في الخروج على الحاكم الجائر

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 419 ـ  429
________________________________________
(419)
3 ـ في الخروج على الحاكم الجائر
اتّفقت الخروج على لزوم الخوارج على الحاكم الجائر، و جعلوه فرعاً من الأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر، بشرط القدرة و المنعة عليه، و يظهر ذلك من خطبهم و رسائلهم أوان قيامهم، و هذا عبد الله بن وهب الراسبي عندما غارد مع جماعته الحروريّة، متواجّهاً إلى النهروان، خطب قومه و قال «أمّا بعد فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، و ينيبون إلى حكم القرآن، أن تكون هذه الدنيا ـ الّتي الرضا بها و الركون إليها و الإيثار إيّاها عناء وتبارـ آثر عندهم من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، والقول بالحقّ، إلى أن قال: فاخرجوا بنا اخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكِرين لهذه البدع».
و قال حرقوص بن زهير: «إنّ المتاع بهذه الدنيا قليل، و إنّ الفراق لها وشيك، فلا تدعونّكم زينتها و بهجتها إلى المقام بها، و لا تُلفتنكم عن طلب
________________________________________
(420)
الحق وإنكار الظلم، فإنّ الله مع الَّذين اتّقَوْا و الّذين هم محسنون»(1).
و هذا نافع بن الأزرق يقول لأصحابه عند خروجه: «إنّ الله قد أكرمكم بمخرجكم، بصّركم عمّا عمي عنه غيركم، ألستم تعلمون أنّما خرجتم تطلبون شريعته و أمره، فأمره لكم قائد، والكتاب لكم إمام، و إنّما تتبعون سننه و أثره...»(2). إلى غير ذلك من كتب القوم و رسائلهم و خطبهم الّتي يرون فيها الخروج على الإمام غير العادل واجباً.
أقول: الكلام في الإمام الجائر يقع في مقامين:
الأوّل: في لزوم إطاعته و عدمه.
الثاني: في وجوب الخروج عليه وعدمه.
أمّا الأول: لاشكّ أنّ إطاعة الإمام العادل من صميم الدين فلا يشكّ في وجوب إطاعته اثنان، إنّما الكلام في إطاعة الحاكم الجائر، فقد ذهب أهل السنّة إلى وجوب طاعته مطلقاً سواء أمر بالمعروف أو أمر بالمنكر، أو في خصوص ما لم يأمر بالمعصية، ولكلٍّ من القولين قائل ونذكر بعض كلماتهم في المقام:
1 ـ قال أحمد بن حنبل في رسالة ألّفها لبيان عقائد أهل السنة: «السمع والطاعة للأئمّة وأمير المؤمنين البرّ والفاجر، ومَنْ ولي الخلافة، فأجمع الناس و رضوا به، و من غلبهم بالسيف، ويُسمّى أمير المؤمنين» (3).
2 ـ و قال الشيخ أبو جعفر الطحاوي الحنفي (م ـ 321) في رسالته المسمّاة بيان السنّة و الجماعة، المشهورة بالعقيدة الطحاوية: «و نرى الصلاة
________________________________________
1. الطبري: التاريخ 4 / 54 ـ 55.
2. الطبري: التاريخ 4 / 439.
3. أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية 2 / 322 نقلاً عن إحدى رسائل إمام الحنابلة، و كلامه مطلق يعم ما إذا أمر بالطاعة أو بالمعصية.

________________________________________
(421)
خلف كل برّ و فاجر من أهل القبلة.. إلى أن قال: ولا ننزع يداً من طاعتهم، و نرى طاعتهم من طاعات الله عزّوجلّ فريضة علينا مالم يأمروا بمعصية»(1).
3 ـ و قال أبو اليُسر محمّد بن عبد الكريم البزدوي: «الإمام إذا جار أو فسق لاينعزل عند أصحاب أبي حنيفة و أجمعهم، و هو المذهب المروي»(2).
إلى غير ذلك من الكلمات الّتي وقفت على بعضها في الجزء الأوّل ـ من هذه الموسوعة ـ عند البحث عن طاعة السلطان الجائر و هي بين مطلق و مقيّد فيما إذا لم يأمر بمعصية.
وهذه النظرية حيكت على طبق الروايات الواردة في الصحاح والمسانيد، و إليك بعضها:
أ ـ روى مسلم في صحيحه: بسنده عن حذيفة بن اليمان قال: قلت: «يا رسول الله، إنّا كنّا بشرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شرّ؟ قال: نعم قلت: هل وارء ذلك الشرّ خير؟ قال: نعم قلت: فهل وراء ذلك الخير شرّ؟ قال: نعم قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمّة لايهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي و سيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع و تطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع»(3).
ب ـ روى أيضاً عن سلمة بن يزيد الجعفي، أنّه سأل رسول الله، فقال: «يا نبيّ الله، أرأيت إن قامت علينا اُمراء يسألونا حقّهم و يمنعونا حقّنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، ثمّ سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه
________________________________________
1. أبو جعفر الطحاوي: شرح العقيدة الطحاوية 110 طبع دمشق.
2. الإمام البزدوي (إمام الفرقة الماتريدية): اُصول الدين 190 طبع القاهرة.
3. مسلم: الصحيح 3 / 1476، كتاب الإمارة، الباب 13، الحديث 1847.

________________________________________
(422)
الأشعث بن قيس و قال: «اسمعوا و أطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم»(1).
و في رواية اُخرى فيه: «فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ : «اسمعوا و أطيعوا، فإنّما عليهم ما حمّلوا و عليكم ما حمّلتم»(2).
ج ـ و روى عن عبادة بن الصامت «قال: دعانا رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع و الطاعة في منشطنا و مكرهنا و عسرنا و يسرنا و اثره علينا و أن لاننازع الأمر أهله. قال: «إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان»(3).
تحليل هذه النظرية:
إنّ هذه النظرية لايصدّقها الكتاب العزيز و لا السنّة النبويّة ولا سيرة أئمّة المسلمين، كيف يجوز إطاعة أمر الجائر مطلقاً، أو فيما إذا لم يأمر بمعصيته، و قال سبحانه: (وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ الْمـُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الاَْرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ)(4) وقد نقل سبحانه اعتذار بعض أهل النار بقوله: (وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَْ)(5) وقد تضافر عن رسول الله أنّه قال: «لا طاعة
________________________________________
1. مسلم الصحيح 3 / 1474، كتاب الامارة، الباب 12، الحديث 1846.
2. مسلم: الصحيح 3 / 1475، كتاب الامارة، الباب 12، ذيل حديث 1846.
3. مسلم الصحيح 3 / 1470، كتاب الامارة، الباب 8 ذيل حديث 1840 (الرقم 42). ولاحظ في الوقوف على سائر الروايات في هذا المجال كتاب دراسات في فقه الدورة الإسلامية 1 / 580 ـ 587 فإنّه بلغ النهاية في جمع الروايات و الكلمات الصادرة عن الفقهاء في المقام.
4. الشعراء: 151 ـ 152.
5. الأحزاب: 67.

________________________________________
(423)
لمخلوق في معصية الخالق»(1).
و روى الإمام الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ : «من أرضى سلطاناً بما أسخط الله خرج عن دين الله»(2).
و روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر أنّه قال: «على المرء المسلم السمع و الطاعة فيما أحبّ و كره إلاّ أن يؤمر بمعصية فلا سمع و لا طاعة»(3).
إلى غير ذلك من الروايات الناهية عن إطاعة الإمام الجائر مطلقاً أو فيما يأمر بمعصية. و الإمعان فيها و في غيرها يعرب عن حرمة الاطاعة مطلقاً، كيف و روى المتّقي الهندي في كنز العمّال عن أَنس قال: «لا طاعة لمن لم يطع الله»(4) نعم كل ما ذكرنا من حرمة الطاعة، مشروط بالقدرة و المنعة، وإلاّ ففيه كلام آخر ليس المقام محل تفصيله.
و أمّا السيرة فتظهر حالها عند الكلام في المقام الثاني:
الثاني: في لزوم الخروج على الحاكم الجائر:
1 ـ ذهب أكثر أهل السنّة إلى حرمة الخروج، وهذا هو إمام الحنابلة يقول في رسالته السابقة: «و الغزو ماض مع الاُمراء إلى يوم القيامة، البرّ و الفاجر، وإقامة الحدود إلى الأئمة، وليس لأحد أن يطعن عليهم و ينازعهم»(5).
2 ـ و قال الشيخ أبو جعفر الطحاوي: «ولا نرى الخروج على أئمّتنا ولا
________________________________________
1. الحر العاملي: الوسائل 11، الباب الحادي عشر من أبواب الأمر بالمعروف 7، و نقله الرضي في نهج البلاغة قسم الحكمة برقم 165.
2. المصدر نفسه برقم 9.
3. مسلم: الصحيح 3، كتاب الامارة، الباب الثامن، الحديث 1839.
4. المتقي الهندي: كنز العمال 6 / 67، الباب 1 من كتاب الامارة، الحديث 14872.
5. تقدم مصدره.

________________________________________
(424)
ولاة أمرنا و إن جاروا»(1).
3 ـ و قال الإمام الأشعري عند بيان عقيدة أهل السنّة: «و يرون الدعاء لأئمّة المسلمين بالصلاح و أن لايخرجوا عليهم بالسيف»(2).
4 ـ وقال الإمام البزدوي: «إذا فسق الإمام يجب الدعاء له بالتوبة، ولا يجوز الخروج عليه لأنّ في الخروج إثارة الفتن و الفساد في العالم »(3).
5 ـ و قال الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه بغصب الأموال، و ضرب الأبشار، و تناول النفوس المحرّمة، و تضييع الحقوق، و تعطيل الحدود: «لاينخلع بهذه الامور ولا يجب الخروج عليه، بل يجب و عظه و تخويفه، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله»(4).
إلى غير ذلك من الكلمات الّتي فيما ذكرنا غنىً عنها.
نعم هناك شخصيات لامعة أصحروا بالحقيقة و جاءوا بكلام حاسم، وإليك بعض من ذهب إلى وجوب الخروج على الحاكم الجائر:
1 ـ قال أبو بكر الجصّاص في أحكام القرآن: «كان مذهب أبي حنيفة مشهوراً في قتال الظلمة وأئمّة الجور، ولذلك قال الأوزاعي: احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف ـ يعني قتال الظلمة ـ فلم نحتمله، وكان من قوله: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض بالقول، فإن لم يؤتمرله فبالسيف على ما روي عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ .
وسأله إبراهيم الصائغ و كان من فقهاء أهل خراسان ورواة الأخبار

________________________________________
1. أشرنا إلى مصدره.
2. أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين 323.
3. الامام البزدوي: اُصول الدين 190.
4. الباقلاني: التمهيد 186 طبع القاهرة.

________________________________________
(425)
ونسّاكهم عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقال: هو فرض، وحدّثه بحديث عن عكرمة عن ابن عباس أنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ قال: «أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب و رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف و نهاه عن المنكر فقتل»(1).
2 ـ و قال ابن حزم: «والواجب إن وقع شيء من الجور و إن قلّ، أن يكلّم الإمام في ذلك ويمنع منه، فإن امتنع و راجع الحقّ وأذعن للقود من البشرة أو من الاعضاء، و لإقامة حدّ الزنا و القذف والخمر عليه فلا سبيل إلى خلعه، و هو إمام كما كان، لا يحلّ خلعه. فإن امتنع من انفاذ شيء من هذه الواجبات عليه ولم يراجع، وجب خلعه و اقامة غيره ممّن يقوم بالحقّ، لقوله تعالى: (تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوُاْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدوَ نِ) ولا يجوز تضييع شيء من واجبات الشرائع» (2).
3 ـ و قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ : «لا تقاتلوا الخوارج بعدي» قال:
«و عند أصحابنا انّ الخروج على أئمّة الجور واجب، و عند أصحابنا أيضاً انّ الفاسق المتغلّب بغير شبهة يعتمد عليها، لايجوز أن يُنْصَر على من يخرح عليه ممّن ينتمي إلى الدين، و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، بل يجب أن ينصر الخارجون عليه، وإن كانوا ضالّين في عقيدة اعتقدوها بشبهة دينية دخلت عليهم، لأنّهم أعدل منه و أقرب إلى الحقّ، و لاريب في تلّزم الخوارج بالدين، كما لاريب في أنّ معاوية لم يظهر عنه مثل ذلك»(3).
________________________________________
1. الجصّاص: أحكام القرآن 1 / 81 .
2. ابن حزم الأندلسي: الفصل في الملل و الاهواء و النحل 4 / 175.
3. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 5 / 78.

________________________________________
(426)
4 ـ و قال إمام الحرمين: «إنّ الامام إذا جار، وظهر ظلمه و غيّه ولم يرعو لزاجر عن سوء صنيعة فلأهل الحل و العقد، التواطؤ على ردعه و لو بشهر السلاح ونصب الحروب»(1).
إذا و قفت على هذه النقول، فالحقّ هو وجوب الخروج على الحاكم الجائر إذا كان في ركوبه منصّةَ الحكم خطراً على الإسلام و المسلمين.
و يكفي في ذلك ما ورد حول الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإنّ الخروج على السلطان الجائر من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يقوم به إلاّ أصحاب القدرة و المنعة، الذين لديهم امكانية الكفاح المسلّح .
وأمّا الروايات فيكفي في ذلك ما نذكر:
1 ـ روى الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال، إنّي سمعت علياً ـ عليه السَّلام ـ يقول ـ يوم لقينا أهل الشام ـ: «أيّها المؤمنون، إنّه من رأى عدواناً يُعمل به و منكراً يُدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم و برئ، و من أنكره بلسانه فقد اُجر، و هو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الّذي أصاب سبيل الهدى و قام على الطريق و نوّر في قلبه اليقين» (2).
2 ـ و في مسند أحمد عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ يقول: «إنّ الله عزّوجلّ لا يعذّب العامّة بعمل الخاصّة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكرونه، فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصّة و العامّة»(3).
________________________________________
1. التفتازاني: شرح المقاصد 2 / 272 نقلاً عن امام الحرمين.
2. الحر العاملي: الوسائل 11 / 405، الباب 3 من أبواب الأمر و النهي و...، الحديث 8 ، و رواه أيضاً في نهج البلاغة: فيض 1262، عبدة 3 / 243، صالح 541، الحكمة 373.
3. أحمد المسند 4 / 192.

________________________________________
(427)
والقدرة، فمنطق القوة يستعان به إذا لم تثمر المراتب السابقة، وفي بعض الروايات إلماعات إليه، و هي بين كونها نقيّة السند و ضعيفته، و لكن المجموع يفيد اليقين بالمقصود.
3 ـ قال أبو جعفر الباقر ـ عليه السَّلام ـ : «فانكروا بقلوبكم و الفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم»(1).
4 ـ إنّ الحسين خطب أصحابه و أصحاب الحرّ، فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:
«أيّها الناس إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحّلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ يعمل في عباد الله بالاثم و العدوان، فلم يُغَيِّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و تركوا طاعة الرحمن، و أظهرو الفساد و عطّلوا الحدود، و استأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيّر»(2).
5 ـ روى الصدوق باسناده عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد ـ عليه السَّلام ـ قال: قال أمير المؤمنين ـ عليه السَّلام ـ : «إنّ الله لا يعذّب العامّة بذنب الخاصّة إذا عملت الخاصّة بالمنكر سرّاً من غير أن تعلم العامّة، فإذا عملت الخاصّة بالمنكر جهاراً فلم تغيّر ذلك العامة، استوجب الفريقان العقوبة من الله ـ عزّ وجلّ ـ» قال: قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ : «إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّاً لم يُضّرَّ إلاّ عاملها، فإذا عمل بها علانية ولم يغيّر عليه أضرّت بالعامة». و قال جعفر بن محمّد ـ عليه السَّلام ـ : «و ذلك انّه يذلّ
________________________________________
1. الحرّ العاملي: الوسائل 11 / 403، الباب الثالث من أبواب الأمر بالمعروف 1.
2. الطبري: التاريخ 4 / 304.

________________________________________
(428)
بعمله دين الله و يقتدي به اهل عداوة الله»(1).
و فيما ذكرنا من الروايات كفاية.
أمّا السيرة فحدّث عنها ولا حرج، ففي ثورة الإمام الطاهر الحسين سيّد الشهداء، و ثورة أهل المدينة على زيد الطاغية، و ثورة أهل البيت في فترات خاصة، كفاية لطالب الحق و كلّها تؤيّد نظرية لزوم الخروج على الحاكم الجائر بشروط خاصة مبيّنة في الفقه.
و نكتفي في المقام بما ذكره صاحب المنار قال:
«و من المسائل المجمع عليها قولاً و اعتقاداً: «إنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإنّما الطاعة في المعروف»، و إنّ الخروج على الحاكم المسلم إذا ارتدّ عن الإسلام واجب، وإنّ اباحة المجمع على تحريمه كالزنا و السكر واستباحة ابطال الحدود و شرع مالم يأذن به الله، كفر وردّة، وانّه إذا وجد في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع، وحكومة جائرة تعطله، وجب على كلّ مسلم نصر الاُولى ما استطاع، و انّه إذا بغت طائفة من المسلمين على اُخرى، وجرّدت عليها السيف، و تعذّر الصلح بينهما، فالواجب على المسلمين قتال الباغية المعتدية حتى تفيء إلى أمر الله.
و ما ورد في الصبر على أئمّة الجور إلاّ إذا كفروا، معارض بنصوص اُخرى، والمراد به اتّقاء الفتنة و تفريق الكلمة المجتمعة، وأقواها حديث: «و أن لاتنازع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحا». قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية. و مثله كثير. و ظاهر الحديث انّ منازعة الامام الحق في إمامته ننزعها منه لا يجب إلاّ إذا كفر كفراً ظاهرا و كذا عمّاله و ولاته.
و أمّا الظلم و المعاصي فيجب إرجاعه عنها مع بقاء امامته و طاعته في

________________________________________
1. الحرّ العاملي: الوسائل 11 / 407، الباب 4 من أبواب الأمر و النهي و...، الحديث 1.
________________________________________
(429)
المعروف دون المنكر، وإلاّ خلع و نصب غيره.
و من هذا الباب خروج الحسين سبط رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ على امام الجور و البغي، الّذي وليَّ أمر المسلمين بالقوّة والمكر: يزيد بن معاوية خذله الله، وخذل من انتصر له من الكرامية و النواصب الذين لايزالون يستحبون عبادة الملوك و الظالمين، على مجاهدتهم لإقامة العدل و الدين. وقد صار رأي الاُمم الغالب في هذا العصر وجوب الخروج على الملوك المستبدّين المفسدين. وقد خرجت الاُمة العثمانية على سلطانها عبد الحميد خان فسلبت السلطة منه و خلعته بفتوى من شيخ الإسلام
» (1).
* * *
________________________________________
1. السيد محمّد رشيد رضا: تفسير المنار 6 / 367، وياليت صاحب المنار (ت 1354) يمشي على هذا الخطّ إلى آخر عمره والقصة ذو شجون، و من أراد التفصيل فليرجع إلى المناظرات الّتي دارت بينه و بين السيد محسن الأمين (ت 1371) فقد أماط الستر عن حياته و تلوّنه فيها، ولاحظ أيضاً كشف الارتياب 64 ـ 77.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية