هل الاحتفال بالمواليد شرك أو بدعة ؟

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 4 ، ص 320 ـ 323
________________________________________
(320)
أ ـ هل الاحتفال بالمواليد شرك؟
قد عرفت أنّ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية أفتى بكونه شركاً، وقال: هو نوع من العبادة للأولياء وتعظيمهم.
ولكنّه كعامة الوهابيين لم يفرّق بين التكريم والعبادة، ولذلك عطف التعظيم على العبادة، وهذا هو الداء العياء في دعاية الوهابيين وكتبهم وخطبهم، وأرخص شيء عندهم هو الشرك في العبادة، فلا تميل يميناً ولا يساراً
________________________________________
(321)
إلاّ وتسمع من الجماعة المتسمين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يصرخون في وجهك «يا حاج! هذا شرك» وهم لم يحددوا للعبادة حداً منطقياً حتّى يميزوا في ضوئه العبادة عن التعظيم، فعادوا يسمّون كل تعظيم شركاً، ولو كان تعظيم وخضوع عبادة، للزم كفر المملوك والزوجة، والولد والخادم، والأجير، والرعية، والجنود، بإطاعتهم وخضوعهم للمولى والزوج والأب والمخدوم والمستأجر والملك والأمراء، وجميع الخلق لإطاعتهم بعضهم بعضاً، بل كفر الأنبياء لإطاعتهم آباءهم وخضوعهم لهم، وقد أوجب اللّه طاعة أوامر الأبوين، وخفض جناح الذل لهما، وقال لرسوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنِيِنَ)(1)، وأمر بتعزير(2) النبي وتوقيره، وأمر بإِطاعة الزوجة لزوجها، وأوجب إطاعة العبيد لمواليهم وسمّاهم عبيداً(3) .
وقد عرفناك على أنّ العنصر المقوم لكون التعظيم عبادة، هو الاعتقاد بألوهية المعظَّم له، أو ربوبيته، أو كونه مالكاً لمصير المعظّم، وأنّ بيده عاجله وآجله، ومنافعه و مضارّه، ولا اقل مغفرته وشفاعته، وأمّا إذا خلا التعظيم عن هذه العناصر، وقام بالاحتفال بذكرى رجل ضحّى بنفسه ونفيسه من أجل استقلال أُمته وإخراجها عن نير الاستعباد، وهيّأ لهم أسباب الاستقلال، فلا يعد ذلك عبادة له، وإن كان هناك احتفال أو احتفالات، وأُلقي فيها عشرات القصائد والخطب فلا صلة لهذابالعبادة. نعم يدور أمر كل ذلك بين الحلال والحرام، وهل الشارع رخص ذلك أو لم يرخص، وسيوافيك أنّ باذر هذه الشكوك ابن تمية، يرى أن الأصل في العادات عدم الخطر، إلا ما حظره اللّه(4). نعم، الاحتفال بمولد النبي ليس من العادات، ولا يقام بما أنه أمر عادي بل بما هو أمر قربي له أصل في الكتاب والسنة كما مرّ وسيأتي أيضاً .
________________________________________
1. سورة الشعراء: الآية 215 .
2 . إشارة إلى قوله سبحانه:(
فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوه النور الّذي أُنزل مع
ه)سورة الأعراف:الآية 157
3. كشف الارتياب، ص 103 وللكلام صلة مفيدة جداً فمن أراد فليرجع إليه .
4. المجموع من فتاوى ابن تيمية: ج 4 ص 195 .

________________________________________
(322)
ب ـ هل الاحتفال بالمواليد بدعة؟
إنّ القوم يعدّون الاحتفال شركاً تارة، وبدعة ثانياً، وقد عرفت أنه ليس بشرك لفقدان العنصر المقوم للشرك فيه، وأمّا كونه بدعة فقد عرفت بطلانه عند البحث عن أنه عبارة عن إحداث أمر باسم الدين، وليس له فيه نصّ أو أصل، والاحتفال، وإن لم يكن فيه نص، لكن له أصلا في الكتاب والسنة، وهو حبّ النبي ومودته وإظهاره; فليست هذه الاحتفالات إلاّ تجسيداً للحب لا للعداء والنصب والبغضاء، نعم، المنع عنه إظهار للضغينة الكامنة في القلوب .
هلمّ معنا ندرس دليلهم الثالث:
ج ـ لو كان خيراً لأقامة السلف
هذا هو الدليل الثالث الّذي يركن إليه المانع، وهو من أعجب الدلائل، فكأنّ السلف مقياس الحق والباطل في الفعل والترك معاً، فلو تركوا شيئاً دل ذلك على أنه باطل يجب تركه، نحن نفترض أنّ السلف لم يقيموه ولم يحوموا حوله، ولكن الخلف أبناء الدليل، فلو كان له أصل في القرآن والسنة لا يعبأ بترك السلف. على أنّ هذا ما يقوله القائل، ونحن إذا رجعنا إلى التاريخ نجد أنّ السلف أقامه عبر القرون والأجيال قبل أن يتولد باذر هذه الشكوك .
هذا مؤلف تاريخ الخميس يقول: ولا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده، ويعملون الولائم ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، يظهرون السرور، ويزيدون في المبرّات، يعتنون بقراءة مولده الشريف، ويظهر عليهم من كراماته كل فضل عميم(1) .
وقال القسطلاني: ولا زال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده ـ عليه السَّلام ـ ، ويعملون الولائم ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات،
________________________________________
1. تاريخ الخميس، ج 1 ص 323 للديار بكري .
________________________________________
(323)
ويظهرون السرور، ويزيدون في المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم. ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم... فرحم اللّه امرأً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ليكون أشدّ علّةً على من في قلبه مرض وأعياه داء .
ولقد أطنب ابن الحاج في «المدخل» في الإنكار على ما أحدثه الناس من البدع و الأهواء، والغناء بالآلات المحرمة في العمل بالمولد الشريف، واللّه تعالى يثيبه على قصده الجميل(1) .
وقال ابن عباد في رسائله الكبرى: «وأمّا المولد فالذي يظهر لي أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسم من مواسمهم، وكل ما يفعل فيه مما يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك... أمر مباح لا منكر»(2) .
كلمة أخيرة
إنّ المانعين عن الاحتفال بمولد النبي يقولون: إنّ أول من احتفل بمولد النبي هو الأمير أبو سعيد مظفر الدين الاربلي عام 630 هـ ، وربما يقال: أول من أحدثه بالقاهرة، الخلفاء الفاطميون، أولهم المعز لدين اللّه، توجه من المغرب إلى مصر في شوال 361 هـ ، وقيل في ذلك غيره(3) وعلى أي تقدير فقد احتفل المسلمون حقباً وأعواماً من دون أن يعترض عليهم أىّ ابن أُنثى، وعلى أىّ حال فقد تحقق الإجماع على جوازه وتسويغه واستحبابه قبل أن يتولد باذر هذه الشكوك، فلماذا لم يكن هذا الإجماع حجة؟ مع أن اتّفاق الأُمة بنفسه أحد الأدلة، وكانت السيرة على تبجيل مولد النبي إلى أن جاء ابن تيمية، والعز بن عبد السلام، وابن رجب، والشاطبي فناقشوا فيه ووصفوه بالبدعة، مع أنّ الإجماع انعقد قبل هؤلاء بقرون، أو ليس انعقاد الإجماع في عصر من العصور حجة بنفسه ؟
________________________________________
1. المواهب اللدنية: ج 1 ص 27 .
2. لاحظ المواسم والمراسم، نقلا عن القول الفصل في الاحتفال بمولد خير الرسل ص 175 .
3. المواسم والمراسم: ص 20 .

أ ـ هل الاحتفال بالمواليد شرك؟

قد عرفت أنّ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية أفتى بكونه شركاً، وقال: هو نوع من العبادة للأولياء وتعظيمهم.

ولكنّه كعامة الوهابيين لم يفرّق بين التكريم والعبادة، ولذلك عطف التعظيم على العبادة، وهذا هو الداء العياء في دعاية الوهابيين وكتبهم وخطبهم، وأرخص شيء عندهم هو الشرك في العبادة، فلا تميل يميناً ولا يساراً


1. قرة العيون، كما في فتح المجيد: ص 154 .
2.
تعليق فتح المجيد: ص 154 .
3.
مسند أحمد: ج 3 ص 248 .


(321)

إلاّ وتسمع من الجماعة المتسمين بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يصرخون في وجهك «يا حاج! هذا شرك» وهم لم يحددوا للعبادة حداً منطقياً حتّى يميزوا في ضوئه العبادة عن التعظيم، فعادوا يسمّون كل تعظيم شركاً، ولو كان تعظيم وخضوع عبادة، للزم كفر المملوك والزوجة، والولد والخادم، والأجير، والرعية، والجنود، بإطاعتهم وخضوعهم للمولى والزوج والأب والمخدوم والمستأجر والملك والأمراء، وجميع الخلق لإطاعتهم بعضهم بعضاً، بل كفر الأنبياء لإطاعتهم آباءهم وخضوعهم لهم، وقد أوجب اللّه طاعة أوامر الأبوين، وخفض جناح الذل لهما، وقال لرسوله: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَن اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنِيِنَ)(1)، وأمر بتعزير(2) النبي وتوقيره، وأمر بإِطاعة الزوجة لزوجها، وأوجب إطاعة العبيد لمواليهم وسمّاهم عبيداً(3) .

وقد عرفناك على أنّ العنصر المقوم لكون التعظيم عبادة، هو الاعتقاد بألوهية المعظَّم له، أو ربوبيته، أو كونه مالكاً لمصير المعظّم، وأنّ بيده عاجله وآجله، ومنافعه و مضارّه، ولا اقل مغفرته وشفاعته، وأمّا إذا خلا التعظيم عن هذه العناصر، وقام بالاحتفال بذكرى رجل ضحّى بنفسه ونفيسه من أجل استقلال أُمته وإخراجها عن نير الاستعباد، وهيّأ لهم أسباب الاستقلال، فلا يعد ذلك عبادة له، وإن كان هناك احتفال أو احتفالات، وأُلقي فيها عشرات القصائد والخطب فلا صلة لهذابالعبادة. نعم يدور أمر كل ذلك بين الحلال والحرام، وهل الشارع رخص ذلك أو لم يرخص، وسيوافيك أنّ باذر هذه الشكوك ابن تمية، يرى أن الأصل في العادات عدم الخطر، إلا ما حظره اللّه(4). نعم، الاحتفال بمولد النبي ليس من العادات، ولا يقام بما أنه أمر عادي بل بما هو أمر قربي له أصل في الكتاب والسنة كما مرّ وسيأتي أيضاً .


1. سورة الشعراء: الآية 215 .
2 .
إشارة إلى قوله سبحانه:(فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوه النور الّذي أُنزل معه)سورة الأعراف:الآية 157
3.
كشف الارتياب، ص 103 وللكلام صلة مفيدة جداً فمن أراد فليرجع إليه .
4.
المجموع من فتاوى ابن تيمية: ج 4 ص 195 .

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية