا في تلك الحال إلى طاعة الإمام عليه السلام.

80. في « ح ، ط » : المسؤول منه.

81. في « ش » : ولا يجوز أن أتكلّم.

82. ( فأقول أنا أردّ ) لم يرد في « ح ».

83. سورة الأنعام ٦ : ١١١.

84. سورة الأنفال ٨ : ٢٣.

85 ـ 86. سورة ص ٣٨ : ٨٥ و ٧٨.

87. سورة الأنعام ٦ : ٢٨.

88. سورة المسد ١١١ : ٣.

89. في « ش » : عليهم.

90. في « ح ، ش ، ط » : إلى.

91 ـ 92. سورة يونس ١٠ : ٩٠ و ٩١.

93. في « ح » : متظاهرة. وكذلك المصدر.

94. في « ح » : مرويّ. وفي « ط » : فيروي. وفي المصدر : حتى روي.

95. سورة الأنعام ٦ : ١٥٨.

96. في « ش ، ط » : هي.

97. في « ح » : ما اعتقده.

98. في المصدر : سؤال : فإن قالوا في هذا الجواب : ما أنكرتم أن يكون الله سبحانه على ما أصّلتموه. بدل من : فإن قيل : فيكون الله تعالى.

99. في المصدر زيادة : يصلون به إلى النفع العاجل.

100. في المصدر زيادة : ولا يحصل لهم داع إلى قبيح على وجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب.

101. في « ش » : الاستحقار.

102. في « ش » : والأصحاب.

103. في المطبوع ونسخة « ط » : أمر.

104. سورة القمر ٥٤ : ٤٥.

105. سورة الفتح ٤٨ : ٢٧.

106. سورة الروم ٣٠ : ٢ ـ ٣.

107. في المصدر : العقاب.

108. في « ش » : أول من. بدل من : وفيمن.

109. في « ح » : الفساد.

110. سورة الأنعام ٦ : ٢٧ ـ ٢٨.

111. في « ط » : أهل العذاب لو ردّوهم.

112. في « ح » : في.

113. في « ح » : ما شاهدوه.

114. الفصول المختارة : ١٥٣ ـ ١٥٧ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٢ ) باختلاف.

115. إرشاد المفيد ٢ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

116. في « ح » : المسائل الغروية.

117. سورة الكهف ١٨ : ٤٧.

118. سورة النمل ٢٧ : ٨٣.

119. سورة غافر ٤٠ : ١١.

120. في المصدر : لا يجري.

121. في « ش » : خلقهم.

122. في المصدر : يقال.

123. في « ط » : الموت الذي يكون.

124. في « ح » : لا للتكليف.

125. في « ح » : لتكليف ، وفي « ش » : لتكلّفهم.

126. في « ح » : يرد.

127 ـ 128. سورة الأنعام ٦ : ٢٧ و ٢٨.

129. المسائل السروية : ٣٢ ـ ٣٦ ( ضمن مصنّفات المفيد ج ٧ ) باختلاف.

130. من هنا إلى آخر قول المفيد. أثبتناه من نسخة « ح ».

131. المسائل السروية : ٣٥ ( ضمن مصنفات المفيد ج ٧ ) باختلاف.

132. في « ح » : أجسادهم.

133. ( المنقولة ) لم ترد في « ط ».

134. رسائل الشريف المرتضى ١ : ١٢٥ ـ ١٢٦.

135. في « ط » : سمعنا.

136. في « ح » : حريزاً.

137. ( الجعفي ) لم يرد في « ط ».

138. في « ش » : الذي.

139. سورة البقرة ٢ : ٢٤٣.

140. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : ١٩٠ ـ ١٩١ ، صحيح مسلم ١ : ٢٠ ـ المقدّمة.

141. إلى هنا انتهى ما سقط من « ك ».

مقتبس من كتاب « الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة »

 

أضف تعليق

الرجعة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية