هل وجود المعوّقين يتنافر مع العدل الإلهي

طباعة

إذا كان الله تعالى عادل فلماذا نجد بعض المعوّقين فاقدي بعض الحوائج ـ من فاقدي البصر وغيرها ـ اليتنافر هذا مع العدل الإلهي ؟

 

لا يتنافي ذلك مع العدل الالهي ، لأنّ الله تعالى جرت حكمته على أن يتحكم في الكون قانون العليّة المعلوليّة كما اشتهر : ( أبى الله ان يجري الامور الاّ باسبابها ) ، فالشخص الذي حصل له عاهة أو عيب أو فقد عضو أو فقد حاسّة من الحواس لم يحصل ذلك بلا سبب ولا علّة ، بل هناك علل وأسباب طبيعيّة لهذه الاُمور فالمسئول عن وقوع هذه العيوب والنقائص هي تلك الأسباب الطبيعيّة التي اقتضت حكمة الله تعالى وعدله أن تؤثّر في نتائجها ومعولاتها ، فمن احترق بسبب النار التي أوقدها وحصل به عاهة لا يمكنه أن يعترض على الله تعالى ويقول لماذا جعل الله النار محرقة حتى تحرقني ، وذلك لأنّ نظام الكون يتوقّف على وجود النار وعلى تسبيبها الحرارة والاحتراق ، وهكذا لو ولدا الولد أعمى بسبب عدم مراعاة الوالدين بعض الجهات الصحيّة أو العلل الطبيعيّة فليس للولدان يعترض على الله تعالى لماذا أخلقتني أعمى ؟ بل له ان يعترض على والديه لعدم مراعاتهما الجهات الصحيّة ونحوها. نعم إذا صبر الانسان على النقص أو العيب فالله تعالى يعطيه الأجر والثواب في الآخرة عوضاً عمّا لحق به من المكروه في الدنيا أو يكون ذلك كفّارة لبعض ذنوبه ، بل قد يكون ابتلاؤه بالعاهات والنقائص بسبب ما ارتكبه من الذنوب والمعاصي التي هي في الحقيقة علل طبيعيّة لتلك العاهات لكن لا يعلم بذلك المقدّم عليها.

ثم انه ينبغي ان يعلم انّ الاُمور التكوينيّة التي تجري في العالم على قسمين : أحدهما يكون السبب فيه عمل الإنسان كما قال سبحانه وتعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [ الروم : 41 ] والعذاب النازل على الاُمم السابقة يندرج في هذا الإطار وخروج الأولاد المعاقين كثيراً ما يكون لأجل فعل الوالدين ومن المعلوم انّ الطفل لا يتحمّل وزر أبويه قال الله سبحانه : ( وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) [ الأنعام : 164 ] ولكن بعض الأفعال القبيحة تكون كالنار في إحراقها ، فلو ألقى أحد طفلاً في النار فهو يحترق جزماً وليس في ذلك ظلم من الله سبحانه عليه بل الظالم من ألقاه في النار ، وخروج الأطفال معاقين في معظم الأحيان لأجل سوء عمل الأبوبين عند المواقعة أو لشرب بعض الأدوية أو غيرها من الأسباب ، وليس في ذلك ظلم على أحد.

القسم الثاني : الحوادث التي تحدث في العالم قد قدرت ونظّمت ورتّبت طبق اقتضاء الحكمة البالغة ، وتلك الحكمة هي التي تتحكّم بأن يولد لأحد ولد وللآخر البنت ، والأعمار تتقدّر تحت هذه الحكمة الالهيّة وهكذا بعض الأمراض والبلايا وقد يدخل في هذا القسم وجود معاقين من صلب أبوين الشريفين ملتزمين بجميع نصائح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأوامر الشريعة الغراء ويكو في هذا البلاء امتحان للمعاق ولغيره.

انّ المقادير تجري كما قدّرها الله سبحانه ولا راد لقضائه ولا مبدّل لحكمة ولا تدرك عقولنا مغري الحكمة وليس يدخل ذلك في الظلم ، لأنّ الظلم وضع شيء في غير محلّه والله لا يفعل ذلك والصابر على قضاء الله مأجور. قال الإمام الحسين عليه السلام : « خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة من جيد الفتاة ، رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين ».

روي الشيخ الصدوق لسنده عن جابر بن يزيد الجعفي قال : « قلت لأبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليهم السلام : يابن رسول الله إنّا نرى من الأطفال من يولد ميّتاً ومنهم من يموت في ساعته إذا سقط على الأرض ومنهم من يبقي إلى الإحتلام ومنهم من يعمر حتى يصير شيخاً فكيف ذلك وما وجهه ؟ فقال عليه السلام : انّ الله تبارك وتعالى أولى بما يدبّره من أمر خلقه منهم وهو الخالق والمالك لهم فمن منعه التعمير فانما منعه ما ليس له ومن عمّره فانّما أعطاه ما ليس له وهو المتفضّل ما أعطاه وعادل فيما منع ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.

قال جابر فقلت يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عمّا يفعل ؟

قال لأنّه لا يفعل الاّ ما كان حكمة وصواباً وهو المتكبّر الجبّار والواحد القهّار فمن وجد حرجاً في شيء ممّا قضى الله فقد كفر ومن أنكر شيئاً من أفعاله حجد ».

والمراد انّ معرفة الله تعالى بصفاته الكماليّة التي من أهمّها الخالقيّة والمدبريّة والعلم والحكمة والرحمة العدل تقتضي أن لا نعترض على الله
فيما يفعله ويقدّره ، إذ نعلم إجمالا بأنّه حكيم يضع الأشياء في مواضعها وان لم نعلم وجه الحكمة في ذلك.