السؤال :
قال سبحانه : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، ولم يقل : ادعوني بفلان وبفلان. وقال سبحانه : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ).
أصحوا من ضلالكم وتضرّعوا إلى الله بأسمائه الحسنى ، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.
الجواب :
أوّلاً : حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء ؛ فالقرآن يقول بصراحة : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (1).
ويقول : ( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) (2). و ( الْوَسِيلَةَ ) في هذه الآية هم الأشخاص والأفراد ولا الأعمال الصالحة ، لأنّه عبّر عنها بقوله ( أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ). وضمير الجمع المذكّر لا يطلق على الأعمال أو الأشياء. ثمّ المراد من ( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ) ، المؤمنون الذين يدعون الله ، لأنّ الله تعالى وصفهم في ذيل الآية : ( يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ). وعليه فقد مدح الله تعالى المؤمنون الذين يدعونه ويتوسّلون إليه بالنبي صلّى الله عليه وآله الذين هم أقرب الناس إلى الله تعالى.
ثانياً : قال الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (3) ؛ فالله الذي هو قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه. أمر المؤمنين بالمجيء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وطلب الاستغفار منه ، وجعل قبول توبتهم استغفارهم مع استغفار النبي صلّى الله عليه وآله لهم ؛ فهل تعترض على القرآن ؟
هل تقول للقرآن لماذا يجيب على من ظلم نفسه ان يأتي إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ويطلب منه الاستغفار له ، فإنّ الله قريب يسمع دعاءه واستغفاره ، ولا حاجة إلى التوسّل بالنبي صلّى الله عليه وآله.
ثالثاً : هل كان عمر بن الخطاب ضالّاً منحرفاً حينما توسّل بالعبّاس عمّ النبي صلّى الله عليه وآله ، لأجل نزول المطر. كما ورد في صحيح البخاري ونحوه وقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل بنبيّك فتمطرنا وها نحن نتوسّل بعمّ نبيّك فأمطرنا (4).
لماذا لا تقول له ولأمثاله من الصحابة الذين كانوا يتوسّلون بالنبي صلّى الله عليه وآله : انّ الله قريب يجيب دعوة الداعي فلا حاجة الى التوسّل ؟
رابعاً : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله هم العروة الوثقى وهم الوسيلة الى الله تعالى (5).
خامساً : روي توسّل الأعمى بالنبي صلّى الله عليه وآله ، كما في حديث عثمان بن حنيف الأنصاري ، قال الأعمى : اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبي الرحمة يا محمّد انّي أتوجّه بك إلى ربّك أن يكشف لي بصري ، فردّ الله تعالى عليه بصره (6).
سادساً : القرآن الكريم يحدّثنا انّ أولاد يعقوب ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) (7) ، فلماذا لم يقولوا : اللهمّ اغفر لنا ، بل قالوا يا أبانا استغفر لنا أيّ اطلب لنا من الله المغفرة. فهذا توسّل بأبيهم يعقوب ، ولم ينههم أبوهم بل وعدهم وقال : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ) (8) ، مع انّ الله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
سابعاً : ورد عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلّى الله عليه وآله انّه قال : لما اقترف آدم الخطيئة قال يا ربّ اسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي (9).
ثامناً : ذكر ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة ، توسّل الامام الشافعي بآل البيت عليهم السلام :
آل النبي ذريعتي |
وهم اليه وسيلتي |
|
ارجوا بهم اعطى غداً |
بيدي اليمين صحيفتي (10) |
والحاصل انّ الله تعالى قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، لكن قد تكون هناك بين العبد وربّه موانع تحجب الدعاء ، وتمنع من استجابة الدعاء ؛ فإنّ الله تعالى يقول : ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (11) ، ولذا نحتاج في رفع هذه الموانع ان نتوسّل بمن اختارهم الله تعالى ، وجعلهم وسائل ووسائط بينه وبين خلقه ، فيسمع دعاءنا ويستجيب لنا كرامة لهم ، وتعظيماً لمقامهم العظيم ، ومنزلتهم عند الله تعالى.
الهوامش
1. المائدة : 35.
2. الاسراء : 57.
3. النساء : 64.
4.
5. ينابيع المودة للقندوزي الحنفي / ج 2 / ص 218 ، ج 3 / ص 292.
6. السنن الكبرى للنسائي 6 / 169.
7. يوسف : 97.
8. يوسف : 98.
9. الدر المنثور 1 / 58 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 615 ، سبل الهدى والرشاد 1 / 85.
10. الصواعق المحرقة 2 / 524.
11. البقرة : 40.
التعليقات
من هم أبناء حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام)؟
وفقكم الله
ويكنّى حمزة : أبو عمارة وأبو يعلى.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة