نصوص الأعلام على جواز السفر لزيارة النبي ـ ص

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 145 ـ 149
________________________________________
(145)
وبما أنّك تعرّفت على الحجج الشرعية على الجواز، هلمّ معي ندرس نصوص الأعلام من علماء الإسلام لنعرف موقف ابن تيمية في التثبّت والأمانة، وإليك نصوصهم حول السفر للزيارة نقتطف موضع الحاجة من كلماتهم:
نصوص الأعلام على جواز السفر لزيارة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ
لعل القارىء يتصوّر أنّ لما ذكره ابن تيمية من عدم الإفتاء بجواز السفر، مسحة من الحق والصدق، ولكنّه إذا أمعن النظر فيما وصل إلينا من فتاواهم، يقف على أنّ الحق على ضد ما نسب إليهم، وإليك البيان:
1- قال أبو الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي المتوفّى سنة (425 هـ) في «التجريد»: ويستحب للحاج إذا فرغ من مكة أن يزور قبر النبي .
2- وقال أبو الحسن الماوردي المتوفّى سنة (450 هـ)، في الأحكام السلطانية، ص 105: «فإذا عاد (ولي الحاج) سار بهم على طريق المدينة لزيارة قبر رسول اللّه، ليجمع لهم بين حج بيت اللّه عزّوجلّ وزيارة قبر رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ ، رعاية لحرمته، وقياماً بحقوق طاعته(3) .
3- وقال أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الفقيه البغدادي الحنبلي المتوفّى سنة (510 هـ) في كتاب الهداية: «فإذا فرغ من الحج استحب له زيارة قبر النبي وقبر صاحبيه».
4- قال القاضي عياض المالكي،المتوفّى سنة (544 هـ) في «الشفاء»، نقلا
________________________________________
3. مجموعة الرسائل الكبرى ج 2 ص 60 .
________________________________________
(146)
عن إسحاق بن إبراهيم الفقيه: «ممّا لم يزل من شأن من حج، المزور(1) بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول اللّه، والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره ومجلسه، وملامس يديه، ومواطن قدميه، والعمود الّذي استند إليه، ومنزل جبرئيل بالوحي فيه عليه، ومن عمره وقصده من الصحابة وائمة المسلمين .
5- قال أبو محمد عبدالكريم بن عطاء اللّه المالكي المتوفى سنة (612 هـ) في مناسكه: فصل: إذا كمل لك حجك وعمرتك على الوجه المشروع، لم يبق بعد ذلك إلاّ إتيان مسجد رسول اللّه للسلام على النبي والدعاء عنده، والسلام على صاحبيه، والوصول إلى البقيع وزيارة ما فيه من قبور الصحابة والتابعين .
6- وقال نجم الدين بن حمدان الحنبلي المتوفى سنة (595 هـ) في الرعاية الكبرى في الفنون الحنبلية: «ويسن لمن فرغ من نسكه، زيارة قبر النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وقبر صاحبيه، وله بعد فراغ حجه، وإن شاء قبل فراغه» .
7- قال القاضي الحسين: «إذا فرغ من الحج... ثم يأتي المدينة ويزور قبر النبي» .
8- قال الإمام ابن الحاج محمد بن محمد العبدري القيرواني المالكي، المتوفى سنة (737 هـ) في (المدخل) في فصل زيارة القبور (1: 257): وأمّا عظيم جناب الأنبياء والرسل ـ صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين ـ فيأتي إليهم الزائر، ويتعيّن عليه قصدهم من الأماكن البعيدة.
9- قال الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي المتوفى سنة (756 هـ) في «شفاء السقام في زيارة خير الأنام»: «ومن روي عنه السفر إلى زيارة النبي، بلال بن أبي رباح» ثم ذكر قصته. لاحظ الباب الثالث من كتاب شفاء السقام فقد عقده في ما ورد في السفر إلى زيارته .
10- ذكر شيخ الإسلام أبو يحيى زكريا الأنصاري الشافعي المتوفى
________________________________________
1. مصدر ميمي بمعنى الزيارة .
________________________________________
(147)
سنة (925 هـ) في «أسنى المطالب» (1/501) «فيما يستحب لمن حج»: ثم يزور قبر النبي ويسلم عليه وعلى صاحبيه بالمدينة المشرفة..
11- أفتى الشيخ محمد بن الخطيب الشربيني المتوفى سنة (977 هـ) في مغني المحتاج (1/357) باستحباب زيارة النبي مطلقاً، وأنّ تخصيص بعض باستحبابه بعد الفراغ عن الحج لأجل التأكيد، وأنّه يتأكد للحاج أكثر من غيره .
12- وقال الشيخ زين الدين عبد الرؤوف المناوي المتوفى سنة (1031 هـ) في شرح الجامع الصغير، ج 6 ص 140: وزيارة القبر الشريف من كمالات الحج .
13- عقد الشيخ حسن بن عمار الشرنبلالي في «مراقي الفلاح بإمداد الفتاح» فصلا في زيارة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وقال: زيارة النبي من أفضل القربات فإنّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ حرض عليها وبالغ في الندب إليها فقال: من وجد سعة فلم يزرني فقد جفاني .
14- وقال القاضي شهاب الدين الخفاجي الحنفي المصري المتوفى سنة (1062 هـ) في شرح الشفاء (3/566) واعلم أنّ هذا الحديث «لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد...» هو الّذي دعا ابن تيمية ومن معه كابن القيم إلى مقالته الشنيعة الّتي كفّروه بها، وصنّف فيها السبكي مصنفاً مستقلا وهي منعه من زيارة قبر النبي وشد الرحال إليه، وهو كما قيل:
لمهبط الوحي حقاً ترحل النجب * وعند ذاك المرجّى ينتهي الطلب
فتوهمّ أنّه حمى جانب التوحيد بخرافات لا ينبغي ذكرها.
15- قال الشيخ عبدالرحمن شيخ زاده المتوفى سنة (1087 هـ) في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/157): «من أحسن المندوبات، بل يقرب من درجة الواجبات زيارة قبر نبينا وسيدنا محمد، وقد حرض ـ عليه السَّلام ـ على زيارته وبالغ في الندب إليها، ثم قال: فإن كان الحج فرضاً فالأحسن أن يبدأ به إذا لم يقع في طريق الحاج المدينة المنورة، ثم يثني بالزيارة.
________________________________________
(148)
16- قال أبو الحسن السندي محمد بن عبدالهادي الحنفي المتوفي سنة (1138هـ) في شرح سنن ابن ماجة ج 2 ص 268 قال الدميري: فائدة: زيارة النبي من أفضل الطاعات وأعظم القربات، لقوله من جاءني زائراً لا تحمله حاجة إلاّ زيارتي كان حقاً علىّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة .
17- قال الشيخ إبراهيم الباجوري الشافعي المتوفى سنة (1277 هـ) في حاشيته على شرح ابن الغزي على متن الشيخ أبي شجاع في الفقه الشافعي، (1/347): ويسن زيارة قبره ولو لغير حاج ومعتمر كالذي قبله، ويسن لمن قصد المدينة الشريفة لزيارته أن يكثر من الصلاة والسلام عليه في طريقه .
18- قال الشيخ عبدالمعطي السقاء في الإرشادات السنية ص 260: زيارة النبي إذا أراد الحاج أو المعتمر الانصراف من مكة ـ أدام اللّه تشريفها وتعظيمها ـ طلب منه أن يتوجّه إلى المدينة المنورة للفوز بزيارته عليه الصلاة والسلام .
19- وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري في تكملة السيف الصقيل ص 156 : ولم يخف ابن تيمية من اللّه في رواية عدّ السفر لزيارة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة عن الإمام ابن الوفاء ابن عقيل الحنبلي ـ وحاشاه عن ذلك ـ راجع كتاب التذكرة له تجد فيه مبلغ عنايته بزيارة المصطفى والتوسل به، كما هو مذهب الحنابلة، ثم ذكر كلامه وفيه القول باستحباب قدوم المدينة وزيارة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلم ـ وكيفية زيارته(1) .
وهذه النصوص تدل على أنّ شد الرحال إلى زيارة النبي الأكرم كان أمراً متسالماً عليه، وقد شذّ من حرّمه وسعى في منع الناس من زيارته .
20- ثم إنّ تقي الدين السبكي ذكر فروعاً فقهية عن أئمة المذاهب،
________________________________________
1. قد أخذنا هذه النصوص برمتها من كتاب الغدير للمحقق الأميني من ج 5 ص 109 ـ 125 وقد نقل أربعين كملة عن أعلام المذاهب الأربعة حول زيارة النبي الأقدس، ونحن اقتطفنا منه ذلك، ويدل على استحباب السفر فقط، وأما استحباب زيارته فسيوافيك في فصل آخر .
________________________________________
(149)
تدل على محبوبية شد الرحال إليها من أرجاء الدنيا، فمن أراد فليرجع إليه(1).
وفيما ذكرنا من النصوص غنى، كما أنّ فيما ذكرنا من الحجج كفاية لمن أراد الحق وتجنب عن العصبية، فحان حين البحث حول نظريته في نفس الزيارة، وما أثار حولها من شبهات .
* * *
(وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه كَذِباً أوْ كَذّبَ بآياتِهِ إنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ)(2) .
________________________________________
1. شفاء السقام ص 42 .
2. سورة الأنعام: الآية 21 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية