وجه تسمية علم الكلام، بالكلام

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 2 ، ص 60 ـ  62
________________________________________
(60)
وجه تسمية علم الكلام، بالكلام
قال في المواقف: إنّما سمّي كلاماً إمّا لأنّه بازاء المنطق للفلاسفة، أو لأنّ أبوابه عنونت أوّلاً بالكلام في كذا، أو لأنّ مسألة الكلام أشهر أجزائه حتى كثر فيه التناحر والسفك فغلب عليه، أو لأنّه يورث قدرة على الكلام في الشرعيات ومع الخصم.(1)
قد ذكر التفتازاني في «شرح العقائد النسفية» في وجه تسمية علم العقائد بعلم الكلام وجوهاً ستة، وكلّها مرجوحة، وإليك نصّه:
________________________________________
1. المواقف: 8ـ9.
________________________________________
(61)
1. إنّ عنوان مباحث ذلك العلم كان قولهم: الكلام في كذا.
2. لأنّه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات وإلزام الخصوم، كالمنطق للفلسفة.
3. لأنّه أوّل ما يجب من العلوم التي تُتعلّم بالكلام.
4. لأنّه إنّما يتحقّق بالمباحثة وإدارة الكلام من الجانبين.
5. لأنّه أكثر العلوم خلافاً ونزاعاً، فيشتد افتقاره إلى الكلام.
6. لأنّه لقوّة أدلّته صار كأنّه هو الكلام دون ما عداه.(1)
إنّ واحداً من هذه الوجوه لا يقبله الذوق، لأنّ جميعها أو أكثرها مشترك بين علم العقائد وغيره من العلوم، فلماذا اختص ذاك العلم به ولم يطلق على سائر العلوم؟
والظاهر أنّ تسميته به لأحد وجهين تاليين:
1. إنّ أوّل خلاف وقع في الدين كان في كلام الله عزّوجلّ، وأنّه أمخلوق هو أو غير مخلوق؟ فتكلم الناس فيه، فسمّي هذا النوع من العلم كلاماً واختص به.(2)
يلاحظ عليه: أنّ حدوث القرآن و قدمه لم يكن أوّل خلاف وقع في الدين، بل سبقته عدة خلافات.
منها: كون صيغة الخلافة هي التنصيص أو اختيار الأُمّة، وبعبارة أُخرى: هل الخليفة بعد رسولالله أبو بكر أو عليّ؟
ومنها: أنّ مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن فاسق، أو لا مؤمن ولا كافر بل منزلة بين المنزلتين، أو كافر؟ فقد أثار أمر التحكيم في (صفّين) هذه المسألة.
طرحت هذه المسألة في الأوساط الإسلامية قبل أن يطرح قدم القرآن أو حدوثه.
________________________________________
1. شرح العقائد النسفية: 15، طبع بغداد سنة 1326هـ. 2. الوفيات:1/677.

________________________________________
(62)
ومنها: أنّ الإيمان إذعان وقول وعمل، أو إذعان فقط، أو إذعان بشرط الإظهار، إلى غير ذلك من الوجوه.
ومنها: مسألة الجبر والاختيار، وسيادة القدر على حرية الإنسان بل على قدرة الرب فلا يغير ولا يبدل المقدر، أو غير ذلك.
فهذه المسائل متقدمة على البحث عن قدم القرآن وحدوثه.
وإنّما طرحت هذه المسألة في أوائل الخلافة العباسية بين الأوساط.
نعم، ينسب القول بالحدوث إلى آخر الخلفاء من المروانيّين، وأنّه أخذ حدوث القرآن عن الجعد بن درهم، ولم يوجد القول بالقدم والحدوث في أواخر المروانيّين دوياً بين الناس.
2. إنّ تسمية علم العقائد بالكلام لأجل أنّ ذاك العلم بالصورة العقلية كان مهنة للمعتزلة وحرفة لهم، وبما أنّ هؤلاء كانوا أرباب الفصاحة والبلاغة وكانوا يدافعون عن عقيدتهم بأفصح العبارات وأبلغها وأوكدها، فلذلك اشتهروا بأصحاب الكلام، وسمِّي من لصق بذلك وتمهّر فيه متكلماً، والله العالم.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية