أفعال اللّه سبحانه معلّلة بالغايات

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 33 ـ  40
________________________________________
(33)
5ـ أفعال اللّه سبحانه معلّلة بالغايات:
ذهبت الأشاعرة إلى أنّ أفعاله سبحانه ليست معلّلة بالأغراض، وأنّه لا يجب عليه شيء، ولا يقبح عليه شيء، واستدلّوا على ذلك بما يلي:
1ـ لو كان فعله تعالى لغرض، لكان ناقصاً لذاته، مستكملاً بتحصيل ذلك الغرض، لأنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه، وهو معنى الكمال(1).
وقالت الماتريديّة: أفعاله تعالى معلّلة بالمصالح والحكم تفضّلاً على العباد، فلا يلزم الاستكمال ولا وجوب الأصلح واختاره صاحب المقاصد(2).
هل الغاية، غاية للفاعل أو للفعل؟
إنّ الأشعري خلط بين الغرض الراجع إلى الفاعل، والغرض الراجع إلى فعله، فالاستكمال موجود في الأوّل دون الثاني، والقائل بكون أفعاله معلّلة بالأغراض، والغايات، والدواعي، والمصالح، إنّما يعني بها الثاني دون الأوّل، والغرض بالمعنى الأوّل ينافي كونه غنيّاً بالذات، وغنيّاً في الصِّفات، وغنيّاً في الأفعال، والغرض بالمعنى الثاني يوجب خروج فعله عن كونه عبثاً ولغواً، وكونه سبحانه عابثاً ولاغياً، فالجمع بين كونه غنيّاً غير محتاج إلى شيء، وكونه حكيماً منزّهاً عن العبث واللّغو، يتحقّق بالقول باشتمال أفعاله على مصالح وحِكم ترجع إلى العباد والنظام، لا إلى وجوده وذاته، كما لا يخفى.
________________________________________
1. المواقف: ص 331 . 2. اشارات المرام: ص 54 .
________________________________________
(34)
تفسير العلة الغائية:
العلّة الغائيّة الّتي هي إحدى أجزاء العلّة التامّة، يراد منها في مصطلح الحكماء، ما تُخرج الفاعلَ من القوّة إلى الفعل،ومن الامكان إلى الوجوب، ويكون مقدّمة صورة وذهناً، ومؤخّرة وجوداً وتحققاً، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلاً بالقوّة إلى كونه فاعلاً بالفعل، مثلاً النجّار لا يقوم بصنع الكرسيّ إلاّ لغاية مطلوبة مترتّبة عليه، ولولا تصوّر تلك الغاية لما خرج عن كونه فاعلاً بالقوّة، إلى ساحة كونه فاعلاً بالفعل، وعلى هذا فللعلّة الغائيّة دور في تحقّق المعلول، وخروجه من الإمكان إلى الفعليّة، لأجل تحريك الفاعل نحو الفعل، وسوقه إلى العمل.
ولا نتصوّر العلّة الغائيّة بهذا المعنى في ساحته سبحانه لغناه المطلق في مقام الذات، والوصف، والفعل، فكما أنّه تامّ في مقام الوجود، تامّ في مقام الفعل، فلا يحتاج في الإيجاد إلى شيء وراء ذاته، وإلاّ فلو كانت فاعليّة الحقّ كفاعليّة الانسان، الذي لايقوم بالايجاد والخلق، إلاّ لأجل الغاية المترتّبة عليه، لكان ناقصاً في مقام الفاعليّة، مستكملاً بشيء وراء ذاته وهو لا يجتمع مع غناه المطلق.
هذا ما ذكره الحكماء، وهو حقّ لا غبار عليه، وقد استغلّته الأشاعرة في غير موضعه واتّخذوه حجّة لتوصيف فعله عارياً عن أيّة غاية وغرض، وجعلوا فعله كفعل العابثين واللاعبين، يفعل (العياذ باللّه) بلا غاية، ويعمل بلا غرض، ولكنّ الاحتجاج بما ذكره الحكماء لإثبات ما رامته الأشاعرة واضح البطلان، لأنّ إنكار العلّة الغائيّة بهذا المعنى، لا يلازم أن لا يترتّب على فعله مصالح وحكم ينتفع بها العباد، وينتظم بها النظام، وإن لم تكن مؤثّرة في فاعليّة الحقّ وعليّته، وذلك لأنّه سبحانه فاعل حكيم، والفاعل الحكيم لا يختار من الأفعال الممكنة إلاّ ما يناسب ذلك، ولا يصدر منه ما يضادّه ويخالفه.
________________________________________
(35)
وبعبارة ثانية، لا نعني من ذلك أنّه قادر لواحد من الفعلين دون الآخر وأنّه في مقام الفاعليّة يستكمل بالغاية، فيقوم بهذا دون ذاك، بل هو سبحانه قادر على كلا الأمرين، لا يختار منهما إلاّ ما يوافق شأنه، ويناسب حكمته، وهذا كالقول بأنّه سبحانه يعدل ولا يجور، فليس يعنى من ذلك أنّه تامّ الفاعليّة بالنسبة إلى العدل دون الجور، بل يعنى أنّه تام القادريّة لكلا العملين، لكن عدله، وحكمته، ورأفته، ورحمته، تقتضي أن يختار هذا دون ذلك مع سعة قدرته لكليهما.
هذا هي حقيقة القول بأنّ أفعال اللّه لا تعلّل بالأغراض والغايات المصطلحة، مع كون أفعاله غير خالية عن المصالح والحكم من دون أن يكون هناك استكمال.
دليل ثان للأشاعرة:
ثمّ إنّ أئمّة الأشاعرة لمّا وقفوا على منطق العدليّة في المقام، وأنّ المصالح والحكم ليست غايات للفاعل بل غايات للفعل، وأنّها غير راجعة إلى الفاعل، بل إلى العباد والنّظام، طرحوه على بساط البحث فأجابوا عنه وإليك نصّ كلامهم:
1ـ «فان قيل: لانسلّم الملازمة، فإنّما الغرض قد يكون عائداً إلى غيره.
قيل له: نفع غيره والاحسان إليه إن كان أولى بالنسبة إليه تعالى من عدمه، جاء الالزام، لأنّه تعالى يستفيد حينئذ بذلك النّفع والاحسان ما هو أولى به وأصلح، وإن لم يكن أولى بل كان مساوياً، أو مرجوحاً، لم يصلح أن يكون غرضاً له
»(1).
وقد جاء بنفس هذا البيان «الفضل بن روزبهان» في ردّه على «نهج الحقّ» للعلاّمة الحلّي وقال:
«إنّه لا يصلح غرضاً للفاعل إلاّ ما هو أصلح له من عدمه، وذلك لأنّ ما يستوي وجوده وعدمه بالنّظر إلى الفاعل، أو كان وجوده مرجوحاً بالقياس إليه، لا يكون باعثاً
________________________________________
1. المواقف: ص 332 .
________________________________________
(36)
على الفعل، وسبباً لإقدامه عليه بالضّرورة، فكلّ ما يكون غرضاً وجب أن يكون وجوده أصلح للفاعل، وأليق به من عدمه، فهو معنى الكمال، فإذن يكون الفاعل مستكملاً بوجوده، ناقصاً بدونه»(1).
يلاحظ عليه: أنّ المراد من الأصلح والأولى به، ما يناسب شؤونه، فالحكيم لايقوم إلاّ بما يناسب شأنه، كما أنّ كلّ فاعل غيره يقوم بما يناسب المبادئ الموجودة فيه، فتفسير الأصلح والأولى بما يفيده ويكمِّله، تفسير في غير موضعه.
ومعنى أنّه لا يختار إلاّ الأصلح والأولى، ليس أنّ هناك عاملاً خارجاً عن ذاته، يحدِّد قدرته ومشيئته ويفرض عليه إيجاد الأصلح والأولى، بل مقتضى كماله وحكمته، هو أن لا يخلق إلاّ الأصلح والأولى، ويترك اللّغو والعبث، فهو سبحانه لمّا كان جامعاً للصّفات الكماليّة ومن أبرزها كونه حكيماً، صار مقتضى ذلك الوصف، إيجاد ما يناسبه وترك ما يضادّه، فأين هو من حديث الاستكمال، والاستفادة، والالزام، والافراض، كلّ ذلك يعرب عن أنّ المسائل الكلاميّة طرحت في جوّ غير هادئ وأنّ الخصم لم يقف على منطق الطّرف الآخر.
والحاصل، أنّ ذاته سبحانه تامة الفاعليّة بالنسبة إلى كلا الفعلين: الفعل المقترن مع الحكمة، والخالي عنها، وذلك لعموم قدرته سبحانه للحسن والقبيح، ولكن كونه حكيماً يصدّه عن ايجاد الثاني ويخصّ فعله بالأوّل، وهذا صادق في كلّ فعل له قسمان: حسن وقبيح. مثلاً، اللّه سبحانه قادر على إنعام المؤمن وتعذيبه، وتامّ الفاعليّة بالنّسبة إلى الكلّ، ولكن لا يصدر منه إلاّ القسم الحسن منهما لا القبيح، فكما لا يستلزم القول بصدور خصوص الحسن دون القبيح (على القول بهما) كونه ناقصاً في الفاعليّة، فهكذا القول بصدور الفعل المقترن بالمصلحة دون المجرّد عنها، وإنعام المؤمن ليس مرجوحاً ولا مساوياً مع تعذيبه بل أولى به وأصلح، لكن معنى صلاحه وأولويّته لا يهدف إلى استكماله أو استفادته منه، بل يهدف إلى أنّه المناسب لذاته الجامعة للصفات الكماليّة،
________________________________________
1. دلائل الصدق: ج 1 ص 233 .
________________________________________
(37)
المنزهة عن خلافها، فجماله وكماله، وترفّعه عن ارتكاب القبيح، يطلب الفعل المناسب له، وهو المقارن للحكمة، والتجنّب عن مخالفتها.
والحاصل أنّ الله سبحانه فعل أم لم يفعل فهو كامل بلانهاية، لكن لو فعل لاختار المناسب للحكمة و أين هو من الاستكمال.
دليل ثالث للأشاعرة:
وهناك دليل ثالث لهم حاصله: أنّ غرض الفعل خارج عنه، يحصل تبعاً له وبتوسّطه، وبما أنّه تعالى فاعل لجميع الأشياء ابتداءً، فلا يكون شيء من الكائنات إلاّ فعلاً له، لا غرضاً لفعل آخر لا يحصل إلاّ به، ليصلح غرضاً لذلك الفعل، وليس جعل البعض غرضاً أولى من البعض(1).
وكان عليه أن يقرّر الدليل بصورة كاملة ويقول: لو كان البعض غاية للبعض فإمّا أن ينتهي إلى فعل لا غاية له فقد ثبت المطلوب، أو لا فيتسلسل وهو محال.
يلاحظ عليه:ـ أنّه لايشكّ من أطلّ بنظره إلى الكون، أنّ بعض الأشياء بما فيها من الآثار خلق لأشياء اُخر، فالغاية من ايجاد الموجودات الدانية كونها في خدمة العالية منها، وأمّا الغاية في خلق العالية هي إبلاغها إلى حدّ تكون مظاهر ومجالي لصفات ربِّه، وكمال بارئه.
إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي نرى هناك أوائل الأفعال، وثوانيها، وثوالثها و... فيقع الداني في خدمة العالي، ويكون الغرض من إيجاد العالي إيصاله إلى كماله الممكن الّذي هو أمر جميل بالذات، ولا يطلب إيجاد الجميل بالذات غاية سوى وجوده لأنّ الغاية منطوية في وجوده.
هذا إذا نظرنا إلى الكون بالنظر التجزيئي. وأمّا إذا نظرنا إلى الكون بالنظر
________________________________________
1. المواقف: ص 322 .
________________________________________
(38)
الجملي، فالغاية للنّظام الجملي ليس أمراً خارجاً عن وجود النظام حتّى يسأل عنها بالنحو الوارد في الدليل، بل هي عبارة عن الخصوصيّات الموجودة فيه وهي بلوغ النظام بأبعاضه وأجزائه إلى الكمال الممكن، والكمال الممكن المتوخّى من الإيجاد خصوصيّة موجودة في نفس النظام، ويعدّ صورة فعليّة له، فالله سبحانه خلق النظام، وأوجد فعله المطلق، حتّى يبلغ ما يصدق عليه فعله كلاًّ أو بعضاً إلى الكمال الّذي يمكن أن يصل إليه. فليست الغاية شيئاً مفصولاً عن النظام، حتّى يقال ما هي الغاية لهذه الغاية حتّى تتسلسل، أو تصل إلى موجود لا غاية له.
وبما أنّ إيصال كلّ ممكن إلى كماله، غاية ذاتيّة، لأنّه عمل جميل بالذات، فيسقط السؤال عن أنّه لماذا قام بهذا، لأنّه حين أوصل كلّ موجود إلى كماله الممكن، فالسؤال يسقط إذا انتهى إلى السؤال عن الأمر الجميل بالذات.
فلو سئلنا عن الغاية لأصل الايجاد وإبداع النظام، لقلنا: بأنّ الغرض من الإيجاد عبارة عن إيصال كلّ ممكن إلى كماله الممكن. ثمّ إذا طرح السؤال عن الهدف من إيصال كلِّ ممكن إلى كماله الممكن، لكان السؤال جزافياً ساقطاً، لأنّ العمل الحسن بالذات، يليق أن يفعل، والغاية نفس وجوده.
فالايجاد فيض من الواجب إلى الممكن، وإبلاغه إلى كماله فيض آخر، يتمّ به الفيض الأوّل، فالمجموع فيض من الفيّاض تعالى إلى الفقير المحتاج، ولا ينقص من خزائنه شيء، فأيّ كمال أحسن وأبدع من هذا؟ وأىُّ غاية أظهر من ذلك، حتّى تحتاج إلى غاية اُخرى؟ وهذا بمثابة أن يسأل لماذا يفعل اللّه الأفعال الحسنة بالذات؟ فإنّ الجواب، مستتر في نفس السؤال وهو أنّه فعله لأنّه حسن بالذات، وما هو حسن بالذات نفسه الغاية، ولا يحتاج إلى غاية اُخرى.
ولأجل تقريب الأمر إلى الذهن نأتي بمثال: إذا سألنا الشابّ الساعي في التّحصيل وقلنا له: لماذا تبذل الجهود في طريق تحصيلك؟ فيجيب: لنيل الشهادة العلمية. فإذا أعدنا السؤال عليه وقلنا: ما هي الغاية من تحصيلها؟ يجيبنا: للاشتغال في
________________________________________
(39)
إحدى المراكز الصناعية، أو العلميّة، أو الاداريّة. فإذا أعدنا السؤال عليه وقلنا: ماهي الغاية من الاشتغال فيها؟ يقول: لتأمين وسائل العيش مع الأهل والعيال. فلو سألناه بعدها عن الغاية من طلب الرفاه وتأمين سبل العيش، لوجدنا السؤال جزافياً. لأنّ ما تقدّم من الغايات وأجاب عنها، غايات عرضية لهذه الغاية المطلوبة بالذات، فإذا وصل الكلام إلى الأخيرة يسقط السؤال.
القرآن وأفعاله سبحانه الحكيمة:
والعجب عن غفلة الأشاعرة من النصوص الصريحة في هذا المجال. يقول سبحانه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون /115) وقال عزّ من قائل: (وما خَلَقْنَا السَّمواتِ والأرضَ وما بَيْنَهُما لاعِبين) (الدخان /38).
وقال سبحانه: (وَ مَا خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الأرضَ وَ مَا بَيْنَهُما بَاطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ) (ص /27) وقال سبحانه: (وَ مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَ الإِنسَ إلاّ لِيَعْبُدُون) (الذاريات /56) إلى غير ذلك من الآيات الّتي تنفي العبث عن فعله، وتصرّح باقترانها بالحكمة والغرض.
وأهل الحديث وبعدهم الأشاعرة الّذين اشتهروا بالتعبّد بظواهر النصوص تعبّداً حرفيّاً غير مفوّضين معانيها إلى الله سبحانه ولا مؤوّليها، لا مناص لهم إلاّ تناسي الآيات الماضية، أو تأويلها، وهم يفرّون منه، وينسبونه إلى مخالفيهم.
عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة:
ومن الخطأ الواضح، عطف مذهب الحكماء على مذهب الأشاعرة، وتصوير أنّ الطّائفتين يقولون بأنّ أفعال اللّه سبحانه غير معلّلة بالأغراض، وهو خطأ محض. كيف وهذا صدر المتألهين يخطِّئ الأشاعرة ويقول: «إنّ من المعطِّلة قوماً جعلوا فعل اللّه تعالى خالياً عن الحكمة والمصلحة، مع أنّك قد علمت أنّ للطّبيعة غايات»(1) وقال أيضاً:
________________________________________
1. الأسفار: ج 2، ص 59 .
________________________________________
(40)
«إنّ الحكماء ما نفوا الغاية والغرض عن شيء من أفعاله مطلقاً، بل إنّما نفوا عن فعله المطلق (إذا لوحظ الوجود الإمكاني جملة واحدة)وفي فعله الأوّل غرضاً زائداً على ذاته تعالى، وأمّا ثواني الأفعال والأفعال المخصوصة، والمقيّدة، فأثبتوا لكلّ منها غاية مخصوصة. كيف وكتبهم مشحونة بالبحث عن غايات الموجودات ومنافعها كما يعلم من مباحث الفلكيّات، ومباحث الأمزجة، والمركّبات، وعلم التشريح، وعلم الأدوية، وغيرها»(1).
وعلى ذلك فنظريّة الحكماء تتلخّص في أمرين:
1ـ إنّ أفعاله سبحانه غير متّصفة بالعبث واللّغو، وإنّ هنا مصالح وحِكَماً تترتّب على فعله، يستفيد بها العباد، ويقوم بها النّظام.
2ـ إذا لوحظ الوجود الإمكاني على وجه الإطلاق، فليس لفعله غرض خارج عن ذاته، لأنّ المفروض ملاحظة الوجود الإمكاني جملة واحدة، والغرض الخارج عن الذّات لو كان أمراً موجوداً فهو داخل في الوجود الإمكاني، وليس شيء وراءه، وعند ذاك فليس الغرض شيئاً خارجاً عن الذات وإنّما الغرض نفس ذاته، لئلاّ يكون ناقص الفاعليّة، لأنّ الحاجة إلى شيء خارج عن ذاته في القيام بالفعل، آية كونه ناقصاً في الفاعليّة، والمفروض أنّه سبحانه تامّ في فاعليّته، غنيّ في ذاته وفعله عن كل شيء سوى ذاته.
ثمّ إنّ لهم بياناً فلسفيّاً ممزوجاً بالدليل العرفاني، يهدف إلى كون الغرض من الخلق هو ذاته سبحانه، وبه فسّروا قوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَ الإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ) وقوله في الحديث القدسي: «كنت كنزاً مخفياً فأحببتُ أن أُعرفَ، فخلقت الخلقَ لكي أُعرف» والله سبحانه هو غاية الغايات، ومن أراد الوقوف على برهانهم فليرجع إلى أسفارهم(2).
________________________________________
1. الأسفار: ج 7، ص 84 . 2. الأسفار: ج 2 ص 263 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية