ما هو الدليل على الجمع بين الصلاتين ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

لقد حصل لي موقف مع أحد إخواننا السنّة ، وكان يحاججني على موضوع شبك كلّ من الصلاتين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ؛ فقد أراد دليل من القرآن والسنّة النبويّة.

الجواب :

الجمع بين الصلاتين مع العذر كالسفر والمطر والريح الشديدة وفي الوحل وعند الخوف والوجل متّفق عليه ومجمع فيه عند المسلمين ، وذكرت المصادر الصحيحة أنّ الرسول صلّى الله عليه وآله جمع في غير مورد ، هذا أوّلاً.

وأيضاً اتّفق المسلمون على أنّه جمع في الحجّ بين الظهرين عند الزوال في عرفات وجمع بين العشائين بتأخير في المزدلفة ولا زال جري العمل بالجمع فيهما إلى هذا اليوم ، وهذا ثانياً.

وقد روى ابن عبّاس : « صَلَّىَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلم الظُّهْرَ والْعَصرَ جَمِيعاً. وَالمَغرِبَ وَالعِشَاءَ جَمِيعاً. في غَيْرِ خَوْفٍ ولا سَفَرٍ ». (1)

عن ابن عبّاس عن النبي صلّى الله عليه ـ وآله ـ وسلّم : « أنه صلى سبعاً جميعاً ، وثمانياً جميعاً ». (2)

وذكر في إرشاد الساري ، أي : جمع بينهما من دون عذر وبغير علّة ، وهذا ثالثاً. (3)

وروى ابن عبّاس أيضاً :

قال ألا أخبركم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في وقت الزوال وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر. (4)

وكذا روي : حدّثنا قتيبة بن سعيد. حدّثنا ليث. وحدّثنا محمّد بن رمح. أخبرنا الليث عن ابن شهاب ، عن ابن المسيّب وأبي سلمة بن عبدالرحمن ، عن أبي هريرة ؛ أنه قال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا اشتدّ الحر فأبردوا بالصلاة. فإنَّ شدّة الحر من فيح جهنم ». (5)

وهذا أمر بالتأخير.

وروي الجمع بين الصلاة عن علي عليه السلام وابن عبّاس وجابر وابن عمر وعائشة وسعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وغيرهم.

فثبت الجمع بين الصلاتين عنه صلّى الله عليه وآله في موارد ثلاث ، فهنا يطرح السؤال هل تكون مثل هذه الاُمور المذكورة أولاً هي أعذاراً توجب أداء الصلاة في غير وقتها ؟ وهل هي تكون أسباباً لجواز اتيان عمود الدين في غير وقت فرضها الصلاة التي لا تترك في أيّ حال ؟ هل يؤتى بها في غير وقتها لمجرّد الوحل ، أو شدّة الحرّ خاصّة منه الذي نزل فيه قوله تعالى : ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ) (6) ، أم تكون الصلاة في وقتها ويكون الجمع مجرّد ترك الأولى والأفضل ؟ نترك الجواب لمن يعرف مقام النبي ويُحكّم ضميره فيه.

وأمّا الجمع منه بين الصلاتين في الحج ، فقد علّله الإمام أبو حنيفة بكونه ناسكاً متَعبّداً وخصّ جواز الجمع بالناسك ، وهذا التعليل منه غريب ، عفواً بل ليس منه بغريب عجباً ينبغي للناسك أن يأتي بالأعمال على نحو الأفضل ، أو الأنسب له أن يترك الاُولى والأكمل ، فهل شأن الناسك المتعبّد أن يتقرّب إلى الله بكلّ ما يوجب القرب إليه ويكثر ممّا يرغب إليه ويُستحب ويندب ، أو شأنه أن يترك الأفضل بل الفرض على ما هي عنده ؟ الحكم لكم أيّها الحنفيّون ، حتّى على فرض صحّة الاستحسان والقياس.

وأمّا باقي الفقهاء وأئمّة المذاهب ، الشافعي وأحمد ومالك فقد ذكروا وعلّلوا الجمع منه عليه وآله السلام بسبب السفر ، وهذا التعليل لا يصحّ أيضاً وخاطئ جزماً ، لأنّ السفر الذي يكون عذراً هو ما يكون المسافر سائراً وراكباً فيمكث في أحد الوقتين ، ويجمع تسهيلاً عليه أو يكون في أحدهما سائراً ، وفي الآخر ماكثاً فيصلّي في وقت النزول جمعاً تخفيفاً عليه.

وأمّا المسافر الذي القى رحله واستقرّ ونوى وكان بمنى من ليلة وضحى ، بل من يوم قبله مضى ، بل امتداد وقته ووجوب مكثه في كلا الوقتين في عرفات من أوّل الزوال إلى الغروب ، ما هو المانع له من أداء صلاته في وقتهما ، وهو ساكن وماكث ، وخاصة من هو حبيب الرحمن وفي أفضل يوم وزمان وأشرف بقعة ومكان وهو ناسك ورسول وإمام في أعماله للإنس والجان ؟ كلّا لا يحتمل أن يكون سبب الجمع هناك السفر والمظنون بل الأكيد ، لأنّ ظنّ الألمعي عين اليقين ، إنّ النبي صلّى الله عليه وآله أراد في ذلك اليوم الشهير أن يعلن لذلك الجمع الغفير ويثبت لمن كان حاضراً أو سامعاً من كبير وصغير صحّة الجمع والعمل الذي نحن عليه ، بما كان يعلم من الغيب في الزمن المستقبل القريب ويعطينا الحجّة على من خالفنا من كلّ عظيم وحقير.

ولو سلّمنا كون هذا الجمع منه بواسطة السفر ، فلنا المورد الثالث الذي جمع فيه وكان بنصّ منهم وتصريح من دون ذر في مسجده وعند أهله ، وقد سئل ابن عبّاس : لم تراه فعل ذلك ؟ قال : « أراد أن لا يُحرج أحداً من اُمّته » (7).

وبعد هذا ، فالشيعة ـ أعلى الله كلمتهم ـ تتبع أئمّة أهل البيت وكفى بهم أئمّة وقدوة وهم قد وسّعوا علينا تبعاً للرسول صلّى الله عليه وآله بالجمع وإن كان التفريق عندهم أفضل ولا ينتقد ولا يعاب بالأخذ بالأسهل وترك الأفضل ، إنّما العيب واللوم على من يؤمن ويعتقد بربّ يقول يوم القيامة لجنّهم : « هل امتلأت وتقول هل من مزيد ، فيدخل الربّ قدمه في النار ـ والعياذ بالله سبحانك يا ربّ هذا بهتان عظيم ـ حتّى تقول قط قط » (8) ، فهنيئاً له إن كان يذهب مع هذا الربّ إلى جنّهم.

الهوامش

1. صحيح مسلم / المجلّد : 1 / الصفحة : 489 / الناشر : دار الفكر ـ بيروت.

سنن أبي داود / المجلّد : 2 / الصفحة : 6 / الحديث : 1210 / الناشر : دار الفكر ـ بيروت.

سنن النسائي / المجلّد : 1 / الصفحة : 290 / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

الموطأ / المجلّد : 1 / الصفحة : 144 / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

2. مسند الامام أحمد بن حنبل / المجلّد : 1 / الصفحة : 470 / الحديث : 2577 / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

3. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري / المجلّد : 1 / الصفحة : 491 / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

4. مختصر المزني / الصفحة : 25 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت.

5. صحيح مسلم / المجلّد : 1 / الصفحة : 430 / الطبعة : 2 / الناشر : دار الفكر ـ بيروت.

6. طه : 1 ـ 2.

7. صحيح مسلم / المجلّد : 1 / الصفحة : 490 / الناشر : دار الفكر ـ بيروت.

سنن أبي داود / المجلّد : 2 / الصفحة : 6 / الحديث : 1211 / الناشر : دار الفكر ـ بيروت.

سنن النسائي / المجلّد : 1 / الصفحة : 290 / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

8. سنن الترمذي / المجلّد : 4 / الصفحة : 691 ـ 692 / باب : ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

 
 

أضف تعليق

الجمع بين الصلاتين

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية