علي عليه السلام مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد البعثة في مكّة

البريد الإلكتروني طباعة

علي عليه السلام مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد البعثة

سيرة علي بن أبي طالب عليه السلام

بعد البعثة في مكة

١ ـ أوَّل الناس إسلاماً :

أجمعت الروايات علىٰ أنَّه لم يتقدّم من عليٍّ شرك أبداً ، ولم يسجد لصنم قط ، وتكرَّم وجهه منذ أول وهلة ، فلا طاف حول صنم ولا سجد له ، فكانت نفسه خالصة لله تعالىٰ ، وكان عنواناً للشرف والاستقامة ، لقد صاحبته منذ الصبا صراحة الإيمان ، والثقة العالية بالنفس ، والشجاعة الضرورية لكل إرادة حقة ، فكان إيمانه هو الحاكم المطلق ، والمسيطر الأوحد علىٰ جميع حركاته وسكناته. فلا مجال لأن يتوهّم من عبارة أنه أول الناس اسلاماً كونه علىٰ خلاف ذلك قبل البعثة.

والحقُّ أنَّه كان أوفر الناس حظاً ، بل هو الاصطفاء بحق ، حيث منَّ الله عليه بصحبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم منذ صباه حتَّىٰ نشأ علىٰ يديه ، لم يفارقه في سلم أو حرب ، وفي حل أو سفر ، إلىٰ أن لحق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالرفيق الأعلىٰ وهو علىٰ ، صدر عليّ ..

إنّه ربيب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي كان يغذِّيه معنوياً وروحياً ويؤدّبه ويعلّمه.

ثم أسلمت السيدة خديجة أم المؤمنين فكانت ، ثالثة أهل هذا البيت ، إنّها أجابت وأسرعت الاجابة ، فكان هؤلاء الثلاثة يعبدون الله على هذا الدين الجديد قبل أن يعرفه بعد أحد غيرهم.

ففي الصحيح : أنَّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يخرج إلىٰ البيت الحرام ليصلِّي فيه ، فيصحبه عليٌّ وخديجة فيصلِّيان خلفه ، علىٰ مرأىٰ من الناس ، ولم يكن علىٰ الأرض من يصلِّي تلك الصلاة غيرهم (1).

وعن عفيف بن قيس ، قال : كنتُ جالساً مع العبَّاس بن عبد المطَّلب رضي الله عنه بمكة قبل أن يظهر أمرُ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فجاء شاب فنظر إلىٰ السماء حيث تحلَّقت الشمس ، ثم استقبلَ الكعبة فقام يصلي ، ثم جاء غلامٌ فقام عن يمينه ، ثم جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما ، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة ، ثم رفع الشاب فرفعا ، ثم سجد الشاب فسجدا ، فقلت : يا عبَّاس ، أمر عظيم ، فقال العبَّاس : أمر عظيم ، فقال : أتدري من هذا الشاب ؟ هذا محمَّد بن عبد الله ـ ابن أخي ـ أتدري من هذا الغلام ؟ هذا علي بن أبي طالب ـ ابن أخي ـ أتدري من هذه المرأة ؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنَّ ابن أخي هذا حدَّثني أنَّ ربَّه ربُّ السماوات والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ، ولا والله ما علىٰ ظهر الأرض علىٰ هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة ، قال عفيف : ليتني كنتُ رابعاً (2).

وبقي هؤلاء الثلاثة علىٰ هذا الدين ، يتكتمون من الناس أياماً طوالاً ، رجع في بعضها علي إلىٰ أبيه بعد عودته من بعض الشعاب ، حيث كان يتعبَّد مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :

ـ يا بني : ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟

ـ أجاب : يا أبه ! آمنت بالله وبرسوله وصلَّيتُ معه.

فقال أبوه : أمَّا إنَّه لا يدعونا إلَّا إلىٰ الخير فالزمه (3).

فكان علي أول من أسلم ، هكذا أثبت سائر أهل العلم ، وهذا ما تؤكّده الأحاديث النبوية الشريفة.

ففي كلام أهل العلم : قال اليعقوبي في تاريخه : « كان أول من أسلم : خديجة بنت خويلد من النساء ، وعليٌّ بن أبي طالب من الرجال ، ثُمَّ زيد بن حارثة ، ثُمَّ أبو ذرٍّ ، وقيل : أبو بكر قبل أبي ذرٍّ ، ثُمَّ عمرو بن عبسة السلمي ، ثُمَّ خالد بن سعيد بن العاص ، ثُمَّ سعد بن أبي وقَّاص ، ثُمَّ عتبة بن غزوان ، ثُمَّ خبَّاب بن الأرت ، ثُمَّ مصعب بن عمير » (4).

وممَّن قال بأنَّ علياً أولهم إسلاماً : ابن عبَّاس ، وأنس بن مالك ، وزيد ابن أرقم. رواه الترمذي ورواه الطبراني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، وروي عن محمَّد بن كعب القرظي ، وقال بريدة : أولهم اسلاماً خديجة ، ثُمَّ عليٌّ عليه السلام وحكي مثله عن أبي ذرٍّ ، والمقداد وخباب ، وجابر ، وأبي سعيد الخدري ، والحسن البصري وغيرهم (5) : أنَّ عليَّاً أول من أسلم بعد خديجة ، وفضّله هؤلاء علىٰ غيره (6).

وعن أنس بن مالك ، قال : « بعُث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الأثنين ، وأسلم عليٌّ يوم الثلاثاء » (7).

وجاء في خبر محمَّد بن المنذر ، وربيع بن أبي عبد الرحمن، وأبي حازم المدني والكلبي : أوَّل من أسلم عليٌّ.

قال الكلبي : كان عمره تسع سنين ، وكذا قول الحسن بن زيد بن الحسن ، وقيل : إحدىٰ عشرة سنة ، وقيل غير ذلك (8).

وقال ابن اسحاق : « أول من أسلم علي وعمره إحدىٰ عشرة سنة » (9).

ومن قال : « أسلم عليٌّ وهو ابن عشر سنين » مجاهد برواية يونس عن ابن اسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح (10).

وقال عروة : أسلم وهو ابن ثمان ، وقال المغيرة : أسلم وله أربع عشرة سنة ، رواه جرير عنه (11).

وعن سعد بن أبي وقَّاص ، وقد سمع رجلاً يشتم أمير المؤمنين عليه السلام فوقف عليه وقرَّره بقوله : يا هذا ، علامَ تشتم عليَّ بن أبي طالب ؟ ألم يكن أول من أسلم ؟ ألم يكن أول من صلَّىٰ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ؟ ألم يكن أعلم الناس ؟ ... إلىٰ آخره (12).

قال الشيخ المفيد : « والأخبار في كونه أول من اسلم كثيرة وشواهدها جمَّة ، فمن ذلك : قول خُزيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتين رحمه الله فيما أخبرني به أبو عبيد الله محمَّد بن عمران المرزباني ، عن محمَّد بن العباس ، قال : أنشدنا محمَّد بن يزيد النحوي ، عن ابن عائشة لخزيمة بن ثابت رضي الله عنه :

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفاً

 

عن هاشم ثُمَّ منها عن أبي حسنِ

أليس أول من صلَّىٰ لقبلتهم

 

وأعرف الناس بالآثار والسننِ » (13)

أما الأحاديث النبوية الشريفة فإنَّ الواحد منها يكفي هنا لقطع النزاع وردّ أيّ ادعاء في تقديم أحد على عليّ عليه السلام في إسلامه ، والحق أن معظم الذين أدعوا أسبقية أبي بكر لم يقولوا بأنه أسلم قبل علي أو خديجة أو زيد بن حارثة ، بل وضعوا تصنيفاً من عند أنفسهم يجعل لأبي بكر أولوية بحسب هذا التصنيف ، فقالوا : أول من أسلم من النساء خديجة ، ومن الصبيان علي ، ومن الموالي زيد ، ومن العبيد بلال ، ومن الرجال أبو بكر (14) ! هذا مع أن أبا ذر ـ على الأقل ـ كان قد سبق أبا بكر ، وكان رابعاً.

ولنقف الآن علىٰ بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي قطعت كل نزاع وردّت كل ادعاء :

فمما ورد عن النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بسند صحيح قوله : « أوَّلكم وروداً عليَّ الحوض ، أوَّلكم إسلاماً عليُّ بن أبي طالب » (15).

وعن سلمان الفارسي : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أول هذه الأُمَّة وروداً علىٰ نبيِّها أولها اسلاماً عليٌّ بن أبي طالب ». رواه الدَبَري عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن قيس بن مسلم ، قال الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله ثقات (16).

وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لفاطمة الزهراء عليها السلام ، كما رواه أنس : « قد زوَّجتك أعظمهم حلماً ، وأقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ». وروىٰ نحوه جابر الجعفي وغيره (17).

وقال أبو ذر : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعليٍّ عليه السلام : « أنت أول من آمن بي ، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدِّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرِّق بين الحقِّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين » (18).

وأخيراً فقد كان علي عليه السلام يصرِّح في كثير من المناسبات بذلك ، فيقول عن نفسه : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصدِّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلَّا كاذب مفتر ، ولقد صلَّيت قبل الناس سبع سنين » (19).

ويقول عليه السلام : « أنا الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر » (20).

وأمّا أبو بكر ، فقد أخرج الطبري في تاريخه بسندٍ صحيح أنه أسلم بعد خمسين رجلاً ، وهذا نصّ روايته : « حدّثنا ابن حُميد ، قال حدّثنا كنانة بن جبلة ، عن إبراهيم بن طَهمان ، عن الحجّاج بن الحجّاج ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي سالم بن أبي الجَعْد ، عن محمد بن سعد ، قال : قلت لأبي : أكان أبو بكر أوَّلكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين » (21).

٢ ـ الدعوة الخاصة :

عليٌّ يوم الإنذار الأول :

بُعثَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يضع في حسابه أنَّ دعوته ستجابه بالرفض والتحدِّي دون أدنىٰ شكٍّ ، فعرب الجاهلية تشرَّبت قلوبهم بعبادة الأوثان ، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تشغله هموم التبليغ ، وخاصة انَّه كان يتمنَّىٰ أن يسارع في الاستجابة له أهله وعشيرته ، وكلُّ من يتَّصل به بنسب أو سبب ، لأنَّهم آله وعشيرته الذين يشكِّلون قوة مكينة ، لمكانتهم المرموقة في داخل مكَّة وخارجها ، فسيعود عليه إسلامهم بالنصر حتماً ، فيصبح مرهوب الجانب وفي منعةٍ من الأعداء الألدَّاء ، وهذه وسيلة متينة لتثبيت دعائم دعوته.

ومع كلِّ تمنِّياته تلك كان يخشىٰ أيضاً أن يرفضوا دعوته إذا دعاهم لدين التوحيد ، فينضمُّوا إلىٰ غيرهم من الأعداء والمكذِّبين والمستهزئين ببعثته صلوات الله وسلامه عليه ..

في تلك اللحظات الحاسمة دوّىٰ صوت جبرئيل ليملأ أُذني النبي بالنذارة ، مبلِّغاً عن الله عزَّ اسمه قوله : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) (22). ألقاها علىٰ عاتقه الشريف ، وليس له مناصر ومعين غير نفر قليل مستخفّين بإيمانهم ، وكان هذا الحدث بعد مبعثه الشريف بثلاث سنين.

قال جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم : « لمَّا أنزل الله علىٰ رسوله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) اشتدَّ ذلك عليه وضاق به ذرعاً ، فجلس في بيته كالمريض ، فأتته عمَّاته يعُدنه ، فقال : « ما اشتكيتُ شيئاً ، ولكن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين » » (23) ..

بعد ذلك عزم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم امتثالاً لأوامر الله تعالىٰ علىٰ إنذار آله وعشيرته ودعوتهم إلىٰ الله ، فجمع بني عبد المطلب في دار أبي طالب ، وكانوا أربعين رجلاً ـ يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ـ وكان قد قال لعلي عليه السلام : « اصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن » ، قال علي عليه السلام وهو ينقل هذا الحديث واصفاً قومه : « وإنَّ منهم من يأكل الجذعة ويشرب الفرق » (24) ، وأراد عليه السلام بإعداد قليل من الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريِّهم ممَّا كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه (25).

فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي ؟ » قالوا : بلى ، أنت عندنا غير متهم ، وما جرَّبنا عليك كذباً ، فقال : « أني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد » فقطع كلامه عمه أبو لهب ، وقال : تباً لك ! ألهذا جمعتنا ؟! ثم عاد فجمعهم ثانية ، فأعاد أبو لهب مثل قولته الاولى ، فتفرّقوا ، فأنزل الله تعالى عليه ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (26) الى آخر السورة المباركة.

ثم جمعهم مرَّةً أُخرىٰ ليكلِّمهم ، وفيهم أعمامه : أبو طالب والحمزة والعبَّاس وأبو لهب ، وغيرهم من أعمامه وبني عمومته ، فأحضر عليٌّ عليه السلام لهم الطعام ووضعه بين أيديهم ، وكان بإمكان الرجل الواحد أن يأكله بكامله ، فتهامسوا وتبادلوا النظرات الساخرة من تلك المائدة التي لا تقوم حسب العادة لأكثر من رجلين أو ثلاثة رجال ، ثم مدُّوا أيديهم إليها وجعلوا يأكلون ، ولا يبدو عليها النقص حتَّىٰ شبعوا ، وبقي من الطعام ما يكفي لغيرهم.

فلمَّا أكلوا وشربوا قال لهم النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « يا بني عبدالمطَّلب ، والله ما أعلم شابَّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به ، إنِّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالىٰ أن أدعوكم إليه » ثمَّ عرض عليهم أصول الإسلام وقال : « فأيُّكم يؤازرني علىٰ هذا الأمر ، علىٰ أن يكون أخي ووصيِّي ، وخليفتي فيكم من بعدي » ؟.

فلم يجب أحد منهم ، فأعاد عليهم الحديث ثانياً وثالثاً ، وفي كلِّ مرَّةٍ لا يجيبه أحد غير عليٍّ عليه السلام ، قال عليٌّ : ـ والرواية عنه ـ « فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت ـ وأنا لأحدثهم سناً ـ : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثُمَّ قال : إنَّ هذا أخي ، ووصيِّي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ».

قال : « فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » (27). فقال أبو لهب : خذوا علىٰ يَدَي صاحبكم قبل أن يأخذ علىٰ يده غيركم ، فإن منعتموه قُتلتم ، وإن تركتموه ذللتم.

فقال أبو طالب : يا عورة ، والله لننصرنَّه ثُمَّ لنعيننَّه ، يا ابن أخي إذا أردت أن تدعو إلىٰ ربِّك فأعلمنا حتَّىٰ نخرج معك بالسلاح (28).

ومن بين جميع الأهل والأقارب كان محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم شديد الحزن والمرارة ، فقد كان وحيداً ، وكان يتمنَّىٰ مناصرة قومه له علىٰ قوىٰ الشرك المدجَّجة بالمال والسلاح ، لكنَّ عليَّاً عليه السلام كان قوماً له رغم صغر سنه ، وشاءت الأقدار أن ينصر أخاه بسلاحه « فأنا حربٌ علىٰ من حاربت » ، بهذه التلبية أثمر الاصطفاء ، وأُرسيت دعائم الإسلام فوق جماجم الشرك ..

وهذا البيان الصريح في علي عليه السلام : « أخي ، ووصي ، وخليفتي من بعدي » لا بد أن يجد من يبذل كل جهد للالتفاف عليه إما بالتغييب ، وإما بالتكذيب ، واما بالتأويل ...

ذكر الشيخ محمَّد جواد مغنية في كتابه ( فلسفة التوحيد والولاية ) ـ بعد أن ذكر المصادر الأساسية لهذه الواقعة ـ : أنَّ من الذين رووا نصَّ النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم علىٰ عليٍّ عليه السلام بالخلافة ـ عندما دعا عشيرته وبلَّغهم رسالة ربِّه ـ : محمَّد حسين هيكل في الطبعة الأولىٰ من كتابه ( حياة محمَّد ) ، ومحمَّد عبد الله عنان في كتابه ( تاريخ الجمعيات ) ، ولكنَّ هيكل ـ في الطبعة الثانية وما بعدها من الطبعات ـ قد مسخ الحديث المذكور وحرَّف منه كلمة « خليفتي من بعدي » في مقابل خمسمائة جنيه ، أخذها من جماعة ثمناً لهذا التحريف (29).

أمَّا ابن كثير فقد ذكر القصَّة بتفاصيلها ـ ولكن بقصد تكذيبها ـ إلىٰ أن قال : فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أيُّكم يؤازرني علىٰ هذا الأمر ، علىٰ أن يكون أخي » وكذا وكذا ؟.

قال عليٌّ ـ عليه السلام ـ : « فأحجم القوم جميعاً ، وقلت ـ وإنِّي لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً ـ : أنا يا نبيَّ الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، فقال : إنَّ هذا أخي ـ وكذا وكذا ـ فاسمعوا له وأطيعوا » (30).

ثم قال : « تفرّد به عبد الغفَّار بن القاسم أبو مريم ، وهو كذَّاب شيعي ، اتهمه عليُّ بن المديني بوضع الحديث وضعَّفه الباقون » (31).

ثمَّ يضيف ـ في الصفحة ذاتها ـ قائلاً : « ولكن روىٰ ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه ، عن الحسين بن عيسىٰ بن ميسرة الحارثي ، عن عبد الله بن عبد القدُّوس ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، وعن عبد الله بن الحارث قال : قال عليٌّ عليه السلام : « لمَّا نزلت هذه الآية : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (32) قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : إصنع لي شاةً بصاع من طعام ، وإناء لبناً ، وادعُ لي بني هاشم ؛ فدعوتهم وإنَّهم يومئذٍ لأربعون غير رجل ، أو أربعون ورجل » فذكر القصَّة إلىٰ قوله : « فبدرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الكلام ، فقال : أيُّكم يقضي عنِّي دَيني ، ويكون خليفتي في أهلي » ؟

فسكتوا وسكت العبَّاس ، خشية أن يحيط ذلك بماله ، وسكتُّ أنا لسنِّ العبَّاس.

ثمَّ قالها مرَّةً أُخرىٰ ، فسكت العبَّاس ، فلمَّا رأيت ذلك ، قلت : أنا يا رسول الله.

قال : أنت ؟!

قال : وإنِّي يومئذٍ لأسوأهم هيئةً ، وإنِّي لأعمش العينين ، ضخم البطن ، حمش الساقين ! » » (33)

فلنتناول هذا الكلام من جميع وجوهه ، لنعرف أين محله :

١ ـ فأمَّا عبد الغفَّار بن القاسم أبو مريم ، الذي طعن عليه ، فقد وصفه ابن حجر العسقلاني ، فقال : كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال ـ قال ـ وقال شعبة : لم أرَ أحفظ منه ، وقال ابن عدي : سمعت ابن عقدة يثني علىٰ أبي مريم ويطريه وتجاوز الحدَّ في مدحه ، حتىٰ قال : لو ظهر علىٰ أبي مريم ما اجتمع الناس إلىٰ شعبة.

أمَّا تضعيفهم له فإنَّما جاء من وصفه بالتشيُّع ، قال ابن حجر (34) ـ في ترجمته ذاتها ـ : قال البخاري : عبد الغفَّار بن القاسم ليس بالقويِّ عندهم ، حدَّثنا أحمد بن صالح حدَّثنا محمَّد بن مرزوق ، حدَّثنا الحسين بن الحسن الفزاري ، عن عبد الغفَّار بن القاسم ، عن عَدي بن ثابت ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عبَّاس ، قال حدَّثني بُريدة : قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « عليٌّ مولىٰ من كنت مولاه » !! ـ فمن هنا جاء طعنهم عليه.

٢ ـ وأمَّا قوله : إنَّ الحديث فيه عبد الغفَّار بن القاسم ، فقد ورد الحديث من طرق أُخرىٰ ليس فيها عبد الغفَّار كما في ( مسند أحمد ) و ( الخصائص ) للنسائي ، و ( تاريخ الطبري ) و ( تاريخ دمشق ) و ( شواهد التنزيل ) (35).

٣ ـ شعب أبي طالب :

اتخذت قريش شتىٰ الأساليب لردع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأتباعه من المسلمين ، ولمَّا أنّ رأت أنّ الإسلام يفشو ويزيد ، اتفقوا بعد تفكير طويل علىٰ قتل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأجمع مَلَؤُها علىٰ ذلك ، وبلغ أبا طالب فقال :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

 

حتَّىٰ أُغيَّب في التراب دفينا

ودعوتني وزعمت أنَّك ناصِحٌ

 

ولقد صدقت وكنت ثَمَّ أميناً

وعرضت ديناً قد علمتُ بأنَّه

 

من خير أديان البرية دينا (36)

ولمَّا علمت أنَّها لا تقدر علىٰ قتله ، وأنَّ أبا طالب لا يسلّمه ، وسمعت بهذا من قول أبي طالب ، كتبت الصحيفة القاطعة الظالمة التي تنصُّ علىٰ مقاطعة بني هاشم واتباعهم وحصرهم في مكان واحد ، وقطع جميع وسائل العيش عنهم ، وألّا يناكحوهم حتَّىٰ يدفعوا إليهم محمَّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم فيقتلوه ، وإلَّا يموتوا جوعاً وعطشاً ، وختموا علىٰ الصحيفة بثمانين خاتماً.

وكان الذي كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ، فشلَّت يده (37) وقيل. وقَّعها أربعون من زعماء مكَّة ، ثُمَّ علَّقوا الصحيفة في جوف الكعبة وحصروهم في شعب أبي طالب ست سنين (38) ، وذلك في أول المحرم من السنة السابعة لمبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وقيل : استمر نحواً من سنتين أو ثلاث (39) ، حتَّىٰ أنفق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ماله وأنفق أبو طالب ماله ، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها ، وصاروا إلىٰ حدِّ الضرِّ والفاقة ، واشتدت بهم الضائقة ، حتىٰ اضطرتهم إلىٰ أكل الأعشاب وورق الأشجار ، ومع ذلك فلم يضع أبو طالب وولده علي عليه السلام وأخوه الحمزة شيئاً في حسابهم غير النبيّ محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ورعايته ، حتَّىٰ لا يتسلَّل أحد من المكِّيين ليلاً لاغتياله ، وكانت هذه الخاطرة لا تفارق أبا طالب في الليل والنهار.

جاء في تاريخ ابن كثير (40) : أنَّ أبا طالب قد بلغ من حرصه علىٰ حياة محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه كان اذا أخذ الناس مضاجعهم في جوف الليل ، يأمر النبي أن يضطجع علىٰ فراشه مع النيّام ، فإذا غلبهم النوم أمر أحد بنيه أو اخوته فأضجعهم علىٰ فراش الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمر الرسول أن يضطجع علىٰ فراشهم حرصاً منه عليه ، حتَّىٰ لو قدِّر لأحد أن يتسلَّل إلىٰ الشعب ليلاً لاغتياله يكون ولده فداءً لابن أخيه.

وفي رواية ابن أبي الحديد أنَّه قرأ في أمالي أبي جعفر محمَّد بن حبيب : أنَّ أبا طالب كان إذا رأىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحياناً يبكي ، ويقول : إذا رأيته ذكرت أخي عبد الله ، وكان عبد الله أخاه لأمِّه وأبيه.

وأضاف إلىٰ ذلك أنَّه كثيراً ما كان يخاف عليه البيات ليلاً ، فكان يقيمه ليلاً من فراشه ويضجع ابنه علياً مكانه ، ومضىٰ علىٰ ذلك أيام الحصار وغيرها ، وأحسَّ عليٌّ عليه السلام بالخطر علىٰ حياته ، ولكنَّه كان طيِّب النفس بالموت في سبيل محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وقال لأبيه يوماً : « يا أبت أني مقتول » ، فأوصاه بالصبر ، وأنشد :

أصبرن يا بني فالصبر أحجىٰ

 

كلُّ حيٍّ مصيره لشعوب (41)

قدّر الله والبلاء شديد

 

لفداء الحبيب وابن الحبيب

إن تصبك المنون فالنبل تبرىٰ

 

فمصيب منها وغير مصيب

كلُّ شيءٍ وإن تملَّىٰ بعمر

 

آخذ من مذاقها بنصيب (42)

وهذه الأبيات تؤكِّد إيمانه العميق برسالة محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم واستعداده لأن يضحّي بولده في سبيلها ، ولقد أجابه ولده أمير المؤمنين عليه السلام بأبيات يرويها شارح النهج عنه تحمل نفس الروح التي كان يحملها أبوه ، حيث يرىٰ أنَّ وجوده وحياته متمِّمان لحياة محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ورسالته ، لذلك لم يكن غريباً عليه أن يضحّي ويبذل حتىٰ نفسه ليسلم محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم لرسالته ، تلك التّضحية التي لم يعرف التاريخ أروع وأجمل منها.

يقول عليه السلام :

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد

 

ووالله ما قلت الذي قلت جازعا

ولكنَّني أحببت أن ترىٰ نصرتي

 

وتعلم أنِّي لم أزل لك طائعا

سأسعىٰ لوجه الله في نصر أحمد

 

نبي الهدىٰ المحمود طفلاً ويافعا (43)

فنزل جبريل علىٰ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخبره أنَّ الله سبحانه وتعالىٰ أرسل علىٰ صحيفة المقاطعة دودة الأرضة أكلت ما فيها من ظلم وقطيعة رحم ، وتركت ما فيها من أسماء الله تعالىٰ. فقال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لعمِّه أبي طالب وكلِّ من في الشعب ، حتَّىٰ صاروا إلىٰ الكعبة الشريفة ، واجتمع الملأ من قريش من كلِّ أوب فقالوا : قد آن لك أن تذكر العهد وتدع « اللجاج في ابن أخيك » !

وقال لهم : إنَّ ابن أخي أخبرني أنَّ الله تعالىٰ أرسل علىٰ صحيفتكم الأرضة ، فأكلت ما فيها من قطيعة رحم وظلم ، وتركت اسم الله تعالىٰ ، فإن كان كاذباً سلَّمته إليكم لتقتلوه ، وعلمنا أنَّكم علىٰ حقٍّ ، ونحن علىٰ باطل ، وإن كان صادقاً علمتم أنَّكم ظالمون لنا ، قاطعون لأرحامنا. فقالوا : قد أنصفتنا.

وقاموا سراعاً وأحضروها وإذا الأمر كما قال أبو طالب ، فبهتوا ونكسوا رؤوسهم ثُمَّ قالوا : إنَّ هذا لسحر وبهتان !!

فقويت نفس أبي طالب واشتدَّ صوته ، وقال : « قد تبيَّن لكم أنَّكم أولىٰ بالظلم والقطيعة » (44).

٤ ـ مؤامرة قريش في دار الندوة :

ضاق الأمر بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وتراكمت عليه الأحداث بعد خروجه من محنة الحصار في شعب أبي طالب ، ولم تكن سوىٰ أيام قلائل حتىٰ توفِّي عمُّه أبو طالب ، ناصره ومعينه علىٰ أمره ، أقبلت قريش المذعورة علىٰ إيذائه بشتَّىٰ الأساليب ـ بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله ـ فقد مات أبو طالب ، ولم يعد بمكَّة من تهابه قريش وترعىٰ له حرمة .. فخرج صلوات الله عليه إلىٰ الطائف ، وهذه أول رحلة قام بها من مكَّة للدعوة إلىٰ الإسلام ، فعمد إلىٰ ثقيف يطلب منها النصر ، لكنَّها رفضت أن تسمع له ، ولم تكتفِ بذلك ، بل أرسلت صبيانها يرشقوه بالحجارة ، حتىٰ أُدميت قدماه الشريفتان ، كما أُصيب علي وزيد بن حارثة ، حيث كانا معه في تلك الرحلة ، وعليٌّ يتلقَّىٰ الأحجار بيديه وصدره حتَّىٰ أُثخن بالجراح ، فكان رسول الله يقول : « ما كنت أرفع قدماً ولا أضعها إلَّا علىٰ حجر » (45) !

وبذلك قرَّروا الرجوع إلىٰ مكَّة ؛ فكلابها أهون من وحوش البراري ! رجع يائساً من ثقيف وأحلافها ، واستطاع الدخول إلىٰ مكَّة بإجارة المطعم بن عدي له.

وحينما خافت قريش أن يقوىٰ ساعده ـ ويصبح له أنصاراً جدداً ، وحذروا من خروجه سيّما بعد أن أذن لأصحابه بالهجرة إلىٰ يثرب ـ اجتمعت في دار الندوة ، وتشاوروا في أمره وأعدُّوا العدَّة للقضاء عليه قبل فوات الأوان ، فقالوا : ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات عمُّه !

وكان اجتماعهم هذا قبيل شهر ربيع الأول عام ٦٣٣ م ، عام الهجرة ، وبعد أن أعطىٰ كلُّ واحد منهم رأيه ، قال أبو جهل : أرىٰ أن نأخذ من كلِّ قبيلة فتىً نسيباً ونعطي كلَّ فتىً منهم سيفاً ، ثُمَّ يضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه ، كي لا يتحمَّل قتله فرد ولا قبيلة وحدها ، بل يتفرق دمه في القبائل كلِّها ، فلم يقدر آله وعشيرته علىٰ حرب قومهم جميعاً، فيصعب الثأر له .. فتفرَّقوا علىٰ ذلك بعد أن اتَّفقوا علىٰ الليلة التي يهاجمونه فيها وهو في فراشه.

فأتىٰ جبرائيل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخبره بمكيدة قريش وأحلافها ، كما تشير إلىٰ ذلك الآية : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (46).

ومكر الله في الآية يعني : أنَّه سبحانه قد فوَّت عليهم مكرهم وتخطيطهم بما أخبر به نبيَّه ، وبما أمره به من الخروج في تلك الليلة ، ومبيت علي عليه السلام علىٰ فراشه ليفوّت عليهم تدبيرهم الذي أجمعوا عليه.

ولما علم عليٌّ عليه السلام بتخطيط قريش لاغتيال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بكىٰ ، ورحَّب بالمبيت في فراشه فداءً له وللإسلام وقال له : « أو تَسْلَم أنت يا رسول الله إن فديتك بنفسي » ؟ قال له صلّى الله عليه وآله وسلّم : « نعم ، بذلك وعدني ربِّي » فانشرح صدره لسلامة أخيه رسول الله.

وشاءت الأقدار أن يفتح عليُّ بن أبي طالب عليه السلام صفحةً مشرقةً من بطولاته لأنَّه تلميذ الرسالة الحقَّة وربيب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وسليل بني هاشم ، وتقدّم مطمئن النفس ، رابط الجأش ، متَّشحاً ببرد الرسول الحضرمي ، ونام ثابت الفؤاد لا يخاف في الله لومة لائم.

وكان ذلك سبباً لنجاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وحفظ دمه ، ولولا فداء أمير المؤمنين نفسه للرسول لما تمَّ تبليغ الرسالة والصدع بأمر الله تعالىٰ.

فلمَّا كانت العتمة اجتمعوا علىٰ بابه يرصدونه ، وودَّع رسول الله عليَّ ابن أبي طالب عليه السلام ، وأمره أن يؤدِّي ما عنده من وديعة وأمانة إلىٰ أهلها ويلحق به.

وفي بعض الروايات : أنَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج فأخذ حفنةً من تراب ، فجعله علىٰ رؤوسهم ، وهو يتلو هذه الآيات من ( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) إلىٰ قوله : ( فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ) (47). ثمَّ انصرف فلم يروه (48).

هكذا ، فإنّ القوم أحاطوا بالدار ، وهم من فتيان قريش الاشداء ، وجعلوا يرصدونه ليتأكَّدوا من وجوده ، فرأوا رجلاً قد نام في فراشه التحف ببرد له أخضر.

أمَّا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقد خرج في الثلث الأخير من الليل من الدار ، وكان قد اختبأ في مكان منها ، وانطلق جنوباً إلىٰ غار ثور ، وكمن فيه ومعه أبو بكر ، فأقاما فيه ثلاثاً.

ولمَّا حان الوقت الذي عيَّنوه لهجومهم علىٰ الدار ، هجموا عليها ، فوثب عليٌّ عليه السلام من فراشه ، ففرُّوا بين يديه حين عرفوه ..

وفي بعض الروايات أنَّهم قبل هجومهم عليه جعلوا يقذفونه بالحجارة وهو ساكن لا يتحرَّك ولا يبالي بما يصيبه من الأذىٰ ، ثُمَّ هجموا عليه بسيوفهم وخالد بن الوليد في مقدمهم ، فوثب علي عليه السلام من فراشه وهمزه بيده ، ففرَّ خالد واستطاع علي عليه السلام أنَّ يأخذ السيف منه ، فشدَّ عليهم وانهزموا أمامه إلىٰ الخارج (49).

وسأل الرهط عليَّاً : أين ابن عمِّك ؟

قال : « أمرتموه بالخروج فخرج عنكم » (50) ، وقيل : إنَّه قال : « لا علم لي به » (51).

وأخرج اليعقوبي وابن الأثير وغيرهما : أنَّ الله عزَّ وجلَّ أوحىٰ في تلك الليلة إلىٰ جبرئيل وميكائيل أنِّي قضيت علىٰ أحدكما بالموت ، فأيِّكما يواسي صاحبه ؟ فاختار الحياة كلاهما ، فأوحىٰ الله إليهما : هلَّا كنتما كعليِّ بن أبي طالب ... آخيت بينه وبين محمَّد ، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر، فاختار عليٌّ الموت وآثر محمَّداً بالبقاء وقام في مضجعه ، اهبطا فاحفظاه من عدوِّه. فهبط جبرئيل وميكائيل فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوِّه ، ويصرفان عنه الحجارة ، وجبريل يقول : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب مَن مثلك يباهي الله بك ملائكة سبع سموات ! (52).

ولم يشرك أمير المؤمنين عليه السلام في هذه المنقبة أحد من أهل الإسلام ، ولا اختصَّ بنظير لها علىٰ حال ، وفيه نزل قوله تعالىٰ في هذه المناسبة : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (53).

وعقَّب الأستاذ عبد الكريم الخطيب في كتابه ( علي بن أبي طالب ) ـ على تضحيته عليه السلام ومبيته علىٰ فراش الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة تآمرت قريش علىٰ قتله ـ بقوله : وهذا الذي كان من عليٍّ عليه السلام ليلة الهجرة ، إذا نظر إليه في مجرىٰ الأحداث التي عرضت للإمام عليٍّ عليه السلام في حياته بعد تلك الليلة ، فإنَّه يرفع لعيني الناظر أمارات واضحة ، وإشارات دالّة علىٰ أنَّ هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أمراً عارضاً بالإضافة إلىٰ عليٍّ عليه السلام بل هو عن حكمة لها آثارها ومعقباتها ، فلنا أن نتساءل : أكان لإلباس الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم شخصيَّته لعليٍّ عليه السلام تلك الليلة ما يوحي بأنَّ هناك جامعة ، تجمع بين الرسول وعليٍّ أكثر من جامعة القرابة القريبة التي بينهما ؟ وهل لنا أن نستشفَّ من ذلك ، أنَّه اذا غاب شخص الرسول كان عليٌّ عليه السلام هو الشخصية المهيَّأة لأن تخلفه وتمثل شخصه وتقوم مقامه.

وأحسب أنَّنا لم نتعسَّف كثيراً حين نظرنا إلىٰ عليٍّ عليه السلام وهو في برد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي مثوىٰ منامه الذي اعتاد أن ينام فيه ، وقلنا : هذا خليفة رسول الله والقائم مقامه.

وأضاف : إنَّ هذا الذي كان من عليٍّ عليه السلام ليلة الهجرة ، في تحدِّيه لقريش هذا التحدِّي السافر ، وفي استخفافه بها ، وقيامه بينها ثلاثة أيام يغدو ويروح ، إنَّ ذلك لا تنساه قريش لعليٍّ عليه السلام أبداً ، ولولا أنَّها وجدت في قتله يومئذٍ إثارة فتنة تمزِّق وحدتها وتشتِّت شملها ، دون أن يكون في ذلك ما يبلغ بها غايتها في محمَّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لقتلته وشفت ما بصدرها منه ، ولكنَّها تركته وانتظرت الأيام لتسوّي حسابها معه.

ألا يبدو من هذه الموافقات ، ما نستشفُّ منه أنَّ لعليِّ بن أبي طالب شأناً في رسالة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ودوراً في دعوة الإسلام ، ليس لأحد غيره من صحابة الرسول ؟ (54)

وأخرج الحاكم النيسابوري : أنَّ الإمام زين العابدين كان يقول : « إنَّ أول من شرىٰ نفسه ابتغاء رضوان الله عليُّ بن أبي طالب ، قال علي عند مبيته علىٰ فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم :

وقيتُ بنفسي خير من وطأ الحصىٰ

 

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به

 

فنجَّاه ذو الطول الإله من المكر

وبات رسول الله في الغار آمناً

 

موقىٰ وفي حفظ الإله وفي ستر

وبتُّ أراعيهم ولم يتهمونني

 

وقد وطنت نفسي علىٰ القتل والأسر » (55)

٥ ـ عليٌّ والركب الفاطمي إلىٰ المدينة :

بقي عليٌّ عليه السلام في مكَّة ثلاث ليال ، أدَّىٰ خلالهنّ ـ بطل التأريخ ـ ما عهد إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من ردِّ الأمانات والودائع التي كان يحتفظ بها النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لأهل مكَّة ، ليلحق بعدها برسول الله ..

في هذه الأثناء كان النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد وصل إلىٰ يثرب ، بعد أن قطعوا الجبال والأودية علىٰ مقربة من المدينة ـ علىٰ ساكنها السلام ـ قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمن معه : « من يدلنا علىٰ الطريق إلىٰ بني عمرو بن عوف » ؟ ولمَّا بلغ منازلهم نزل ضيفاً عليهم لإحدىٰ عشرة أو لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، وكان قد استقبله منهم نحو من خمسمائة (56).

وكتب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلىٰ عليٍّ عليه السلام مع أبي واقد الليثي ، يحثُّه بالمسير إليه بعد أداء ما أوصاه به ، ولمَّا وصله الكتاب تهيَّأ للخروج ، وردَّ كلَّ وديعةٍ إلىٰ أهلها ، وأمر من كان قد بقي من ضعفاء المؤمنين أن يتسلَّلوا إلىٰ ذي طول ليلاً ..

وخرج هو بالركب الفاطمي : فاطمة بنت رسول الله ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطَّلب ، وفاطمة بنت حمزة ، وأم أيمن ، وأبو واقد الذي أخذ يسوق الرواحل سوقاً حثيثاً ، فقال له عليٌّ : « ارفق بالنسوة يا أبا واقد » ثُمَّ جعل يسوق بهنَّ ويقول :

ليـس الا الله فارفع ظنَّكا

 

يكفيك ربُّ الخلق ما أهمَّكا

وكان يسير ليلاً ، ويكمن نهاراً وكان ماشياً غير راكب حتَّىٰ تفطَّرت قدماه (57) ، ولقد ظلَّ في رحلته تلك ليالٍ أربع عشرة (58) ، يحوطهم من الاعداء ويكلؤهم من الخصماء ، فلمَّا قارب ضَجَنان أدركه الطلب وكانوا ثمانية فرسان ملثمين ، معهم مولىٰ لحرب بن أُميَّة يُدعىٰ : جناح ؛ فقال عليٌّ عليه السلام لأيمن وأبي واقد : « أنيخا الإبل واعقلاها » وتقدَّم هو فأنزل النسوة واستقبل القوم بسيفه ، فقالوا : أظننت يا غُدر أنَّك ناجٍ بالنسوة ؟! ارجع بهن لا أبا لك !! فقال : « فإن لم أفعل ؟! » ، فقالوا : لترجعنَّ راغماً !!

ودنوا من المطايا ، فحال عليٌّ عليه السلام بينهم ، وأهوىٰ له جناح بسيفه ، فراغ عن ضربته ، وضرب جناحاً علىٰ عاتقه فقدَّه نصفين ، حتَّىٰ وصل السيف إلىٰ كتف فرسه ، ثُمَّ شدَّ علىٰ أصحابه ، وهو علىٰ قدميه وأنشد :

خلُّوا سبيل الجاهد المجاهد

 

آليت لا أعبد إلَّا الواحد

فتفرَّق القوم عنه ، وقالوا : إحبس نفسك عنَّا يابن أبي طالب ، ثُمَّ قال لهم : « إنِّي منطلق إلىٰ أخي وابن عمِّي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فمن سرَّه أن أفري لحمه وأُريق دمه فليدنُ منِّي » ثُمَّ أقبل علىٰ أيمن وأبي واقد ، وقال لهما : أطلقا مطاياكما ، وسار الركب حتَّىٰ نزل ضجنان ، فلبث بها يوماً وليلة حتَّىٰ لحق به نفر من المستضعفين ، فلمَّا بزغ الفجر سار بهم حتَّىٰ قدموا قباء (59).

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد مكث فيها هذه المدة ، ولم يغادرها بعد إلىٰ المدينة ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ادعوا لي عليَّاً » ، قيل : لا يقدر أن يمشي ، فأتاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، واعتنقه وبكىٰ ، رحمةً لما بقدميه من الورم ، وتفل في يديه وأمرَّهما علىٰ قدميه ، فلم يشتكهما بعدُ حتَّىٰ قُتل (60).

سيرة علي بن أبي طالب عليه السلام

الهوامش

1. المستدرك علىٰ الصحيحين / الحاكم النيسابوري ٣ : ٢٠١ ، ح٤٨٤٢ / ٤٤٠ ، دار الكتب العلمية.

2. تاريخ الطبري ٢ : ٥٦ ـ ٥٧.

3. انظر الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٣.

4. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣.

5. انظر شذرات الذهب / ابن طولون : ٤٨ ـ ٤٩.

6. أسد الغابة ٤ : ١٠٣.

7. أسد الغابة ٤ : ١٠٢ ، ينابيع المودَّة ٢ : ٦٨.

8. انظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال ١٣ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠.

9. الكامل في التاريخ ٢ : ٥٨٢.

10. انظرها في أسد الغابة ٤ : ١٠١.

11. سير أعلام النبلاء ( سيرة الخلفاء الراشدين ) : ٢٢٧.

12. مستدرك الحاكم ٣ : ٥٠٠ ، وصحَّحه هو والذهبي ، وحياة الصحابة ٢ : ٥١٤ ـ ٥١٥.

13. الارشاد ١ : ٣٢.

14. انظر : البداية والنهاية ٧ : ٢٢٣.

15. الاستيعاب / ابن عبد البر القرطبي ٣ : ٢٨ ، مطبوع بهامش الإصابة سنة ١٣٢٨ هـ. ق ، دار المعارف ، م صر ، تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ٢ : ٨١ ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت ـ لبنان ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٣ : ١٣٦ ط سنة ١٣٤٢ هـ الهند وصحَّحه ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ١٣ : ٢٩٩ ، وعنه : أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد باب إسلامه رضي الله عنه ٩ : ١٠٢.

16. انظر أسد الغابة ٤ : ١٠٣.

17. سير أعلام النبلاء ( سيرة الخلفاء الراشدين ) : ٢٣٠.

18. إعلام الورىٰ ١ : ٣٦٠.

19. سنن بن ماجة ١ : ٤٤ / ١٢٠ ، الخصائص / النسائي : ٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٢.

20. ترجمة الامام علي عليه السلام من تاريخ دمشق ١ : ٦٢ / ٨٨.

21. تاريخ الطبري ٢ : ٣١٦.

22. سورة الشعراء : ٢١٤.

23. الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٤.

24. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٧.

25. الإرشاد ١ : ٤٩.

26. سورة المسد : ١.

27. تاريخ الطبري ٢ : ٢١٧ ، معالم التنزيل في التفسير والتأويل / البغوي ٤ : ٢٧٨ ، الكامل في التاريخ ١ : ٥٨٦ ، الترجمة من تاريخ ابن عساكر ١ : ١٠٠ / ١٣٧ و ١٣٨ و ١٣٩ ، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل / الحاكم الحسكاني الحنفي ـ تحقيق محمَّد باقر المحمودي ـ مؤسسة الأعلمي بيروت ١ : ٣٧٢ ـ ٣٧٣ / ٥١٤ و٤٢٠ / ٥٨٠ ، كنز العمَّال ١٣ : ١٣١ / ٣٦٤٦٩.

28. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٧ ـ ٢٨.

29. أنظر سيرة المصطفىٰ ـ نظرة جديدة / هاشم معروف الحسني ، منشورات الشريف الرضي : ١٣٠ ، وكذا ذكره في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر ١ : ١٥٧ ، وأضاف قائلاً : بعد أن ساوموه علىٰ شراء ألف نسخة من الكتاب فوافق علىٰ ذلك ، ورواه في ط ٢ وما بعدها بدون كلمة « خليفتي من بعدي ».

30. البداية والنهاية ٣ : ٤٠.

31. نفس المصدر.

32. الشعراء : ٢٦.

33. نفس المصدر.

34. لسان الميزان / ابن حجر ٤ : ٤٢ ط مؤسسة الأعلمي.

35. اُنظر : مسند أحمد ١ : ١٥٩ ، الخصائص : ١٨ ، تاريخ الطبري ٢ : ٢١٩ ، ترجمة الامام علي من تاريخ دمشق ١ : ٩٩ / ١٣٧ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٢٠ / ٥٨٠. وراجع منهج في الانتماء المذهبي / الأستاذ صائب عبد الحميد : ٨٠ ـ ٨٣.

36. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣١.

37 و 38. نفس المصدر.

39. الكامل في التأريخ ١ : ٦٠٤.

40. البداية والنهاية ٣ : ٨٤ ، بتصرف.

41. الشعوب : المنية.

42. شرح نهج البلاغة ١٤ : ٦٤ بتصرف.

43. نفس المصدر.

44. الكامل في التاريخ ١ : ٦٠٦.

45. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٦.

46. سورة الأنفال : ٣٠.

47. سورة يس : ١ ـ ٩.

48. الكامل في التاريخ ٢ : ٤.

49. أمالي الشيخ الطوسي : ٤٦٧ / ١٠٣١ ، بحار الأنوار ١٩ : ٦١ ـ ٦٢.

50. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٩ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٠٣.

51. الطبقات الكبرى ١ : ١١٠.

52. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٩ ، أُسد الغابة ٤ : ١١٣.

53. سورة البقرة : ٢٠٧ ، وذكرها الرازي في تفسيره أنَّها نزلت بشأن مبيت عليٍّ عليه السلام علىٰ فراش رسول الله.

54. عن سيرة الأئمة الاثني عشر١ : ١٦٨ ـ ١٦٩ ، وأيضاً : علي سلطة الحق ٢٦ ـ ٢٧ ، الامام علي ١ : ٥٥ ـ ٥٦.

55. المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥.

56. أنظر سيرة الأئمة الاثني عشر ١ : ١٧١.

57. تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١ ، اُسد الغابة ٤ : ١٠٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٧.

58. أنظر : عليٌّ سلطة الحقِّ : ٢٣.

59. سيرة الأئمة الاثني عشر ١ : ١٧١ ـ ١٧٢.

60. الكامل في التاريخ ٢ : ٧.

مقتبس من كتاب : الإمام علي عليه السلام سيرة وتأريخ / الصفحة : 30 ـ 54

 

أضف تعليق

الإمام علي عليه السلام

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية