الله سبحانه ليس بجسم

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 2 ، ص 77 ـ  79
________________________________________
(77)
(5)
الله سبحانه ليس بجسم

لقد أكّد الشيخ الأشعري على تنزيه الله سبحانه عن الجسم والجسمانيات في كتاب «اللمع» بشكل واضح، وبذلك امتاز منهجه عن منهج كثير من أهل الحديث الذين لا يتورّعون عن إسناد أُمور إليه سبحانه تلازم تجسيمه وكونه ذا جهة. وقد أوضحنا حال هذه الطائفة عند البحث عن عقائد أهل الحديث والحنابلة في الجزء الأوّل.
وأمّا البرهان الذي اعتمد عليه الشيخ فيرسمه في العبارة التالية:
فإن قال قائل: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى جسماً؟
قيل له: أنكرنا ذلك لأنّه لا يخلو أن يكون القائل بذلك أراد أن يكون طويلاً عريضاً مجتمعاً، أو يكون أراد تسميته جسماً وإن لم يكن طويلاً عريضاً مجتمعاً عميقاً، فإن أراد الأوّل فهذا لا يجوز، لأنّ المجتمع لا يكون شيئاً واحداً، لأنّ أقلّ قليل الاجتماع لا يكون إلاّمن شيئين، لأنّ الشيء الواحد لا يكون لنفسه مجامعاً. وقد بيّنا آنفاً أنّ الله عزّوجلّ شيء واحد، فبطل أن يكون مجتمعاً. وإن أردتم الثاني فالأسماء ليست إلينا، ولا يجوز أن يسمى الله تعالى باسم لم يسمِّ به نفسه، ولا سمّاه به رسوله، ولا أجمع المسلمون عليه ولا على معناه.(1)
يلاحظ عليه: أنّ توحيده سبحانه على مراتب نذكر منها ماله صلة بالمقام:
________________________________________
1. اللمع: 24.
________________________________________
(78)
1.توحيده سبحانه بمعنى أنّه واحد لا نظير له ولا مثيل. وهذا ما يعنى من قوله سبحانه: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد) (1)، وقوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء)(2)، وهذا القسم من التوحيد يهدف إلى أنّ واجب الوجوب بالذات واحد لا يتثنى ولا يتكرر، ليس له نظير ولا مثيل.
2. توحيده سبحانه بمعنى بساطة ذاته وتنزهه عن أنواع التركيب والكثرة في مقام الذات. ولعل «الأحدية» التي يخبر عنها القرآن في الآيات الكريمة، عبارة عن هذا النوع من التوحيد، وهو بساطة الذات والتنزّه عن التركيب والكثرة. قال سبحانه: (قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) .(3)
وفي ضوء هذين التوحيدين نخرج بالنتيجتين التاليتين:
أ. الله سبحانه واحد لا نظير له ولا مثيل.
ب. الله سبحانه أحد، بسيط، لا جزء لذاته ولا تركيب.
وهناك قسم ثالث من التوحيد، وهو التوحيد في الخالقية، وأنّه ليس في صفحة الوجود خالق إلاّ هو، وخالقية الفواعل الأُخر بالاعتماد عليه والاستمداد من خالقيته سبحانه.
إذا عرفت ذلك، تعرف الخلط في كلام الشيخ الأشعري بوضوح، لأنّ ما تقدّم منه في البحث السابق هو وحدة صانع العالم، ولكن ما هو مقدمة برهانه هنا بساطة ذاته وعدم تركبه من شيء، ولم يسبق ذلك في البحث السابق حتى يعتمد عليه في إثبات ما يتبنّاه من :«أنّه سبحانه ليس جسماً، لأنّ الجسمانية تستلزم كون الشيء عريضاً طويلاً مجتمعاً عميقاً. وهو يلازم الكثرة، والكثرة لا تجتمع مع الوحدة».
وعلى ذلك فلا يتم برهان الشيخ إلاّإذا برهن على بساطة الذات ووحدتها
________________________________________
1. الاخلاص:4. 2. الشورى:11. 3. الاخلاص:1.
________________________________________
(79)
وعدم تكثّرها عقلاً ولا خارجاً، وإلاّ لا يكون برهانه موضوعياً معتمداً على شيء أثبته من قبل.
نعم، في وسع الشيخ أن يبرهن على البساطة بأنّ الكثرة الخارجية أو الذهنية تستلزم احتياج الواجب إلى أجزائه، والمحتاج لا يكون واجباً، بل ممكناً.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية