ما الدليل على أنّ الله واحد ؟

طباعة

السؤال :

السيّارة تدلّ على وجود صانع لها .. المخلوقات تدلّ على وجود خالق لها .. السيّارة لا تدلّ على أنّ صانعها واحد .. ما الدليل على أنّ الله واحد ؟

الجواب :

المراد بالتوحيد هنا هو التوحيد الذاتي ، أيّ انّه سبحانه وتعالى واحد لا ثاني له ولا شريك كما قال تعالى في سورة الإخلاص : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) [ الإخلاص : 4 ].

وأمّا الدليل على ذلك فقد ذكر علماؤنا قدّس سرّهم أدلّة عديدة على ذلك مثل دليل الفطرة الذي هو دليل على أصل وجود الصانع والخالق فإنّه يدلّ أيضاً على وحدانيّته ، فإنّ الإنسان كما يعلم بالعلم الحضوري ربّه ، ولذا يتوجّه إليه في الشدائد ويرجوه في الملمّات والتوجّه والرجاء فرع معرفته والعلم به ، كذلك يلاحظ إنّ الإنسان في تلك الأحوال إنّما يتوجّه إلى حقيقة واحدة ويرجو ربّاً واحداً لا أكثر.

ومثل برهان المحدوديّة الذي هو أيضاً من أدلّة وجود الصانع وهو مؤلّف من صغرى مفادها : « إنّ كل شيء في العالم محدود بحدود مثل الحد المكاني والزماني وغير ذلك من الكيفيّات والخصائص ، بل هو موجود على تقدير وجود سببه ، وليس له وجود خارج تلك الحدود على تقدير عدم وجود سببه ».

وكبرى حاصلها : « إنّ كلّ محدود لا بدّ أن يكون له حاد غير محدود دفعاً للدور والتسلسل وليس هو إلّا الله سبحانه إذ ليس له حدّ ونهاية بل هو حقيقة مطلقة وموجودة على كلّ التقادير ، هذه خلاصة هذا البرهان لإثبات وجود الصانع ، وهو أيضاً دليل على توحيده الذاتي فإنّه إذا ثبت بهذا البرهان وجود حقيقة غير محدودة ومطلقة وليست متقيّدة بشرط ولا سبب ، فهي لا بدّ أن تكون واحدة ، ولا يمكن فيها التعدّد ، لأنّ كلّ واحد على فرض التعدّد محدوداً بحدود في قبال الآخر وهو خلاف فرض اللامحدوديّة ».

ويمكن الاستدلال أيضاً بما حاصله : « أنّه لو كان من الوجود واجب آخر لزم أن تكون حقيقة كلّ منهما مركّبة ، وكلّ مركّب ممكن لأنّه محتاج إلى اجزائه وهو خلاف الوجوب بالذات ».

توضيحه : إنّه لو تعدّد الواجب لزم التركيب لأنّهما يشتركان في كونهما واجبي الوجود بحسب الفرض ، فلا بدّ أن يكون هناك مائز بينهما سواء كان ذاتيّاً كالفصل أم غير ذاتي كالعوارض يتغيّران مركبين من الجنس والفصل مثلاً وهذا يعني الإمكان وهو خلف.

كما يمكن الإستدلال على التوحيد بأنّه لو كان هناك إله أو الهة اخرى ، لرأينا آثار ذلك في النظام الكوني وفي التشريع وإرسال الرسل والأنبياء في حين أنّ الملاحظ هو خلاف ذلك تماماً ، فالانسجام الرائع في النظام الكوني والتناسب بين المخلوقات بحيث يسدّ بعضها نقص بعض ويرفع حاجته يدلّ على وجود خالق واحد أوقع هذا الانسجام في مخلوقاته.

مضافاً إلى أنّ كلّ الأنبياء والرسل اخبروا عن إله واحد لا أكثر ، فلو كان هناك إله آخر لأرسل رسله إلينا كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته لابنه الحسن عليه السلام :

« وَاعْلَمْ ، يا بُنَيَّ ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبُّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ ، وَلَرَأَيْتَ آثارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ ، وَلَعَرَفْتَ اَفْعالَهُ وَصِفاتِهِ ... ... ». [ نهج البلاغة / الصفحة : 340 / الناشر : منشورات بنياد نهج البلاغة ]

كما أنّ قوله تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ) [ الأنبياء : 22 ] ، يشير وينبّه إلى دليل حاصله أنّه لو فرض وجود إله آخر مختلفين ذاتاً وهو يقتضي اختلاف تدبيرهم للعالم وهو يستلزم فساد السماوات والأرض.