التكليف بما لا يطاق غير جائز

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 31 ـ  33
________________________________________
(31)
4ـ التكليف بما لا يطاق غير جائز:

ذهب الأشعري إلى جواز التكليف بما لايطاق وقال: «والدليل على جواز تكليف ما لا يطاق من القرآن قوله تعالى للملائكة: (أَنْبِؤُني بِأسْماءِ هؤلاءِ) (البقرة /31) يعني أسماء الخلق، وهم لا يعلمون ذلك ولا يقدرون عليه.... إلى غير ذلك من الآيات الّتي عرفت مفادها في محلّها (1).
________________________________________
1. لاحظ الجزء الثاني من هذا الكتاب: 185 .
________________________________________
(32)
والماتريدي مخالف صنوه الداعي ويقول: «ولا يجوز التكليف بما لا يطاق لعدم القدرة أو الشرط، واختاره الاُستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني كما في (التبصرة) وأبوحامد الاسفرائيني كما في شرح السبكي لعقيدة أبي منصور»(1).
هذا ما نقله البياضي عن الماتريديّة، وأمّا نفس أبي منصور فقد فصّل في كتابه «التوحيد» بين مضيِّع القدرة فيجوز تكليفه، وبين غيره فلا يجوز. قال: «إنّ تكليف من مُنع عن الطاقة فاسد في العقل، وأمّا من ضيّع القوّة فهو حقّ أن يكلّف مثله، ولو كان لا يكلّف مثله لكان لا يكلّف إلاّ من يطيع» (2).
يلاحظ عليه:
1ـ أنّ من الاُصول المسلّمة عند العقل، كون الامتناع بالإختيار غير مناف للإختيار، فمن ألقى نفسه من شاهق عن اختيار فقد قتل نفسه اختياراً، فالقتل بعد الإلقاء وإن كان خارجاً عن الاختيار، ولكنّه لمّا كان الإلقاء ـ الّذي يُعدّ من مبادئ القتل ـ في اختياره، يعدّ القتل فعلاً اختياريّاً لا اضطراريّاً.
2ـ أنّ من فقد القدرة، وعجز عن القيام بالعمل، سواء أكان بعامل اختياريّ أم غيره، لا يصحّ تكليفه به عن جدّ، لأنّ فاقد القدرة والجماد في هذه الجهة سواسية، فلا تظهر الارادة الجدّية في صقع الذهن، ولو خوطب العاجز فإنّما يخاطب بملاكات أُخر من التقريع، والتنديد، وغيرهما.
وفي ضوء هذين الأمرين يستنتج أنّ من ضيّع قدرته يُعذَّب، لما تقرّر من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، ولكن لا يصحّ تكليفه بعد الضياع، للغويّة الخطاب واستهجانه، وبذلك يظهر وهن برهان المفصّل من أنّه لو لم يصحّ تكليف المضيِّع للقدرة لاختصّ التكليف بالمطيع، لما عرفت من أنّ سقوط التكليف والخطاب
________________________________________
1. اشارات المرام: ص 54 في فصل الخلافيات بين جمهور الماتريدية والأشعرية. 2. التوحيد: ص 266 .
________________________________________
(33)
بالتضييع، لايستلزم سقوط العقاب والمؤاخذة، وقد اشتهر بين القوم أنّ الامتناع بالاختيار، لاينافي الاختيار عقاباً لا خطاباً، ولو كان الماتريدي واقفاً على أنّ القائلين بامتناع التكليف بما لايطاق، قائلون بصحّة عقوبة من ضيّع القدرة، وجعل نفسه في عداد العجزة، لما فصّل بين من مُنع منه الطّاقة، ومن ضيّعها، ولما ضرب الجميع بسهم واحد.
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية