ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الاَشعث

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 270 ـ  275
________________________________________
(270)
5
ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الاَشعث

لا يهمّنا في المقام بيان تفاصيل الثورة التي جاءت في تاريخ الطبري والكامل وغيرهما وإنّما يهمّنا الاِلماع إلى النقطة الحساسة في خطب الثائرين على النظام الاَموي، فقد ترى فيها محاكات عن خطب الاِمام أبي الشهداء وبذلك صاروا مستلهمين ثورتهم من ثورته، و فكرتهم من فكرته، وقد نقموا من النظام بنفس ما نقم به الاِمام منهم، وإليك بيانها على وجه موجز:
أرسل الحجاج، عبد الرحمن بن محمد بن الاَشعث إلى سجستان على رأس جيش عراقي وقد فتحوا من البلاد شيئاً كثيراً وكتب القائد في النهاية إلى الحجاج أنّ رأيه إيقاف الحرب في هذه البلاد حتى يعرفوا طريقها، ويجبوا خراجها، ولما وصل الكتاب إلى الحجاج كتب إليه كتاباً وبّخه فيه على إيقاف الحرب، ثم أردفه بكتاب ثانٍ وثالث يأمره بالتوغّل في الحرب وأنّه إن أظهر العجز فالاَمير أخوه إسحاق بن محمد.
ولما وصلت كتب الحجاج إلى عبد الرحمن جمع أصحابه وقال: أيّها الناس! إنّي لكم ناصح ولصلاحكم محب، ثم ذكر ما دار بينه وبين الحجاج عن طريق الكتب، وأنّه أمره بالتوغل في الحرب في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالاَمس. وقال: إنّما أنا رجل منكم أمضي إذا مضيتم، وآبي إذا أبيتم. فثار إليه الناس فقالوا: لا بل نأبى على عدوّ اللّه، ولا نسمع له ولا نطيع.
________________________________________
(271)
وقد تكلّم فيمن تكلّم عامر بن واثلة الكناني، فقال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: أما بعد فإنّ الحجاج واللّه ما يرى بكم إلاّ ما رأى القائل الاَوّل إذ قال لاَخيه: إحمل عبدك على الفرس، فإن هلك هلك وإن نجا فلك، إنّ الحجاج واللّه ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم بلاداً كثيرة اللهوب واللصوب، فإن ظفرتم فغنمتم أكل البلاد، وحاز المال، وكان ذلك زيادة في سلطانه، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الاَعداء البغضاء الذين لا يبالي عنتهم ولا يبقي عليهم، اخلعوا عدوّ اللّه الحجاج وبايعوا عبد الرحمن فإنـّي أُشهدكم أنـّي أوّل خالع، فنادى الناس من كل جانب: فعلنا، فعلنا قد خلعنا عدوّ اللّه.
وقام عبد الموَمن بن شبث بن ربعي التميمي ثانياً وكان على شرطته حين أقبل فقال: عباد اللّه إنّكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم مابقيتم، وجمّركم تجمير فرعون الجنود فإنّه بلغني أنّه أوّل من جمّر البعوث، ولن تعاينوا الاَحبة فيما أرى أو يموت أكثركم. بايعوا أميركم وانصرفوا إلى عدوكم فانفوه عن بلادكم، فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه فقال: تبايعوني على خلع الحجاج عدوّ اللّه وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه اللّه من أرض العراق فبايعه الناس ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشيء.
ثم إنّه خرج عبد الرحمن من سجستان مقبلاً إلى العراق فلمّا دخل فارس اجتمع الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: إنّا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك، فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة نبيّه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلّين.
ثم بعد وقوع اشتباكات عنيفة بين عبد الرحمن وجنود الحجاج، دخل عبد الرحمن البصرة، وبايعه الناس من كهولها وقرائها على حرب الحجاج وخلع عبد الملك وكان ذلك في آخر ذي الحجّة من سنة 81هـ، فصارت الحرب في
________________________________________
(272)
الحقيقة بين الشاميين يرأسهم الحجاج، والعراقيين يقودهم عبد الرحمن.
مضى ابن الاَشعث إلى جانب الكوفة والحجاج خلف عبد الرحمن إلى أن حصل التقابل بين الجندين في دير الجماجم (1)فلمّا حمل أهل الشام على العراقيين ناداهم عبد الرحمن ابن أبي ليلى الفقيه، فقال: يا معشر القرّاء إنّ الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح منه بكم، إنـّي سمعت عليّاً رفع اللّه درجته في الصالحين وأثابه أحسن ثواب الشهداء والصدّيقين، يقول يوم التقينا أهل الشام: «أيّـها الموَمنون إنّه من رأى عدواناً يعمل به، ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه، فقد سلم، وبرىَ، ومن أنكر بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكر بالسيف لتكون كلمة اللّه العليا وكلمة الظالمين السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونوّر قلبه باليقين، فقاتلوا هوَلاء المحلّين المحدثين المبتدعين الذين قد جهلوا الحقّ فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.
وقال أبو البختري: أيّـها الناس قاتلوهم على دينكم ودنياكم، فواللّه لئن ظهروا عليكم ليفسدنّ عليكم دينكم وليغلبنّ على دنياكم.
وقال الشعبي: يا أهل الاِسلام قاتلوهم ولا يأخذكم حرج من قتالهم فواللّه ما أعلم قوماً على بسيط الاَرض أعمل بظلم، ولا أجور منهم في الحكم فليكن بهم البدار.
وقال سعيد بن جبير: قاتلوهم ولاتأثموا من قتالهم بنيّة ويقين وعلى آثامهم، قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبّـرهم في الدين واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاح (2)
________________________________________
(1) دير الجماجم: بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البرّ للسالك إلى البصرة قال أبو عبيدة: الجمجمة: القدح من الخشب وبذلك سمُيَ دير الجماجم لاَنّه يعمل فيه الاَقداح من الخشب (معجم البلدان: 2|501).
(2) الطبري: التاريخ: 5|145 ـ 163.

________________________________________
(273)
إلى غير ذلك من الخطب التي أُلقيت في ذلك المقام وإن تمت الحرب لصالح الحجاج وقضى على ثورة ابن الاَشعث يوم الاَربعاء لاَربع عشرة مضت من جمادي الاَُخرى عام 83هـ ولكنّها كانت ثورة وهّاجة في وجه العدو استتبعت ثورات أُخرى حتى قضت على بني أُمية من رأس.
وأُعلّق على ثورة عبد الرحمن بأُمور:
1 ـ إنّ الاِمعان في هذه الكلم الموجزة يقتضي بأنّ القوم كانوا مستلهمين من خطب الاِمام أمير الموَمنين وخطب سيد الشهداء يوم عاشوراء وغيره، ويظهر ذلك بمقارنة خطب أبي الشهداء منذ غادر المدينة إلى أن استشهد في الطف، وبهذا يظهر أنّ هذه الثورات كانت نابعة عن ثورة الحسين ولولاها لما تتابعت هذه الثورات وبالتالي كان الحكم بيد الاَمويين إلى قرون كما كان الاَمر كذلك بيد العباسيين ولم يكونوا أحسن سلوكاً من الاَمويين.
2 ـ نرى أنّ سعيد بن جبير ذلك التابعي العظيم وكميل بن زياد النخعي، ممن شاركوا في هذه الثورة وجاهدوا تحت راية عبد الرحمن بن محمد بن الاَشعث مع أنّ بين المقود والقائد بعد المشرقين، فهوَلاء كانوا علويين وعبد الرحمن وأبوه محمد ابن الاَشعث كانا عثمانيَّي الهوى، فإنّ محمد بن الاَشعث هو الذي قضى على ثورة مسلم في الكوفة وقتله وشارك في قتل الحسين. وما هذا إلاّ لاَنّ روَساء الشيعة آنذاك استثمروا الفرصة وشاركوا في هذه الثورة ليقضوا على العدوّ الغاشم بيد غيرهم، ولاَجل ذلك لما وضعت الحرب أوزارها دعا الحجاج بكميل بن زياد النخعي فقال له: أنت المقتصّ من عثمان أمير الموَمنين قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا. فقال: واللّه ما أدري على أيّنا أنت أشد غضباً عليه حين أقاد من نفسه أم عليّ حين عفوت عنه؟ ثم قال: أيّها الرجل من ثقيف لا تصرف عليَّ أنيابك ولاتهدّم عليّ تهدُّم الكثيب، ولاتكشر كشران الذئب، واللّه ما بقي من
________________________________________
(274)
عمري إلاّ ضِمْءُ الحمار فإنّه يشرب غدوة ويموت عشية، ويشرب عشية ويموت غدوة، إقض ما أنت قاض فإنّ الموعد اللّه وبعد القتل الحساب. قال الحجاج: فإنّ الحجّة عليك. قال: ذلك إن كان القضاء إليك، قال: بلى كنتَ فيمن قتل عثمان وخلعت أمير الموَمنين. أُقتلوه، فقدم فقتل، قتله أبو الجهم بن كنانة (1)
3 ـ إنّ الحجاج كان ممن نكست فطرته فالمعروف كان عنده منكراً والمنكر معروفاً، وكان قتل الاَبرياء وتعذيبهم بألوان العذاب شيئاً سهلاً عنده. يقول الموَرخون: لما أسرف الحجاج في قتل أسارى دير الجماجم واعطائه الاَموال بلغ ذلك عبد الملك فكتب إليه: أمّا بعد: فقد بلغ أمير الموَمنين سرفك في الدماء وتبذيرك في الاَموال ولا يحتمل أمير الموَمنين هاتين الخصلتين لاَحد من الناس، وقد حكم عليك أمير الموَمنين في الدماء في الخطاء الدية وفي العمد القود، وفي الاَموال ردّها إلى مواضعها...
فلمّا بلغ كتاب عبد الملك إليه كتب إليه في الجواب: واللّه ما عليَّ من عقل ولا قود، ما أصبتُ القوم فأدِيَهُم، ولاظلمتهم فأُقاد بهم، ولا أعطيتهم إلاّ لك، ولا قتلت إلاّ فيك... (2)
وكان سعيد بن الجبير وكميل بن زياد ومئات من التابعين الاَبرياء كانوا ممن تستباح دماوَهم وأموالهم فخضّب وجه الاَرض بسيول الدماء ... وإلى اللّه المشتكى.
4 ـ وإنّ من العجـب العجـاب مشاركة الحسـن المثنى في انتفاضة ابن الاَشعث ولاَجل ذلك يعدّه ابن المرتضى سلفاً للزيدية، ولم يكن زيد يوم ذاك إلاّ طفلاً أو مراهقاً، وبما أنّ أهل البيت كانوا يعانون من النظام الاَمويّ المتمثل يوم
________________________________________
(1) الطبري: التاريخ: 5|169 ـ 170.
(2) المسعودي: مروج الذهب: 3|134 ـ 135.

________________________________________
(275)
ذلك في بني مروان، شاركوا في مثل هذه الانتفاضة لاتفاقهم معه في الهدف الموَقّت أعني إزالة عبد الملك عن الحكم (1)
إلى هنا تمت الثورات المتقدمة على ثورة الاِمام زيد وقد اتضح كونها مستلهمة من ثورة الحسين بوجه وحان حين الكلام في ثورة زيد الشهيد التي أنارت الطريق للثائرين المتأخرين الذين أنهضهم بثورته، للقضاء على النظام السائد في مدّة لا تتجاوز عشر سنين وإليك البيان.

________________________________________
(1) البحر الزخار: المقدمة |225، وسيوافيك الكلام عند ذكر أئمة الزيدية.
 

التعليقات   

 
# Mohammadkhder 2018-09-08 09:40
لو كتب الله النصر لابن الاشعث لفرح اهل السنة وافتوا بذلك
لكن القدر وقف مع السلطان لذا اثروا عدم الخروج علي الحاكم
رد | رد مع اقتباس | اقتباس
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية