السؤال :
ما دليلكم المسند والصحيح إنّ الآية نزلت في حادثة الكساء ، وأنّها تشمل الخمسة الذين هم تحت الكساء ولا تشمل زوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً ؟
الجواب :
حديث أمّ سلمة رضي الله عنها صريح في أنّ الآية لا تشمل زوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حيث قالت : وأنا منهم يا نبيّ الله ؟ فردّها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ردّاً جميلاً ، وقال لها : « أنتِ على مكانك وأنتِ على خير » (١).
مضافاً إلى دلالة نفس الآية حيث التفت من ضمير الخطاب المؤنّث إلى الضمير الخطاب المذكّر ، مع أنّ الآيات السابقة واللاحقة ورد فيها ضمير الجمع المؤنث.
ومضافاً إلى أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم طبّق هذه الآية على الخمسة الطيّبة ، وكان يذهب إلى بيت فاطمة صباحاً ستّة أشهر أو تسعة أشهر ويقول :
« الصلاة الصلاة ، ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) » (٢).
الهوامش
١. سنن الترمذي / المجلّد : ٥ / الصفحة : ٣٥١ / الناشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٢. الدرّ المنثور / المجلّد : ١٢ / الصفحة : ٤٤ / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربيّة والإسلاميّة.
التعليقات
أقول : لماذا تصف ذلك بالكذب ، مع انّه كلام منطقي عقلي بديهي ؛ فانّ المرأة تكون مع الرجل سنين متعدّدة كزوجة له ، ثم يطلّقها وتبين عنه ، فلا يصح اطلاق لفظ أهل البيت ؛ وانّما أهل البيت الرجل هم الذين لا ينفصلون عنه.
وقد وقع الخلط عندك بين أهل الرجل ، وبين أهل البيت الرجل ؛ فالزوجة قد يقال لها أهل الرجل ، مثل زوجة موسى ، لكن لا يصدق عليها أهل بيت موسى ، لان الأهل منسوب الى بيت موسى وهم عشيرته وعصبته.
وأمّا اطلاق أهل البيت على سارة زوجة ابراهيم ؛ لأنّها كانت ابنة عمّه ، فهي منسوبة إلى عشيرته.
ثمّ ماذا تصنع بالروايات المتواترة من طرق أهل السنّة ، الواردة في حديث الكساء ، عن اُمّ سلمة وعائشة وغيرهما ، في شأن نزول الآية ، فانّها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ، حينما جمعهم رسول الله تعالى تحت الكساء ، وقال : اللهم انّ هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. فنزل قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) [ الأحزاب : 33 ]. وحينما تقدّمت اُمّ سلمة ، وسألت النبي صلّى الله عليه وآله هل هي محسوبة من أهل البيت ؟ قال لها : أنت على مكانك وأنت على خير.
وإذا كانت الآية واردة في نساء النبي صلّى الله عليه وآله ، فلماذا لم يذكر فيها ضمير جمع المؤنث ، ولم يقل كسائر الآيات السابقة واللاحقة ( انما يريد الله ليذهب عنكن الرجس أهل البيت ويطهركن تطهيراً ) ؟
ان قلت : انّما عدل الى جمع المذكّر ، لانّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان معهنّ ، قلنا : لا يصحّ ان يكون رسول الله صلّى الله عليه وآله داخلاً في أهل البيت ؛ لانّ المراد هو أهل بيت رسول الله. فانّ الألف واللام في أهل البيت ، انّما هو للعهد ، ويراد به بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فكيف يكون أهل البيت شاملاً للرسول الأعظم ، ومعنى ذلك ان يخاطب النبي بأنّه أهل بيت النبي ؟!
وليس في مورد الآية بيت آخر غير بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله.
أما ما ذكرته من أحاديث فلا تعليق عليه لأن الاحاديث مهما كان عدد رواتها لا تصمد أمام آية من القرآن الكريم لأن الأحاديث ظنية الثبوت حتى لو اتفق على روايتها كل المسلمين بل كل أهل الأرض أما الآية فقطعية الثبوت. الآية تقول بوضوح لا لبس فيه إلا لمن كان في قلبه مرض أن نساء النبي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيح مسلم ، في كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل علي بن أبي طالب : فقال له حصين ـ أي لزيد بن أربقم ـ ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساءه من أهل بيته ؟ قال : نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته ـ أي الموجود في آية التطهير ـ من حرّم الصدقة بعده. وقال : من هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال : كلّ هؤلاء حرّم عليهم الصدقة ؟ قال : نعم.
وفي رواية أخرى رواها مسلم في صحيحه في الباب المذكور ، قال فيها : فقلنا ـ أي لزيد بن أرقم ـ مَن أهل بيته ، نساءه ؟ قال : لا وايم الله ، انّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها ، فترجع الى أبيها وقومها ، أهل بيته عصبته الذين حرموا الصدقة بعد.
وفي حديث أبي سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وأبي الحمراء : انّ النبي لما نزلت ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ) ، كان النبي صلّى الله عليه وآله يجيء الى باب علي صلاة الغداة ثمانية أشهر ـ أو ستّة أشهر ـ يقول : الصلاة رحمكم الله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ).
وفي حديث ابن عباس ، تسعة أشهر. راجع تفسير الدر المنثور للسوطي.
وفي مجمع الزوائد ج 9 / 169 ، عن ابي برزة قال : صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله سبعة عشر شهراً ، فاذا خرج من بيته أتى باب فاطمة ، فقال : الصلاة عليكم ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ). قال رواه الطبراني.
وفي مستدرك الصحيحين ج 2 / 416 روى بسنده عن ام سلمة ، قالت : في بيتي نزلت هذه الآية ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) قالت : فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله الى علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي. قالت أم سلمة : يا رسول الله ما أنا من أهل البيت ؟ قال : انّك على خير وهؤلاء أهل بيتي ، اللهم آل بيتي أحقّ.
قال هذا حديث صحيح على شرط البخاري.
ورواه البيهقي في سننه ج 2 / 150 ، والطحاوي في مشكل الآثار ج 1 / 334 ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 9 / 126 ، وابن جرير الطبري في تفسيره ج 22 / 7 ، وابن الأثير الجزري في أسد الغابة ج 5 / 521 و 589 ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ص 23 ، وقال أخرجه أبو الخير القزويني.
واذا قيل بالنسبة لك انّ أهل بيتك يحتاجون الى مالٍ فهل معناه انّك تحتاج الى المال معهم ؟
اتّق الله تعالى ولا تتلاعب بالألفاظ ، ولو كانت الآية ـ بفرض المحال ـ تقول انّما يريد الله ليعذّبكم اهل البيت ؛ هل كان يشمل رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟
أولا تعلم انّ أهل بيت الرجل هم خواصّه ولحمته ، وكلّ من له نسبة اليه بنحو لا يمكن انفصالهم عنه ، وزوجات النبي ـ كما قال زيد بن أرقم ـ لسن من اهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله اذ يمكن افتراقهن عنه بالطلاق.
واذا كنت تعرف أساليب الكلام العربي كما تدّعي ، فاعلم انّ الألف واللام في أهل البيت جيء به لأجل الدلالة على حذف المضاف اليه ، فالمراد أهل بيت النبي لا أهل أيّ بيت من البيوت.
هدانا الله وإيّاك الى طريق الصواب وترك العصبيّة.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة