معاوية وحُجر بن عدي وأصحابه

البريد الإلكتروني طباعة

معاوية وحُجر بن عدي وأصحابه

إنّ معاوية استعمل مغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين ، فلمّا أمّره عليها دعاه وقال له : أمّا بعد : فإنَّ لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا. وقد قال المتلمّس :

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

 

وما علّم الإنسان إلّا ليعلما

وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم ، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ، ويسعد سلطاني ، ويصلح رعيّتي ، ولست تارك إيصائك بخصلة : لا تقهم عن شتم عليّ وذمِّه ، والترحّم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم ، وإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم ، والاستماع منهم. فقال المغيرة : قد جرَّبت وجُرِّبت وعملت قبلك لغيرك ، فلم يذمم بي رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذمّ. ثم قال : بل نحمد إن شاء الله. فأقام المغيرة عاملاً على الكوفة سبع سنين وأشهراً وهو من أحسن شيء سيرة وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع شتم عليّ والوقوع فيه والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه ، فكان حُجر بن عديّ إذا سمع ذلك قال : بل إيّاكم فذمّ الله ولعن ، ثم قام وقال : إنَّ الله يقول : ( كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ ) (1) وأنا أشهد أنَّ من تذمُّون وتعيّرون لأحقُّ بالفضل ، وأنَّ من تزكّون وتطرون أولى بالذمّ. فيقول له المغيرة : يا حُجر لقد رمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك ، يا حُجر ويحك اتّق السلطان ، اتّق غضبه وسطوته ، فإنَّ غضب السلطان أحياناً ممّا يُهلك أمثالك كثيراً ، ثم يكفُّ عنه ويصفح ، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته : اللّهمّ ارحم عثمان بن عفّان ، وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله ، فإنّه عمل بكتابك واتّبع سنّة نبيّك صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وجمع كلمتنا ، وحقن دماءنا ، وقُتل مظلوماً (2) ، اللّهمّ فارحم أنصاره وأولياءه ومحبّيه والطالبين بدمه. ونال من عليّ بن أبي طالب عليه السلام ولعنه ولعن شيعته ، فوثب حُجر فنعر نعرةً أسمعت كلّ من كان في المسجد وخارجه وقال : إنّك لا تدري بمن تولع من هرمك أيّها الإنسان مُر لنا بأرزاقنا وأُعطياتنا فإنّك قد حبستها عنّا ولم يكن ذلك لك ، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك ، وقد أصبحت مولعاً بذمِّ أمير المؤمنين ، وتقريظ المجرمين. فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق والله حُجر وبرّ ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ولا يُجدي علينا شيئاً. وأكثروا في مثل هذا القول ، فنزل المغيرة فدخل القصر فاستأذن عليه قومه فأذن لهم فقالوا : علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجرأة ؟ فيوهن سلطانك ، ويسخط عليك أمير المؤمنين معاوية ، وكان أشدّهم له قولاً في أمر حُجر والتعظيم عليه عبدالله بن أبي عقيل الثقفي ، فقال لهم المغيرة : إنّي قد قتلته إنّه سيأتي أميرٌ بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيهاً بما ترونه يصنع بي ، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شرّ قتلة ، إنّه قد اقترب أجلي ، وضعف عملي ، ولا أحبّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم ، فيسعدوا بذلك وأشقى ، ويعزّ في الدنيا معاوية ، ويذلّ يوم القيامة المغيرة.

ثم هلك المغيرة سنة (51) فجمعت الكوفة والبصرة لزياد ـ ابن سميّة ـ فأقبل زياد حتى دخل القصر بالكوفة ووجّه إلى حُجر فجاءه ، وكان له قبل ذلك صديقاً ، فقال له : قد بلغني ما كنت تفعله بالمغيرة فيحتمله منك وإنّي والله لا أحتملك على مثل ذلك أبداً ، أرأيت ما كنت تعرفني به من حبّ علي وودّه ، فإنّ الله قد سلخه من صدري فصيّره بغضاً وعداوة ، وما كنت تعرفني به من بغض معاوية وعداوته فإنّ الله قد سلخه من صدري وحوّله حبّاً ومودّة ، وإنّي أخوك الذي تعهد ، إذا أتيتني وأنا جالسٌ للناس فاجلس معي على مجلسي ، وإذا أتيت ولم أجلس للناس فاجلس حتى أخرج إليك ، ولك عندي في كلِّ يوم حاجتان : حاجة غدوة ، وحاجة عشية ، إنّك إن تستقم تسلم لك دنياك ودينك ، وإن تأخذ يميناً وشمالاً تهلك نفسك ، وتشطُّ عندي دمك ، إنّي لا أُحبُّ التنكيل قبل التقدمة ، ولا آخذ بغير حجّة ، اللّهمّ اشهد. فقال حُجر : لن يرى الأمير منّي إلّا ما يُحب وقد نصح وأنا قابلٌ نصيحته.ثم خرج من عنده.

ولمّا ولي زياد ، جمع أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من عليّ (3) ، فقام في الناس وخطبهم ثم ترحّم على عثمان وأثنى على أصحابه ولعن قاتليه ، فقام حُجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة ، وكان زياد يقيم ستّة أشهر في الكوفة وستّة أشهر في البصرة ، فرجع إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث ، فبلغه أنّ حُجراً يجتمع إليه شيعة عليّ ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه ، وأنّهم حصبوا عمرو بن حريث فشخص إلى الكوفة حتى دخلها فأتى القصر فدخله ثم خرج فصعد المنبر وعليه قباء سندس ومطرف خزّ أخضر قد فرق شعره وحُجرٌ جالسٌ في المسجد حوله أصحابه أكثر ما كانوا ، فصعد المنبر وخطب وحذّر الناس وقال : أما بعد : فإنَّ غبّ البغي والغيّ وخيمٌ ، إنَّ هؤلاء جمّوا فأشروا ، وأمنوني فاجترؤوا على الله ، وايم الله لئن لم تستقيموا لأداوينّكم بدوائكم ، ولست بشيء إن لم أمنع باحة الكوفة من حُجر ، وأدعه نكالاً لمن بعده ، ويل أُمّك يا حُجر سقط العشاء بك على سرحان (4).

ثم قال لشدّاد بن الهيثم الهلالي أمير الشرطة : اذهب فأتني بحُجر ، فذهب إليه فدعاه فقال أصحابه : لا يأتيه ولا كرامة فسبّوا الشرط فرجعوا إلى زياد فأخبروه ، فقال : يا أشراف أهل الكوفة أتشجّون بيد وتأسون بأخرى ؟ أبدانكم عندي وأهواؤكم مع هذا الهجاجة المذبوبة (5). وفي الكامل (6) : أبدانكم معي وقلوبكم مع حُجر الأحمق. والله ليظهرنَّ لي براءتكم أو لآتينّكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم.

فقالوا : معاذ الله أن يكون لنا رأي إلّا طاعتك وما فيه رضاك. قال : فليقم كلّ رجل منكم فليدع من عند حُجر من عشيرته وأهله. ففعلوا وأقاموا أكثر أصحابه عنه ، وقال زياد لصاحب شرطته : انطلق إلى حُجر فإن تبعك فأتني به وإلّا فشدّوا عليهم بالسيوف حتى تأتوني به ، فأتاه صاحب الشرطة يدعوه فمنعه أصحابه من إجابته فحمل عليهم ، فقال أبو العمرطة الكندي لحُجر : إنَّه ليس معك رجلٌ معه سيفٌ غيري فما يغني سيفي ؟ قم فالحق بأهلك يمنعك قومك.

فقام وزياد ينظر إليهم وهو على المنبر وغشيهم أصحاب زياد فضرب رجلٌ من الحمراء يقال له بكر بن عبيد رأس عمرو بن الحمق بعمود فوقع وحمله رجلان من الأزد وأتيا به دار رجل يقال له عبيدالله بن موعد (7) الأزدي ، وضرب بعض الشرطة يد عائذ بن حملة التميمي وكسر نابه ، وأخذ عموداً من بعض الشرط فقاتل به وحمى حُجراً وأصحابه حتى خرجوا من أبواب كندة.

مضى حُجر وأبو العمرطة إلى دار حُجر واجتمع إليهما ناسٌ كثيرٌ ولم يأته من كندة كثير أحد ، فأرسل زياد وهو على المنبر مذحج وهمدان إلى جبّانة كندة وأمرهم أن يأتوه بحُجر ، وأرسل سائر أهل اليمن إلى جبّانة الصائدين وأمرهم أن يمضوا إلى صاحبهم حُجر فيأتوه به ، ففعلوا فدخل مذحج وهمدان إلى جبّانة كندة فأخذوا كلَّ من وجدوا ، فأثنى عليهم زياد ، فلمّا رأى حُجر قلّة من معه أمرهم بالانصراف وقال لهم : لا طاقة لكم بمن قد اجتمع عليكم وما أُحبّ أن تهلكوا ، فخرجوا فأدركهم مذحج وهمدان فقاتلوهم وأسروا قيس بن يزيد ونجا الباقون ، فأخذ حُجر طريقاً إلى بني حوت فدخل دار رجل منهم يقال له سليم بن يزيد ، وأدركه الطلب فأخذ سليم سيفه ليقاتل ، فبكت بناته فقال حُجر : بئسما أدخلت على بناتك إذا قال : والله لا تؤخذ من داري أسيراً ولا قتيلاً وأنا حيٌّ ، فخرج حُجر من خوخة في داره ، فأتى النخع فنزل دار عبدالله بن الحارث أخي الأشتر فأحسن لقاءه فبينما هو عنده إذ قيل له : إنّ الشرط تسأل عنك في النخع. وسبب ذلك أنَّ أمة سوداء لقيتهم فقالت : من تطلبون ؟ فقالوا : حُجر بن عدي. فقالت : هو في النخع. فخرج حُجر من عنده فأتى الأزد فاختفى عند ربيعة بن ناجد ، فلمّا أعياهم طلبه دعا زياد محمد بن الأشعث وقال له : والله لتأتيني به أو لأقطعنَّ كلّ نخلة لك وأهدم دورك ، ثم لا تسلم منّي حتى أُقطِّعك إرباً إرباً. فاستمهله فأمهله ثلاثاً. وأُحضر قيس بن يزيد أسيراً فقال له زياد : لا بأس عليك قد عرفت رأيك في عثمان وبلاءك مع معاوية بصفّين وأنّك إنّما قاتلت مع حُجر حميّة وقد غفرتها لك ولكن ائتني بأخيك عُمير. فاستأمن له منه على ماله ودمه فأمنه فأتاه به وهو جريحٌ ، فأثقله حديداً ، وأمر الرجال أن يرفعوه ويلقوه ففعلوا به ذلك مراراً. فقال قيس بن يزيد لزياد : ألم تؤمنه ؟ قال : بلى قد أمنته على دمه ولست أُهريق له دماً ، ثم ضمنه وخلّى سبيله.

مكث حُجر بن عدي في بيت ربيعة يوماً وليلة ، فأرسل إلى محمد بن الأشعث يقول له ليأخذ له من زياد أماناً حتى يبعث به إلى معاوية ، فجمع محمد جماعةً منهم : جرير بن عبدالله وحُجر بن يزيد ، وعبدالله بن الحارث أخو الأشتر ، فدخلوا على زياد فاستأمنوا له على أن يرسله إلى معاوية ، فأجابهم فأرسلوا إلى حُجر بن عدي فحضر عند زياد فلمّا رآه قال : مرحباً بك أبا عبدالرحمن حربٌ في أيّام الحرب ، وحربٌ وقد سالم الناس ، على أهلها تجني براقش (8). فقال حُجر : ما خلعت طاعة ولا فارقت جماعة وإنّي لعلى بيعتي. فقال هيهات هيهات يا حُجر ! أتشجُّ بيد وتأسو بأخرى ؟ وتريد إذا أمكننا الله منك أن نرضى ؟ كلّا والله لأحرصنَّ على قطع خيط رقبتك. فقال : ألم تؤمنّي حتى آتي معاوية فيرى فيَّ رأيه ؟ قال : بلى ، انطلقوا به إلى السجن ، فلمّا مضى به قال : أما والله لو لا أمانه ما برح حتى يلقط عصبه فأُخرج وعليه برنس في غداة باردة فحبس عشر ليال ، وزياد ما له غير الطلب لرؤوس أصحاب حُجر.

عمرو بن الحمق :

خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شدّاد حتى نزلا المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا الموصل فأتيا جبلاً فكمنا فيه ، وبلغ عامل ذلك الرستاق يقال له عُبيدالله بن أبي بلتعة خبرهما فسار إليهما في الخيل فخرجا إليه ، فأمّا عمرو فكان بطنه قد استسقى فلم يكن عنده امتناع. وأمّا رفاعة فكان شابّاً قويّاً فوثب على فرس له جواد وقال لعمرو : أُقاتل عنك ؟ قال : وما ينفعني أن تقتل ؟! انج بنفسك. فحمل عليهم فأفرجوا له حتى أخرجه فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان رامياً فلم يلحقه فارسٌ إلّا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه ، وأُخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت ؟ فقال : من إن تركتموه كان أسلم لكم ، وإن قتلتموه كان أضرّ عليكم. فسألوه فأبى أن يخبرهم فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل وهو عبدالرحمن بن عبدالله بن عثمان الثقفي ، فلمّا رأى عمراً عرفه وكتب إلى معاوية بخبره فكتب إليه معاوية : إنّه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص كانت معه ، وإنّا لا نريد أن نعتدي عليه فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان. فأخرج فطعن تسع طعنات فمات في الأولى منهنَّ أو في الثانية وبعث برأسه إلى معاوية ، فكان رأسه أوّل رأس حمل في الإسلام.

قال الأميني : هذا الصحابيُّ العظيم ـ عمرو بن الحمق ـ الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة (9) محكومٌ عليه عند القوم وغيرهم بالعدالة وكون أقواله وأفعاله حجّة.

لولا أنَّ عدالة الصحابة تمطّط إلى أُناس معلومين بالخلاعة والمجون كمغيرة بن شعبة ، والحكم بن أبي العاص ، والوليد بن عقبة ، وعبدالله بن أبي سرح ، وزياد بن أبيه ، وأُغيلمة قريش من الشباب الزائف ممّن جرّت المخازي إليهم الويلات ، وتتقلّص عن آخرين أنهكتهم العبادة ، وحنّكتهم الشريعة ، وأبلتهم الطاعة كعمرو بن الحمق ، وحُجر بن عدي ، وعدي بن حاتم ، وزيد وصعصعة ابني صوحان ، ولداتهم.

أنا لا أدري ما كان المبرِّر للنيل من عمرو وقتله ؟ وأيُّ جريمة أوجبت أن يُطعن بالطعنات التسع اللاتي أجهزت عليه أولاهنَّ أو ثانيتها ؟ أمّا واقعة عثمان فكان الصحابة مجمعين عليها بين سبب ومباشر كما قدّمناه لكم في الجزء التاسع (ص 69 ـ 169) فلِمَ لم يؤاخذوا عليها واختصّت المقاصّة أُناساً انقطعوا إلى ولاء مولانا أمير المؤمنين ولاء الله وولاء رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ ولم يجهّز معاوية الجيوش ولا بعث البعوث على طلحة والزبير وهما أشدُّ الناس في أمر عثمان وأوغلهم في دمه ؟! ومن ذا الذي أودى بعثمان غير معاوية نفسه في تثبّطه عن نصره وتربّصه به حتى بلغ السيف منه المحزّ (10) ؟ ولماذا كان يندِّد ويهدِّد ، ويؤاخذ أهل المدينة وغيرهم بأنَّهم تخاذلوا عن نصرته ولا يفعل شيئاً عن ذلك بنفسه المتهاونة عن أمر الرجل ؟ نعم ؛ كانت تلكم الأفاعيل على من يوالي علياً صلوات الله عليه ، فهي مُنكمشة عمّن يعاديه ويقدمهم ابن آكلة الأكباد.

هل لمعاوية أن يثبت أنَّ هلاك عثمان كان بطعنات عمرو ؟ وهؤلاء المؤرّخون ينصّون على أنَّ المجهز عليه هو كنانة بن بشر التجيبي ، وقد جاء في شعر الوليد بن عقبة :

ألا إنَّ خير الناس بعد ثلاثة

 

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

وقال هو أو غيره :

علاه بالعمود أخو تجيبٍ

 

فأوهى الرأسَ منه والجبينا (11)

وأخرج الحاكم في المستدرك (12) (3 / 106) بإسناده عن كنانة العدوي ، قال : كنت فيمن حاصر عثمان. قال : قلت : محمد بن أبي بكر قتله ؟ قال : لا ، قتله جبلة بن الأيهم رجلٌ من أهل مصر. قال : وقيل : قتله كبيرة السكوني فقتل في الوقت. وقيل : قتله كنانة بن بشر التجيبي ، ولعلّهم اشتركوا في قتله لعنهم الله. وقال الوليد بن عقبة :

ألا إنَّ خير الناس بعد نبيّهم

 

قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

وفي الاستيعاب (13) (2 / 477 ، 478) : كان أوّل من دخل الدار عليه محمد بن أبي بكر فأخذ بلحيته فقال : دعها يابن أخي والله لقد كان أبوك يكرمها. فاستحى وخرج ، ثم دخل رومان بن سرحان رجلٌ أزرق قصيرٌ محدودٌ عداده في مراد وهو من ذي أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال : على أيّ دين أنت يا نعثل ؟! فقال عثمان : لست بنعثل ولكنّي عثمان بن عفّان وأنا على ملّة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين. قال : كذبت ، وضربه على صدغه الأيسر فقتله فخرَّ.

وقال : اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل : محمد بن أبي بكر ضربه بمشقص. وقيل : بل حبسه محمد بن أبي بكر وأسعده (14) غيره ، وكان الذي قتله سودان بن حمران وقيل : بل ولي قتله رومان اليمامي. وقيل : بل رومان رجلٌ من بني أسد بن خزيمة. وقيل : بل إنَّ محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزّها وقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن أبي سرح ، وما أغنى عنك ابن عامر فقال له : يا بن أخي أرسل لحيتي فوالله إنّك لتجبذ لحية كانت تعزُّ على أبيك ، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني. فيقال : إنّه حينئذٍ تركه وخرج عنه. ويقال : إنّه حينئذٍ أشار إلى من كان معه فطعنه أحدهم وقتلوه. والله أعلم.

وأخرج أيضاً ما رويناه عن المستدرك بلفظ : فقال محمد بن طلحة : فقلت لكنانة : هل ندى محمد بن أبي بكر بشيء من دمه ؟ قال : معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان : يا بن أخي لست بصاحبي وكلّمه بكلام فخرج ولم يند بشيء من دمه. قال : فقلت لكنانة : من قتله ؟ قال : قتله رجلٌ من أهل مصر يقال له : جبلة بن الأيهم ثم طاف بالمدينة ثلاثاً يقول : أنا قاتل نعثل.

وذكر المحبّ الطبري في رياضه (15) (2 / 130) ما أخرجه أبو عمر في الاستيعاب من استحياء محمد بن أبي بكر وخروجه من الدار ودخول رومان بن سرحان وقتله عثمان. فقال : وقيل : قتله جبلة بن الأيهم. وقيل : الأسود التجيبي. وقيل : يسار بن غلياض.

وأخرج ابن عساكر (16) في حديث ذكره ابن كثير في تاريخه (17) (7 / 175) : وجاء رجلٌ من كندة من أهل مصر يلقّب حماراً ويكنّى بأبي رومان. وقال قتاده : اسمه رومان. وقال غيره. كان أزرق أشقر. وقيل : كان اسمه سودان بن رومان المرادي. وعن ابن عمر قال : كان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه بحربة وبيده السيف صلتاً. إلى آخره.

وقال ابن كثير في تاريخه (18) (7 / 198) : أمّا ما يذكره بعض الناس من أنّ بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله فهذا لا يصحّ (19) عن أحد من الصحابة أنّه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه بل كلّهم كرهه ومقته وسبّ من فعله لكن بعضهم كان يودُّ لو خلع نفسه من الأمر كعمّار بن ياسر ، ومحمد بن أبي بكر ، وعمرو بن الحمق وغيرهم.

ثم أيّ مبرِّر لابن هند في أمره بإتمام الطعنات التسع بعد الطعنة المودية به ؟ وهل في الشريعة تعبّدٌ بأن يفعل بالمقتصّ منه مثل ما فعله بمن يقتصُّ له ؟ أو يكتفى بما هو المقصود من القصاص من إعدام القاتل ؟ ولعلَّ عند فقيه بني أُميّة مسوِّغاً لا نعرفه. أضف إلى ذلك حمل رأسه من بلد إلى بلد ، وهو أوّل رأس مطاف به في الإسلام (20). قال النسّابة أبو جعفر محمد بن حبيب في كتاب المحبّر (ص 490) : ونصب معاوية رأس عمرو بن الحمق الخزاعي وكان شيعيّاً ودير به في السوق. وكان عبدالرحمن بن أُمّ الحكم أخذه بالجزيرة. وقال ابن كثير (21) : فطيف به في الشام وغيرها ، فكان أوّل رأس طيف به ثم بعث معاوية برأسه إلى زوجته آمنة بنت الشريد ـ وكانت في سجنه ـ فأُلقي في حجرها. فوضعت كفّها على جبينه ولثمت فمه وقالت : غيّبتموه عنّي طويلاً ثم أهديتموه إليَّ قتيلاً ، فأهلاً بها من هديّة غير قالية ولا مقلية.

نعم ؛ هذه الأفاعيل إلى أمثالها من نماذج فقه أُمِّه آكلة الأكباد الذي سوّغ لها مافعلت بعمِّ النبيّ الأعظم سيّد الشهداء حمزة سلام الله عليه ، واقتصَّ أثر أبيه يزيد بن معاوية فيما ارتكبه من سيّد شباب أهل الجنّة الحسين السبط صلوات الله عليه ، فقتله وآله وصحبه الأكرمين أشنع قتلة وطيف برؤوسهم الكريمة في الأمصار على سمر القنا فأعقبهما خزاية لا يغسلها مرّ الدهور ، وشية قُرِنَ ذكرها بالخلود.

على أنّه لو كان هناك قصاصٌ فهو لأولياء الدم وهم ولد عثمان ، وإن لم يكن هناك وليٌّ أو أنّه عجز عن تنفيذ الحكم فيقوم به خليفة الوقت فإنّه وليُّ الدم وأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو يومئذٍ وقبله مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام فهو موكولٌ إليه ، وكان عمرو بن الحمق في كنفه يراه ويبصر موقفه وخضوعه له ، فلو كان عليه قصاصٌ أجراه عليه وهو الذي لم تأخذه في الله لومة لائم ، وساوى عدله القريب والبعيد ، وكانت يده مبسوطة عند ذاك ، وعمرو أخضع له من الظلِّ لذيه ، ومعاوية عندئذٍ أحد أفراد الأُمّة ـ إن صدق أنَّه أحد أفرادها ـ لا يحويه عيرٌ ولا نفيرٌ ، ولا يناط به حكمٌ من أحكام الشريعة ، غير أنّه قحّمه في الورطات حبُّ الوقيعة في محبّي عليّ أمير المؤمنين عليه السلام والله من ورائه حسيبٌ.

صيفي بن فسيل :

وجدَّ زياد في طلب أصحاب حُجر وهم يهربون منه ويأخذ من قدر عليه منهم ، فجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له : إنَّ امرأً منّا يقال له : صيفي بن فسيل من رؤوس أصحاب حُجر وهو أشدُّ الناس عليه ، فبعث إليه فأُتي به ، فقال له زياد : يا عدوّ الله ما تقول في أبي تراب ؟ فقال : ما أعرف أبا تراب. قال : ما أعرفك به ! أما تعرف عليَّ بن أبي طالب ؟ قال : بلى. قال : فذلك أبو تراب. قال : كلّا ذاك أبو الحسن والحسين. فقال له صاحب الشرطة : أيقول لك الأمير : هو أبو تراب ، وتقول أنت : لا ؟ قال : أفإن كذب الأمير أردت أن أكذب ، وأشهد له بالباطل كما شهد ؟ قال له زياد : وهذا أيضاً مع ذنبك ، عليَّ بالعصا ، فأُتي بها ، فقال : ما قولك في عليّ ؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد الله أقوله في أمير المؤمنين. قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض. فضرب حتى لصق بالأرض ثم قال : اقلعوا عنه ، إيه ما قولك في عليّ ؟ قال : والله لو شرحتني بالمواسى والمدى ما قلت إلّا ما سمعت منّي. قال : لتلعننّه أو لأضربنَّ عنقك. قال : إذاً والله تضربها قبل ذلك ، فأسعدُ وتشقى. قال : ادفعوا في رقبته. ثم قال : أوقروه حديداً واطرحوه في السجن ، ثم قُتل مع من قُتل مع حُجر وأصحابه.

قال الأميني : ما أكبرها من جناية على رجل يقول : ربّي الله ، ويدين بالرسالة ويوالي إمام الحقِّ ، وليس عليه ما يجلب التنكيل به كما فعله ابن سميّة بإيعاز من ابن آكلة الأكباد إلّا الخضوع لولايةٍ أمر الكتاب بها والرضوخ لها ، وقد أكّدته السنّة في نصوصها المتواترة.

وهل الامتناع عن لعن من أمر الله باتّباعه وطهّره وقدّسه يسوِّغ الضرب والحبس والقتل ؟ أنا لا أدري. وإنَّ ابن الزانية ومن ركّزه على ولاية الأمصار لعليمان بما ارتآه ، لكن احتدام بغضهما لصاحب الولاية الكبرى ، حداهما إلى أن يلغا في دم من أسلم وجهه لله وهو محسن. وإلى الله المنتهى.

قبيصة بن ضبيعة :

بعث زياد إلى قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي صاحب شرطته شدّاد بن الهيثم ، فدعا قبيصة في قومه وأخذ سيفه ، فأتاه ربعيّ بن حراش بن جحش العبسي ورجال من قومه ليسوا بالكثير فأراد أن يقاتل ، فقال صاحب الشرطة : أنت آمنٌ على دمك ومالك ، فلِمَ تقتل نفسك ؟ فقال له أصحابه : قد أُومنت فعلامَ تقتل نفسك وتقتلنا معك ؟ قال : ويحكم إنَّ هذا الدعيّ ابن العاهرة والله لئن وقعتُ في يده لا أفلت منه أبداً أو يقتلني. قالوا : كلّا. فوضع يده في أيديهم ، فأقبلوا به إلى زياد. فلمّا دخلوا عليه قال زياد : وحيّ عسى تعزّون على الدين ، أما والله لأجعلنَّ لك شاغلاً عن تلقيح الفتن والتوثّب على الأمراء. قال : إنّي لم آتك إلّا على الأمان. قال : فانطلقوا به إلى السجن ، وقُتل مع من قُتل من أصحاب حُجر.

عبدالله بن خليفة :

بعث زياد بُكير بن حمران الأحمري إلى عبدالله بن خليفة الطائي وكان شهد مع حُجر ، فبعثه في أُناس من أصحابه فأقبلوا في طلبه فوجدوه في مسجد عديِّ بن حاتم فأخرجوه ، فلمّا أرادوا أن يذهبوا به وكان عزيز النفس امتنع منهم فحاربهم وقاتلهم فشجّوه ورموه بالحجارة حتى سقط فنادت ميثاء أُخته : يا معشر طيّئ أتسلمون ابن خليفة لسانكم وسنانكم ؟ فلمّا سمع الأحمريّ نداءها خشي أن تجتمع طيّئ فيهلك فهرب ، فخرج نسوةٌ من طيّئ فأدخلنه داراً ، وانطلق الأحمريّ حتى أتى زياداً فقال : إنّ طيئاً اجتمعت إليَّ فلم أطقهم فأتيتك ، فبعث زيادٌ إلى عديّ وكان في المسجد فحبسه وقال : جئني به وقد أُخبر عديُّ بخبر عبدالله ، فقال عديّ : كيف آتيك برجل قد قتله القوم ؟ قال : جئني حتى إن قد قتلوه. فاعتلَّ له وقال : لا أدري أين هو ولا ما فعل. فحبسه فلم يبق رجل من أهل المصر من أهل اليمن وربيعة ومضر إلّا فزع لعديّ ، فأتوا زياداً فكلّموه فيه. وأُخرِجَ عبدالله فتغيّب في بُحْتُر (22) ، فأرسل إلى عديّ إن شئت أن أخرج حتى أضع يدي في يدك فعلتُ ، فبعث إليه عديّ : والله لو كنتَ تحت قدميّ ما رفعتهما عنك. فدعا زيادٌ عديّاً فقال له : إنّي اُخلي سبيلك على أن تجعل لي لتنفيه من الكوفة ولتسير به إلى جبلي طيّئ. قال : نعم. فرجع وأرسل إلى عبدالله ابن خليفة : أُخرُجْ فلو قد سكن غضبه لكلّمته فيك حتى ترجع إن شاء الله. فخرج إلى الجبلين ومات بهما قبل موت زياد.

الشهادة المزوّرة على حُجر :

جمع زياد من أصحاب حُجر بن عديّ اثني عشر رجلاً في السجن ثم دعا رؤساء الأرباع وهم : عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة ، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان ، وقيس بن الوليد على ربع ربيعة وكندة ، وأبو بردة بن أبي موسى على ربع مذحج وأسد ، فشهد هؤلاء أنَّ حُجراً جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين ، وزعم أنَّ هذا الأمر لا يصلح إلّا في آل أبي طالب ، وأظهر عذر أبي تراب والترحّم عليه والبراءة من عدوِّه وأهل حربه ، وأنَّ هؤلاء الذين معه هم رؤوس أصحابه وعلى مثل رأيه. ونظر زياد في شهادة الشهود وقال : ما أظنُّ هذه شهادة قاطعة وأحبّ أن يكون الشهود أكثر من أربعة ، فدعا الناس ليشهدوا عليه ، وقال زياد :

على مثل هذه الشهادة فاشهدوا ، أما والله لأجهدنَّ على قطع خيط عنق الخائن الأحمق ، فقام عثمان بن شرحبيل التيمي أوّل الناس فقال : اكتبوا اسمي. فقال زياد : ابدؤوا بقريش ثم اكتبوا اسم من نعرفه ويعرفه أمير المؤمنين بالصحّة والاستقامة (23). فشهد عليه سبعون رجلاً ، فقال زياد : ألقوهم إلّا من عُرف بحسب وصلاح في دينه ، فألقوا حتى صيّروا إلى هذه العدّة وهم أربع وأربعون فيهم : عمر بن سعد بن أبي وقاص ، شمر بن ذي الجوشن ، شبث بن ربعي ، زجر بن قيس.

وممّن شهد شدّاد بن المنذر أخو الحضين وكان يُدعى : ابن بزيعة ، فكتب : شهادة ابن بزيعة. فقال زياد : أما لهذا أبٌ ينسب إليه ؟ ألغوه من الشهود. فقيل له : إنَّه أخو الحضين بن المنذر. فقال : انسبوه إلى أبيه فنسب ، فبلغ ذلك شدّاداً فقال : والهفاه على ابن الزانية أوَليست أُمّه أعرف من أبيه ؟ فوالله ما يُنسب إلّا إلى أُمّه سميّة.

وكتب في الشهود شريح بن الحرث ، وشريح بن هانئ ، فأمّا شريح بن الحرث فقال : سألني عنه فقلت : أما إنَّه كان صوّاماً قوّاماً. وأمّا شريح بن هانئ فقال : بلغني أنَّ شهادتي كتبت فأكذبته ولُمته ، وكتب كتاباً إلى معاوية وبعثه إليه بيد وائل بن حجر وفي الكتاب : بلغني أنَّ زياداً كتب شهادتي ، وأنَّ شهادتي على حُجر أنَّه ممّن يقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، ويُديم الحجَّ والعمرة ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، حرام الدم والمال ، فإن شئت فاقتله ، وإن شئت فدعه. فلمّا قرأ معاوية الكتاب قال : ما أرى هذا إلّا قد أخرج نفسه من شهادتكم.

وكتب شهادة السريّ بن وقّاص الحارثي وهو غائبٌ في عمله.

قال الأميني : هذه شهادة زور لفّقها ابن أبيه أو ابن أُمّه على أصناف من الناس ، منهم الصلحاء والأخيار الذين أكذبوا ذلك العزو المختلق كشريح بن الحرث وشريح ابن هانئ ومن حذا حذوهما ، وشهدوا بخلاف ما كُتب عنهما. ومنهم من كانوا غائبين عن ساعة الشهادة وساحتها ، لكنَّ يد الإفك أثبتتها عليهم كابن وقّاص الحارثي ومن يُشاكله. ومنهم رجرجةٌ من الناس يستسهلون شهادة الزور ويستسيغون من جرّائها إراقة الدماء ليس لهم من الدين موضع قدَم ولا قِدَم : كعمر بن سعد ، وشمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وزجر بن قيس ، فتناعقوا بشهادة باطلة لأجلها وصفهم الدعيُّ بأنّهم خيار أهل المصر وأشرافهم ، وذوو النهى والدين. وإنَّ معاوية جدُّ عليم بحقيقة الحال لكنّ شهوة الوقيعة في كلِّ ترابيّ حبّذت له قبول الشهادة المزوّرة والتنكيل بحُجر وأصحابه الصلحاء الأخيار ، فصرم بهم أُصول الصلاح وقطع أواصرهم يوم أودى بهم ، ولم يكترث لمغبّة ما ناء به من عمل غير مبرور. فإلى الله المشتكى.

تسيير حُجر وأصحابه إلى معاوية ومقتلهم :

دفع زياد حُجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حُجر الحضرمي وكثير بن شهاب وأمرهما أن يسيرا بهم إلى الشام ، فخرجوا عشيّةً وسار معهم صاحب الشرطة حتى أخرجهم من الكوفة ، فلمّا انتهوا إلى جبّانة عرزَم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهي في جبّانة عرزَم فإذا بناته مشرفات ، فقال لوائل وكثير : ائذنا لي فأُوصي أهلي. فأذنا له ، فلمّا دنا منهنّ وهنّ يبكين سكت عنهنّ ساعة ثم قال : اسكنَّ فسكتن. فقال : اتّقين الله عزّوجلّ واصبرن فإنّي أرجو من ربّي في وجهي هذا إحدى الحسنيين : إمّا الشهادة وهي السعادة ، وإمّا الانصراف إليكنّ في عافية. وإنّ الذي يرزقكنّ ويكفيني مؤنتكنّ هو الله تعالى وهو حيٌّ لا يموت ، أرجو أن لا يضيّعكنّ وأن يحفظني فيكنّ. ثم انصرف فمرّ بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية.

فساروا حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق وهم اثنا عشر رجلاً :

حُجر بن عدي ، الأرقم بن عبدالله ، شريك بن شدّاد ، صيفي بن فسيل ، قبيصة بن ضبيعة ، كريم بن عفيف ، عاصم بن عوف ، ورقاء بن سمي ، كدام بن حيّان ، عبدالرحمن بن حسّان ، محرز بن شهاب ، عبدالله بن حويّة. وأتبعهم زياد برجلين مع عامر بن الأسود فتمّوا أربعة عشر رجلاً ، فحُبِسوا بمرج عذراء ، فبعث معاوية إلى وائل بن حُجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذ كتابهما فقرأه على أهل الشام فإذا فيه :

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيِمِ

لعبدالله معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان. أمّا بعد :

فإنّ الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء ، فأداله من عدوّه وكفاه مؤنة من بغى عليه ، إنّ طواغيت الترابيّة الصبائيّة (24) رأسهم حُجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين ، وفارقوا جماعة المسلمين ، ونصبوا لنا الحرب ، فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بما رأوا وعلموا ، وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر وخيارهم في أسفل كتابي هذا.

فلمّا قرأ معاوية الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال : ماذا ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تسمعون ؟ فقال له يزيد بن أسد البجلي : أرى أن تفرِّقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها. وكتب معاوية إلى زياد : أمّا بعد : فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حُجر وأصحابه وشهادة من قِبلك عليهم فنظرت في ذلك فأحياناً أرى قتلهم أفضل من تركهم ، وأحياناً أرى العفو عنهم أفضل من قتلهم ، والسلام.

فكتب إليه زياد مع يزيد بن حُجيّة التميمي : أمّا بعد : فقد قرأت كتابك وفهمت رأيك في حُجر وأصحابه فعجبت لاشتباه الأمر عليك فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم ، فإن كانت لك حاجةٌ في هذا المصر فلا تردّن حُجراً وأصحابه إليَّ.

فأقبل يزيد بن حُجيّة حتى مرّ بهم بعذراء فقال : يا هؤلاء أما والله ما أرى براءتكم ولقد جئت بكتاب فيه الذبح فمروني بما أحببتم ممّا ترون أنّه لكم نافعٌ أعمل به لكم وأنطق به. فقال حُجر : أبلغ معاوية : أنّا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها ، وإنّما شهد علينا الأعداء والأظنّاء. فقدم يزيد بالكتاب إلى معاوية وأخبره بقول حُجر فقال معاوية : زياد أصدق عندنا من حُجر. فقال عبدالرحمن بن أُمّ الحكم الثقفي ، ويقال عثمان بن عمير الثقفي : جذاذها جُذاذها. فقال له معاوية : لا تعنَّ أبراً. فخرج أهل الشام ولا يدرون ما قال معاوية وعبدالرحمن ، فأتوا النعمان بن بشير فقالوا له مقالة ابن أُمّ الحكم فقال النعمان : قتل القوم.

أقبل عامر بن الأسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه بالرجلين اللذين بعث بهما زياد ولحقا بحُجر وأصحابه ، فلمّا ولّى ليمضي قام إليه حُجر بن عدي يرسف في القيود فقال : يا عامر اسمع منّي : أبلغ معاوية أنَّ دماءنا عليه حرامٌ. وأخبره أنّا قد أُومنّا وصالحناه فليتّق الله ولينظر في أمرنا. فقال له نحواً من هذا الكلام فأعاد عليه حُجرٌ مراراً. فدخل عامر على معاوية فأخبره بأمر الرجلين ، فقام يزيد بن أسد البجلي فاستوهب الرجلين وكان جرير بن عبدالله كتب في أمر الرجلين أنّهما من قومي من أهل الجماعة والرأي الحسن ، سعى بهما ساعٍ ظنينٌ إلى زياد وهما ممّن لا يحدث حدثاً في الإسلام ولا بغياً على الخليفة ، فلينفعهما ذلك عند أمير المؤمنين. فوهبهما له وليزيد بن أسد.

وطلب وائل بن حُجر في الأرقم الكندي فتركه.

وطلب أبو الأعور في عتبة بن الأخنس فوهبه له.

وطلب حمزة بن مالك الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له.

وطلب حبيب بن مسلمة في عبدالله بن حويّة التميمي فخلّى سبيله.

فقام مالك بن هبيرة فسأله في حُجر فلم يشفّعه فغضب وجلس في بيته ، فبعث معاوية هدبة بن فيّاض القضاعي من بني سلامان بن سعد والحُصين بن عبدالله الكلابي وأبا شريف البدّي ـ في الأغاني : أبا حريف البدري ـ فأتوهم عند المساء فقال الخثعمي حين رأى الأعور مقبلاً : يُقتل نصفنا وينجو نصفنا. فقال سعيد بن نمران : اللّهمّ اجعلني ممّن ينجو وأنت عنّي راضٍ. فقال عبدالرحمن بن حسان العنزي : اللّهمّ اجعلني ممّن تكرم بهوانهم وأنت عنّي راضٍ ، فطالما عرّضت نفسي للقتل فأبى الله إلَّا ما أراد. فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية (25) ، فقال لهم رسل معاوية ، ثم إنّا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له ، فإن فعلتم هذا تركناكم وإن أبيتم قتلناكم ، وإنَّ أمير المؤمنين يزعم أنَّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم ، غير أنّه قد عفا عن ذلك فابرؤوا من هذا الرجل نخلِّ سبيلكم. قالوا : لسنا فاعلين. فأُمروا بقيودهم فحلّت ، وبقبورهم فحفرت ، وأُدنيت أكفانهم ، فقاموا الليل كلّه يصلّون فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية : يا هؤلاء قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ قالوا : هو أوّل من جار في الحكم ، وعمل بغير الحقِّ. فقال أصحاب معاوية : أمير المؤمنين كان أعلم بكم ، ثم قاموا إليهم وقالوا : تبرؤون من هذا الرجل ؟ قالوا : بل نتولّاه. فأخذ كلّ رجل منهم رجلاً ليقتله ، فوقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبي شريف البدّي فقال له قبيصة : إنَّ الشرّ بين قومي وقومك أمنٌ ـ أي : آمن ـ فليقتلني غيرك فقال له : برّتك رحمٌ. فأخذه الحضرميّ فقتله. وقتل القضاعي صاحبه.

قال لهم حُجر : دعوني أُصلّي ركعتين ، فأيمن الله ما توضّأت قطّ إلَّا صلّيت ركعتين فقالوا له : صلّ فصلّى ثم انصرف فقال : والله ما صلّيت صلاة قطّ أقصر منها ولولا أن تروا أنَّ ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها. ثم قال : اللّهمّ إنّا نستعديك على أُمّتنا فإنّ أهل الكوفة شهدوا علينا ، وإنَّ أهل الشام يقتلوننا ، أما والله لئن قتلتموني بها إنّي لأوّل فارس من المسلمين سلك في واديها ، وأوّل رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى إليه هدبة الأعور بالسيف فأرعدت خصائله (26) ، فقال : كلّا زعمت أنّك لا تجزع من الموت فأنا أدعك فابرأ من صاحبك. فقال : ما لي لا أجزع وأنا أرى قبراً محفوراً ، وكفناً منشوراً ، وسيفاً مشهوراً ، وإنّي والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب. فقيل له : مدّ عنقك. فقال : إنَّ ذلك لدمٌ ما كنت لأُعين عليه. فقُدِّم فضربت عنقه وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً حتى قتلوا ستّة.

الخثعمي والعنزي من أصحاب حُجر :

قال عبدالرحمن بن حسّان العنزي ، وكريم بن عفيف الخثعمي : ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه فبعث : ائتوني بهما. فالتفتا إلى حُجر ، فقال له العنزي : لا تبعد يا حُجر ولا يبعد مثواك ، فنعم أخو الإسلام كنت. وقال الخثعمي نحو ذلك ثم مضى بهما ، فالتفت العنزي فقال متمثِّلاً :

كفى بشفاة القبر بُعداً لهالكٍ

 

وبالموت قطّاعاً لحبل القرائن

فلمّا دخل عليه الخثعمي قال له : الله الله يا معاوية إنّك منقولٌ من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ومسؤولٌ عمّا أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا ، فقال معاوية : ما تقول في عليّ ؟ قال : أقول فيه قولك ، أتتبرّأ من دين عليّ الذي كان يدين الله به ؟ فسكت ، وكره معاوية أن يجيبه ، فقام شمر بن عبدالله الخثعمي فاستوهبه. فقال : هو لك غير أنّي حابسه شهراً فحبسه ، فكان يرسل إليه بين كلّ يومين فيكلّمه ، ثم أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطانٌ. فنزل الموصل فكان يقول : لو قد مات معاوية قدمت المصر ، فمات قبل معاوية بشهر.

ثم أقبل على عبدالرحمن بن حسّان فقال له : إيه يا أخا ربيعة ما قولك في عليّ ؟ قال : دعني ولا تسألني فإنّه خيرٌ لك. قال : والله لا أدعك حتى تخبرني عنه. قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر (27) والعافين عن الناس. قال : فما قولك في عثمان ؟ قال : هو أوّل من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحقّ. قال : قتلت نفسك. قال بل إيّاك قتلت لا ربيعة بالوادي ـ يعني أنّه ليس ثَمّ أحدٌ من قومه فيتكلّم فيه ـ فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه : أمّا بعد : فإنَّ هذا العنزي شرُّ من بعثت به فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به على زياد بعث به إلى قسّ الناطف (28) فدفن به حيّاً.

فقتل من أصحاب حُجر معه :

شريك بن شدّاد الحضرمي ، صيفي بن فسيل الشيباني ، قبيصة بن ضبيعة العبسي ، محرز بن شهاب المنقري ، كدام بن حيّان العنزي ، عبدالرحمن بن حسّان العنزي.

ونجا منهم :

كريم بن عفيف الخثعمي ، عبدالله بن حويّة التميمي ، عاصم بن عوف البجلي ، ورقاء بن سميّ البجلي ، أرقم بن عبدالله الكندي ، عتبة بن الأخنس السعدي ، سعد بن نمران الهمداني.

أخذنا ما في هذا الفصل (29) من : الأغاني (16 / 2 ـ 11) ، عيون الأخبار لابن قتيبة (1 / 147) ، تاريخ الطبري (6 / 141 ـ 156) ، مستدرك الحاكم (3 / 468) ، تاريخ ابن عساكر (4 / 84 و 6 / 459) ، الكامل لابن الاثير (3 / 202 ـ 208) ، تاريخ ابن كثير (8 / 49 ـ 55) (30).

قال الأميني : من حُجر بن عدي ؟ ومن الذين كانوا معه ؟ وما الذي كانت غايتهم في تلكم المواقف الهائلة ؟ وماذا اقترفوه من ذنب حتى قتّلوا تقتيلاً ؟ ولماذا هتكت حرماتهم ، وقطعت أوصال حياتهم وهم فئةٌ مسلمة ؟!

حُجر بن عدي من عدول الصحابة ، أو أحد الصحابة العدول ، راهب أصحاب محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم كما قاله الحاكم (31) ، من أفاضل الصحابة وكبارهم مع صغر سنّه مستجاب الدعوة كما في الاستيعاب (32) ، وكان ثقة معروفاً كما قاله ابن سعد (33) ، وقال المرزباني : إنّه وفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وكان من عبّاد الله وزهّادهم وكان بارّاً بأُمّه ، وكان كثير الصلاة والصيام (34) ، وقال أبو معشر : كان عابداً وما أحدث إلّا توضّأ وما توضّأ إلّا صلّى (35) ، وكان له صحبة ووفادة وجهاد وعبادة كما في الشذرات (36) ، وكان صاحب كرامة واستجابة دعاء مع التسليم إلى الله. روى ابن الجنيد في كتاب الأولياء : إنّ حُجر بن عدي أصابته جنابة فقال للموكّل به : أعطني شرابي أتطهّر به ولا تعطني غداً شيئاً. فقال : أخاف أن تموت عطشاً فيقتلني معاوية ، قال : فدعا الله فانسكبت له سحابة بالماء فأخذ منها الذي احتاج إليه ، فقال له أصحابه : ادع الله أن يخلّصنا. فقال : اللّهمَّ خِرْ لنا (37).

وقالت عائشة : أما والله إن كان ما علمت لمسلماً حجّاجاً معتمراً (38). وقالت لمعاوية : قتلت حُجراً وأصحابه ، أما والله لقد بلغني أنّه سيقتل بعذراء سبعة رجال ـ وفي لفظ : أُناس ـ يغضب الله وأهل السماء لهم (39).

وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : « يا أهل الكوفة سيقتل فيكم سبعة نفر هم من خياركم بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأُخدود ». وفي لفظ : « حُجر بن عدي وأصحابه كأصحاب الأُخدود ، وما نقموا منهم إلّا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد » (40).

وفيما كتب (41) الإمام السبط الحسين عليه السلام إلى معاوية : « ألست قاتل حُجر وأصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكّدة جرأةً على الله واستخفافاً بعهده.

أوَلستَ بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة ، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصم (42) نزلت من شعف (43) الجبال ؟

أولستَ قاتل الحضرمي (44) الذي كتب إليك فيه زياد : إنّه على دين عليّ كرّم الله وجهه. ودين عليّ هو دين ابن عمّه صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين : رحلة الشتاء والصيف ، فوضعها الله عنكم بنا ، منّةً عليكم ».

هذا حُجر وأصحابه ، وأمّا غاية ذلك العبد الصالح والتابعين له بإحسان في مواقفهم كلّها فهي النهي عن المنكر الموبق من لعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على صهوات المنابر ، فكانوا يغبِّرون في وجه من يرتكب تلكم الجريمة من عمّال معاوية وزبانيته الأشدّاء على إمام الحقِّ وأوليائه ، ولم ينقم القوم منهم غير ذلك من عيث في المجتمع ، أو إفساد على السلطان ، أو شقّ لعصا المسلمين ، وكان حُجر وهو سيّد قومه يقول : ألا إنّي على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس. ويقول ليزيد بن حجيّة : أبلغ معاوية أنّا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها ، وأنّه إنّما شهد علينا الأعداء والأظنّاء. ويقول : ما خلعت يداً عن طاعة ولا فارقت جماعة وإنّي على بيعتي. ولمّا أُدخل على معاوية سلّم عليه بإمرة المؤمنين (45).

لم يكن صلاح الرجل وأصحابه يخفى على أيِّ أحد حتى على مثل المغيرة الذي كان من زعانف معاوية الخصماء الألدّاء على شيعة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فإنَّه لمّا أشير عليه بالتنكيل بحُجر وأصحابه قال : لا أُحبُّ أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم ، فيسعدوا بذلك وأشقى ، ويعزّ في الدنيا معاوية ويذلّ يوم القيامة المغيرة.

ورأى أصحاب معاوية منهم آخر ليلة حياتهم بعذراء حسن صلاة ودعاء فأعجبهم نسكهم وأكبروا موقفهم من طاعة الله غير أنّهم ألقوا عليهم البراءة من عليّ أمير المؤمنين عليه السلام بأمرٍ من معاوية براءة يتبعها الأمان والسلام فلم يفعلوا ، فقتلوا في موالاة عليّ عليه السلام كما قاله الحاكم في المستدرك (46) (3 / 470) ، وسمعت في كلمة الإمام السبط عليه السلام قوله : « أوَلست قاتل الحضرميّ الذي كتب إليك فيه زياد : أنَّه على دين عليّ كرّم الله وجهه ، فلم يك ذنبهم إلّا موالاة من قرن الله ولايته بولايته وولاية رسوله ».

ونحن لا ندري هل ثبت في الشريعة أنَّ البراءة من إمام الهدى ولعنه مجلبةٌ للأمان على حين أنَّ الرجل مستحقٌّ للإعدام ؟ أو أنَّ ذلك نفسه فريضةٌ ثابتةٌ قامت بها الضرورة من الدين ، فيهدر به دم تاركها ، ويكون قتله من أحبّ ما يكون إلى معاوية كما جاء فيما رواه ابن كثير في تاريخه (47) (8 / 54) من أنَّ عبدالرحمن بن الحارث قال لمعاوية : أقتلتَ حُجر بن الأدبر ؟ فقال معاوية : قتله أحبُّ إليَّ من أن أقتل معه مائة ألف.

نعم ؛ نحن لا ندري ، لكن فقه معاوية وشهواته يستسيغان ذلك ، فلا يصيخ إلى نُصح أيِّ ناصح ، فإنَّه لمّا استشار أصحابه في أمر حُجر وهو في سجن عذراء قال له عبدالله بن زيد بن أسد البجلي : يا أمير المؤمنين أنت راعينا ونحن رعيّتك ، وأنت ركننا ونحن عمادك ، إن عاقبت قلنا : أصبت. وإن عفوت قلنا : أحسنت. والعفو أقرب للتقوى ، وكلّ راع مسؤولٌ عن رعيّته (48).

وما ذنب حُجر وأصحابه الصلحاء ومن شاكلهم من أهل الصلاح وحملة الإسلام الصحيح إذ عبسوا على إمارة السفهاء ؟ إمارة الوزغ ابن الوزغ ، إلى أزنى ثقيف مغيرة ، إلى طليق استه بُسر بن أرطاة ، إلى ابن أبيه زياد ، إلى خليفتهم الغاشم ابن هند. وحُجر وأصحابه هم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأخبتوا إلى ما جاء به نبيُّ الإسلام ، وقد صحّ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال لجابر بن عبدالله : « أعاذك الله من إمارة السفهاء ». قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : « أُمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهديي ، ولا يستنّون بسنّتي ، فمن صدّقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم فأُولئك ليسوا منّي ولست منهم ، ولا يردوا عليَّ حوضي ، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم فأُولئك منّي وأنا منهم ، وسيردوا عليَّ حوضي » (49).

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ هلاك أُمّتي ـ أو فساد أُمّتي ـ رؤوس أُمراء أُغيلمة سفهاء من قريش » (50).

وعن كعب بن عجرة مرفوعاً : « سيكون أُمراء يكذبون ويظلمون ، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ، فليس منّي ولا أنا منه ، ولا يرد عليَّ الحوض يوم القيامة ، ومن لم يصدّقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه ، وهو واردٌ عليَّ الحوض يوم القيامة » (51).

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : « ستكون عليكم أُمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة حتى يؤخِّروها عن وقتها ، فصلّوها لوقتها » (52). وابن سميّة من أولئك الأمراء الذين أخّروا الصلاة وأنكره عليه ذلك حُجر بن عدي ، كما مرّ حديثه في الجزء التاسع (ص 119).

ولم يكن لمعاوية عذرٌ في قتل أُولئك الصفوة إلّا التشبّث بالتافهات ، فكان يتلوّن في الجواب بمثل قوله : إنِّي رأيت في قتلهم صلاحاً للأُمّة وفي مقامهم فساداً لأُمّة ، وقوله : إنّي وجدت قتل رجل في صلاح الناس خيراً من استحيائه في فسادهم (53). وهل صلاح الناس في الالتزام بلعن عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام والبراءة منه والتحامل على شيعته ، وفسادهم في تركها أو النهي عنها ؟ أنظر لعلّك تجد له وجهاً في غير شريعة الإسلام.

وبمثل قوله : لست أنا قتلتهم إنّما قتلهم من شهد عليهم (54). ولقد عرفت حال تلك الشهادة المزوّرة ، أو أنّها من قوم لا خلاق لهم ، وكان معاوية أعرف بها وبهم ، ومع ذلك استباح دماء القوم ، وتترّس بقيله عن مراشق العتاب ، والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.

وبمثل قوله : فما أصنع كتب إليَّ فيهم زياد يشدّد أمرهم ويذكر أنّهم سيفتقون عليَّ فتقاً لا يرقع (55). وقوله : حمّلني ابن سميّة فاحتملت (56). قبّح الله الصلف والوقاحة أكان زياد عاملاً له أو هو عامل لزياد حتى يحتمل الموبقات بإشارته ؟ وهل يُهدر دماء الصالحين ـ وبذلك عرفهم المجتمع الديني ـ بقول فاسق مستهتر ؟! والله يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (57) لكن معاوية بعد أن استلحق زياداً بأبي سفيان راقه أن لا ينحرف عن مرضاته وفيها شفاء غلّته وإن زحزحته عن زمرة أُناس خوطبوا بالآية الشريفة.

وبمثل قوله لعائشة لمّا عاتبته على قتله حُجراً وأصحابه : فدعيني وحُجراً نلتقي عند ربّنا عزَّ وجلَّ. وقوله لها حين قالت له : أين عزب عنه حلم أبي سفيان في حُجر وأصحابه ؟ : حين غاب عنّي مثلكِ من حلماء قومي (58). إن هو إلّا الهزء بالله وبلقائه ، أو لم يكف من آمن بالله واليوم الآخر نصح القرآن وحده وشرعة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم معه في حرمة دماء المؤمنين الأبرياء ؟ هل يسع معاوية أو يغنيه يوم لقاء الله التمسّك بالترّهات تجاه قوله تعالى ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ) (59) ، وقوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ... * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) (60) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (61) ، وقوله تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ) ـ إلى قوله ـ ( وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّـهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) (62) ؟

أوَلم يكف معاوية ما رواه هو نفسه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من قوله : « كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلّا الرجل يموت كافراً أو الرجل يقتل مؤمناً متعمّداً » ؟

مسند أحمد (63) (4 / 96).

أو ما كتبه بيده الأثيمة إلى مولانا أمير المؤمنين من كتاب : وإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : « لو تمالا أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبّهم الله على مناخرهم في النار » ؟

أو ما رواه ابن عمر مرفوعاً : « لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً » ؟

أو ما جاء به البراء بن عازب مرفوعاً : « لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حقّ » ؟ رواه ابن ماجة (64) والبيهقي (65) ، وزاد فيه الأصبهاني : « ولو أنَّ أهل سمواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم النار ».

وفي رواية لبريدة مرفوعاً : « قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ».

وفي حديث لأبي هريرة مرفوعاً : « لو أنَّ أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النار ».

ومن حديث لابن عبّاس مرفوعاً : « لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئٍ لعذّبهم الله إلّا أن يفعل ما يشاء ».

ومن حديث لأبي بكرة مرفوعاً : « لو أنَّ أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل مسلم لكبّهم الله جميعاً على وجوههم في النار ».

ومن طريق ابن عبّاس مرفوعاً : « أبغض الناس إلى الله ملحدٌ في الحرم ، ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة ، ومطلب دم امرئٍ بغير حقّ ليهريق دمه ».

صحيح البخاري (66) ، سنن البيهقي (8 / 27).

ومن طريق أبي هريرة مرفوعاً : « من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله مكتوباً بين عينيه : آيسٌ من رحمة الله ».

ومن حديث أبي موسى مرفوعاً : « إذا أصبح إبليس بثَّ جنوده فيقول : من أخذل اليوم مسلماً أُلبسه التاج. فيجيء هذا فيقول : لم أزل به حتى طلّق امرأته. فيقول : أوشك أن يتزوّج. ويجيء هذا فيقول : لم أزل به حتى عقَّ والديه. فيقول : يوشك أن يبرّهما. ويجيء هذا فيقول : لم أزل به حتى أشرك. فيقول : أنت أنت. ويجيء هذا فيقول : لم أزل به حتى قَتل فيقول : أنت أنت ويلبسه التاج ».

ومن حديث عبدالله بن عمرو مرفوعاً : « من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنّة وأنّ ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً ». وفي لفظ أحمد (67) : « من قتل نفساً معاهدة بغير حلّها حرّم الله تبارك وتعالى عليه الجنّة لم يشم ريحها ».

إلى أحاديث جمّة أخرى أخرجها الحفّاظ وأئمّة الحديث في الصحاح والمسانيد ، وجمع شطراً منها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (68) (3 / 120 ـ 123).

ما أحوج معاوية مع هذه كلّها إلى نصح ضرائب عائشة في هذه الموبقة الكبيرة ، وهي نفسها لم تكترث لسفك دماء آلاف مؤلّفة ممّن حسبتهم أبناءها على حد قول الشاعر :

جاءت مع الأَشقينَ في هودجٍ

 

تزجي إلى البصرة أجنادَها

كأنّها في فعِلها هرّةٌ

 

تُريد أن تأكلَ أولادها

نعم ؛ مضى حُجر سلام الله عليه إلى ربّه سجيح الوجه ، وضيء الجبين ، حميداً سعيداً مظلوماً مُهتضماً ، مضرّجاً بدمه ، مصفّداً بقيود الظلم والجور ، خاتماً حياته الحميدة بالصلاة ، قائلاً : لا تطلقوا عنّي حديداً ، ولا تغسلوا عنّي دماً ، وادفنوني في ثيابي فإنّي مخاصم. وفي لفظ : فإنّا نلتقي معاوية على الجادّة (69). وأبقت تلك الموبقة على معاوية خزي الأبد ، وعدَّ الحسن من أربع خصال كنَّ في معاوية لو لم يكن فيه منهنَّ إلّا واحدة لكانت موبقة : قتله حُجراً ، وقال : ويلٌ له من حُجر وأصحاب حُجر (70).

ونحن على يقين من أنّ الله تعالى سيأخذ ابن آكلة الأكباد بما خطّته يده الأثيمة إلى أهل البصرة من قوله : إنَّ سفك الدماء بغير حلّها ، وقتل النفوس التي حرّم الله قتلها ، هلاكٌ موبقٌ ، وخسرانٌ مبينٌ ، لا يقبل الله ممّن سفكها صرفاً ولا عدلاً (71).

الهوامش

1. النساء : 135.

2. هذه كلّها تخالف ما هو الثابت المعلوم من سيرة عثمان كما فصّلنا القول فيها في الجزء الثامن والتاسع. (المؤلف)

3. تاريخ ابن عساكر : 5 / 421 [ 19 / 203 ، وفي مختصر تاريخ دمشق : 9 / 88 ]. (المؤلف)

4. يضرب في طلب الحاجة يؤدّي صاحبها إلى التلف. مجمع الأمثال : 2 / 97 رقم 1764.

5. في لفظ الطبري [ في تاريخه : 5 / 257 حوادث سنة 51 ] : الهجهاجة : الأحمق المذبوب. (المؤلف)

6. الكامل في التاريخ : 2 / 489 حوادث سنة 51.

7. في تاريخ الطبري : عبيدالله بن مالك.

8. مجمع الأمثال : 2 / 337 رقم 2427.

9. كذا وصفه الإمام السبط الحسين عليه السلام فيما مرّ من كتاب له إلى معاوية. (المؤلف)

10. راجع الجزء التاسع : ص 150 ـ 153. (المؤلف)

11. الأنساب للبلاذري 5 / 98 [ 6 / 221 ] ، تاريخ الطبري : 5 / 132 [ 4 / 394 حوادث سنة 35 هـ ]. (المؤلف)

12. المستدرك على الصحيحين : 3 / 114 ـ 115 ح 4568.

13. الاستيعاب : القسم الثالث / 1044 ، 1046 رقم 1778.

14. كذا في المصدر.

15. الرياض النضرة : 3 / 64.

16. تاريخ مدينة دمشق : 39 / 408 رقم 4619.

17. البداية والنهاية : 7 / 207 حوادث سنة 35 هـ.

18. البداية والنهاية : 7 / 221 حوادث سنة 35 هـ.

19. راجع ما أسلفناه في الجزء التاسع فتعرف الصحيح من السقيم وتقف على جليّة الحال في القضية. (المؤلف)

20. معارف ابن قتيبة : ص 127 [ ص 292 ] ، الاستيعاب : 2 / 404 [ القسم الثالث / 1174 رقم 1909 ] ، الإصابة : 2 / 533 ، وقال : ذكره ابن حبّان [ في الثقات : 3 / 275 ] بسندٍ جيّد ، تاريخ ابن كثير : 8 / 48 [ 8 / 52 حوادث سنة 50 هـ ]. (المؤلف)

21. البداية والنهاية : 8 / 52 حوادث سنة 50 هـ.

22. بُحْتُر : روضة في وسط أجا أحد جبلي طيّئ ، كأنها مسمّاة بالقبيلة ، وهو بُحْتُر بن عَتُود بن ... بن طيّئ.

23. يعني المعروفين بالاستقامة في عداء أمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل بيته. (المؤلف)

24. في الأغاني : الترابية السابّة.

25. سيأتي ذكر أسماء سبعة ممن قُتل ، وسبعة ممن نجا.

26. الخصائل : جمع خصيلة ، وهي كل عصبة فيها لحم غليظ.

27. في الأغاني [ 17 / 156 ] : من الآمرين بالحق والقائمين بالقسط. (المؤلف)

28. موضع قرب الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي. [ معجم البلدان : 4 / 349 ]. (المؤلف)

29. المذكور تحت عنوان (مواقف معاوية من حُجر وأصحابه) ص 37. (المؤلف)

30. الأغاني : 17 / 137 ـ 158 ، تاريخ الأُمم والملوك : 5 / 253 ـ 279 حوادث سنة 51 هـ ، المستدرك على الصحيحين : 3 / 531 ـ 534 ، تاريخ مدينة دمشق : 12 / 207 رقم 1221 و 24 / 258 رقم 2908 ، وفي مختصر تاريخ دمشق : 4 / 238 و 11 / 125 ، الكامل في التاريخ : 2 / 488 ـ 498 حوادث سنة 51 هـ ، البداية والنهاية : 8 / 54 ـ 60 حوادث سنة 51 هـ.

31. مستدرك الحاكم : 3 / 468 [ 3 / 531 ]. (المؤلف)

32. الاستيعاب : 1 / 135 [ القسم الأول / 329 ـ 331 رقم 487 ]. (المؤلف)

33. طبقات ابن سعد : [ 6 / 220 ] ، تاريخ ابن عساكر : 4 / 85 [ 12 / 210 رقم 1221 ، وفي مختصر تاريخ دمشق : 6 / 236 ] ، تاريخ ابن كثير : 8 / 50 [ 8 / 54 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

34. تاريخ ابن كثير : 8 / 50 [ 8 / 55 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

35. تاريخ ابن عساكر : 4 / 85 ، 5 / 420 [ 12 / 212 رقم 1221 و 19 / 202 رقم 2309 ، وفي مختصر تاريخ دمشق : 6 / 236 و 9 / 88 ] ، تاريخ ابن كثير : 8 / 50 [ 8 / 55 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

36. شذرات الذهب : 1 / 57 [ 1 / 247 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

37. الإصابة : 1 / 315 [ رقم 1629 ]. (المؤلف)

38. الأغاني : 16 / 11 [ 17 / 158 ] ، تاريخ الطبري : 6 / 156 [ 5 / 279 حوادث سنة 51 هـ ] ، الكامل : 4 / 209 [ 2 / 499 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

39. تاريخ ابن عساكر : 4 / 86 [ 12 / 227 رقم 1221 ، وفي مختصر تاريخ دمشق 6 / 241 ] ، تاريخ ابن كثير : 8 / 55 [ 8 / 60 حوادث سنة 51 هـ ] ، الإصابة : 1 / 315 [ رقم 1629 ]. (المؤلف)/p>

40. تاريخ ابن عساكر : 4 / 86 [ 12 / 227 رقم 1221 ، وفي مختصر تاريخ دمشق 6 / 241 ] ، تاريخ ابن كثير : 8 / 55 [ 8 / 60 حوادث سنة 51 هـ ] ، شذرات الذهب : 1 / 57 [ 1 / 247 حوادث سنة 51 ه‍ ]. (المؤلف)

41. مرّ تمام الكتاب في الجزء العاشر : ص 160 ، 161. (المؤلف)

42. العُصم : جمع أعصم ، وهي الوعول التي تعتصم بأعلى الجبال.

43. شعف الجبال : قُننها وأعاليها.

44. يعني شريك بن شدّاد الحضرمي ، كان من أصحاب حُجر الذين بعث بهم زياد إلى معاوية وقتل مع حُجر. (المؤلف)

45. الأغاني : 16 / 6 [ 17 / 154 ] ، تاريخ الطبري : 6 / 153 [ 5 / 273 حوادث سنة 51 هـ ] ، الكامل< لابن الأثير : 4 / 210 [ 2 / 500 حوادث سنة 51 هـ ] ، مستدرك الحاكم : 3 / 469 ، 470 [ 3 / 532 ، 533 ح 1574 ، 1579 ] ، الاستيعاب : 1 / 357 [ القسم الأول / 330 ح 487 ] ، الإصابة : 1 / 315 [ 1629 ]. (المؤلف)

46. المستدرك على الصحيحين : 3 / 534 ح 1581.

47. البداية والنهاية : 8 / 59 حوادث سنة 51 هـ.

48. مستدرك الحاكم : 3 / 469 [ 3 / 532 ح 1575 ]. (المؤلف)

49. مسند أحمد : 3 / 321 [ 4 / 265 ح 14032 ]. (المؤلف)

50. مسند أحمد : 2 / 299 ، 304 ، 328 ، 520 [ 2 / 578 ح 7914 ، 587ح 7973 ، 628ح 8147 ، و 3 / 327 ح 10359 ]. (المؤلف)

51. مسند أحمد : 4 / 243 [ 5 / 293 ح 17660 ] ، تاريخ الخطيب : 5 / 362 [ رقم 2886 ]. (المؤلف)

52. مسند أحمد : 5 / 315[ 6 / 429 ح 22178 ] ، تاريخ الخطيب : 13 / 185 [ رقم 7162 ]. (المؤلف)

53. تاريخ ابن كثير : 8 / 55 [ 8 / 60 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

54. تاريخ الطبري : 6 / 156 [ 5 / 279 حوادث سنة 51 هـ ] ، الاستيعاب : 1 / 135 [ القسم الأول / 331 رقم 487 ]. (المؤلف)

55. الاستيعاب : 1 / 134 [ القسم الأول / 330 رقم 487 ] ، أُسد الغابة : 1 / 386 [ 1 / 462 رقم 1093 ]. (المؤلف)

56. الأغاني : 16 / 11 [ 17 / 158 ] ، تاريخ الطبري : 6 / 156 [ 5 / 279 حوادث سنة 51 هـ ] ، كامل ابن الاثير : 4 / 209 [ 2 / 499 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

57. الحجرات : 6.

58. الأغاني : 16 / 11 [ 17 / 158 ] ، الاستيعاب : 1 / 134 [ القسم الأول / 330 رقم 487 ] ، أُسد الغابة : 1 / 386 [ 1 / 462 رقم 1093 ] ، تاريخ ابن كثير : 8 / 55 [ 8 / 60 حوادث سنة 51 هـ ]. (المؤلف)

59. الإسراء : 33.

60. النساء : 92 ـ 93.

61. آل عمران : 21.

62. الفرقان : 63 ـ 68.

63. مسند أحمد : 5 / 66 ح 16464.

64. سنن ابن ماجة : 2 / 874 ح 2619.

65. السنن الكبرى للبيهقي : 8 / 22 ـ 23.

66. صحيح البخاري : 6 / 2523 ح 6488.

67. مسند أحمد : 6 / 17 ح 19884.

68. الترغيب والترهيب : 3 / 292 ـ 299.

69. مستدرك الحاكم : 3 / 469 ، 470 [ 3 / 533 ح 1577 ، 1579 ] ، الاستيعاب : 1 / 135 [ القسم الأول / 331 رقم 487 ] ، كامل ابن الأثير : 4 / 210 [ 2 / 500 حوادث سنة 51 هـ ] أُسد الغابة : 1 / 386 [ 1 / 462 رقم 1093 ] ، الإصابة : 1 / 315 [ 1629 ]. (المؤلف)

70. مرّ تمام حديث الحسن في ص 225 من الجزء العاشر. (المؤلف)

71. شرح ابن أبي الحديد 1 / 350 [ 4 / 39 كتاب 55 ]. (المؤلف)

مقتبس من كتاب : الغدير في الكتاب والسنّة والأدب / المجلّد : 11 / الصفحة : 50 ـ 79

 

أضف تعليق

أعلام وكتب

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية