ترجمة الوليد بن عقبة

طباعة

ترجمة الوليدِ بن عُقبَة

هو أخو عثمان لأمه ، ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن ـ كما يقول في الإِستيعاب ـ فيما علمت ، أن قوله عزَّ وجلّ : ( إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ . . .) الآية نزلت في الوليد بن عقبة .

وجاء : أن امرأة الوليد جاءتْ إلى النبي ( ص ) تشتكيه بأنه يضربها ، فقاله لها : إرجعي وقولي إن رسولَ الله قد أجارني . فانطلقتْ ، فمكثت ساعةً ، ثم جاءت فقالت : ما أقلعَ عني . فقطع ( ص ) هدبةً من ثوبه ثم قال لها : اذهبي بهذا وقولي إن رسول الله قد أجارني . فمكثت ساعةً ثم رجعت فقالت : يا رسول الله ما زادني إلا ضرباً .

فرفع يديه وقال : اللهم عليكَ بالوليد . مرتين أو ثلاثاً .

وأقام بالكوفة أميراً من طرف عثمان ، وكان يدني الشعراء ويشرب الخمر ، ويجالس أبا زَبيد الطائي النصراني . وصلىٰ الصبح بالناس في المسجد الجامع أربعاً وهو سكران ، وقرأ في صلاته :

علِقَ القلبُ الربابا

 

بعد أن شابَتْ وشابا

فلما سلّم ، التفت إلى الناس وقال : أأزيدكم ؟ فإني أجد اليوم نشاطاً .

فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ـ وكان على بيت المال ـ ما زلنا معك في زيادة منذُ اليوم ! . ثم تقيأ في المحراب . وفيه يقول الحطيئة :

شهدَ الحطيئةُ يوم يلقى ربَّه

 

أن الوليدَ أحق بالعذر ـ

نادىٰ وقد تمت صلاتُهم

 

أأزيدكم ؟ سكراً وما يدري

فأبوا أبا وهب ولو أذنوا

 

لقرنتَ بين الشَفعِ والوِترِ

كفوا عنانك إذ جريت ولوُ

 

تركوا عنانك لم تزل تجري ـ (1)

وخطب ذات يومٍ ، فحصبه الناس بحصباء المسجد ، فدخل قصره يترنح ويتمثل بأبيات لتأبط شراً :

ولستُ بعيداً عن مدام وقينةٍ

 

ولا بصفا صلدٍ عن الخير معزلِ

ولكنني أروي من الخمر هامتي

 

وأمشي الملا بالساحبِ المتسللِ

وأشاعوا بالكوفة فعله ، وظهر فسقُه ومداومتهُ شربَ الخمر ، فهجم عليه جماعة من المسجد فوجدوه سكراناً مضطجعاً على سريره لا يعقل ، فأيقظوه من رقدته فلم يستيقظ ، ثم تقايأ عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده ، وخرجوا من فورهم إلى المدينة ، فأتوا عثمان بن عفان فشهدوا عنده على الوليد أنه شرب الخمر . فقال عثمان : وما يدريكما أنه شرب الخمر ؟ فقالا : هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية ، وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه ، فزجرهما ودفع في صدورهما .

فخرجا من عنده وأتيا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبراه بالقصة ، فأتى عثمان وهو يقول : « دفعتَ الشهودَ وأبطلتَ الحدودَ ! فقال له عثمان فما ترى ؟ قال : أرىٰ أن تبعث إلى صاحبك فتحضرهُ ، فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه ولم يدرأ عن نفسه بحجّةٍ أقمت عليه الحَدَّ .

فلما حضر الوليد ، دعاهما عثمان ، فأقاما الشهادة عليه ولم يدل بحُجَة ، فألقى عثمان السوطَ إلى علي . فقال علي لابنه الحسن : قم يا بني فأقم عليه ما أوجب الله عليه . فقال : يكفينيه بعض من ترىٰ ، فلما رأى إمتناع الجماعة عن إقامة الحد توقياً لغضب عثمان لقرابته منه ، أخذ عليٌّ السوطَ ودنا منه ، فلما أقبل نحوه سبّه الوليد وقال : يا صاحب مكْس . فقال عقيل بنُ أبي طالب وكان ممن حضر : إنك تتكلم يا بن أبي مُعَيْط كأنك لا تدري من أنت ؟! وأنت عِلجٌ من أهل صفّورية . . فأقبل الوليد يروغ من عليّ ، فاجتذبه عليٌّ فضرب به الأرض ، وعلاه بالسوط . فقال عثمان : ليس لك أن تفعل به هذا . قال : بل وشراً من هذا إذا فسق ومنع حق الله تعالى أن يُؤخذ منه (2) .

وحدّث عمر بن شبة ، قال : لما قدِم الوليد الكوفة ، وفد عليه أبو زبيد الطائي النصراني ، فأنزله الوليد دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد ، فاستوهبها منه ، فوهبها له ، وكان أول الطعن عليه لأن أبا زبيد كان يخرج من منزله يخترق المسجد إلى الوليد وهو سكران ، فيتخذه طريقاً ويسمر عنده ويشرب معه .

وعن ابن الأعرابي قال : أعطىٰ الوليد أبا زُبيد الطائي ما بين القصور الحمر من الشام إلى القصور الحمر من الحيرة وجعله له حمىً ، فلما عُزل الوليد وولي سعيد انتزعها منه وأخرجها عنه .

قال : ولما قدم سعيد بن العاص الكوفة موضع الوليد قال : إغسلوا هذا المنبر ، فإن الوليد كان رجساً نجساً . فلم يصعده حتى غسل .

ومات الوليد فوق الرقة . وبها مات أبو زبيد ، ودفنا في موضع واحد ، فقال في ذلك أشجع السلمي وقد مر بقبرهما :

مررتُ على عظام أبي زبيدٍ

 

وقد لاحت ببلقعة صلودِ

وكان له الوليد نديمَ صدقٍ

 

فنادم قبرُه قبرَ الوليد (3)

الهوامش

1. النصائح الكافية / 165 .

2. مروج الذهب 2 / 335 .

3. النصائح الكافية 172 الحاشية .

مقتبس من كتاب : عمّار ابن ياسر / الصفحة : 118 ـ 120