السؤال : أنا رجل سنّي ولا أعرف لمن كان بيعة سيّدتنا فاطمة عليها الصلاة والسلام ؟
الجواب : من المسلّمات عند أهل السنّة والشيعة أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لم تبايع أبا بكر قطعاً ، بل اعترضت عليه واستنكرت خلافته وخطبت بين الجماهير المسلمة تطالب بحقّها في فدك الذي منحها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياته امتثالاً لأمر الله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ... ) [ الاسراء : 26 ].
وذكرت في خطبتها مع نساء الأنصار أنّ الخلافة والإمامة حقّ شرعي لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وأنّ القوم نكثوا عهودهم حسداً وحقداً لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قتل آباءهم وإخوانهم وأبناء عشيرتهم في سبيل الدفاع عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعن الإسلام. وقد روى هذه الخطب علماء أهل السنّة فضلاً عن الشيعة فراجع بلاغات النساء [ 14 ـ 20 ] وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج 4 ص 93 اعلام النساء 3 / 1208.
قالت في خطبتها الأولى تخاطب أبابكر والمهاجرين : « فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسيكة النفاق ، وسمل جلبات الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلّين ، ... وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه ، هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرّة فيه ملاحظين ... ».
وقالت فى خطبتها الثانية : « ويحهم أنى زحزحوها عن أبي الحسن ، ما نقموا والله منه إلّا نكير سيفه و نكال وقعه ، وتنمره في ذات الله ... ».
وفي رواية اُخرى : « ويحهم ! أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوّة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين ، والطبين بامور الدنيا والدين ، ألا ذلک هو الخسران المبين ! وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام ؟ نقموا والله ؛ منه نکير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدة وطأته ، ونکال وقعته ، و تنمّره في ذات الله ـ إلى أن قالت : ـ استبدلوا والله ؛ الذنابى بالقوادم ، والعجز بالکاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، ألا إنّهم هم المفسدون ولکن لا يشعرون ... ».
روى هذه الخطبة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن محمّد بن زكريا عن محمّد بن عبد الرحمن المهبلي قال حدّثنا عبد الله بن محمّد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن الحسن عن أمّه فاطمة بنت الحسين عليه السلام ... .
وممّا يدلّ على بطلان خلافة أبي بكر أنّ فاطمة الزهراء وهي المعصومة بنصّ القرآن الكريم حيث قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب : 33 ] ، امتنعت من بيعته وبايعت علياً عليه السلام الذي نصّ على خلافته رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في غدير خمّ أمام الآلاف من المهاجرين والأنصار وساير المسلمين ، وقال : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » ، وقد صرح المؤرّخون واتّفقت الروايات أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام ماتت وهي ساخطة على أبي بكر وعمر ، وصرّحت بأنّهما آذياها وما ارضياها ، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها » ، وقال : « انّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ».
قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 / 14 بعد أن ذكر قصّة دخول أبي بكر وعمر على فاطمة وعيادتها لها : « فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط فسلّما عليها فلم تردّ عليهما السلام فتكلّم أبوبكر ـ إلى أن قال : ـ فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحبّ فاطمة فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني » ؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، قالت : فإنّى اُشهد الله وملائكة أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لاشكونّكما إليه ».
وأخرج البخاري في صحيحه باب فرض الخمس ج 5 / 5 عن عائشة : « انّ فاطمة ابنة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ان يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله ممّا افاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : انّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قال : ما نورّث ما تركنا صدقه ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرة حتّى توفيت ».
وقد بلغ غضبها على أبي بكر إلى درجة أنّها أوصت بأن تدفن ليلاً وان لا يدخل عليها أحد ولا يصلّي عليها أبو بكر ، فدفنت ليلاً ولم يشعر بها أبو بكر ، وصلّى عليها علي وهو الذي غسّلها مع أسماء بنت عميس [ راجع طبقات ابن سعد ـ رسائل الجاحظ ص 300 ، حلية الأولياء 2 / 43 ، مستدرك الحاكم 3 / 163 ].
التعليقات
والصحيح كما صرّحت به الآية المباركة ( وآت ذا القربى حقّه ) انّ فدك كانت ملكاً خالصاً لفاطمة الزهراء عليها السلام وقد أمر الله تعالى نبيّه ان يمنح فاطمة فدكاً لانّها من الأنفال والفيء الذي يكون بعضه ملكاً لله وبعضه ملكاً للرسول وبعضه ملكاً لذي القربى بنص الآية الشريفة : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى وابن السبيل ... ). فلم تكن فدك إرثاً بل ولا هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بأن يكون ملكه ثم أعطاها لفاطمة ، بل كان ملكاً لفاطمة عليها السلام من الأوّل وقد أمر الله تعالى نبيّه بإعطائها حقّها ( وآت ذا القربى حقّه والمسكين ).
وامّا مطالبة فاطمة بفدك فمن المعلوم انّها كانت في إطار مطالبتها بإرجاع الخلافة والحكومة إلى علي عليه السلام فغرض السيّدة فاطمة لم يكن تحصيل المال بل كان تطالب بولاية علي عليه السلام بكلّ طريقة ممكنة ومنها استرجاع فدك ليكون للإمام علي عليه السلام رصيد مالي كبير يمكن صرفه في سبيل استنفاذ حقّه الشرعي في الخلافة.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة