شبهات المنكرين للمعاد

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 183 ـ 188

(183)

شبهات المنكرين للمعاد


الشبهات التي ينقلها الذكر الحكيم عنهم تبلغ عشر شبهات ، غير أنّ كثيراً
منها ضئيل ، ليس له دليل سوى البواعث التي قدّمناها ، ومع ذلك لم يتركها
القرآن بلا جواب ، إمّا مقارن لذكرها أو في مواضع أُخرى ، وفيما يلي نذكر
رؤوس الشبهات الواهية ، ثم نتبعها بذكر الشبهات القابلة للبحث ، فنطرحها
ونناقشها.


1 ـ لا دليل على المعاد


يقول سبحانه : { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا
نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (1).
و قائل الشبهة يتظاهر بأنّه لا دليل على النّشأة الأُخرى وإحياء الموتى فيها ،
ولو كان لاتّبعه . ولم يتركه القرآن بلا جواب ، فقد أقام براهين دامغة على إمكانه
وضرورته كما سيوافيك.
ولأجل كون المعاد مقروناً بالبراهين ، يتعجّب القرآن من إنكارهم ويقول:
{ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } (2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الجاثية : الآية 32.
(2) - سورة الرعد : الآية 5.
________________________________________


(184)


2 ـ المعاد من أساطير الأوّلين


يقول سبحانه : { قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ
وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} (1).
و بما أنّ الشرائع السماوية ، متّحدة في الأُصول ، وإنّما اختلافها في الشرع
والمنهاج (2) ، كانت الدعوة إلى المعاد موجودة في الشرائع السالفة ، فحسبها
المشركون أسطورة من أساطير الأوّلين.
مع أنّ الدعوة إلى عقيدة قديمة لا يكون دليلاً على بطلانها ، كما أنّ
استحداث عقيدة لا يكون دليلاً على صحتها ، وإنّما الضابط هو الدليل.


3 ـ المعاد افتراء على الله أو جنون من القول


يقول سبحانه:  { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا
مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } (3).
والمنكرون لأجل التظاهر بالحرية في القضاء ، وابتعادهم عن العصبية ،
فسّروا الدعوة إلى المعاد بأنّ الداعي إمّا رجلٌ غير صالح ، افترى على الله كذباً ،
أو أنّه معذور في هذا القول وقاصر ؛ لأنّ به جنة ، وهذا نوع من الخداع ؛ إذ
كيف صار « أمينهم » مفترياً على الله الكذب ، ومتى كان الإنسان العاقل الذي
أثبت الزمان عقله وذكاءه ودرايته وأمانته حتى قمع أُصول الشرك عن أديم
الجزيرة ، متى كان مجنوناً؟


4 ـ إعادة الأموات سحر


يقول سبحانه:  { وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة المؤمنون : الآيتان 82 ـ 83.
(2) - إشارة إلى قوله سبحانه :{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } ( سورة المائدة: الآية 48 ).
(3) - سورة سبأ : الآيتان 7 ـ 8 .
________________________________________


(185)


كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ} (1).
فقد بلغ عنادهم في إنكار الحقيقة مبلغاً لو قام النبي معه بإحياء الموتى
أمامهم ، ورأوه بأُمّ أعينهم ، لقالوا إنّه سحر مبين ، وإنّك سحرت أعيننا ، ولا
حقيقة لما فعلت.


5  ـ إذا كان المعاد حقّاً فأحيوا آباءنا


يقول سبحانه :{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا
ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} (2).
غير أنّ طلبهم إحياء آبائهم لم يكن إلاّ تعلّلاً أمام دعوة النبي ، فلو قام
النبي بهذا العمل ، لطلبت كل قبيلة ، بل كلّ إنسان نفس ذلك العمل من
النبي ، حتى يؤمن به ، فتنقلب الدعوة لعبة في أيديهم . ولأجل ذلك يضرب
القرآن عن الجواب صفحاً ، ويكتفي بقوله : { قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (3).


6 ـ حشر الإنسان عسير


إنّ هذا الاعتراض وإن لم ينقل عنهم صريحاً ، ولكن يعلم من الآيات الواردة
حول المعاد ، أنّه كان أحد شبهاتهم.
يقول سبحانه في أمر المعاد : { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} (4) . ويقول : {  وَذَلِكَ
عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (5). ويقول : { وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة هود : الآية 7.
(2) - سورة الجاثية : الآية 25.
(3) - سورة الجاثية : الآية 26.
(4) - سورة ق : الآية 44.
(5) - سورة التغابن : الآية 7.
________________________________________


(186)


أَقْرَبُ } (1) .ويقول :{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } (2).
وهذه الشبهة صورة خفيفة للشبهة السابعة الآتية التي سيوافيك الجواب عنها
تفصيلاً . والإجابة عن تلك يغني عن الإجابة عن هذه . قال أمير المؤمنين
ـ عليه السَّلام ـ : « و ما الجليل واللّطيف ، والثّقيل والخفيف ، والقويّ والضّعيف في
خلقه إلاّ سواء » (3).
هذه هي شبهاتهم الضئيلة الواهية التي لا يخفى بطلانها ، وكانت لهم معها
شبهات أخرى أجدر بالبحث والتحليل ، وهي أربع ، نذكرها أوّلاً ثم نجيب عنها
بالتفصيل.


7  ـ إحياء الموتى خارجٌ عن إطار القدرة


يظهر من الذكر الحكيم أنّهم كانوا يعتمدون على هذه الشبهة ، ويحكيها
سبحانه بقوله : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ
رَمِيمٌ} (4).
8  ـ التعرف على الأجزاء الرميمة غير ممكن
إنّ إعادة الموتى بأعيانهم يتوقف على التعرف على أجزاء أبدانهم الرميمة
المبعثرة ، على أديم الأرض وفي جوفها ، وفي أعماق البحار ، ليعاد جزء كل إنسان
إلى بدنه ، وهذا أمر محال.
وهذه الشبهة وإن لم يصرّح بها القرآن ، ولكن يستنبط من إجابة القرآن
عليها أنّهم كانوا يعتمدون عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة النحل : الآية 77.
(2) - سورة الروم : الآية 27.
(3) - نهج البلاغة : الخطبة 180.
(4) - سورة يس : الآية 78.
________________________________________


(187)


يقول سبحانه:  { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي
لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ
أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (1).
فإنّ قوله : { عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ ... } يكشف عن أنّ شبهتهم
في إمكان المعاد ، هي عدم إمكان التعرّف على أجزاء الموتى المبعثرة.


9 ـ الموت بطلان للشخصية


وممّا كانوا يعتمدون عليه في إنكارهم للمعاد ، هو أنّ الموت وصيرورة
الإنسان عظاماً ، ثمّ تراباً ، يلازم بطلان شخصيته وانعدامها ، والمعدم لا يعاد.
ولعلّه إلى تلك الشبهة يشير قوله تعالى : { وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ
أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } (2).  ويحتمل كونه إشارة إلى الشبهة التالية.


10 ـ فقدان الصلة بين المبتدأ والمعاد


إذا كان الموت وصيرورة الإنسان تراباً ، إعداماً للشخصية ، فالشخصية
المحياة في النشأة الأُخرى ، لاتمت إلى الأُولى بصلة ، فكيف تكون إحياء لها ؟ فإنّ
المقصود من المعاد ، إحياء الناس لإثابتهم أو معاقبتهم ، وهو فرع وحدة المعاد
والمبتدأ ، واتّحادهما ، وهو منتف ، ولعلّ الآية السابقة ، تشير إلى هذه الشبهة.
هذه هي شبهاتهم التي تستحق البحث ، وإليك فيما يلي مناقشتها:
الإجابة التفصيلية عن شبهاتهم
الاعتقاد بالمعاد اعتقاد بالغيب وإيمان به ، وهو فرع معرفة الله سبحانه ،
ومعرفة أسمائه وصفاته ، وأفعاله ، ولولا تلك المعرفة ، لما حصل الإيمان بشيء من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة سبأ : الآية 3.
(2) - سورة السجدة : الآية 10.
________________________________________


(188)

الأمور الغيبة ، فالاعتقاد بمعاجز الأنبياء ، وكراماتهم التي يحكيها لنا القرآن
الكريم ، قائم على معرفة الله سبحانه . ومعرفة شؤونه تبارك وتعالى ، وعلى هذا
الأساس يبتني الجواب عن الشبهتين الأُوليين:



 

 

 

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية