الإشكال الثاني

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 351 ـ 352

 

 

(351)

*الإشكال الثاني :


إنّ تشريع الشفاعة يجر إلى التمادي في العصيان ، واستمرار المجرم في
عدوانه رجاء غفران ذنوبه بالشفاعة (2).


والجواب أمّا نقضاً :


فبالوعد بالمغفرة مع التوبة بل حتى مع عدمها ، قال سبحانه : {إِنَّ
اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } ، فلو كانت الشفاعة موجبة
للتمادي ، فليكن الوعد بالمغفرة مع التوبة بل مع عدمها في غير الشرك موجبة
للتمادي أيضاً ، فالجواب هنا هو الجواب هناك.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(2) - دائرة المعارف : لفريد وجدي ، ج 5 ، ص 402 .
________________________________________


(352)


وأمّا حلاً :


فالإشكال ينبع من تصور خاطئ ، وهو اعتقاد كون الشفاعة مطلقة غير
مشروطة بشيء ، فيكون للإنسان عند ذاك أن يفعل ما يريد تعويلاً عليها ، ولكنك
عرفتَ أنّ الشفاعة محدودة ، وتشمل بعض العباد ، وهم الذين لم تنقطع علاقتهم
بالله سبحانه وبأوليائه ، ومثل هذه الشفاعة لا تبعث على الجرأة ، بل تبعث أملاً
في نفس العاصي ، وتدفعه إلى الاحتفاظ بعلاقته ، ولا ينسفها من رأس .
إنّ الشفاعة التّي نطق بها القرآن ليست أمراً مطلقاً من كل قيد وشرط ؛
فإنّ الشفاعة مقيدة بإذنه سبحانه أوّلاً ، وكون المشفوع له مرضياً عند الله ثانياً ،
وليس من الممكن أن يذعن المجرم بأنّه ممّن يشمله إذنه سبحانه ورضاه.
قال سبحانه : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } (1).
وقال سبحانه : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى } (2).
فليس في وسع أحد أن يدّعي أنّه من العباد المرضيين ، ثمّ يعتمد على ادعائه
ويتمادى في العصيان .
وهناك وجه آخر لكون الشفاعة محدودة ، وهو ابهامها من حيث الجرم ، فلا
يعلم أي جرم تشمله الشفاعة ، وأيّه لا تشمله ،  كما أنّها مبهمة من حيث وقت
القيامة ، فللعصاة والطغاة مواقف مختلفة ، وهي مواقف رهيبة ومخيفة تهز
القلوب ، ولم يعين وقت الشفاعة.
وهذه الابهامات الثلاثة ، تصد المجرم عن الاعتماد على الشفاعة ليتمادى في
المعصية ، وغاية ما يمكن أن يقال في الشفاعة أنّها بصيص من الرجاء ، ونافذة من
الأمل فتحها القرآن في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح الله .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة البقرة : الآية 255 .
(2) - سورة الأنبياء : الآية 28 .

 

 

 

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية