زيد الثائر في الكوفة

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 294 ـ  296
________________________________________
(294)
زيد الثائر في الكوفة :
دخل زيد الكوفة في النصف الثاني من عام مائة وعشرين وأقام بها وذلك بعدما أمر به هشام بن عبد الملك من المسير إلى العراق حتى يحاكمه يوسف بن عمر فيما كان يدعيه خالد بن عبد اللّه القسري أو ابنه يزيد بن خالد من توديع أموال عنده وعند داود بن علي بن عبد اللّه بن العباس. فلما تبيّنت براءته عما يدّعى عليه لم يرحل إلى الحجاز بل أقام بها ظاهراً ومعه داود بن علي، وأقبلت الشيعة تختلف إلى زيد وتأمره بالخروج ويقولون: إنّا لنرجو أن تكون أنت المنصور، وان هذا الزمان هو الذي تهلك فيه بنو أُمية وفي خلال المدّة التي كان هو في الكوفة، يرسل يوسف بن عمر إليه رسولاً بعد رسول ليغادر الكوفة، ولكنه في كل مرّة يعتذر بعذر حتى أتى القادسية، وقيل: الثعلبية، فتبعه أهل الكوفة وقالوا:
________________________________________
(1) الصفدي: الوافي بالوفيات: 15|33.
(2) المصدر نفسه: 15|36.

________________________________________
(295)
نحن أربعون ألفاً لم يختلف عنك أحد نضرب عنك بأسيافنا وليس هيهنا من أهل الشام إلاّ عدّة يسيرة، بعض قبائلنا يكفيكهم بإذن اللّه وحلفوا له بالاَيمان المغلظة(1).
وهناك من يقول: إنّ زيداً لما قضى وطره في الشام ورأى عند هشام من التجبّر والاَنانية غادر الشام إلى الكوفة فأقام بها مستخفياً فينتقل في المنازل، وأقبلت الشيعة تختلف إليه فبايعه وجوه أهل الكوفة وكانت بيعته: إنا ندعوكم إلى كتاب اللّه، وسنّة نبيه وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، واعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء ورد المظالم ونصر أهل البيت أتبايعون على ذلك؟ فإذا قالوا نعم وضع يده على أيديهم ويقول: عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته وذمّة رسوله لتفين ببيعتي ولتقاتلنّ عدوي ولتنصحنَّ لي في السر والعلانيّة، فإذا قال نعم، مسح يده على يده، ثم قال: اللهم اشهد، فبايعه خمسة عشر ألفاً وقيل أربعون ألفاً فأمر أصحابه بالاستعداد، فأقبل من يريد أن يفي له، ويخرج معه ويستعد ويتهيّأ وشاع أمره في الناس (2)
وبما أنّه من البعيد أن تكون لمثل زيد حليف القرآن والعبادة رحلات أو رحلتان إلى الشام فالظاهر هو الوجه الاَوّل، وأنّه بعدما سيّره هشام بن عبد الملك إلى الكوفة لاَجل المحاكمة فأقام بها متهيّئاً للثورة، وهذا هو الظاهر أيضاً من أبي الفرج الاَصفهاني وبما أنّه زيدي له عناية خاصة بتحقيق مواقف زيد فاقتصر بالوجه الاَوّل، وقال: «فأقام زيد بعد خروجه من عند «يوسف» بالكوفة أياماً، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل، وبأشياء يبتاعها فألحّ عليه حتى خرج فأتى القادسية، ثم إنّ الشيعة لقوا زيداً فقالوا له: «أين تخرج عنّا رحمك اللّه، ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أُمية بها دونك، وليس قِبَلِنا من أهل الشام إلاّ عدّة يسيرة فأبى عليهم فما زالوا يناشدونه
________________________________________
(1) الجزري: الكامل: 5|234.
(2) المصدر نفسه: 5|233.

________________________________________
(296)
حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق... وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه ويبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان وجرجان وأقام بالكوفة بضعة عشر شهراً وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعو الناس إلى بيعته فلما دنا خروجه، أمر أصحابه بالاستعداد والتهيّوَ، فجعل من يريد أن يفي له يستعد (1)
من بايع زيداً من المحدثين والفقهاء :
قد عرفت أنّه بايعه وجوه أهل الكوفة كما بايعه أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان (2)ولكن نركز على أسماء أهل العلم ونقلة الآثار الذين أتى بأسمائهم أبو الفرج الاَصفهاني في كتاب «مقاتل الطالبيين» فإنّ في التعرف عليهم تأثيراً للتعرّف على مكانة زيد في قلوب الفقهاء والمحدثين وأهل العلم في ذلك الزمان، وأنّ الرجل ما لم تكن فيه مكانة كبرى في قلوب الناس لما بايعه نظراء أبي حنيفة والاَعمش وابن أبي ليلى وغيرهم.
________________________________________
(1) أبو الفرج الاَصفهاني: مقاتل الطالبيين: 91 ـ 92.
(2) ابن مهنا: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 256، وقد عرفت كلام أبي الفرج في مقاتل الطالبيين.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية