السؤال :
ما هو ردّكم على من يقول : ان أهل البيت عليهم السلام حالهم كحال الروبوت ـ الرجل الآلي ـ ، من حيث العصمة ؟ الا يعد هذا الكلام انتهاك لحرمتهم عليهم السلام ؟
الجواب :
العصمة ليست أمراً غير اختياري ، والمعصوم كغيره من الناس يفعل أعماله وأفعاله عن ارادة واختيار ، فهو ليس مضطرّاً الى فعل الطاعات أو ترك المحرّمات ، بل يطيع الله تعالى بارادته واختياره ، لكنّه لعلمه الكامل وإحاطته الشاملة يختار الإطاعة ويترك المخالفة لله.
فان درجات العلم مختلفة ، وكلّ مرتبة من مراتب العلم واليقين تقتضي ما يتناسب مع تلك المرتبة من الإطاعة أو العصيان ، فالذي ليس له علم كامل بعظمة وقدرته وفضله واحسانه وانعامه ، وليس له علم كامل بقبح الذنوب والمعاصي في نفسها ، وبقبح مخالفة الله تعالى ، فلا محاله قد يغفل ويرتكب الذنب والمعصية ، أو يترك الواجب باختياره ؛ وهذا هو غير المعصوم.
امّا الذي له علم كامل بعظمة الله وقبح مخالفته ، وله علم كامل بالمصالح والمفاسد الموجودة في الأفعال والأعمال ، فهذا العلم مع التوفيق والتسديد من الله عزّ وجلّ يقتضي ان يطيع الله ولا يخالفه ، ويفعل الواجبات والطاعات بإرادته وإختياره ، ويترك المحرّمات باختياره ، وهذا هو المعصوم.
فالعصمة من آثار العلم الكامل ، ومن المعلوم انّ العلم لا يكون علّة تامّة للأفعال والأعمال ، بل تحتاج معذلك إلى الإرادة والإختيار.
ولنذكر مثالاً واضحاً لذلك : فالطفل الذي لا يعلم بأنّ النار محرقة ، أو علمه ليس كاملاً ، يمدّ يده إلى النار ، فتحترق يده ، لكن الذي يعلم بانّ النار محرقة ، لا يقترب منها ، ولا يمدّ يده إليها ، لكنّه ليس مجبوراً على ذلك ، ويتمكّن ان يمدّ يده إلى النار ويحترق ، لكنّه لا يفعل ذلك باختياره لعلمه الكامل بانّ النار محرقة.
التعليقات
ثانياً : العلم بعواقب الذنوب موجود لدى كلّ إنسان يؤمن بالله تعالى وباليوم الآخر ، لكن يحصل لدى أكثر الناس الغفلة عن التدبّر والتفكّر في ذلك ، وهذه الغفلة ناشئة من ترك الاشتغال الدائم بذكر الله وعبادته وطاعته باللسان والقلب وبالقول وبالعمل ؛ فالله تعالى يقول : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) [ العنكبوت : 69 ].
ثالثاً : انّ العلم بعواقب الذنوب مهما كان قويّاً لا يجعل المعصوم مجبراً بحيث يترك الذنوب اجباراً واضطراراً ، ولا يكون له القدرة والإرادة على ارتكاب الذنوب ، فالإمام المعصوم عليه السلام يترك الذنوب والمعاصي باختياره وإرادته ، فهو مثل سائر الناس في انّه ليس مجبراً على ترك الذنوب ، غاية الأمر بسبب معرفته الكاملة بعظمة الخالق وقدرته وكبريائه وحقّه العظيم على المخلوقين وفضله وأنعامه يقاوم نفسه الأمّارة بالسوء ، ويقف بوجه الشيطان ، ولا يصغي إلى وسوسته وكيده ، ويترك الذنوب بمحض إرادته واختياره.
وهذه المعرفة الكاملة انّما حصل لأجل جهوده ، وكثرة تدبّره ويقظته ، ومنع نفسه عن الغفلة بالاشتغال المتواصل بالطاعات والعبادات ، والتوجّه الكامل إلى الحضرة الربوبيّة ، والإخلاص في التقرّب إلى الله تعالى.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة