حكم أولاد المشركين

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 453 ـ  457
________________________________________
(453)
خاتمة المطاف
إلى هنا قد تعرّفت على عقائد الخوارج معتدليهم و متطرّفيهم، غير أنّ هناك مسائل فقهيّة ثلاث نطرحها في المقام:
1 ـ حكم أولاد المشركين.
2 ـ حكم تزويج المشركات.
3 ـ حكم تزويج الكافرة غير المشركة.

و لعل القارئ الكريم يتعجّب من طرح هذه المسائل في الموسوعة التاريخية للعقائد قائلاً بأنّ البحث عن مثل هذه الموضوعات من واجبات الفقيه لا مؤرّخ العقائد، ولكنّه يزول تعجبّه إذا وقف على أنّ الخوارج المتطرّفين، يزعمون أنّ مخالفيهم من المسلمين مشركون أو كافرون، لا رتكاب الكبيرة من المعاصي، وبما أنّ للمشرك و الكافر الواقعيين أحكاماً خاصّة في الفقه الإسلامي من حيث صيانة الدماء وإراقتها و جواز تزويجهم و حرمته، فهؤلاء كانوا يرتّبون على المسلمين و أولادهم، أحكام المشركين و الكافرين و أولادهم، فيبيحون
________________________________________
(454)
قتل أولاد المخالفين، و يحرّمون مناكحتهم بحجّة أنّهم مشركون، فناسب البحث عن هذه الأحكام الكليّة مع غضّ النظر عن عدم الموضوع في المقام لأنّ أهل القبلة والقرآن كلّهم موحدون لامشركون، مؤمنون لاكافرون، إلاّ من قام الدليل على شركه و كفره كالغلاة والنواصب.
و بما أنّ الأزارقة و أمثالهم أخطأوا في حكم المسألة حتى في مواردها الواقعيّة فجوزوا قتل أولاد المشركين و حرّموا انكاح الكافر غير المشرك، فلأجل ايقاف القارئ على مظان خطأهم في هذه المسائل نوالي البحث فيها واحدة بعد اُخرى و نقول:
1 ـ أولاد المشركين:
إنّ الأصل الرصين في الدماء هو الحرمة، و لزوم صيانتها من الاراقة، فالانسان ـ على وجه الاطلاق ـ هو خليفة الله في أرضه يحرم دمه و عرضه و ماله للغير، فلا يجوز التعدّي على شيء منها إلاّ بدليل، ولأجل ذلك يقول سبحانه حاكياً عن نبيّه موسى: (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةَ بِغَيْرِ نَفْس لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً)(1) وقال سبحانه: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَـسِرِينَ)(2) وقال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلَـدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم)(3) و قال سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـدَكُم مِنْ إِمْلَـق )نَحْنُ نَرْزُقُكُـمْ وَإِيَّاهُمْ)(4) و قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)(5) و: (مَن قَتَلَ )نَفْسَا بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ
________________________________________
1. الكهف: 74.
2. المائدة: 30.
3. الأنعام: 140.
4. الأنعام 151.
5. الأنعام: 151.

________________________________________
(455)
النَّاسَ جَمِيعاً))(1)، إلى غير ذلك من الاّيات الناصّة على أنّ الأصل القويم والمرجع، في الدماء هو الحرمة، فلا يجوز قتل الانسان على الاطلاق إلاّ بمسوّغ شرعي ورد النص بجواز قتله في الذكر الحكيم والسنّة النبوية.
و على ضوء ذلك فالاسلام حرّم دم المسلم، و دم الذمّي، و الكافر المهادن، و من يمتُّ إليهم بصلة، فإنّ أولادهم و إن كانوا غير محكومين بشيء من التكاليف إلاّ أنّ الولد يتبع الوالدين في الأحكام، و هذا ممّا لايختلف فيه اثنان من الفقهاء.
وأمّا الكافر الحربي فهو مهدور الدم لا دم أطفاله و ذراريه، إلاّ في مواضع خاصّة.
قال ابن قدامة: إنّ من اُسر من أهل الحرب على ثلاثة أضرب: النساء و الصبيان، فلا يجوز قتلهم و يصيرون رقيقاً للمسلمين بنفس السبي، لأنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ نهى عن قتل النساء، والولدان، (متّفق عليه) و كان ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ يسترقّهم إذا سباهم(2).
هذا فقيه أهل السنّة، و أمّا الشيعة، فقال الشيخ الطوسي: الآدميون على ثلاثة أضرب: نساء و ذريّة و مشكل و بالغ غير مشكل، فأمّا النساء و الذرية فإنّهم يصيرون مماليك بنفس السبي(3).
و قال المحقّق الحلي: الطرف الرابع في الاُسارى و هم ذكور و اناث، فالاناث يملكن بالسبي و لو كانت الحرب قائمة، وكذا الذراري(4).
________________________________________
1. المائدة: 32.
2. ابن قدامة الحنبلي: المغني 10 / 400.
3. الطوسي: المبسوط 2 / 19.
4. المحقق: شرائع الإسلام 1 / 317.

________________________________________
(456)
إلى غير ذلك من الفتاوى المستفيضة من فقهاء الإسلام، وهم يتبعون في ذلك، النصوص الواردة عن النبي و خلفائه.
روى الكليني عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله قال: كان رسول الله إذا أراد أن يبعث سريّة، دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا بسم الله و بالله وفي سبيل الله و على ملّة رسول الله، لاتغلوا، و لا تُمثِّلوا و لا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبيّاً، ولا امرأة، و لا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضظرّوا إليها(1).
وقد تضافرت الروايات عن أئمة الشيعة في ذلك.
روى البيهقي بسنده عن ابن عمر: أجلى رسول الله بني النضير، وأقرّ قريظة ومنَّ عليهم حتّى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم، و قسم نساءهم، و أولادهم، و أموالهم بين المسلمين، إلاّ بعضهم لحقوا برسول الله فآمنهم وأسلموا(2).
و روى أيضاً النافع أنّ عبد الله بن عمر أخبره أنّ أمرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله مقتولة، فانكر رسول الله قتل النساء والصبيان(3).
هذا هو حكم الإسلام في صبيان الكفّار و المشركين و نسائهم، فهلم معي ندرس فتوى الأزارقة في نساء الكفّار و أولادهم فقد استحلّ زعيمهم قتل الأطفال... قائلاً: إنّ نوحاً نبيّ الله كان أعلم بأحكام الله قال: (رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الاَْرْضِ مِنَ الْكَـفِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً)(4) فسمّاهم بالكفّار و هم أطفال، و قبل أن يولدوا، فكيف ذلك في قوم
________________________________________
1. الحر العاملي: الوسائل 11، الباب 15 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.
2. البيهقي: السنن 6 / 323، كتاب قسم الفي والغنيمة.
3. المصدر نفسه: 9 / 77 كتاب السير.
4. نوح: 26 ـ 27 .

________________________________________
(457)
ولا في قومنا؟ والله تعالى يقول: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَـئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِى الزُّبُرِ)(1)وهؤلاء كمشركي العرب، لا يقبل منهم جزية و ليس بيننا و بينهم إلاّ السيف أو الإسلام(2).
عزب عن المسكين، أوّلاً: إنّ تسميتهم بالكفّار ليس باعتبار أنّهم في حال كونهم معدومين كفّاراً فإنّ ذلك باطل بالاتّفاق، إذ كيف يوصف الشيء المعدوم بوصف من الأوصاف الوجودية، بل المراد انّ الأبناء بعد خروجهم إلى عالم الوجود سيصيرون كفّاراً لنشوئهم في أحضان آبائهم الكافرين و أمّهاتهم الكافرات، فللوراثة و البيئة تأثيرهما في الأولاد، فلا يلدون في المستقبل إلاّ اُناساً يصيرون كفّاراً نظير توصيف الأشجار بالمثمرة في فصل الشتاء، والمراد: المثمرة في فصل الثمر.
و ثانياً: إنّ الذراري و النساء و إن كانت محكومات بالكفر و لكن علمت أنّ النبيّ الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ حرّم دماءهم وانّما سوّغ سبيهم و استرقاقهم، فليس كلّ كافر يجوز قتله. فما ذكره من الاستدلال أوهن من بيت العنكبوت.
و ثالثاً: إنّ كلّ ذلك في حق المشركين و الكّفار الحقيقيين، فما معنى تسرية هذه الأحكام إلى أهل القبلة و المسلمين الذين يشهدون بتوحيده و رسالة نبيّه و يقيمون الصّلاة و يعطون الزكاة و يصومون شهر رمضان و يحجّون البيت. أفيصحّ لنا تسمية هؤلاء كفّاراً، بحجّة ارتكابهم معصية كبيرة؟!
________________________________________
1. القمر: 43.
2. لاحظ رسالة ابن الأزرق في جواب رسالة نجدة بن عامر، وقد مرّت في الفصل التاسع.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية