الجمع الأول للقرآن
سببه :
رحل رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إلى ربه عز وجل وترك الأمة بقرآن مشتت مبعثر هنا وهناك ، بعضه كتب في رقاع ، وبعض كتب على حجارة بيضاء مسطّحة وهي اللخاف وقد كانت ملقاة في بيوت بعض الصحابة ، وبعض آخر مدوّن على عظام أكتاف الإبل ، وجملة منه في صدور القرّاء وهكذا ، والنتيجة أنه صلی الله عليه وآله وسلم ترك الأمة الإسلامية بلا مصحف مجموع ولا كتاب مرتب يحوي القرآن ، وحيث أن عددا كبيرا من حفاظ القرآن قد قتل في حرب اليمامة ، خيف ضياع كثير مما حفظه أولئك ، فأُمر بجمعه فجمع.
الهدف منه :
جمع القرآن لتدارك الخطر المترتب على ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعله ، فالأمة بلا قرآن مجموع محفوظ في المصحف يخاف عليه من الضياع وقد يفقد منه شيء مع بعد العهد ومقتل القراء ، فكان من اللازم على الصحابة أن يتداركوا الخلل بجعله مرتبا في مكان واحد ومجموعا على نحو ملزمة بدل أن يكون مبعثرا هنا وهناك مكتوبا على الحجارة وعلى عظام أكتاف الإبل.
كيفيته :
وقف بعض الصحابة على باب المسجد يحثون كل من كان عنده آية من كتاب الله ليأتيهم بها حتى تدمج في المصحف ، فلبى المسلمون النداء وكلٌ أتى بما حفظ وبما كتب على الرقاع والحجارة ، ولو شهد شاهدان على كون تلك الجمل آيات من القرآن أدمجت فيه ، وهكذا بطبيعة الحال تتزاحم الناس وتتكاثف وكل يدلو بآيته ، فمنهم من يأتي بآية من الأحزاب وآخر من أول البقرة وهذا من آخر سورة يونس وذاك من وسط النحل وهذا من الثلث الأخير من الزمر وهكذا ، ويشهد شاهدان وينتهي الأمر ، وقد يأتي رجل واحد فيشهد وتدمج الجملة في المصحف علی أنها قرآن منزل لأن هذا الرجل أنزل رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم شهادته منزلة شهادة رجلين وهو خزيمة بن ثابت رضي الله تعالى عنه ، وقد جاء بعضهم بآية وشهد على أنها من القرآن ولم تكتب فيه لأنه كان وحده فلم يثبتوها في المصحف وظل يردد ويكرر أن تلك الجملة من القرآن طيلة زمن خلافته وهو ابن الخطاب !
وهذا ما تميله علينا مصادر أهل السنة ، وقد جاءت به روايات منها رواية البخاري في صحيحه أن زيد بن ثابت الأنصاري قال :
أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر : قلت لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه [ واله ] وسلم ؟ فقال عمر : هو والله خير ! فلم يزل عمر يراجعني فيه حتی شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت وعمر عنده جالس لا يتكلم فقال أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه [ واله ] وسلم فتتبع القرآن فاجمعه فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ، قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه [ واله ] وسلم ؟ فقال أبو بكر : هو والله خير ! فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال (1) حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم ) (2) إلى آخرهما ، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر (3).
وفي الإتقان نقلا عن المصاحف لابن اشتة : عن الليث بن سعد قال :
وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل ، وإن آخر سورة براءة لم يجدها إلا مع خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين فقال : اكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب ، وان عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده (4).
وكذا جاء في كنز العمال : عن هشام بن عروة قال : لما استحر القتل بالقراء فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت : اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من القرآن من كتاب الله فاكتباه (5).
عن هشام بن عروة عن أبيه قال : لما قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت فقال : اجلسا على باب المسجد فلا يأتينكما أحد بشيء من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا أثبتماه ، وذلك لأنه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قد جمعوا القرآن (6).
وهذه الجملة ( فلا يأتينكما أحد بشيء من القرآن تنكرانه ) تدل على أن بعض الآيات يحق لها الدخول في المصحف بشهادة رجلين وإن أنكرها جمّاع المصحف ، أي أن من وكّل بجمع القرآن لا يحفظه !!!
قال الشيخ الكوراني حفظه الله تعالى : وينبغي أن نتوقف طويلا عند قول أبي بكر : ( فلا يأتينكما أحد بشئ من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلا أثبتماه ) ففي هذا الكلام علم كثير ، فهو يدل على أن القرآن الذي ( يحفظه ) أبو بكر وعمر وزيد وغيرهم من الحفاظ المعروفين ، ناقص !! وأن بقيته مبثوثة عند الناس ، لذلك تعلن الخلافة أن أي نص يشهد عليه رجلان أنه من القرآن فهي تلتزم به وتثبته في القرآن ، ونائب الخليفة وكاتبه مأموران أن يدخلا ذلك النص في القرآن حتى لو لم يشهدا به ، بل حتى لو استغرباه وأنكراه ( تنكرانه .. إلا أثبتماه ) ! إن هذه الحركة منسجمة تماما مع الأحاديث الصحيحة الواردة عن الخليفة عمر بأن القرآن الذي نزل أضعاف الموجود ، لذلك فهو يحاول جمع ما ضاع منه بأقل إثبات شرعي وهو شاهدان عاديان ! (7).
ملاحظتان
الأولى : الجمع لم ينته في زمن أبي بكر ولا عمر
مقتضى الجمع بين الأدلة أن الجمع الأول لم ينته في عصر أبي بكر ؛ لأن جمعهم هذا الذي ابتدأ في زمن أبي بكر إن كان المقصود منه جمعه في مصحف أو ملزمة يلم به شتات جميع ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهذا لم يفرغ منه في زمن أبي بكر ، بل استمر إلى زمن عمر ، ومات عمر ولم يتمه ، وقد جاءت روايات عند أهل السنة ظاهرة في هذه الدعوى ، حتى أن ابن أبي داود السجستاني بوّب في كتابه المصاحف باباً بعنوان : جمع عمر بن الخطاب القرآن في المصحف ، فقال بسنده عن الحسن :
إن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة ، فقال : إنا لله ، وأمر بالقرآن فجمع ، وكان أول من جمعه في المصحف. (8)
وكذا عن عبد الله بن فضالة قال : لما أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرا من أصحابه وقال : إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر فإن القرآن نزل على رجل من مضر. (9)
وعن يحيى بن عبد الله بن حاطب قال : أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس فقال : من كان تلقّی من رسول الله صلى الله عليه [ واله ] وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح ، والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان ، فقتل وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان فقال : من كان عنده من كتاب الله شيئا فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئا حتی يشهد عليه شهيدان (10).
وهذا يعني أن جمع أبي بكر لم ينتج مصحفا أو ملزمة بأوراق مرتّبة كما أُدّعي ، وإنما هو شتاب مبعثر قد جمع في مكان واحد عند أبي بكر ، ومما يؤكد أن ابن الخطاب لم يجمع القرآن في حياته ولم يتم ما ابتدئ به في زمن أبي بكر ـ بجعله في ملزمة أو مصحف مرتب ـ رواية ابن سعد في طبقاته عن ابن سيرين قال : مات أبو بكر ولم يجمع القرآن (11) ، وكذلك عنه في طبقاته قال : قتل عمر ولم يجمع القرآن (12).
وينص ابن شبة في تاريخ المدينة على أن أبا بكر وعمر بن الخطاب لم يجمعا المصحف ، بل جمع أول مرة في زمن عثمان :
عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : إن أول من جمع القرآن في مصحف وكتبه عثمان بن عفان ، ثم وضعه في المسجد فأمر به يقرأ كل غداة (13).
وما يؤكد هذا الرأي أكثر وأكثر هو بقاء تلك الصحف عند أبي بكر وانتقالها إلى عمر ومن ثم إلى حفصة ، كما في رواية البخاري ، فهذا المصحف لم ير النور ولم يطلع عليه أحد من المسلمين إلى يومنا هذا ، وهذا ليس له وجه مقبول سوى أنه لم يفرغ زيد من جمعه لو قلنا أنه مصحف قد جمع للناس ، وبما قرّبناه يتضح تسرع البعض في رد الروايات التي تحكي جمع القرآن في زمن تأمر عمر على الناس بدعوى أن ذلك قد فرغ منه في زمن أبي بكر.
الثانية : طريقة الجمع هذه يحتمل فيها فقدان شيء من القرآن ، لأسباب :
منها : احتمال أن بعض الآيات لم يتوفر لها شاهدان أو لم يلتفت لها أصلا ، وهذا الاحتمال وارد وفي محله لأن هذا هو المعتاد في مثل هذا النوع من الجمع العشوائي للآيات ، خاصة أن عمر بن الخطاب جاء شاهدا على جملة ادعى قرآنيتها فرفض زيد بن ثابت دمجها في المصحف ؛ لأن ابن الخطاب كان وحده ولم يشهد معه رجلٌ آخر ! ، وكذا جاءت حفصة بنت عمر تدعي قرآنية مقطع ولكن أباها رفض دعواها لأنها امرأة وليس لديها بينة على ذلك ! ، وكذلك الحال بالنسبة لابن مسعود الذي جاء بمقطع أراد دمجه في القرآن فرُفض طلبه ! ، مع العلم أن ابن مسعود هذا هو رأس الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة أن يستقرئوهم القرآن ويأخذوه منه !
فقد أخرج ابن الأنباري في المصاحف : من طريق سليمان بن أرقم عن الحسن وابن سيرين وابن شهاب الزهري ، وكان الزهري أشبعهم حديثا قالوا : لما أسرع القتل في قراء القرآن يوم اليمامة قتل معهم يومئذ أربعمئة رجل ، لقي زيد بن ثابت عمر بن الخطاب فقال له : إن هذا القرآن هو الجامع لديننا ، فإن ذهب القرآن ذهب ديننا ، وقد عزمت على أن أجمع القرآن في كتاب ، فقال له : انتظر حتى نسأل أبا بكر ، فمضيا إلى أبي بكر فأخبراه بذلك ، فقال : لا تعجل حتى أشاور المسلمين ، ثم قام خطيبا في الناس فأخبرهم بذلك ، فقالوا : أصبت ، فجمعوا القرآن وأمر أبو بكر مناديا فنادى في الناس من كان عنده من القرآن شيء فليجئ به ، قالت حفصة : إذا انتهيتم إلى هذه الآية فاخبروني ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) (14). فلما بلغوا إليها قالت : اكتبوا ( والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ) ، فقال لها عمر : ألك بهذا بينة ؟ قالت : لا ، قال : فوالله لا ندخل في القرآن ما تشهد به امرأة بلا إقامة بينة ، وقال عبد الله بن مسعود : اكتبوا ( والعصر إن الإنسان ليخسر وانه فيه إلى آخر الدهر ) فقال عمر : نحوا عنا هذه الأعرابية (15).
وهذه الرواية يؤيدها كثير من الروايات التي تحكي إصرار حفصة بنت عمر على زيادة هذا المقطع في الآية ، وقد أيد أبي بن كعب قولها ، حتى أنها أمرت كاتبها بذلك ، وبقي مصحفها بهذه الزيادة إلى أن ماتت ، وهو أيضا فعل عائشة وكذا روي عن أم سلمة رحمها الله (16) ، فلا أدري على جمعهم المزعوم كيف يوثق باشتمال المصحف على كل آيات القرآن ؟ ، وهل توفر لكل آية شاهدان ليشهدا على كل قرآنيتها ؟ ! ، وما الدليل عليه ؟ !
ومنها : سقوط آيات عن ذلك الجمع ونقصان المصحف منها حتى وجدت بعد ثلاث عشرة سنة تقريبا ! ؛ لأن جمع القرآن في زمن أبي بكر كان بعد واقعة اليمامة ، وكانت في السنة الحادية عشر بعد الهجرة ، وكان الجمع الثاني للقرآن في سنة خمس وعشرين للهجرة زمن تأمر ابن عفان على الناس ، وهذا ما ذكره ابن أبي داود :
خطب عثمان ـ بدء قيامه بجمع القرآن ـ فقال : إنما قبض نبيّكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لمّا أتاني به (17) ، فالفترة الفاصلة بين الجمعين ـ مع مراعاة ما بين بدء الجمع وانتهائه في زمن أبي بكر ـ تقرب من ثلاث عشرة سنة (18).
ومنها : إن آيات القرآن جمعت ودمجت في هذا المصحف بشهادة رجلين ، أي بخير الآحاد ، فلا تواتر !
ولا بأس بالتنبيه هنا على نقطتين وهما :
الأولى : قرر كثير من علماء أهل السنة أن المصحف الذي جمع في زمن أبي بكر كان أكبر حجما من حجم مصحفنا بستة أضعاف ، وذلك لاشتماله على الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم ، وهو ما قد نص عليه عدّة ممن تطرق لذكر الفروق بين الجمعين الأول في زمن أبي بكر ، والثاني في زمن عثمان.
ذكر بعض من قال : إن مصحف أبي بكر كان أكبر بستة أضعاف من مصحفنا :
قال السيوطي في الإتقان : وقال القاضي الباقلاني في الانتصار : لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه [ واله ] وسلم ، وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ، ولا تأويل أثبت مع تنزيل ، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد ، وذكر كلام المحاسبي مثله ، ومن قبل القاضي ذكر كلام ابن تين وغيره وكلهم سواء في المعنى (19).
قال في تاريخ القرآن : وجاء في إرشاد القراء والكاتبين : إن زيدا كتب القرآن كله ، بجميع أجزائه وأوجهه المعبر عنها بالأحرف السبعة الواردة في حديث : « هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه » ، وكان أولاً أتاه جبريل فقال له : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد ، ثم راجعه إلى السابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرأوا عليه أصابوا.
فأبو بكر هو أول من جمع القرآن الكريم بالأحرف السبعة التي نزل بها ، واليه تنسب الصحف البكرية ، وكان ذلك بعد وقعة اليمامة التي كان انتهاؤها سنة اثنتي عشرة للهجرة ، فجمعه للقرآن كان في سنة واحدا تقريبا ، ولولا همة الصحابة الذين بذلوا أنفسهم لله لما تم في مدة سنة واحدة كتابة المصحف بالأحرف السبعة كلها ، وجمعه من الأحجار والعظام والجلود ونحوها (20).
وقال : إنهم في هذه المرة جمعوه بالأحرف السبعة كلها ، وهذا يستلزم أن يكون حجم مصحف أبي بكر أضعاف حجم مصحف عثمان ؛ لأن هذا جمعه على حرف واحد من الأحرف السبعة (21).
وستأتي بقية أقوالهم في كيفية الجمع الثاني للمصحف وما حذفه عثمان من أحرف القرآن الستة.
الثانية : إن هذا المجموع بقي عند أبي بكر ، ومن ثم عند عمر ، وبعده عند حفصة ، وطيلة ثلاث عشرة سنة لم يستفد منه المسلمون شيئا بصريح رواية البخاري.
قال في المصحف المرتّل : واللافت أن المحافظة على هذه الصحف كانت بالغة ، فقد كانت عند أبي بكر لم تفارقه في حياته ، ثم عند عمر أيامه ، ثم كانت عند حفصة لا تُمكّن منها كما أوضحنا (22).
الهوامش
1. وتعليقا على هذه الرواية جاء في تاريخ القرآن الكريم للكردي الخطاط من الهامش 21 : ( العسب بضم فسكون وبضمتين أيضا جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض ، واللخاف ـ وهي في رواية باب جمع القرآن ـ بكسر اللام جمع لخفة بفتح فسكون وتجمع أيضا على لخف بضمتين وهي صفائح الحجارة الرقاق ، والرقاع بالكسر جمع رقعة بالضم وهي القطعة من النسيج أو الجلد ، والأقتاب جمع قتب بفتحتين وهو رحل البعير ، ومن هامش 27 : الأدم بضمتين وبفتحتين أيضا جمع أديم وهو الجلد المدبوغ ، والأكتاف جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان ) ، وراجع فتح الباري للعسقلاني 9 : 16 ، ح 4701.
2. التوبة : 128.
3. صحيح البخاري ( باب جمع القرآن ) 4 : 1720 ، ح 4402 و 4 : 1907 ، ح 4701 و ( باب كاتب النبي صلى الله عليه [ واله ] وسلم . 4 : 1908 ، ح 4703 ) و ( باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا ) 6 : 2629 ، ح 6768 و 6 : 2700 ، ح 6989 ، وفي طبعة أخرى ج 6 : 98 ، أقول : بعض الروايات تذكر أن اسم من جاء بالآيتين هو أبو خزيمة ، ولكن الأصح أنه خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وإن كان بعض علمائهم يقول أن أبا خزيمة جاء بآيات سورة التوبة في جمع أبي بكر ، وخزيمة ذو الشهادتين جاء بآية الأحزاب في جمع عثمان بن عفان.
4. الإتقان 1 : 58.
5. المصاحف لابن أبي داود.
6. الطبقات لابن سعد.
7. تدوين القرآن : 302 ـ 303.
8. كتاب المصاحف 1 : 181 ، ح 32. تحقیق محب الدين واعظ.
9. كتاب المصاحف 1 : 183 ، ح 34.
10. نفس المصدر 1 : 229 ، 181 تحقيق محب الدين واعظ ، وهو في الكنز العمال 2 : 361 ( جمع القرآن ).
11. طبقات ابن سعد 3 : 93 ( ذكر وصية أبي بكر ).
12. نفس المصدر : 274 ( ذكر استخلاف عمر ) ، أقول : إلا أن يقال إن هذا الجمع قصد به الحفظ في الصدور أي أنهما لم يحفظا القرآن إلى الممات ، وهذا لا يقبله أهل السنة الذين يدعون أنهما من حفظة القرآن !
13. تاريخ المدينة ابن شبة النميري 1 : 7.
14. البقرة : 238.
15. الدر المنثور 1 : 302 ط دار المعرفة.
16. « أخرج عبد الرزاق والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف عن أبي رافع مولى حفصة قال : استكتبتني حفصة مصحفا فقالت : إذا أتيت على هذه الآية فتعال حتى أمليها عليك كما أقرئتها فلما أتيت على هذه الآية ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ) ( البقرة : 238 ). قالت أكتب ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) فلقيت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر إن حفصة قالت : كذا وكذا ؟ فقال : هو كما قالت أوليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في عملنا ونواضحنا » ، « وأخرج مالك وأبو عبيد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في سننه عن عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه [ واله ] وسلم فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ ) فلما بلغتها آذنتها فأملت علي ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) وقالت : أشهد أني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه [ واله ] وسلم » ، « وأخرج عبد الرزاق عن نافع أن حفصة دفعت مصحفا إلى مولى لها يكتبه وقالت : إذا بلغت هذه الآية ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ ) فآذني فلما بلغها جاءها فكتبت بيدها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) » ، « وأخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت : لكاتب مصحفها إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فلما أخبرها أكتب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة العصر ) » ، « وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي من طريق نافع عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه [ واله ] وسلم ، فاخبرها ، قالت : أكتب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقرأ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي الصلاة العصر ) » ، وكذا فعل عائشة ، « وأخرج سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم أن عائشة أمرت بمصحف لها إن يكتب وقالت : إذا بلغتم ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ) فلا تكتبوها حتى تؤذنوني ، فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت : اكتبوها ( صلاة الوسطى صلاة العصر ) » ، « وأخرج مالك ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي داود ، وابن الأنباري في المصاحف ، والبيهقي في سننه عن أبي يونس مولى عائشة ، قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ ) فلما بلغتها آذنتها فأملت عليّ ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) وقالت عائشة : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم » ، وروي ذلك أيضا عن أم سلمة رضوان الله تعالى عليها ، « وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي داود في المصاحف ، وابن المنذر عن عبد الله بن رافع عن أم السلمة ، أنها أمرته أن يكتب لها مصحفا فلما بلغت ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ ) قالت : أكتب ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) » ، وقد بقيت هذه الزيادة في مصحفيهما إلى ما شاء الله : « أخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن هشام بن عروة قال : قرأت في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ) » ، « وأخرج ابن جرير عن عروة قال : كان في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطي وهي صلاة العصر ) » ، « وأخرج وكيع عن حميدة قالت : قرأت في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطي صلاة العصر ) » ، « وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب قال : في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى والصلاة الوسطى صلاة العصر ) » ، وكذا رواية عروة وحميدة وقبيصة ، « وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال : كان مكتوبا في مصحف حفصة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر وقوموا لله قانتين ) » ، راجع الدر المنثور 2 : 302 ـ 304 ـ 305.
وأما زيادة ابن مسعود فستأتي الشواهد على صدقها في مبحث القراءات الشاذة بإذنه تعالى.
17. المصاحف : 24 نقلا من تلخیص التمهید : 168 ـ 169.
18. وسيأتي الكلام عن هذا المورد والذي يليه مفصلا في الجمع الثاني إن شاء الله تعالى.
19. الإتقان 1 : 60.
20. تاريخ القرآن الكريم : 28 للكردي الخطاط.
21. نفس المصدر : 31.
22. المصحف المرتّل بواعثه ومخططاته : 57 ، لبيب السعيد ، ط . دار الكتاب العربي. أقول : السبب في عدم الاستفادة منه واضح ؛ لأن ذلك الجمع لم ينته لا في زمن أبي بكر ولا في زمن عمر.
مقتبس من كتاب : إعلام الخلف / الجزء : 1 / الصفحة : 292 ـ 306

