إحياء قوم من بنى إسرائيل

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 212 ـ  214

 

(212)


3 ـ إحياء قوم من بنى إسرائيل


ذكر المفسرون أنّ قوماً من بني إسرائيل فروا من الطاعون أو من الجهاد ، لمّا
رأوا أنّ الموت كثر فيهم ، فأماتهم الله جميعاً ، وأمات دوابهم ، ثمّ أحياهم لمصالح
مذكورة في الآية التالية ، قال سبحانه :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ
لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَشْكُرُونَ} (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(4) -سورة البقرة : الآية243.
________________________________________


(213)


والرؤية في الآية بمعنى العلم ، أي « ألم تعلم » ، وذكر المفسّرون حول
فرارهم من الموت ، وكيفية إحيائهم ، أُموراً ، يرجع إليها في محلّها (1) .
والآية كما تثبت وقوع إحياء الموتى ، بعد إمكانه ، تثبت إمكان الرجعة إلى
الدنيا ، على ما يتبنّاه الشيعة الإمامية ، كماهو الحال أيضاً في إحياء عزير ،
وسيوافيك الكلام فيها بعد الفراغ من المعاد.
وممّا يثير العجب ماذكره صاحب المنار حيث قال : « الآية مسوقة سَوْق
المَثَل ، والمراد بهم قومٌ هَجَم عليهم أُولو القوة والقدرة من أعدائهم ، لاستذلالهم ،
واستخدامهم ، وبسط السلطة عليهم ، فلم يدافعوا عن استقلالهم ، وخرجوا من
ديارهم وهم ألوف ، لهم كثرة وعزة ، حذر الموت ، فقال لهم الله : موتوا موت
الخزي والجهل ، والخزي موتٌ ، والعلم وإباء الضيم حياة ، فهؤلاء ماتوا بالخزي ،
وتمكّن الأعداء منهم ، وبقوا أمواتاً ، ثمّ أحياهم بإلقاء روح النهضة والدفاع عن
الحق فيهم ، فقاموا بحقوق أنفسهم واستقلوا في ذلك  » (2) .
يلاحظ عليه : أوّلاً : إنّ الظاهر أنّ الآية تبيّن قصةً واحدة ، وهي فرار قوم
من الموت ، فأماتهم الله ، ثمّ أحياهم ، لا بيان قصتين ، بمعنى تشبيه من لم
يدافعوا عن عزتهم ، وغلبوا ، وبقوا كذلك حتى نفث في روعهم روح النهضة ،
فقاموا للدفاع ، بقوم فروا من الموت الحقيقي ، فأماتهم الله موتاً حقيقياً ، ثمّ
أحياهم ، ولو كانت الآية جارية مجرى المَثَل ، لوجب أن يكون هناك مشبّه ومشبّه
به ، مع أنّ الآية لاتحتمل ذلك  .
ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه عندما يريد التمثيل بمضمون آية يأتي بلفظ
« مثل » ، ويقول : { كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } (3)  ، و : { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ } (4)  ، و : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) -لاحظ مجمع البيان : ج1ص346ـ347. وغيره.
(2) ـ المنار : ج3، ص 458 ـ 459.
(3) -سورة البقرة : الآية 17.
(4) -سورة يونس : الآية 24.
________________________________________


(214)


أَسْفَارًا } (1) .
وثانياً : لوكان المراد من الموت ، مو ت الخزي  ، ومن الحياة ، روح
النهضة ، للزم على الله سبحانه مدحهم وذكرهم بالخير ، مع أنّه يذمّهم في ذيل
الآية ؛ فإنّ فيها : { إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ
يَشْكُرُونَ } (2) .
ثمّ إنّ صاحب المنار استعان في ردّ نظرية الجمهور ، بقوله سبحانه : { لاَ
يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى } (3) . فلا حياة في هذه الدنيا إلا حياة
واحدة (4) .
ولكن عزب عنه أنّ ماجاء في الآية يدل على سنّة الله تعالى في عموم
الناس ، وهذا لا يخالف اقتضاء مصالح معيّنة ، أن يذوق البعض النادر منهم
حياتين ، وقد وافاك الكلام في ذلك عند البحث في الحياة البرزخية .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الجمعة : الآية 5.
(2) -سورة البقرة : الآية 243.
(3) -سورة الدخان : الآية56.
(4) ـ المنار : ج 2، ص459.

 

 

 

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية