ترجمة مالك بن نويرة

البريد الإلكتروني طباعة

ترجمة مالك بن نويرة

كان مالك بن نويرة ، رجلاً سرياً نبيلاً ، يردف الملوك ، وهو الذي يضرب به المثل فيقال : فتىً ولا كمالك !

وكان فارساً شاعراً مطاعاً في قومه ، وكان فيه خيلاء وتقدم ، وكان ذا لمّة كبيرة ـ شعر كثيف ـ وكان يقال له الجفول .

قدم على النبي ( ص ) فيمن قدم من العرب ، فأسلم ، فولّاه النبي ( ص ) صدقات قومه .

قال المرزباني : . . فلما بلغته وفاة النبي ( ص ) أمسك الصدقة وفرقها في قومه وقال في ذلك :

فقلت خذوا أموالكم غير خائف

 

ولا ناظر فيما يجيء من الغد

فإن قام بالدين المخوّف قائم

 

أطعنا وقلنا الدين دين محمد

وقد ذكر هذه الأبيات السيد المرتضى رحمه الله في كتابه « الشافي » مع أبيات أُخر لمالك استدل بها على أنه حين بلغه وفاة النبي ( ص ) أمسك عن أخذ الصدقة من قومه قائلاً لهم : تربصوا حتى يقوم قائم بعده وننظر ما يكون من أمره .

النص والإجتهاد 131 ـ 134

« مقتله »

حين فرغ خالد من « أسد وغطفان » توجه نحو البطاح حيث مالك بن نويرة وقومه هناك فلما عرف الأنصار الذين كانوا مع خالد عزمه على ذلك ، توقفوا عن المسير معه وقالوا : ما هذا بعهد الخليفة إلينا ، إنما عهده إن نحن فرغنا من « البزاخة » واستبرأنا بلاد القوم ، أن نقيم حتى يكتب إلينا .

فأجابهم خالد : إنه ـ أي الخليفة ـ لم يكن عهد إليكم بهذا ، فقد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ، وإليَّ تنتهي الأخبار ، ولو أنه لم يأتني كتابٌ ولا أمر ثم رأيت فرصةً إن أعلمته بها فاتتني ، لم أعلمه حتى انتهزها ، وكذلك إذا ابتلينا بأمرٍ لم يعهد لنا فيه لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به ، وهذا مالك بن نويرة بحيالنا ، وأنا قاصدٌ له بمن معي .

وكان مالك قد فرق قومه ونهاهم عن الإِجتماع ، وقال : يا بني يربوع ، إنا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح ، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة ، وإذا الأمر لا يسوسه الناس ، فإياكم ومناوآة قوم صنع لهم ، فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر .

فتفرقوا على ذلك وسار خالد ومن معه قاصدين البطاح ، فلم يجدوا فيها أحداً ، فأرسل خالد سراياه في أثرهم فجائته بمالك بن نويرة في نفرٍ من بني يربوع ، فحبسهم !

وقد روى الطبري بسنده إلى أبي قتادة الأنصاري ـ وكان من رؤساء تلك السرايا ـ قال : إنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل ، فأخذ القوم السلاح ! قال أبو قتادة ، فقلنا : إنا المسلمون ؛ فقالوا : ونحن المسلمون ! قلنا ، فما بال السلاح معكم ؟ فقالوا لنا : فما بال السلاح معكم ؟؟ فقلنا : فإن كنتم كما تقولون ، فضعوا السلاح ، فوضعوا السلاح ، ثم صلينا وصلّوا .

قال العقاد : وبعد الصلاة خفوا إلى الإستيلاء على أسلحتهم وشدّ وثاقهم ، وسوقهم أسرى إلى خالد ـ وفيهم زوجة مالك ليلى بنت المنهال أم تميم ـ وكانت من أشهر نساء العرب بالجمال ولا سيما جمال العينين والساقين ـ .

وقد تجادل خالد في الكلام مع مالك ـ وهي إلى جنبه ـ فكان مما قاله خالد : إني قاتلك ! قال له مالك : أو بذلك أمرك صاحبك ؟ ـ يعني أبا بكر ـ قال : والله لأقتلنّك .

وكان عبد الله بن عمر . وأبو قتادة الأنصاري إذ ذاك حاضرين ، فكلّما خالداً في أمره ، فكره كلامهما .

فقال مالك : يا خالد ، ابعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا ، فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا ! وألح عبد الله بن عمر وأبو قتادة على خالد بأن يبعثهم إلى الخليفة ، فأبى عليهما ذلك ! وقال خالد : لا أقالني الله إن لم أقتله ، وتقدم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه .

فالتفت مالك إلى زوجته وقال لخالد : هذه التي قتلتني .

فقال له خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإِسلام . فقال له مالك : إني على الإسلام .

فقال خالد : يا ضرار ، اضرب عنقه ، فضرب عنقه ، وجعل رأسه أثفيةً لقدرٍ من القدور المنصوبة .

ثم قبض خالد على زوجته ليلى ، فبنى بها في تلك الليلة ، وفي ذلك يقول أبو زهير السعدي :

ألا قل لحيٍّ أوطئوا بالسنابك

 

تطاول هذا الليل من بعد مالكِ

قضى خالدٌ بغياً عليه لعرسه

 

وكان له فيها هوىً قبل ذلك

فأمضى هواه خالدٌ غير عاطفٍ

 

عنان الهوى عنها ولا متمالك

وأصبح ذا أهلٍ وأصبح مالك

 

على غير شيءٍ هالكاً في الهوالك

فمن لليتامى والأرامل بعده

 

ومن للرجال المعدمين الصعالك

أصيبت تميم غثها وسمينها

 

بفارسها المرجو سحب الحوالك

وكان خالد قد أمر بحبس الأسرى من قوم مالك ، فحبسوا والبرد شديد ، فنادى مناديه في ليلةٍ مظلمة : أن أدفئوا أسراكم !! وهي في لغة كنانة كناية عن القتل ! فقتلهم بأجمعهم .

وكان قد عهد إلى الجلادين من جنده أن يقتلوهم عند سماع هذا النداء ، وتلك حيلة منه توصّل بها إلى أن لا يكون مسؤولاً عن هذه الجناية لكنها لم تخف على أبي قتادة وأمثاله من أهل البصائر ، وإنما خفيت على رعاع الناس وسوادهم .

والتفت أبو قتادة الأنصاري إلى خالد وقال : هذا عملك ؟!!

فنهره خالد ، فغضب ومضى .

وكان أبو قتادة ممن شهد لمالك بالإِسلام ـ كما قدمنا ـ وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً بعدها أبداً .

حين وصلت أنباء البطاح ومقتل مالك إلى المدينة ، أثارت موجة سخط في أوساط كبار المسلمين . . . فحين بلغ ذلك عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر وقال : « عدو الله . عدا على امرىءٍ مسلم فقتله ، ثم نزا على امرأته . . » .

وأقبل خالد بن الوليد قافلاً ، حتى دخل المسجد وعليه قباءٌ له عليه صدأ الحديد ، معتجراً بعمامةٍ له قد غرز فيها أسهماً ، فلما دخل قام إليه عمر ، فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ـ ثم قال : أرئاءً . قتلت امرىء مسلماً . . الخ . . كما تقدم .

وقد كان بين خالد وبين عبد الرحمان بن عوف كلام في ذلك ، فقال له عبد الرحمن : عملت بأمر الجاهلية في الإسلام ؟ وأنكر عليه عبد الله بن عمر وسالم مولى أبي حذيفة . وقدم متمم بن نويرة أخو مالك إلى المدينة ينشد أبا بكر دمه ، ويطلب إليه رد السبي ، فكتب إليه برد السبي . وأنشده .

أدعوته بالله ثم غدرته

 

لو هو دعاك بذمةٍ لم يغدرِ

مقتبس من كتاب : عمّار ابن ياسر / الصفحة : 81 ـ 84

 

أضف تعليق

أعلام وكتب

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية