الموَامرة على زيد من الداخل

البريد الإلكتروني طباعة

بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ، ص 304ـ  310
________________________________________
(304)
الموَامرة على زيد من الداخل :
ولما استتب الاَمر لزيد وكانت الثورة تستفحل يوماً بعد يوم ويرجع الناس إلى زيد زرافات ووحداناً.
اجتمعت إليه جماعة من المبايعين، فقالوا: رحمك اللّه ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال: رحمهما اللّه وغفر لهما ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرّأ منهما ولا يقول فيهما إلاّ خيراً، قالوا: فلم تطلب إذاً بدم أهل هذا البيت؟ إلاّ أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم، فقال لهم زيد: إنّ أشد ما أقول فيما ذكرتم إنّا كنّا أحقّ بسلطان رسول اللّه من الناس أجمعين وإنّ القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً، قد ولّوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنّة. قالوا: فلم يظلمك هوَلاء إذا كان أُولئك لم يظلموك؟ فلمَ تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين؟ فقال: إنّ هوَلاء ليسوا كأُولئك، إنّ هوَلاء ظالمون لي ولكم ولاَنفسهم، ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا: سبق الاِمام وكانوا يزعمون أنّ أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي هو الاِمام وكان قد هلك يومئذ، وكان ابنه جعفر بن محمد حياً.
________________________________________
(305)
فقالوا: جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه وهو أحقّ بالاَمر بعد أبيه، ولانتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة، فهم اليوم يزعمون أنّ الذي سمّاهم رافضة المغيرة حيث فارقوه (1)
ما ذكره الطبري في ذلك الموضع نقله أكثر الموَرّخين وأصحاب المقالات حتى اللغويين، قال ابن منظور: الروافض قوم من الشيعة سمّوا بذلك لاَنّهم تركوا زيد بن علي. قال الاَصمعي: كانوا قد بايعوا زيد بن علي، ثم قالوا له: إبرأ من الشيخين نقاتل معك فأبى. فقال: كانا وزيري جدي فلا أبرأ منهما فرفضوه وأرفضوا عنه فسمّوا رافضة (2)
يقول البغدادي: وكان زيد بن علي قد بايعه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة، وخرج بهم على والي العراق وهو يوسف بن عمر الثقفي. قالوا له: إنّا ننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر بعد أن ظلما جدك علي ابن أبي طالب، فقال زيد بن علي: لا أقول فيهم إلاّ خيراً وما سمعت من أبي فيهم إلاّ خيراً، وإنّما خرجت على بني أُمية الذين قتلوا جدي الحسين وأغاروا على المدينة يوم وقعة الحرة ثم رموا بيت اللّه بالمنجنيق والنار ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم: رفضتموني ومن يومئذ سمّوا رافضة (3)
قال البزدوي: وإنّما سمّوا روافض لاَنّهم وقعوا في أبي بكر وعمر فزجرهم زيد فرفضوه فسمّوا روافض (4)
قال نشوان في شرح رسالة الحور العين: وسميت الرافضة من الشيعة،
________________________________________
(1) الطبري: التاريخ: 5| 498.
(2) لسان العرب: 7|457، مادة رفض.
(3) الفرق بين الفرق: 35، ولاحظ الروض النضير: 1|130.
(4) البزدوي، أُصول الدين: 248.
________________________________________
(306)
رافضة لرفضهم زيد بن علي بن الحسين وتركهم الخروج معه حين سألوه البراءة من أبي بكر وعمر فلم يجيبهم إلى ذلك...(1)
نظرنا في الموضوع :
إنّ هذا الموضوع نقله الموَرخون وأرسله أصحاب المقالات وكتاب العقائد والمذاهب، إرسال المسلّم، ولكن لنا فيه ملاحظات نشير إليها:
1 ـ إنّ تسمية الشيعة بالرافضة لا تفارق التنابز بالاَلقاب المحرّم بنص الذكر الحكيم (2) ولايصدر من إمام فقيه ورع مثل زيد خصوصاً أوان الثورة الذي هو أحوج في هذا الظرف، إلى التآلف وتوحيد الكلمة، وأظن أنّ القصة من أوهام حشوية المشارقة، أو من صنايع نواصب المغاربة الذين كان لهم دور في عصر تدويـن التأريخ وتأليف الحديث(أيام المنصور 138ـ 158هـ) وبعدها فاختلقوها لتشويه سمعة الشيعة ونسبوها إلى أحد علماء أهل البيت _ عليهم السلام _ ليقع موقع القبول من الناس، حتى أنّ المسكين «نشوان الحميري» لم يقتصر على ما ذكر وأردفه بأمر آخر وهو أنّ زيداً لمّا أحسّ أنّ السائلين بصدد نقض البيعة قال حدثني أبي عن جدي أنّه قال لعلي: «إنّه سيكون قوم يدعون حبّنا لهم نبز (3) يعرفون به فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإنّهم مشركون» اذهبوا فأنتم الرافضة، ففارقوا زيداً _ عليه السلام _ فسمّاهم الرافضة فجرى عليهم الاسم (4)
يلاحظ عليه: أنّه كيف اعتمد على ذلك الحديث ويلوح عليه أثر الوضع إذ أيّ صلة بين نقض البيعة أو عدم المشاركة في جهاد زيد ونضاله، وبين كونهم
________________________________________
(1) شرح رسالة الحور العين: 184.
(2) الحجرات: الآية 11.
(3) النبز: اللقب.
(4) السياغي: الروض النضير: 1|131.
________________________________________
(307)
مشركين. هب أنّهم يكونون بذلك فاسقين لامشركين.
2 ـ إنّ النبي الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ لم يكن إنساناً فارغاً عن كل عملٍ حتى يتحدث عن هوَلاء الذين لم يكن لهم دور في الاَوساط الاِسلامية إلاّ لمحاً وأياماً قلائل فهذا الحديث وزان سائر الاَحاديث التي حشاها الحشوية في كتبهم حول الفرق والمذاهب كالقدرية والمعتزلة والمرجئة وغيرهم، بل كسائر الاَحاديث الموضوعة حول محاسن أو مساوىَ الاَئمة الاَربعة الفقهية التي استدل بها الموافق والمخالف لصالح إمامه أو لضد إمام الغير، أعاذنا اللّه وإياكم من دسائس الدجالين.
3 ـ إنّ السوَال عن الشيخين في ذلك الوقت العصيب مع كون المبايعين بين محبّ وغير محبّ، بين من يراهما خليفتي رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ومن يراهما غير مستحقي هذا المقام، سوَالُ من يريد تشتيت الاَمر، وإيجاد الفرقة بين المجاهدين في ساحة الحرب خصوصاً أنّ السوَال طرح عندما رأى أصحاب زيد بن علي أنّ يوسف بن عمر قد بلغه أمر زيد وأنّه يدس إليه ويبحث في أمره(1).
فاللائق بقائد محنّك مثل زيد هو التعتيم والكف عن الاِجابة، ولو اضطر إليها لكان له أن يأتي بجمل متشابهة لا تخدش العواطف كما فعله جده الاِمام أمير الموَمنين _ عليهم السلام _ في حرب صفين عند تقارع السيوف واشتباك الاَسنّة، ففوجىء بمثل هذا السوَال، حيث قام أحد أصحابه سائلاً ـ والمجاهدون فيها بين شيعة يرى الاِمام هو الاِنسان المنصوص عليه بالخلافة، ومن يراه الخليفة الذي بايعه الناس ـ: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال ـ عليه السلام ـ :
يا أخا بني أسد، إنّك لقلقُ الوضين، ترسلُ في غير سدَد، ولك بعدُ ذمامة الصهر وحقّ المسألة، وقد استعلمت فاعلم.
أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام، ونحن الاَعلون نسباً، والاَشدّون بالرسول
________________________________________
(1) الطبري: التاريخ: 5|499.
________________________________________
(308)
_ صلى الله عليه وآله وسلم _ نوطاً، فإنّها كانت أثَرة شُحَّت عليها نفوس قومٍ، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم للّه والمعود (1)إليه يوم القيامة.
ودع عنك نهباً صيح في حجراته * ولكن حديثاً ما حديث الرواحل
وهلمّ الخطب في ابن أبي سفيان، فلقد أضحكني الدهر بعد إبكائه، ولا غرو واللّه، فياله خطباً يستفرغ العجب، ويكثر الاَود.
حاول القوم إطفاء نور اللّه من مصباحه، وسد فوّاره من ينبوعه، وجدحوا بيني وبينهم شرباً وبيئاً، فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوي، أحملهم من الحقّ على محضه، وإن تكن الاَُخرى، "فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون") (2)(3).
ترى أنّ الاِمام أوجز في الجواب وعطف نظر السائل إلى خطورة الموقف ولزوم الحرب مع ابن أبي سفيان، قال ابن أبي الحديد: ولو أخذ الاِمام يصرح له بالنص ويعرفه تفاصيل باطن الاَمر، لنفر عنه، واتّهمه ولم يقبل قوله ولم ينجذب إلى تصديقه، فكان أولى الاَُمور في حكم السياسية وتدبير الناس أن يجيب بما لا نفرة منه ولا مطعن عليه فيه (4)
وأين هو من الجواب المبسوط الذي أتى به زيد بن علي كأنّه يريد أن يدرس العقائد في ساحة الحرب. ونحن نجل قائدنا المحنك من الكلام الخارج عن طور البلاغة.
________________________________________
(1) المعود ـ بسكون العين وفتح الواو ـ كذا ضبطت في اللسان. وفي النهاية لابن الاَثير: هكذا جاء «المعود» على الاَصل، وهو «مفعل» من عاد يعود، ومن حقّ أمثاله أن تقلب واوه ألفاً، كالمقام والمراح، ولكنه استعمله على الاَصل.
(2) فاطر: 8.
(3) نهج البلاغة: الخطبة 163.
(4) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 9|251، الخطبة: 163.
________________________________________
(309)
4 ـ أنّ عليـاً وأهل بيته مقتفون أثر فاطمة بنت النبي الاَكرم _ صلى الله عليه وآله وسلم _ في حقّ الخلفاء ولا يصح لمن ينتمي إلى ذلك البيت أن يبوح بخلاف ما عليه أُمّهم وجدهم، هذا الاَمام البخاري يذكر موقف فاطمة من الخلفاء ويقول: أبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها (فدك وميراثها من النبي) شيئاً فوجدت (1)فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يوَذن بها أبا بكر وصلّى عليها (2)
هذا من جانب، ومن جانب آخر، روى الاِمام البخاري عن المسور بن مخرمة أنّ رسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني (3)
أفبعد هذين الحديثين هل يصحّ أن يترنّم ولد فاطمة بما نسب إليه؟!.
على أنّ المروي عن طريقنا عن سدير ما لا يلائم ذلك، قال: دخلت على أبي جعفر، ومعى سلَمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحدّادوسالم بن أبي حفصة وكثير النوّاء، وجماعة معه، وعند أبي جعفر أخوه زيد بن علي فقالوا لاَبي جعفر: نتولى علياً وحسناً وحسيناً ونتبرّأ من أعدائهم؟ قال: نعم، قالوا: نتوّلى أبا بكر وعمر ونتبرّأ من أعدائهم؟ فالتفت إليهم زيد بن علي وقال: أتتبرّأون من فاطمة بتركم اللّه؟ بترتم أمرنا، فيومئذ سموا البترية (4)
وقد مضت أشعاره في ذلك في الفصل الثالث الخاص بخطبه وشعره.
5 ـ أنّ ظاهر ما نقل عن زيد في هذا الموضع أنّه هو الذي ابتكر ذلك المصطلح وأطلقه على لفيف من الشيعة الذين رفضوه وتركوه في ساحة الحرب
________________________________________
(1) فوجدت: غضبت.
(2) البخاري: الصحيح: 5|177.
(3) المصدر نفسه: 5|36، باب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب فاطمة.
(4) الكشي: الرجال: برقم 110 في ترجمة مسلمة بن كهيل.
________________________________________
(310)
أو أنّه مما حدّث به النبي الاَكرم علياً وهو حدّث أبناءه مع أنّ التاريخ يشهد بخلاف ذلك وأنّ كلمة (الرافضة) كانت كلمة سياسية تطلق على مخالف الدولة والحكومات الحاضرة من غير فرق بين علوي أو عثماني حتى أنّ معاوية بن أبي سفيان سمّى مخالفي علي _ عليه السلام _ رفضة، وقد جاءت الكلمة في كلمات أبي جعفر الباقر قبل أن تكون لزيد فكرة الثورة أو نفسها وقد أتينا بماجاء حول الكلمة في الجزء الاَوّل من هذا المشروع فلا نعيدها، فلاحظ (1)
6 ـ أنّ المنقول مسنداً عن طرقنا أنّه لم يذكرهما بخير في ذلك الموقف الرهيب (2).
________________________________________
(1) بحوث في الملل والنحل: 1|125ـ 126.
(2) الخزاز القمي: كفاية الاَثر: 307، المجلسي: البحار: 46|201 ح 75.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية