وتجب معرفتهم لأن الله تعالى فرض الصلاة عليهم
ـ رسائل الشريف المرتضى ج 2 ص 249
الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة. بسم الله الرحمن الرحيم. قال رضي الله عنه : مما يدل أيضاً على تقديمهم عليهم السلام وتعظيمهم على البشر أن الله تعالى دلنا على أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالى في أنها إيمان وإسلام ، وإن الجهل والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الإيمان ، وهذه منزلة ليس لأحد من البشر إلا لنبينا صلّى الله عليه وآله وبعده لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده على جماعتهم السلام. لأن المعرفة بنبوة الأنبياء المتقدمين من آدم إلى عيسى عليهم السلام أجمعين غير واجبة علينا ولا تعلق لها بشيء من تكاليفنا ، ولولا أن القرآن ورد بنبوة من سمي فيه من الأنبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقاً للقرآن وإلا فلا وجه لوجوب معرفتهم علينا ، ولا تعلق لها بشيء من أحوال تكليفنا.
وبقي علينا أن ندل على أن الأمر على ما ادعيناه.
والذي يدل على أن المعرفة بإمامة من ذكرناه عليهم السلام من جملة الإيمان وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان ، إجماع الشيعة الإمامية على ذلك فإنهم لا يختلفون فيه ، وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذي قد دلت العقول على وجوده في كل زمان في جملتهم وفي زمرتهم ، وقد دللنا على هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا واستوفيناها في جواب التبانيات خاصة ، وفي كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الإمامية من المسائل الفقهية ، فإن هذا الكتاب مبني على صحة هذا الأصل.
ويمكن أن يستدل على وجوب المعرفة بهم عليهمالسلام بإجماع الأمة ، مضافاً إلى ما بيناه من إجماع الإمامية وذلك أن جميع أصحاب الشافعي يذهبون إلى أن الصلاة على نبينا صلّى الله عليه وآله في التشهد الأخير فرض واجب وركن من أركان الصلاة من أخل به فلا صلاة له ، وأكثرهم يقول : إن الصلاة في هذا التشهد على آل النبي عليهم الصلوات في الوجوب واللزوم ووقوف أجزاء الصلاة عليها كالصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله والباقون منهم يذهبون إلى أن الصلاة على الآل مستحبة وليست بواجبة.
فعلى القول الأول لا بد لكل من وجبت عليه الصلاة من معرفتهم من حيث كان واجباً عليه الصلاة عليهم ، فإن الصلاة عليهم فرع على المعرفة بهم ، ومن ذهب إلى أن ذلك مستحب فهو من جملة العبادة وإن كان مسنوناً مستحباً والتعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم إلا به من المعرفة. ومن عدا أصحاب الشافعي لا ينكرون أن الصلاة على النبي وآله في التشهد مستحبة ، وأي شبهة تبقى مع هذا في أنهم عليهم السلام أفضل الناس وإجلالهم وذكرهم واجب في الصلاة.
وعند أكثر الأمة من الشيعة الإمامية وجمهور أصحاب الشافعي أن الصلاة تبطل بتركه وهل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم ؟
ومما يمكن الإستدلال به على ذلك أن الله تعالى قد ألهم جميع القلوب وغرس في كل النفوس تعظيم شأنهم وإجلال قدرهم على تباين مذاهبهم واختلاف دياناتهم ونحلهم ، وما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الأهواء وتشعب الآراء على شيء كإجماعهم على تعظيم من ذكرناه وإكبارهم ، إنهم يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التي وسمت بصلاتهم فيها وحلولهم بها ، وينفقون في ذلك الأموال ويستنفدون الأحوال ، فقد أخبرني من لا أحصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلى طوس لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهما بالجمال الكثيرة والأهبة التي لا توجد مثلها إلا للحج إلى بيت الله. وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم عن هذا الشعب.
وما تسخير هذه القلوب القاسية وعطف هذه الأمم البائنة إلا كالخارق للعادات والخارج عن الأمور المألوفات ، وإلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة المنحازين عن هذه الجملة على أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ويستنزلوا عندها من الله تعالى الأرزاق ويستفتحوا الأغلال ويطلبوا ببركاتها الحاجات ويستدفعوا البليات ، والأحوال الظاهرة كلها لا توجب ذلك ولا تقتضيه ولا تستدعيه وإلا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم ، وأكثرهم يعتقدون إمامته وفرض طاعته ، وأنه في الديانة موافق لهم غير مخالف ومساعد غير معاند.
ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا ، فإن الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة ، ولا لتقية واستصلاح ، فإن التقية هي فيهم لا منهم ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم ، وكل خوف إنما هو عليهم فلم يبق إلا داعي الدين ، وذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله إلا مشية الله وقدرة القهار التي تذلل الصعاب ، وتقود بأزمتها الرقاب.
وليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها وتعامى عنها وهو يبصرها أن يقول : إن العلة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه وفخمتموه وادعيتم خرقه للعادة وخروجه من الطبيعة ، بل هي لأن هؤلاء القوم من عترة النبي صلّى الله عليه وآله وكل من عظم النبي صلّى الله عليه وآله فلا بد من أن يكون لعترته وأهل بيته معظماً مكرماً ، وإذا انضاف إلى القرابة الزهد وهجر الدنيا والعفة والعلم زاد الإجلال والإكرام لزيادة أسبابهما.
والجواب عن هذه الشبهة الضعيفة : أنه شارك أئمتنا عليهمالسلام في حسبهم ونسبهم وقراباتهم من النبي صلّى الله عليه وآله غيرهم ، وكانت لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهادة في الدنيا بادية ، وسمات جميلة وصفات حسنة ، من ولد أبيهم عليه وآله السلام ، ومن ولد العباس رضوان الله عليه ، فما رأينا من الإجماع على تعظيمهم وزيارة مدافنهم والإستشفاع بهم في الأغراض ، والإستدفاع بمكانهم للأعراض والأمراض ، وما وجدنا مشاهداً معايناً في هذا الشراك ، وإلا فمن ذا الذي أجمع على فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة في هذه الحالة يجري مجرى الباقر والصادق والكاظم والرضا صلوات الله عليهم أجمعين ، لأن من عدا من ذكرناه من صلحاء العترة وزهادها ممن يعظمه فريق من الأمة ويعرض عنه فريق ، ومن عظمه منهم وقدمه لا ينتهي في الإجلال والإعظام إلى الغاية التي ينتهي إليها من ذكرناه.
ولولا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ معلوم لفصلناها على طول ذلك ولأسمينا من كنينا عنه ونظرنا بين كل معظم مقدم من العترة ليعلم أن الذي ذكرناه هو الحق الواضح ، وما عداه هو الباطل الماضح.
وبعد فمعلوم ضرورة أن الباقر والصادق ومن وليهما من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين كانوا في الديانة والإعتقاد وما يفتون من حلال وحرام على خلاف ما يذهب إليه مخالفوا الإمامية ، وإن ظهر شك في ذلك كله فلا شك ولا شبهة على منصف في أنهم لم يكونوا على مذهب الفرقة المختلفة المجتمعة على تعظيمهم والتقرب إلى الله تعالى بهم.
وكيف يعترض ريب فيما ذكرناه ، ومعلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية وسلفهم في تلك الأزمان كانوا بطانة للصادق والكاظم والباقر عليهم السلام وملازمين لهم ومتمسكين بهم ، ومظهرين أن كل شيء يعتقدونه وينتحلونه ويصححونه أو يبطنونه فعنهم تلقوه ومنهم أخذوه ، فلو لم يكونوا عنهم بذلك راضين وعليه مقرين لأبوا عليهم نسبة تلك المذاهب إليهم وهم منها بريئون خليون ، ولنفوا ما بينهم من مواصلة ومجالسة وملازمة وموالاة ومصافاة ومدح وإطراء وثناء ، ولأبدلوه بالذم واللوم والبراءة والعداوة ، فلو لم يكونوا عليهم السلام لهذه المذاهب معتقدين وبها راضين لبان لنا واتضح ، ولو لم يكن إلا هذه الدلالة لكفت وأغنت. وكيف يطيب قلب عاقل أو يسوغ في الدين لأحد أن يعظم في الدين من هو على خلاف ما يعتقد أنه الحق وما سواه باطل ، ثم ينتهي في التعظيمات والكرامات إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات ، وهل جرت بمثل هذا عادة أو مضت عليه سنة ؟
أو لا يرون أن الإمامية لا تلتفت إلى من خالفها من العترة وحاد عن جادتها في الديانة ومحجتها في الولاية ، ولا تسمح له بشئ من المدح والتعظيم فضلاً عن غايته وأقصى نهايته ، بل تتبرأ منه وتعاديه وتجريه في جميع الأحكام مجري من لا نسب له ولا حسب له ولا قرابة ولا علقة . وهذا يوقظ على أن الله خرق في هذه العصابة العادات وقلب الجبلات ، ليبين من عظيم منزلتهم وشريف مرتبتهم. وهذه فضيلة تزيد على الفضائل وتربى على جميع الخصائص والمناقب ، وكفى بها برهاناً لائحاً وميزاناً راجحاً ، والحمد لله رب العالمين . انتهى.
ملاحظة : نعرف قوة استدلال الشريف الرضي قدس الله نفسه عندما نلاحظ أن نيشابور كانت مركزاً للعلماء والمذاهب المخالفة لأهل البيت عليهم السلام فمنها أئمة الحديث وأساتيذ أصحاب الصحاح والشخصيات العلمية السنية. بل كانت الى القرن السادس العاصمة العلمية للسنة ، ومع ذلك كانت تخرج كلها لزيارة قبر الإمام الرضا عليهم السلام في طوس ، كل سنة بقوافل كقوافل الحج !! ولا يتسع المقام للتفصيل.
ـ الغدير للأميني ج 2 ص 303
في المقام أخبار كثيرة وكلمات ضافية توجد في طيات كتب الفقه والتفسير والحديث. ذكر ابن حجر في الصواعق ص 87 قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. وروى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها وأن النبي صلّى الله عليه وآله قرن الصلاة على آله بالصلاة عليه لما سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه ، ثم قال : وهذا دليل ظاهر على أن الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية ، وإلا لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ، ولم يجابوا بما ذكر ، فلما أجيبوا به دل على أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به ، وأنه صلّى الله عليه وآله أقامهم في ذلك مقام نفسه ، لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ومنه تعظيمهم ، ومن ثم لما دخل من مر في الكساء قال : اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليَّ وعليهم. وقضية استجابة هذا الدعاء : أن الله صلى عليهم معه ، فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه.
ويروى : لا تصلوا علي الصلاة البتراء ، فقالوا : وما الصلاة البتراء ؟ قال : تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون ، بل قولوا اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد.
ثم نقل للإمام الشافعي قوله :
يا أهل بيت رسول الله حبكم |
فرض من الله في القرآن أنزله |
|
كفاكم من عظيم القدر أنكم |
من لم يصل عليكم لا صلاة له |
فقال : فيحتمل لا صلاة له صحيحة ، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل ، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه.
وقال في هامش الغدير : نسبهما إلى الامام الشافعي الزرقاني في شرح المواهب ج 7 ص 7 وجمع آخرون.
وقال ابن حجر في ص 139 من الصواعق : أخرج الدارقطني والبيهقي حديث :
من صلى صلاة ولم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه. وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعي رضي الله عنه : إن الصلاة على الآل من واجبات الصلاة كالصلاة عليه صلّى الله عليه وآله لكنه ضعيف ، فمستنده الأمر في الحديث المتفق عليه : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، والأمر للوجوب حقيقة على الأصح.
وقال الرازي في تفسيره ج 7 ص 391 : إن الدعاء للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وقوله : اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد ، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب.
وقال : أهل بيته صلّى الله عليه وآله ساووه في خمسة أشياء : في الصلاة عليه وعليهم في التشهد. وفي السلام. والطهارة. وفي تحريم الصدقة. وفي المحبة.
وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى : قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ، كفى شرفاً لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله وفخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كل صلاة.
وروى محب الدين الطبري في الذخاير ص 19 عن جابر رضي الله عنه أنه كان يقول : لو صليت صلاة لم أصل فيها على محمد وعلى آل محمد ، ما رأيت أنها تقبل.
وأخرج القاضي عياض في الشفا عن ابن مسعود مرفوعاً : من صلى صلاة لم يصل عليَّ فيها وعلى أهل بيتي ، لم تقبل منه.
وللقاضي الخفاجي الحنفي في شرح الشفا 3 ص 500 ـ 505 فوائد جمة حول المسألة وذكر مختصر ما صنفه الإمام الخيصري في المسألة سماه : زهر الرياض في رد ما شنعه القاضي عياض.
وصور الصلوات المأثورة على النبي وآله مذكورة في ( شفاء السقام ) لتقي الدين السبكي ص 181 ـ 187 ، وأورد جملة منها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج 10 ص 163 وأول لفظ ذكره عن بريدة قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد ، كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. انتهى.
وقد روت مصادر إخواننا السنة هذا الحديث وصححته ، ولكنهم لا يعملون به إلا في صلاتهم ، فتراهم غالباً يصلون على النبي وحده في غير صلاتهم ، حتى في أدعيتهم ، مع أنهم رووا أن الدعاء لا يقبل ولا يصعد إلى الله تعالى إذا لم يصل معه على النبي صلّى الله عليه وآله ورووا أن النبي علمهم كيفية الصلاة عليه ، فكأن استجابة أدعيتهم ليست مهمة عندهم !
ولا يسع المجال لإيراد الأحاديث الكثيرة في فضل الصلاة على النبي وآله صلّى الله عليه وآله وأحكامها وكيفيتها التي يسمونها الصلاة الإبراهيمية ، وهي جديرة ببحث مفصل ، وقد ألف فيها عدد من القدماء رسائل مستقلة.
وقد روى أحاديث الصلاة الإبراهيمية الإمام مالك في كتاب الموطأ ج 1 ص 165 وكتاب المسند ص 349 وكتاب الأم ج 1 ص 140 والبخاري في صحيحه ج 4 ص 118 ـ 119 وج 6 ص 27 وج 7 ص 156 ـ 157 ومسلم ج 2 ص 16 ـ 17 وابن ماجة ج 1 ص 293 وأبو داود ج 1 ص 221 ـ 222 والترمذي ج 5 ص 38 والنسائي ج 3 ص 45 ـ 50 وأحمد ج 4 ص 118 ـ 119 وص 244 وج 5 ص 353 وص 424 والدارمي ج 1 ص 165 وص 309 والحاكم ج 1 ص 268 ـ 270 والبيهقي في سننه ج 2 ص 146 ـ 153 وص 378 ـ 379 والهيثمي في مجمع الزوائد ج 2 ص 144 ـ 145 والهندي في كنز العمال ج 2 ص 266 ـ 283 وج 5 وأورد السيوطي عدداً كبيراً من أحاديثها في الدر المنثور ج 5 ص 215 ـ 220 ، وغيره من المفسرين ، والفقهاء كالنووي في المجموع ج 3 ص 466 وابن قدامة في المغني ج1 ص 580 وابن حزم في المحلى ج 3 ص 272 .... ولا نطيل بذكر كلماتهم.
ـ الشفا للقاضي عياض جزء 2 ص 64
... في الحديث : لا صلاة لمن لم يصل علي ، قال ابن القصار معناه كاملة أو لمن لم يصل علي مرة في عمره. وضعف أهل الحديث كلهم رواية هذا الحديث.
وفي حديث أبي جعفر عن ابن مسعود عن النبي صلی الله عليه وسلم : من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه. قال الدارقطني : الصواب أنه من قول أبي جعفر محمد بن الحسين : لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي صلی الله عليه وسلم ولا على أهل بيته لرأيت أنها لا تتم ....
فقال النبي صلی الله عليه وسلم : عجل هذا ، ثم دعاه فقال له ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلی الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء ، ويروى من غير هذا السيد بتمجيد الله وهو أصح.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض فلا يصعد إلى الله منه شيء حتى يصلي على النبي صلی الله عليه وسلم.
ـ وقال الأردبيلي في زبدة البيان ص 84
التاسعة : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ....
قال في الكشاف : الصلاة عليه واجبة ، وقد اختلفوا في حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره ، وفي الحديث من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله .... ومنهم من قال : تجب في كل مجلس مرة ، وإن تكرر ذكره ، كما قيل في آية السجدة ، وتسميت العاطس وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره ، ومنهم من أوجبها في العمر مرة وكذا قال في إظهار الشهادتين مرة ، والذي يقتضيه الإحتياط الصلاة عليه عند كل ذكر ، لما ورد من الأخبار. انتهى.
والأخبار من طرقنا أيضاً مثل الأول موجودة مع صحة بعضها ، ولا شك أن احتياط الكشاف أحوط ، واختار في كنز العرفان الوجوب كلما ذكر وقال إنه اختيار الكشاف .... ثم قال في الكشاف : فإن قلت : فما تقول في الصلاة على غيره صلّى الله عليه وآله.
قلت : القياس يقتضي جواز الصلاة على كل مؤمن ، لقوله تعالى : هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ ، وقوله : وصل عليهم إن صلوتك سكن لهم ، وقوله صلّى الله عليه وآله : اللهم صل على آل أبي أوفى ، ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك ، وهو أنها إن كان على سبيل التبع كقولك صلى الله على النبي وآله ، فلا كلام فيها ، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو ، فمكروه لأن ذلك صار شعاراً لذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله ولأنه يؤدي إلى الإتهام بالرفض ! ( راجع تفسير الكشاف ج 2 ص 549 )
ولا يخفى ما فيه فإن ما ذكره برهان لا قياس ، وإن البرهان من العقل والنقل كتاباً وسنة كما نقله ، ومثله قوله تعالى : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ، فإنها تدل على أن صلوات الله على من يقول هذا بعد المصيبة ، ولا شك في صدوره كذلك عن أهل البيت بل غيرهم أيضاً . فإذا ثبت لهم الصلاة من الله فيجوز القول بذلك لهم ، وهو ظاهر اقتضى جوازه مطلقاً ، بل الإنفراد بخصوصه فلا مجال للتفصيل .... وإنما صار ذلك شعار الرافضة لأنهم فعلوا ذلك ، وتركه غيرهم بغير وجه ، وإلا فهو مقتضى البرهان ، ومع ذلك لا يستلزم كونه شعاراً لهم ، ومتداولاً بينهم تركه ، وإلا يلزم ترك العبادات كذلك فإنها شعارهم.
وبالجملة لا ينبغي منع ما يقتضي العقل والنقل جوازه بل استحبابه وكونه عبادة ، بسبب أن جماعة من المسلمين يفعلون هذه السنة والعبادة ، فإن ذلك تعصب وعناد محض ، وليس فيه تقرب إلى الله تعالى وطلب لمرضاته وعمل لله تعالى وهو ظاهر ، ولا يناسب من العلماء العمل إلا لله.
ولهم أمثال ذلك كثيرة ، مثل ما ورد في تسنيم القبور أن المستحب هو التسطيح ، ولكن هو شعار للرافضة فالتسنيم خير منه ، وكذلك في التختم باليمين وغير ذلك ، ومنه ذكر ( على ) بعد قوله صلى الله عليه وعلى آله ، وترك الآل معه صلی الله عليه وسلم مع أنه مرغوب بغير نزاع ، وإنما النزاع كان في الإفراد ، فإنهم يتركون الآل معه ويقولون صلى الله عليه !
والعجب أنهم يتركون الآل وفي حديث كعب حيث يقولون سأله عن كيفية الصلاة عليه ، فقال صلّى الله عليه وآله قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم .. إلخ. فتأمل.
ـ وقال ابن أبي جمهور الإحسائي عن الصلاة البتراء في كتابه غوالي اللئالي ج 2 ص40 : وبمعناه ما رواه الإمام السخاوي الشافعي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع في الباب الأول ، في الأمر بالصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله ولفظ الحديث : ويروى عنه صلی الله عليه وسلم مما لم أقف على إسناده : لا تصلوا عليَّ الصلاة البتيرا ، قالوا وما الصلاة البتيرا يا رسول الله ؟ قال : تقولوا : اللهم صل على محمد وتمسكون ، بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. أخرجه أبو سعد في شرف المصطفى. انتهى.
ملاحظة : كان أكثر علماء السنة في القرون الماضية يصلون على النبي في كتبهم بصيغة ( صلی الله عليه وآله ) ونلاحظ ذلك بوضوح في مخطوطات كتبهم التي وصلت إلينا سالمة ولم تمسها يد المحرفين والنواصب. ويظهر أن حذف الصلاة على آل النبي صلی الله عليه وآله انتشر مع موجة التعصب العثماني الأخيرة ضد الشيعة. وقد ورث هذه الموجة وأفرط فيها الوهابيون و ( المحققون ) والناشرون الذين أطعموهم من سحت أموالهم ، فمدوا أيديهم إلى كتب التراث وخانوا مؤلفيها فحذفوا منها وحرفوا كثيراً من المواضع ، ومن ذلك عبارة صلی الله عليه وآله ووضعوا بدلها صلی الله عليه وسلم.
والحمد لله أنه بقي في المحققين والناشرين أفراد أمناء وأصحاب ضمائر مستقيمة أثبتوا الصلاة على آل النبي كما وردت في مخطوطات المؤلفين مثل مستدرك الحاكم. كما بقيت النسخ المخطوطة ومصوراتها وستبقى شاهدة على نواصب التحقيق والنشر.
كما ينبغي الإشارة إلى أن المسلمين الأوائل فهموا معنى التسليم في قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، بأنه التسليم لأمر النبي وليس السلام عليه صلّى الله عليه وآله لأنه لم يقل وسلموا سلاماً . ولذا نجد أن الصلاة عليه استعملت مجردة في القرون الأولى بدون ( وسلم ) وإن كان الدعاء بتسليم الله عليه من نوع الدعاء بالصلاة عليه صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً ، ولكني أظن أنهم بعد أن حذفوا كلمة ( وآله ) التي كانت سائدة عند الجميع قروناً طويلة وجدوا خلأً فملؤوه بكلمة ( وسلم ). وهذا موضوع مهم ، يحتاج الى بحث واسع موثق.
مقتبس من كتاب : العقائد الإسلاميّة / المجلّد : 1 / الصفحة : 292 ـ 303