الإمامة والخلافة : الشيعة لغة واصطلاحاً

البريد الإلكتروني طباعة

الإمامَةُ والخِلافَةُ

لَقَدْ رَحَلَ النبيُّ الأكرمُ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم في مطلع العام الحادي عشر الهجري بعد أنْ اجتهد طوال 23 سنة في إبلاغ الشريعة الإسلاميّة.

ومع رحيل النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم انقطعَ الوحيُ ، وانتهت النُبوَّةُ ، فلم يكن نبيٌّ بعده ولا شريعةٌ بعد شريعته ، إلّا أنّ الوظائف والتكاليف التي كانت على عاتق النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ما عدا مسألة تلقِّي الوحي وإبلاغه ـ لم تنته حتماً.

ولهذا كان يجب أن يكونَ بعد وفاته شخصيّةٌ واعيةٌ وصالحةٌ تواصل القيام بتلك الوظائف والمهام وتقود المسلمين ويكون لهم إمامٌ خلافةً عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .

إنّ مسألة ضرورة وجود خليفة للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم موضعُ اتّفاق بين المسلمين ، وإنْ اختلف الشيعة والسنّة في بعض صفات ذلك الخليفة وطريقة تعيينه.

فلابدّ في البداية من توضيح معنى « الشيعة » و « التشيّع » ، وتاريخ نشأته وظهوره ، ليتسنّى بعد ذلك البحثُ في المسائل المتعلّقة بالإمامة والخلافة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

الشيعة لغة واصطلاحاً

« الشِيعَة » في اللغة بمعنى التابِع ، وفي الاصطلاح تُطلَقُ هذه اللفظة أو التسمية على فريقٍ من المسلمين يعتقدون بأنّ قيادة الاَُمّة الإسلاميّةِ بعد وفاةِ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هي من حق الإمام عليّ عليه السلام وأبنائه المعصومين.

وقد تَحَدّثَ النبيُّ الأكرمُ أيّام حياته عن فضائل الإمام عليّ عليه السلام ومناقبه ، وكذا عن قيادته وزعامته للاَُمّة الإسلاميّة من بعده ، مراراً وفي مناسبات مختلِفة ، بشهادة التاريخ المدوَّن.

إنّ هذه التوصيات والتأكيدات تسبَّبت ـ كما تحدِّثُنا الأحاديثُ الموثّقة ـ في أن يلتَفَّ فريقٌ مِنَ الصحابة حول الإمام عليّ عليه السلام في حياة النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وتحبّه قلوبُهم ، فتُعْرف بشيعةِ عليّ عليه السلام.

ولقد بقيت هذه الثُلّة من الصحابة على ولائها واعتقادها السابق بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دون أنْ تؤثر المصالحَ الفرديّةَ على تنصيص رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ووصيَّته في مجال الخلافة وقيادة الاَُمّة من بعده.

وهكذا سُمِّيَت جماعةٌ من المسلمين في عصر رسول الله ، وبَعد حياته الشريفة صلّى الله عليه وآله وسلّم بالشيعة. وقد صَرحَ بهذا جماعةٌ من المؤلّفين في الملل والنحل.

فالنوبختي [ المتوفّى 310 هـ ] يكتب قائلاً : الشيعة هُم أتباع علي بنِ أبي طالب عليه السلام المسَمُّون بِشيعةِ علي عليه السلام في زمان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته (1).

وقال أبو الحسن الأشعري : وإنّما قيل لهم « شيعة » لأنّهم شايعوا عليّاً ، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (2).

وقال الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايَعوا علِيّاً على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافتِهِ نصّاً ووصيّة. (3)

وعلى هذا الأساس فليس للشيعة تاريخ غير تاريخ الإسلام وليس له مبدأُ ظهور غير مبدأ ظهور الإسلام نفسه ، وفي الحقيقة إنّ الإسلام والتشيّع وَجْهان لعُملةٍ واحدةٍ أو وَجهان لحقيقةٍ واحدةٍ ، وتوأمان وُلدا في زَمَنٍ واحدٍ.

وقد ذكر المحدّثون والمؤرّخون أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا في السَنَوات الاَُولى من دعوته بني هاشم ، وجمعهم في بيته وأعلن فيهم عن خلافة عليّ ووصايته « في ما يسمّى بحديث بَدء الدعوة أو يوم الدار » (4) وأعلن عن ذلك للناس فيما بعد مكرّراً ، وفي مناسبات مختلفة ومواقف متعدّدة ، وبخاصّة في يوم الغدير ، الّذي طرح فيه خلافة عليٍ بصُورةٍ رسميّة ، وأخذَ البيعة من النّاس له وسيوافيك تفصيله.

إنّ التشيُّع ليس وليدَ حوادث السقيفة ولا فتنة مصرع عثمان وغيرها من الأساطير ، بل انّ النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الذي بذر بذرة التشيع لأوّل مرة وغرس غرستها في قلوب الصحابة بتعاليمه السماويّة المكرّرة.

ونمت تلك الغرسة فيما بعد شيئاً فشيئاً ، وعُرِف صحابةٌ كبارٌ كأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد ، باسم الشيعة.

وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ آمَنوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُوْلئكَ هُمْ خَيْرُ البَريّةِ ) (5).

قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : « هُمْ عَلِيٌّ وَشِيْعَتُهُ » (6).

على أنّه لا تَسَعُ هذه الرسالةُ المختصرةُ لذكر أسماء الشيعة الأوائل من الصَّحابة ، والتابعين الذين اعتَقَدُوا بخلافَتِهِ للنبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بصورةٍ مباشرةٍ وبلا فصل.

إنّ التشيُّعَ بالمفهوم المذكور هو الوجه المشترك بين جميع الشيعة في العالم ، والذين يشكّلون قِسماً عظيماً مِن مُسْلِمِي العالم.

ولقد كانَ للِشيعة جنباً إلى جنب مع سائر المذاهب الإسلاميّة وعلى مدى التاريخ الإسلامي إسهامٌ عظيمٌ في نشر الإسلام ، وقَدَّمُوا شخصيّاتٍ عِلميّة وأَدَبيّة وسياسيّة جدّ عظيمة إلى المجتمع البشري ولهم حضور فاعل في أكثر نقاط العالم الراهِن أيضاً.

الهوامش

1. فِرَق الشيعة ، ص 17.

2. مقالات الإسلاميين : 1 / 65.

3. الملل والنحل : 1 / 131.

4. راجع تاريخ الطبري : 2 / 62 ـ 64.

5. البينة / 7.

6. الدر المنثور، سورة البيّنة.

مقتبس من كتاب : [ العقيدة الإسلاميّة على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ] ، الصفحة : 177 ـ 182

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية