كيف نقول : إنّ آدم معصوم من الخطأ بالرغم من أنّه خالف أمر الله
السؤال : كيف نقول : إنّ آدم معصوم من الخطأ بالرغم من أنّه أكل من التفاحة ، وقد جاء في الآية : { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ}(طه/121).
الجواب : من سماحة الشيخ هادي العسكري
ذكرنا في جواب سابق براءة آدم من الذنب وعصمته والوجه في مخالفته.
واكرر هنا وأقول : العصيان هو المخالفة وترك النصيحة ، ولا اختصاص باستعماله لإرتكاب الذنب والخطيئة ، وعندما صدر منه الأكل من الشجرة لم يكن هناك عالم تكليف وكلفة ، كانت دار غير هذه الدنيا الدنية ، كان قبل هبوطه إلى الأرض ، وقبل جعله خليفة ، فلا أمر ولا نهي ولا وجوب ولا حرمه ، وليس الغرض من منعه من تلك الأكلة إلا التنبيه على آثارها الوضعية ونتيجتها الطبيعية ، وهي الخروج من الجنة ، التي فيه ترك لذيذ العيش ، والصفاء ، ومجانبة الراحة والهناء ، وبالخروج معانقة الكدر ، والعناء ومصاحبة التعب والشقاء.
وليس الهدف من النهي هناك إلا إعلام جاهل وتنبيه غافل ، وكإرشاد طبيب لعلاج مريض ، أو إشارة منه لسالم وصحيح لشربة ، أو أكلة وآثارها السيئة التي تذهب بالصحة وتوجب الألم والشدة وتديم العلة ، فإذا هنا وقعت المخالفة وترك النصيحة لم يكن ذنب منه ، ولا عقاب له سوى ما خسر من السلامة والصحة ، وما يقع فيه من البلاء والمشقّة ، ويدل على ما ذكرنا آيات من سورة طه بصراحة ، والغواية هي الانقياد للهوى ومتابعة الميل والرغبة في ما فيه السقوط والردى ، وهو الذي حصل لآدم بالفعل من الجوع والضمأ والتعب والعراء ، والخروج من جنة المأوى ، ولم يكن له تبعة غير هذا ، والله الهادي وهو العاصم من البلاء والحمد لله .


التعليقات
واختلف في الكلمات ما هي ؟
فقيل : هي قوله : ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [ سورة الأعراف : الآية 23 ] ، عن الحسن ، وقتادة ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وإن في ذلك اعترافا بالخطيئة ، فلذلك وقعت موقع الندم ، وحقيقته الإنابة.
وقيل : هي قوله « اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين » ، « اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين » « اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم » عن مجاهد ، وهو المروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام.
وقيل : بل هي : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر.
وقيل وهي رواية تختص بأهل البيت عليهم السلام : إن آدم رأى مكتوبا على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها ، فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى ، والأسماء : محمد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، فتوسل آدم عليه السلام ، إلى ربه بهم في قبول توبته ، ورفع منزلته « مجمع البيان في تفسير القرآن / الشيخ الطبرسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 175 / ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ».
ورد عدة معاني لهذه الكلمات في الروايات الشريفة وكلها قابلة للجمع ، يعني تكون على شكل سلسلة لكي يحصل فيه تغيير روحي تام بعد أن يدرك معنى ومغزى هذه الكلمات العظيمة ، ومن بعد ذلك تاب الله عليه.
وما يؤيد المعنى أن الكلمات كانت تختص بأهل البيت عليهم السلام روايات عديدة في الباب وفي قضية النبي ابراهيم عليه السلام ايضاً تكرر الموقف ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) [ سورة البقرة : الآية 24 ] فنرى ما هي الكلمات على لسان الروايات.
وقد روى الشيخ محمد بن علي بن بابوية الصدوق بسنده عن المُفضّل بن عمر ، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال : سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : وَإِذِ ابْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ مَا هَذِهِ الْكَلِمَاتُ ؟ قَالَ : « هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ فَتَابَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَبِّ ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ إِلاَّ تُبْتَ عَلَيَّ ؛ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ».
فَقُلْتُ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَمَا يَعْنِي عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ : فَأَتَمَّهُنَّ ؟ قَالَ : « يَعْنِي فَأَتَمَّهُنَّ إِلَى الْقَائِمِ ( عَلَيْهِ السَّلاَمُ ) اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً ، تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ ( عَلَيْهِ السَّلاَمُ ) ».
قَالَ الْمُفَضَّلُ : فَقُلْتُ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَجَعَلَهٰا كَلِمَةً بٰاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ؟ قَالَ : « يَعْنِي بِذَلِكَ الْإِمَامَةَ ، جَعَلَهَا اللَّهُ فِي عَقِبِ الْحُسَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » [ الخصال / الشيخ الصدوق / المجلّد : 1 / الصفحة : 305 ].
كيف لم يكن في تلك الدار أومر ونواهي المستلزمة للوجوب وعدمه ، فأمر الله لأبليس بالسجود لآدم ،اليس مستلزما الوجوب على إبليس بالسجود ، وإلا لما طرده الله… ؟
ايضا امر الله للملائكة بالسجود هل هو امر غير إلزامي فلهم تركه مثلا… ؟!!!
وطرد إبليس معناه إسقاطه عن المرتبة السامية التي كان يتمتع بها بسبب عبادته الظاهريّة حيث كان مع الملائكة وي درجتهم فابعد عن هذه الدرجة.
وأمّا النهي المتوجّه إلى آدم فقد كان نهياً إرشاديّاً ولم يكن نهياً مولويّاً يستحق العقاب على مخالفته ، ففي الحقيقة قال الله تعالى له ان كنت تريد البقاء والخلد في الجنّة فلا تأكل من هذه الشجرة فوسوس له الشيطان فترك الاولى وكان من آثاره الوضعيّة إخراجه من الجنّة.
وأمّا قوله : ( فعصى آدم ربّه فغوى ) فالمراد انّه خالف النهي الإرشادي فوقع في ما لا يحب كما يقال عصى المريض الطبيب فاستمرّ مرضه أو مات بسبب ذلك.
وعلى كلّ حال فبما أن آدم عليه السلام كان نبيّاً والدليل العقلي البرهاني القطعي دلّ على لزوم عصمة الأنبياء من المعاصي فلا محالة يجب التصرّف في ظاهر كلّ ما يدلّ على صدور المعصية منه ويحمل على ترك الاولى أو مخالفة النهي الإرشادي كنواهي الطبيب.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة