هل الركوع في آية الولاية هو الخشوع والخضوع أو الركوع في الصلاة ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

خلال المناظرات مع المخالفين نحتجّ بآية الولاية ، فيزعمون أنّ معنى الركوع هو الخشوع والخضوع وليس حال الركوع في الصلاة ؛ فلو سمحتم ردّوا على هذا الزعم بشواهد وأدلّة تفحم المخالف.

الجواب :

قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).

وقد اتّفق المفسّرون والمحدّثون من الشيعة والسنّة على أنّ الآية نزلت بحقّ عليّ عليه السلام حينما أعطى خاتمه للسائل ، وهو في حال الركوع من الصلاة ، والروايات في ذلك متواترة من طرق الشيعة والسنّة.

والركوع وإن كان مصداقاً للخشوع كالسجود بل هما نهاية الخشوع الخضوع ، لكنّ المراد بالآية ركوع الصلاة الذي هو الانحناء الخاصّ ، بل لم يعهد في اللغة والعرف استعمال الراكع في الخاشع.

قال ابن الأثير في حديث :

علي ، كرم الله وجهه ، قال : نَهاني أن أَقرأَ وأَنا راكع أو ساجد ؛ قال الخطابي : لما كان الركوع والسجود ، وهما غاية الذُلِّ والخُضوع ، مخصوصين بالذكر والتسبيح نهاه عن القراءة فيهما. (2)

وإليك بعض الروايات التي يرويها أهل السنّة من باب النموذج ، إذ لا يمكن حصرها :

الفخر الرازي في تفسيره الكبير سورة المائدة في ذيل تفسير قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) :

قال : وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنّه قال : صليت مع رسول الله صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلم يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهمّ اشهد اني سألت في مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فما أعطاني أحد شيئاً ، وعلي عليه السلام كان راكعاً ، فأومأ اليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فقال « اللهم إن أخي موسى ـ عليه السلام ـ سألك فقال ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ـ الى قوله : ـ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) فأنزلت فيه قرآنا ناطقا ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري ».

قال أبو ذرّ : فوالله ما أتمّ رسول الله  هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمّد إقرأ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ). (3)

وروى السيوطي في الدرّ المنثور في ذيل تفسير الآية :

وأخرج الخطيب في المتّفق عن ابن عباسٍ قال : تصدَّقَ عليٌّ بخاتمهِ وهو راكعٌ ، فقال النبيُّ صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم للسائلِ : « من أعطاكَ هذا الخاتَم » ؟. قال : ذاك الراكعُ. فأنزل الله فيه : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ).

وأخرَج عبدُ الرزّاقِ ، وعبدُ بنُ حميدٍ ، وابنُ جريرٍ ، وأبو الشيخِ ، وابن مَردوَيه ، عن ابنِ عبّاسٍ في قولهِ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ). قال : نَزلت في عليّ بنِ أبي طالب.

وأخرج ابنُ أبي حاتمٍ ، وأبو الشيخِ ، وابنُ عساكرَ ، عن سلَمةَ بنِ كُهيلٍ قال : تصدَّقَ عليٌّ بخاتمِه وهو راكعٌ فنزَلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ). (4)

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد :

عن عمار بن ياسر قال وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأعلمه بذلك ، فنزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. (5)

ورواه الطبراني في الأوسط. (6)

ورواه السيوطي في الدرّ المنثور في تفسير الآية وقال : أخرجه الطّبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمّار بن ياسر. (7)

وفي ذخائر العقبى للمحبّ الطبري ذكر في ضمن الآيات النازلة بحقّ عليّ عليه السلام قال :

ومنها قوله تعالى ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [ المائدة : 55 ] نزلت فيه. أخرجه الواحدي. (8)

وفي ذخائر العقبى قال :

عبد الله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ قال : أذَّن بلالٌ لصلاة الظُّهر ، فقام الناس يصلُّون ، فمن بين راكعٍ وساجد ، وسائل يسأل ، فأعطاه عليٌّ بخاتمه وهو راكع ، فأخبر السائلُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ علينا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) [ المائدة : 55 ]. أخرجه الواحدي وأبو الفرج بن الجوزي. (9)

ثمّ إنّ شاعر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حسّان بن ثابت استأذن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقول في ذلك شعراً فأذن له ، فقال :

     

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

 

وكلّ بطيء في الهدي ومسارع

أيذهب مدحي والمحبين ضايعاً ؟

 

وما المدح في ذات الاله بضايع

فأنت الذي أعطيت إذ أنت راكعاً

 

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيد

 

ويا خير شارٍ ثمَّ يا خير بايع

فأنزل فيك الله خير ولاية

 

وضمّنها في محكمات الشرائع (10)

الهوامش

1. المائدة : 55.

2. لسان العرب / المجلّد : 8 / الصفحة : 133 / الناشر : نشر أدب الحوزة ـ قم.

3. التفسير الكبير « للفخر الرازي » / المجلّد : 12 / الصفحة : 26 / الطبعة : 3.

4. الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 359 ـ 360 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.

5. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد « للهيثمي » / المجلّد : 7 / الصفحة : 17 / الناشر : دار الكتاب العربي ـ بيروت / الطبعة : 3.

6. راجع : المعجم الأوسط « للطبراني » / المجلّد : 6 / الصفحة : 294 / الناشر : دار الحديث ـ القاهرة.

7. الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 360.

8. ذخائر العقبى « للمحب الدين الطبري » / الصفحة : 159 / الناشر : مكتبة الصحابة ـ جدّة.

9. ذخائر العقبى « للمحب الدين الطبري » / الصفحة : 182 / الناشر : مكتبة الصحابة ـ جدّة.

10. الغدير « للأميني » / المجلّد : 2 / الصفحة : 58 / الناشر مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه السلام العامة ـ طهران.

 
 

أضف تعليق

آية الولاية

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية