علّة غيبة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف

البريد الإلكتروني طباعة

علّة غيبة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف

عن الإمام الصادق عليه السلام : والله لتمحّصن والله لتميّزنّ ، والله لتغربلنّ حتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر

لماذا الإمام المهدي عليه السلام غائب ؟ ولماذا لا يكون معنا بيننا نراه ويرانا ؟

نجيب عن هذا السؤال بأمرين :

الأمر الأوّل :

هذا السؤال سئل به الإمام المهدي عليه السلام عن علّة غيبته فقال :

إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. (1)

فالقضيّة مهمّة جدّاً ، كلّ الأئمّة عليهم السلام بالمطلق عاشوا في دولة ظالمة ، كان حكّامها غاصبين للخلافة ، وأزاحو أهل البيت عليهم السلام عن مقامهم ، حيث نقرأ في زيارة عاشوراء : وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ دَفَعَتْكُم عَنْ مقامِكُمْ ، وَأزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ التي رَتبَكُمُ اللهُ فيها (2) ، اغتصبوا الخلافة ، فحتّى الإمام الحسين بن علي عليه السلام عاش في دولة معاوية بن أبي سفيان ؛ نعم هو قام على يزيد ، لكنّه عاش في ظلّ حكومة معاوية ـ فالأئمّة عليهم السلام لم يتمكّنوا من تغيير هذا الحكم ، والإمام المهدي عليه السلام عندما يخرج هو الحاكم وهو الذي يملأها قسطاً وعدلاً (3) من أوّلها إلى آخرها ، لذلك هو الآن يقول لم يمكنني أن أكون معكم ، فدوره يأتي في آخر الزمان ويكون هو القائد والحاكم المطلق.

قد يكون هناك بعض الناس يتخيّل لهم ويتوهّمون أنّ الأئمّة عليهم السلام عندما كانوا موجودين كانوا قابلين بحكومات وقتهم ، وأنّهم كانوا تابعين للحكومة.

فالمأمون العباسي لعنه الله في يوم من الأيّام سئل أصحابه وندمائه قائلاً لهم : أتدرون من علمني التشيّع ؟ فقال القوم جميعاً : لا والله ما نعلم. قال : علّمنيه الرشيد. قيل له : وكيف ذلك والرشيد كان يقتل أهل هذا البيت ؟ قال : كان يقتلهم على الملك لأنّ الملك عقيم.

ولقد حججت معه سنة ، فلمّا صار إلى المدينة تقدم إلى حجابه وقال : لا يدخلن عليّ رجل من أهل المدينة ومكّة من أبناء المهاجرين والأنصار وبني هاشم وسائر بطون قريش إلّا نسب نفسه ، فكان الرجل إذا دخل عليه قال : أنا فلان بن فلان حتّى ينتهي إلى جدّه من هاشمي أو قريشي أو مهاجري أو أنصاري ، فيصله من المائة بخمسة آلاف درهم وما دونها إلى مائتي دينار على قدر شرفه وهجرة آبائه.

فانك ذات يوم واقف إذ دخل الفضل بن الربيع ، فقال : يا أمير المؤمنين على الباب رجل زعم أنّه موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. فأقبل علينا ونحن قيام على رأسه ، والأمين والمؤتمن وسائر القوّاد ، فقال : احفظوا على أنفسكم. ثمّ قال لآذنه : ائذن له ، ولا ينزل إلا على بساطي.

فأنا كذلك إذ دخل شيخ مسخد قد أنهكته العبادة ، كأنّه شنّ بال قد كلم السجود وجهه وأنفه. فلمّا رأى الرشيد رمى بنفسه عن حمار كان راكبه ، فصاح الرشيد : لا والله إلّا على بساطي. فمنعه الحجاب من الترجّل ، ونظرنا إليه بأجمعنا بالإجلال والإعظام ، فما زال يسير على حماره حتّى سار إلى البساط ، والحجاب والقوّاد محدقون به. فنزل ، فقام إليه الرشيد واستقبله إلى آخر البساط ، وقبّل وجهه ، وعينيه ، وأخذ بيده حتّى صيّره في صدر المجلس ، وأجلسه معه فيه ، وجعل يحدّثه ويقبّل بوجهه عليه ، ويسأله عن أحواله ...

ثمّ قام ، فقام الرشيد لقيامه ، وقبّل عينيه ووجهه. ثمّ أقبل عليّ وعلى الأمين والمؤتمن ، فقال : يا عبد الله ويا محمّد ويا إبراهيم بين يدي عمّكم وسيّدكم ، خذوا بركابه ، وسووا عليه ثيابه ، وشيّعوه إلى منزله. فأقبل أبو الحسن موسى بن جعفر سرا بيني وبينه فبشّرني بالخلافة ، وقال لي : إذا ملكت هذا الأمر فأحسن إلى ولدي. ثمّ انصرفنا.

وكنت أجرأ ولد أبي عليه. فلمّا خلا المجلس ، قلت : يا أمير المؤمنين من هذا الرجل الذي قد عظّمته وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ، وأقعدته في صدر المجلس ، وجلست دونه ، ثمّ أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ قال : هذا إمام الناس ، وحجّة الله على خلقه ، وخليفته على عباده. فقلت : يا أمير المؤمنين أو ليست هذه الصفات كلّها لك وفيك ؟! فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حقّ ، والله يا بنيّ إنّه لأحقّ بمقام رسول الله صلّى الله عليه وآله منّي ، ومن الخلق جميعاً ، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فانّ الملك عقيم. (4)

فالأئمّة عليهم السلام عاشوا في هذه الدول ، لم يتمكّنوا من تغييرها ، فالإمام المهدي عليه السلام عندما يأتي يملأها عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ، هذا هو الأمر الأوّل.

والأمر الثاني :

الله سبحانه وتعالى في نظام هذا الكون جعل الإبتلاء والإختبار قاعدة رئيسيّة في الحياة ، ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ‎) (5) ، فعندما تدخل إلى هذه الدنيا يجب عليك أن تدخل في عدّة إختبارات ، لأنّ المولى سبحانه وتعالى لقد آلى على نفسه أن يختبر عباده في هذه الدنيا ،  فيقول : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) (6). ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ‎) (7) ، ويقول في موضع آخر من كتابه الحكيم : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) (8).

هذه الآيات يجب أن تحفظها في قلبك.

فتعال الآن إلى الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف في غيابه ، اختبار هناك أم لا  ؟ نعم هناك اختبار صعبٌ ، وهل تفتكر بأنّ العقيدة سهلة تستطيع أن تتمسّك بها وأن تحتفظ بإيمانك وعقائدك ، هل هذا أمر سهل ؟

فتعال إلى قصّة ذلك الرجل الذي صاحب الإمام الحسين عليه السلام ، وأتى معه إلى كربلاء المقدّسة ، ولكن عندما رأى حقيقة الأمر بأنّ هناك جيوش وقتال ومعركة وفصل للروؤس عن الأجساد ذهب إلى الإمام الحسين عليه السلام وطلب الرخصة منه ، وقال : لم أكن أتصوّر أنّ الأمر يسير إلى هذه الواقعة. فطلب من الإمام أن يسمح له. فقال الإمام مقولته المعروفة : هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا (9). فشرد وابتعد عن كربلاء ، ولم يكن من جملة الذين نصروا إمام زمانهم.

فقضيّة التمسّك بالعقيدة ليست سهلة.

وفي الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، انّه قال : يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر. (10)

لو تتبعنا لوجدنا كلّ هذه الهجمات مركّزة ضدّ أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام في كلّ مكان تواجدوا ، ترى تركيز خاصّ وهجمة عليهم ، لأنّ عقائدهم ومبادئهم سليمة ومتينة ، كلّ هذا بسبب أنّهم تمسّكوا بما قال النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله ، والتزموا أهل البيت عليهم السلام ، وأنّهم منتظرون لفرج مولاهم صاحب العصر والزمان عّجل الله فرجه الشريف ، وكان ناتج ذلك الصابر على دينه كالقابض على الجمر.

فهناك رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيها : والله لتمحّصن والله لتميّزنّ ، والله لتغربلنّ حتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر. (11)

هذا الغربال لازم أن تدخل الناس فيه ، فإن حافظت على نفسك تكون أنت من الفائزين.

ولذلك الله سبحانه وتعالى أخفاه ، وذهب الإمام عليه السلام وغاب حتّى يحصل هذا الغربال للبشريّة.

فجاء في الخبر :

وفي أحاديث الأربعين للشيخ بهاء الدين العاملي صاحب الكشكول رحمه الله باسناده عن جابر الجعفي قال :

سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري ( رضي الله عنهما ) يقول : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : المهدي من ولدي الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبةً لا يثبت على القوم بامامته إلّا من امتحن الله قلبه للايمان. (12)

فالقضيّة ليست سهلة ، صحّ نحن نعيش أجواء الغيبة ونعيش أيّام دولة الإمام ، صحّ أنّ الإمام غائب ، ولكنّه حاضر معنا.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام قال : إيّاكم والتنويه أما والله ليغيبنَّ إمامكم سنيناً من دهركم ولتمحصنّ حتّى يقال : مات ، قتل ، هلك ، بأيّ واد سلك ؟ (13).

فيقول البعض بأن الإمام غير موجود وهذه النبرة نسمعها ، فأحد من من يدعي العلم وساكن في أروبا يقول بأنّ قضيّة المهدويّة من إختراعات الشيعة فلا يكون هناك أحد ، فلم يبقى إلّا من امتحنّ الله قلبه بالإيمان.

الهوامش

1. الاحتجاج « لأحمد بن علي الطبرسي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 242 / الناشر : منشورات الشريف الرضي.

2. مصباح الزائر « للسيّد ابن طاووس » / الصفحة : 269 / الناشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث / الطبعة : 1.

3. الغيبة « للشيخ الطوسي » / الصفحة : 108 / الناشر : منشورات الفجرية / الطبعة : 1 :

وروى عبد الله بن محمّد بن خالد الكوفيّ ، عن مُنذِر بن محمّد ، عن قابوس ، عن نصر بن السنديّ ، عن داود بن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي مالك الجُهَنِيِّ ، عن الحارث بن المغيرة ، عن الأصبغ بن نباتة ، ورواه سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن مالك الجهنيّ ، عن الأصبغ بن نُباتة قال : « أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته ينكت في الأرض فقلت له : يا أمير المؤمنين ما لي أراك مفكّراً تنكت في الأرض ؟ أربغبة منك فيها ؟ قال : لا والله ما رغبت فيها ولا في الدّنيا قطّ ، ولكنّي تفكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي ، هو المهديّ الَّذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، يكون له حيرة وغيبة تضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون ، قلت : يا مولاي فكم تكون الحيرة والغيبة ؟ قال : ستّة أيّام ، أو ستّة أشهر ، أو ستّ سنين ، فقلت : وإنّ هذا الأمر لكائن ؟ فقال : نَعَم كما أنَّه مخلوق ، وأنّي لك بهذا الأمر يا أصبغ ، أولئك خيار هذه الأمّة مع أبرار هذه العِترة ، قال : قلت : ثُمَّ ما يكون بعد ذلك ؟ قال : ثُمَّ يفعل الله ما يشاء فإِنَّ له بداءات وإرادات وغايات ونهايات ».

4. راجع :

بحار الأنوار « للعلّامة المجلسي » / المجلّد : 48 / الصفحة : 129 ـ 131 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.

5. العنكبوت : 2.

6. الإنسان : 2.

7. محمّد : ٣١.

8. البقرة : ١٥٥.

9. المناقب « ابن شهر آشوب » / المجلّد : 4 / الصفحة : 98 / الناشر : علامه / الطبعة : 1.

10. الأمالي « الشيخ الطوسي » / الصفحة : 485 / الناشر : مؤسسة البعثة / الطبعة : 1.

11. بحار الأنوار « للعلّامة المجلسي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 216 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2.

12. ينابيع المودّة لذوي القربى « للقندوزي » / المجلّد : 3 / الصفحة : 238 / الناشر : دار الأسوة للطباعة والنشر / الطبعة : 1.

13. الكافي « للشيخ الكليني » / المجلّد : 1 / الصفحة : 336 / الناشر : دار الكتب الإسلاميّة / الطبعة : 5.

 
 

أضف تعليق

الإمام المهدي عليه السلام

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية