شبهة عدد كفاية الموادّ الأرضية لإحياء الناس

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 391 ـ 395

 

(391)



أسئلة المعاد
(4)


شبهة عدد كفاية الموادّ الأرضية لإحياء الناس


قد كشفت التنقيبات الجيولوجية والأتربة على أن الانسان يعيش في هذا
الكوكب منذ قرابة مليوني سنة ، وعلى هذا فلو كان المعاد عاماً لجميع الناس ،
الذين عاشوا على هذه الكرة ، فكيف يكون ترابها كافياً لاحيائهم ؛ فإنّ المعاد
حسب ما مرّ معاد عنصري ، يعود كل إنسان إلى بدنه العنصري ، فالمعاد كثر ،
مع أن ما يعادون به ، وهو المواد العنصرية الأرضية قليل لا يكفيهم.
قال صدر المتألهين في بيان هذه الشبهة : « إن جرم الأرض مقدور محصور
ممسوح بالفراسخ والأميال والأذرعة ، وعدد النفوس غير متناه ، فلا يفي مقدار
الأرض ، ولا يسع لأن تحصل منه الأبدان غير المتناهية » (1) .


والجواب عن هذا السؤال من جهات ثلاث : عقلية و علمية و سمعية:


الجهة الأولى : الجواب العقلي ، وهو أمور:


أوّلا : إن ما تنقله لنا هذه التنقيبات والحفريات التاريخية والطبيعية ليس على
درجة يفيد القطع واليقين حتى نرفع بأقوالهم اليد عن الوحي الإلهي ، أو نتردد في
صحة المعاد.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الأسفار : ج 9، ص 200 .
________________________________________


(392)


وثانياً:  لم يدل دليل على أن بدن الإنسان كنفس البدن الدنيوي في الحجم


والوزن وسائر الجهات المادية المادية ، بل يكفي أن يصدق على المعاد أنّه نفس المبتدأ ،  وأمّا
المطابقة في سائر الجهات فلم يدل عليها دليل.


وثالثاً:  لو فرض عدم كفاية المواد الترابية لإحياء جميع من قطنوا هذا
الكوكب ، فلا مانع من تكميلها بتراب الكرات الأُخرى ، وليس ذلك على خلاف
العدل ، لما عرفتَ من أنّ الثواب والعقاب بملاك الروح والنفس ، فالنفس
الإنسانية إذا أُدخلت في أي بدن كان ، وحُشرت مع أي جسم إنساني فهو هو ،
وليس غيره ، وإنّما يكون البدن أداة و وسيلة لتعذيبه ، وتنعمه ، ولولا دلالة
القرآن على أنّ المعاد في الآخرة عنصري ، لكان العقل مكتفياً باعادة الروح
والنفس ، غير انّ اصرار الذكر الحكيم على كون المعاد عنصرياً ، يصده عن
الاكتفاء بالمعاد الروحاني .
وعلى ضوء ذلك ، فلو كانت المواد الأرضية غير كافية لإحياء كل من سكن
هذا الكوكب ، فلا مانع من تكميل بدن كل إنسان بمواد من كواكب أُخرى.
هذه الأجوبة ، أجوبة عقلية ، وهناك أجوبة أخرى تعتمد على ا لتجربة
والدليل العلمي.


الجهة الثانية : الجواب العلمي ، وهو أُمور:


إن ما ذكروه من عدم كفاية تراب الأرض لاحياء الناس باطل بالنظر إلى
حجم المواد الأرضية ؛ وذلك لأنّ حجم الكرة الأرضية يبلغ ألفاً وثلاثة وثمانين
ملياراً ، وثلاثمائة وعشرين مليون كيلومتر مكعب (1) ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى إنّ صندوقاً بحجم كيلومتر مكعب ، بمعنى أنّ كلا من
طوله وعرضه وارتفاعه يبلغ كيلو متراً واحداً ، إنّ مثل هذا الصندوق يسع داخله
لأضعاف عدد سكان الأرض الحاليين (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  ـ 1.083.320.000.000
(2) - دلّت الاحصاءات الأخيرة أنّ عدد سكان الأرض حالياً يبلغ قرابة خمسة مليارات إنسان.
________________________________________


(393)


وذلك أنّ كل كيلومتر في الطول يسع خمسة آلاف إنسان ، يقف كل منهم
الى جانب الآخر ، وكل كيلومتر في الارتفاع يسع سبعمائة وخمسين إنساناً متوسط
طول الواحد منهم متراً ونصف المتر ، يقف كل منهم على رأس الآخر ، فإذا أردنا
حساب من يمكن أن يحويه ذاك الصندوق ، فما علينا إلا أن نضرب الطول
بالعرض بالارتفاع (1) ، فتكون النتيجة اتساع هذا الصندوق لثمانية عشر مليار ،
وسبعمائة وخمسين مليون إنسان.
هذه سعة الكيلومتر المكعب الواحد ، فماظنك بسعة ألف وثلاثة وثمانين
مليار ، وثلاثمائة وعشرين مليون كيلومتر مكعب؟ إنّها بالتأكيد تكفي لأضعاف
ـ لا تحصى ـ ممّن قطن هذه الكرة الأرضية .
فمسألة قلة المواد الأرضية لإحياء الناس ، مسألة ذهنية طرحت من غير تدبر
في حجم العالم.


2 ـ إنّ بدن الإنسان لا يتشكل من التراب فحسب ، بل الماء والغازات من
العناصر الرئيسية التّي يتكون منها بدن الإنسان ، ويحيط بالأرض طبقة من الغازات
تسمّى بالغلاف الجوي ، تبلغ في الارتفاع والسماكة ألف كيلومتر ، وتبلغ في
الوزن خمسة ملايين مليار طن (2) هذا في جانب الغازات.
وأمّا في جانب المياه المتواجدة على سطح الكرة الأرضية ، فيكفينا أن نعرف أنّ
القاء حجر في إناء مملوء من الماء ، يوجب ارتفاع سطح الماء بما يساوي حجم هذا
الحجر ، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى ، أثبت الحديث أننا لو جمعنا كل البشر الّذين
يقطنون الكرة الأرضية (3) ، وألقيناهم في بحيرة قزوين ، فسوف لن يصل ارتفاع الماء
في البحيرة إلى سنتيمتر واحد بل يكون أقلّ منه ، بمعنى أنّ ارتفاع المياه لن يكون
محسوساً لنا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - 5000 × 5000 × 750 = 000.000 ,750 , 18 إنسان.
(2) ـ 5000,000,000,000,000 .
(3) - و هم عند اجراء هذا الحساب ، ملياري إنسان.
________________________________________


(394)


هذا وليست هي إلا بحيرة (1) فما ظنّك ببحار الدنيا ومحيطاتها.


3 ـ إنّ النيازك المشاهدة في الليالي هي نتيجة وصول أحجار وأتربة وأجسام
ثقيلة من الفضاء الخارجي إلى الغلاف الجوي ، فيوجب احتكاكها الشديد به
احتراقها وتناثرها ، وهبوطها على الأرض ذرات خفيفة لا تزعج الحياة عليها ، وهذه
الأحجار توجب ازدياد المواد الأرضية زيادة مطّردة بشكل يومي ، وقال العلماء  : إنّ
عشرين مليون حجراً فضائياً يصطدم يومياً بالغلاف الجوي ، وهي تسير بسرعة
خمسين كيلومتراً في الثانية ، فتتلاشى ، وتتناثر ، وتهبط بلا ازعاج على القشرة
الأرضية (2) .
وعلى هذا ، فالمواد الأرضية لم تزل في حال التوفر والازدياد ، واللّه يعلم إلى
أي حد يصل حجمها إلى يوم البعث.


4 ـ وصل العلم إلى أنّه لو كانت هناك قدرة على إزالة الفراغات المتخللة بين
ذرّات المواد الأرضية لبلغت هذه الكرة العظيمة الهائلة في الحجم ، مقدار جوزة
صغيرة . ولو فرض افراغ فواصل ذرّات المنظومة الشمسية ، بشمسها وسيّاراتها
الكبيرة  والصغيرة ، لبلغ حجمها مقدار فاكهة كبيرة كالبطيخ هذا من جانب.
ومن جانب آخر ، لو ازدادت الفراغات بين الذرات ، لازداد حجم العالم
ازدياداً كبيراً ، فليس الحجم تابعاً لكثرة الذرات وقلتها ، ففي وسع المولى سبحانه
ـ و هو على كل شيء قدير ـ أن يبسط فراغ المواد الأرضية فيزداد حجمها ، وتكفي
لإحياء الموتى مهما بلغوا .
وليس هذا الأمر بعيداً عن الحس ، فإنّا نرى أنّ حجم الماء يتفاوت في
حالاته الثلاث التجمد والسيلان والتبخر ، وعليه فلا مانع من امتداد المادة
الأرضية يوم القيامة امتداداً هائلاً بحيث يصبح ما كان لا يكفي لإحياء أكثر من
إنسان واحد كافياً لإحياء الكثير من الناس ، هذا ما كشف عنه العلم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - تبلغ مساحة بحيرة قزوين 420.000كلم مربع.
(2) - الله يتجلى في عصر العلم : ص 20 .
________________________________________


(395)


الجهة الثالثة : الجواب السمعي


قد أعرب الوحي عن كفاية مواد الأرض لاحياء الموتى بوجه خاص ، يفهمه
المتدبّر في القرآن الكريم.
يقول سبحانه : {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ} (1)
ويقول سبحانه:  { وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} (2)
ومن المحتمل جداً أن يكون مد الأرض في ظل الاندكاك ، بكسر الذرّات
الموجودة فيها ، فيبلغ حجم حجر يقدر بمتر مكعب إلى ملايين الكيلو مترات
المكعبة .
فخرجنا بهذه النتيجة ، وهي أنّ تصور عدم كفاية المادة الأرضية لإحياء
الناس ، باطل في العقل ، والعلم والوحي.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة الانشقاق : الآية 3 .
(2) - سورة الحاقة : الآية 14 .

 

 

 

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية